نقدّم لكم اليوم نتاجاً جديداً لأحد لأحمد عثمان هذا الشاعر الأنيق بشعره وبما يقدمه دائماً من نتاج يحمل فكراً وعاطفةً من القليل أن نراها لدى الكثيرين من أقرانه

 

 

 

هذه قصيدتان قدمهما لنا الشاعر الشاب أحمد عثمان من مخطوطه "عرّاف نيسابور " وهي تنشر للمرة الأولى ….

سفر المجوسي الأخير

 ( الثاني مناصفة في لقاء الأجيال الأدبي) حلب ( الأول نشرا)

( سوف تهذي)

هكذا امتقعتْ ملامحه بوجهي ,

و امّحتْ رعشاتُ قبضته القويةَ في يدي..

كان السرير ملطّخاً بعفونةِ المبنى ,

ونافذتي ترنّحَ نصفها المخلوعُ من وهن المفاصل ,

والستارةُ تطبعُ الأشكالَ’ راعشةً على خفتِ الإنارةِ..

كنتُ مغشيّاً,

أفتّشُ فيّ عن أثرٍ, لعلي أقتفي أثري ,

كما تقفو الظباءُ العشبَ بحثاً عن روائحَ للغزالةِ..

بحّتي شبكٌ ..

وقلبي يفرز الأصواتَ من عتماتِ هذا الجوفِ منقبضاً .

ولي في آلةِ التسجيلِ أصداءٌ 

تقلّبُ كلّما اندفعَ الشريطُ بداخلي ؛

أوراقَ ذاكرتي التي احترقتْ  على شفتي ؛

كي ينسابَ في صدغي الوجومُ.

و الصدوعُ ترسّمتْ بزجاج قلبي ..

لي على قطع الشظايا أوجهٌ نثرتْ ملامحها غياباً ,

أو صدى ينسلّ من بين الشقوق ..

كأنهُ فيلمٌ قصيرٌ

يبطّئُ الدورانَ , ملتفّاً على بكراتِ عمريَ ؛

ماحياً أثري كما تمحى النيازكُ ,

حينما تختلُّ وجهتها  , فيتلفها السديمُ .

عالقاً في المقطعِ المنسيِّ منّي ؛

كنتُ أعبر كوّةَ النسيانِ ..

أدخلُ داخلي المكتظّ بالصور الحزينةِ..

كانت الأبوابُ موصدةٌ

و أضلاعي تنـزُّ كأنها انطبقتْ ..

وشمعُ العمر يخبو

تاركاً للريحِ أن تلجَ الشقوقَ

كأنما قلبي جوادٌ مثخنٌ بالجرحِ يعدو منهكاً ,

وصهيلُ أوردتي لهاثٌ خافتٌ

 ودمٌ عقيمُ.

هكذا انبلج الشعاع الخيط, وانكشح الدخانُ ..

خلعتُ وجهي عن مياه بحيرتي الزرقاء ,

واخترتُ التمازج في ارتعاش ملامحِ القمر

الذي يطفو وحيداً

منذ آلاف السنينِ على شفيف الماء ,

حيثُ خلقتُ وسط ممالكٍ مدحورةٍ

 تخشى تسلّطَ (شاه ساسان ) القويّ ,

وسبي( أكاد)المخيفةِ ,

وانسكاب القحط في الكلأ المشاع ,

هناك حيثُ يمسّد الصياد أنسجة الطريدة

بعدما غطّى نبات الشيحِ رائحة الدم المنساب من فمها المقيّد ..

والشباكُ تألّمت‘ حين انطفى شيئاً ,فشيئاً

ذلكَ الجسدُ السقيمُ .

والمدى سربٌ من الطير المهاجر ..

والغد المملوء أمساً ,

كلّما اتضحت معالمهُ على الطرقِ البعيدة ,

و اكتفى النسيانُ من محوي اكتفت‘ من‘ نسفِ ذاكرتي الرجومُ .

هذه الأصداء ؛ نبضي ..

بحّتي ..

ودمي ,

ورؤياي الخبيئةُ ,

وانكتامُ البوحِ عن صفحات أضلعي

التي اندلقت جرار الشعر عبر حوافها ,

فنما الكلامُ المرُّ فيّ كأنه

 القرح

 الدميمُ.

وانسلاخُ الومضِ عن قبسِ المجوسيّ المحارب ضد أجناد الظلامِ

يقدّسُ الشمس /

النجوم /

وسائر الأفلاك ,

كي يجد السماء تعينه في ردّ زحف الليلِ عبر جباله ,

وتعينه فيما يقيمُ .

فلأجد قبسي إذاً ,

ولينطوي العمر المبعثر

 مثلما تطوى السماء

كطيّ أوراق السجلِ فلي بها

مستقبلي المنزوع مثلَ وريقةٍ من صفحة الماضي ,

ولي غدي القديمُ.

أينما اتجهت بي الروح الكتومة ..

في فضاءات الصدى المنسوخ فيّ ؛

رأيتُ أسلافي

يريقون الدم المنساب من عنق الذبيحةِ ,

والعذارى طفن حول المذبح الوثنيّ ,

يغمسن الأصابع بالدماء ,

وهنَّ يحرقن البخور ..

رأيتُ وجه القحط يهزأ بالسنابل ناشراً قبح المجاعةِ ,

والشعائر حيلة الأجداد

كي يفتضّ غيمٌ أبيضٌ شبق الطبيعةِ ,

في ظمى الأعشاب للقطر النديّ ,

 وفي اخضرارٍ لا يدومُ

كلّ شيءٍ داخلي انطمست معالمه تماماً ,

بعدما اندلعت بي الأحلامُ

وانكسر الرقيمُ.

واستفقت كأنني (لوطٌ) ,

أسير بحلكةِ الليلِ البهي,

 وخلفي

 انخسفت (سدومُ)

 

في ذمة  الموتى

( الثالث  مناصفة في مهرجان إتحاد الطلبة الحادي عشر طرطوس) النشر أولاً

 

 

و أمرُّ قربَ قبورهمْ

قد أوقظُ الموتى

أفاجئ ما تبقّى من نيامٍ / ميّتينَ .

أمرُّ والنعش المغطّى بالأكاليلِ القبيحةِ

يفضحُ الجنّازَ

خلفي ها همُ الأمواتُ .

يلبسُ بعضهم كفناً رديئاً

كلّهم أخفوا تواريخَ الوفاة .

البعضُ منهم زوّر الأسماءَ؛حتّى لا يرى أحداً ,

ـ إذا ضلّ الطريقَ هناكَ ـ يتّهم الحياةَ .

الريحُ تعصف في التوابيت العتيقة ,

والجباه تفصّدت بالطينِ .

أشباحٌ

وينقصهم دليل غيابهمْ .

طُردوا

فلا جسدٌ يُؤطّر روحهم بخطيئة النَّفَسِ الأخيرِ ,

ولا السلاسل قيّدتْ أرواحهمْ .

(عبثاً إذاً وجدوا …)

قديماً قيلَ لي:

مخطوطةُ العهدِ القديم

 تُجيزُ تكفين الغريب ببردةٍ ,

والغار يُحرَقُ قرب باب النعش حتّى

يستدلّ الغائبون طريقهمْ .

( طقسٌ يؤّوَلُ عادةً بولادة الأمواتِ أشباحاً / تفرُّقُهمْ ,

وللعلماءِ آراءٌ أخرْ .

من ضمنها………

 أنّ الغريب يظلّ عاماً ؛ تائهاً

 يبكي وينتظر المطرْ . )

كم قيل لي في الليل لا تصدر ضجيجاً .

قد تُخيف الميّتينَ  .

يخيفهم خَفَتُ الفوانيس الثقيلةِ,

وانزياحِ الطّينِ ؛

لهفتهم ليحتضنوا الترابَ .

إذاً سأصغي

ربّما تركوا على التابوت أحلاماً مؤجّلةً .

ـ أبي مابال وجهك متعباً ؟!

ـ رحلوا .. كفى

ـ لا .. لم أبشّرهم بمقدِمهم معي ..

التفوا ورائي ؛ قالها ثمّ اختفى.

أطرقتُ رأسي مسنداً للريحِ وجهي .

ـ صاح بي :

إنّ القيامة أغلقتْ أبوابها ,

ومضى الجميع و لوّحوا .

اصطفّوا تباعاً خلف أسياجٍ

تراقبها ملائكة العذاب الطيّبون .

يحدّثون نفوسهم عن عشبةٍ نبتتْ على قبر الغريب /

عن الطريق

ـ دليلهم في الدرب ـ

قد فقدوا الأثرْ .

أُوْصيْ بأوراقِ الخريف ,

تسفّها ريحٌ / تبعثرها

تغطّي هذي الحفر المليئة بالنيام

 لعلّهم مرّوا بها ,

أو ربّما ارتطمتْ بشاهدةٍ إذا نزل المطرْ ,

أو ربّما كانوا

ـ أبي ـ

هم وحدهم رحلوا

 (ففتّش

 عن

 حجرْ)