يقدم لنا زكريا محمود مقالاً عن الأدب المنشور عبر شبكة الانترنت في هذه الأيام..إن التجديد الذي أضافه هذا النوع من الكتابة الرقمية ما هو إلا وسيلة للقفز فوق مختلف أنواع الحواجز والمعوقات القابعة بين الكاتب والقارئ،

 

 

 

 

 

لم يتوقف عشق الإنسان للكتابة عند حدٍ من الحدود، بل زاد شغفه لها وابتدع طرقاً جديدة في التدوين والأرشفة ليخلد بذلك فكره. ولأن تطور الأدب على مختلف أجناسه لا يقل أهمية عن تطور نوعية الأدوات المستخدمة في الكتابة والتدوين، جاء عصر الإنترنت ليُجبر القلم على التنازل عن دروه الرئيس، مما انتج ثقافة جديدة قائمة على سرعة تبادل المعرفة، والحيوية في إنتاج الأفكار، والسهولة في توزيع الآراء عبر العديد من القنوات لمختلف الشرائح والأطياف. 

هذه الثقافة خلقت آفاقاً جديدة من التواصل، وسهلت للجميع الوصول لكم هائل من المعلومات، والتي توظف قسم كبير منها في النصوص الأدبية، ونالت حيزاً هاماً، كإحدى الأساسيات والركائز لأي موقع. وما نراه اليوم ليس إلا حلقة جديدة من تاريخ الكتابة الطويل، وممارسة بلون مغاير، وأسلوب مختلف. 
هذه الثورة الرقمية، مكّنت الكثير من الكتّاب أو الدخلاء على حدٍ سواء ركوب الموجة العاتية، ممن انتعشت نشوة الكتابة لديهم، واستحوذت لذتها على أنفسهم، فتوفّر عندهم مزيج من القدرات الفنية والمعرفية واللغوية الفذّة، وعملوا على تقديم كتاباتهم بصورة جديدة ممزوجة بألوان الفنون الأخرى، سامحةً لهم الاتصال بجمهور واسع، مختصرين بذلك مسافات بعيدة، وقدم لهم العمل الكتابي بكامل حريته وسلاسته بدون عقبات وعواقب.. فتشكلت المواقع والمنتديات الأدبية لتتيح الفرص للمغمورين لعرض إنتاجهم الأدبي وإبداعهم الفكري، مما حقق لهم شهرة -هم يعتقدون- أنها ما كانت ليحققها لهم النشر الورقي. لأن النشر عبر الإنترنت لعب دوراً في تبادل الآراء والتعليقات للكاتب مباشرة، ومن مختلف الأذواق سواء كان ذلك إطراءً أو نقداً. 

إن التجديد الذي أضافه هذا النوع من الكتابة الرقمية ما هو إلا وسيلة للقفز فوق مختلف أنواع الحواجز والمعوقات القابعة بين الكاتب والقارئ، والتي ساهمت إلى حد كبير في تحديد ماهية الأدب والذوق العام. فليس الشكل الذي يقدم به النص ما يهمنا، ولكن ما يهمنا هو المعنى والإحساس الذي يصدر منه، والتساؤلات التي سوف تردنا من خلال اللغة المتبدية لنا على شكل قصيدة شعرية أو نص نثري. فالأمر الذي يشغل بال العديد من الكتّاب اليوم من الذين كان لهم باع طويل في عالم النشر الورقي، هو رداءة اللغة في النصوص المتداولة، وعدم خضوعها لرقابة أدبية ولغوية تساهم في رفع جودة هذه النصوص من نواحي عديدة، والتي من شأنها أن تقدم مفردة لغوية سليمة بلا شوائب تؤثر على جمالها ورونقها الأدبي عبر هذه النافذة الساحرة. ومن هذا كله نجد أنه من الواجب على الكاتب قبل أن يقوم بالنشر عبر الانترنت، عليه بالنشر الطباعي الورقي ليوثق بذلك حقوق كتاباته وملكيته للتعابير والأفكار. وبهذه العملية تكون قد خضعت إلى التنقيح والتصحيح اللغوي اللازم. ليخلد بذلك فكره بالطريقة السليمة.

 

زكريا محمود _ عالم نوح