أقام الفنان والناقد التشكيلي والمؤرخ الموسيقي أديب مخزوم ، معرضه بتاريخ 2-5-2017 في صالة المركز الثقافي بأبو رمانة – دمشق ، متضمناً أكثر من 500 أسطوانة قديمة لكل موسيقا الشعوب

أديب مخزوم في معرض ومحاضرة ..
………." كنوزعباقرة النغم – مختارات من مكتبة أديب مخزوم الموسيقية" ..

————————————- عالم نوح ————-

تحت شعار أو عبارة قالها الفنان العالمي الشهير "بول كلي" وجاء فيها: "من يرسم يجب أن يمتزج بالموسيقا " أقام الفنان والناقد التشكيلي والمؤرخ الموسيقي أديب مخزوم ، معرضه بتاريخ 2-5-2017  في صالة المركز الثقافي بأبو رمانة – دمشق ، متضمناً أكثر من 500 أسطوانة قديمة لكل موسيقا الشعوب ، من باخ 1685) – (1750 أبو الموسيقا الكلاسيكية الأوروبية، إلى رموز الموسيقا والغناء في القرن العشرين، في الشرق والغرب .. إضافة لعشرات الصور المكبرة والمؤطرة، ومئات الأغلفة وآلاف الصور التاريخية، والكتب النادرة، لكبار عباقرة الموسيقا والغناء العربي، منذ نهاية القرن 19، حتى الثمانينات ( من جيل سيد درويش ، ومحمد عبد الوهاب، ورياض السنباطي وفريد الأطرش وغيرهم .. وصولاً إلى جيل بليغ حمدي) والمعرض ثمرة وخلاصة عمر من البحث والمتابعة والتصنيف والتوثيق والتقصي، عن كل ماهو نفيس ونادر ولا يقدر بثمن.

وبمناسبة إفتتاح المعرض ألقى أديب مخزوم محاضرة تحت عنوان "بين الأرشفة الورقية والإلكترونية" قدم لها الباحث الموسيقي أ. أحمد بوبس بكلمة.

ولقد جاء في محاضرة الفنان والناقد التشكيلي أديب مخزوم: بالرغم من وجود كليات جامعية ، في العديد من الدول العربية والأجنبية، تحت عنوان " كلية الإعلام والتوثيق " فنحن لانزال نجهل أهمية التوثيق الورقي وقيمته المتحفية، ودوره في حفظ الصورة والوثيقة والمعلومة الصحيحة والدقيقة، ولا سيما في العصر الراهن، بعد أن تحول التراث الإنساني برمته، الى أرشفة رقمية محفوظة في ذاكرة العقول الالكترونية ، على شبكات الإنترنت الدولية ، وتفرعاتها المتمثلة في " الفيس بوك" و" اليوتيوب " وسواهما . وإذا كانت هذه الأرشفة العصرية الرقمية، قد يسرت سبل الحصول على المعلومات والوثائق والصور وغيرها بسرعة فائقة، تفوق سرعة الضوء، ووسعت من دائرة القراءة، وقاربت بشكل مذهل بين الحضارات والشعوب، وأدت الى زيادة في الوعي الفكري والفني والثقافي، فإنها من جهة أخرى، قد فتحت المجال أمام احتمالات نقل المعلومات الخاطئة والمجهولة المصدر، بخلاف الأرشيف الورقي، الذي يمكن تحديد مصادره الموثوقة والعودة اليها، وحل العديد من القضايا التاريخية الإشكالية، وتقديم الحقائق والأدلة التي لا تقبل الجدل والنقاش، والمساهمة بإيجاد فهم أفضل لجوهر التراث الفكري والانساني والحضاري.

ولاشك بان الأرشفة الورقية شكلت الاساس والمدخل والمنطلق للأرشفة الإلكترونية. إلا ان ميزة الأرشفة الورقية ،أنها تبقى في متناول عدد محدود جداً ونادر من الأشخاص، الذين يتحملون على مدى سنوات عمرهم ،عناء ومشقة التنقيب والبحث والتقصي والتصنيف والتوثيق، بخلاف الأرشيف الإلكتروني. هكذا يبقى للأرشيف الورقي قيمته ووهجه وندرته ونكهته الخاصة، وهو الأكثر قدرة على المقاومة والبقاء، بخلاف الارشيف الالكتروني ،،الذي بات في متناول كل الناس من مختلف الشرائح والمستويات والاعمار، والأرشيف الالكتروني – كما هو معروف – معرض للغياب والمسح الكلي ، بسبب الفيروسات والأعطال التي تصيب الكمبيوتر، وأحياناً الفلاشات والأقراص وسواها. وأصحاب هواية الأرشفة الورقية الفعلية، وهم قلائل وشبه نادرين، يعودون إلى المطبوعات القديمة ،وينقبون عن الموضوعات والصور النادرة، وتصبح مكاتبهم أو منازلهم وكأنها متاحف، وبذلك ينقذونها من الضياع ويعرفون الأجيال الجديدة، على كل ماهو نفيس ونادر في تراثنا الفكري والثقافي والإنساني.‏ وفي عواصم ومدن الفن الكبرى, تتحول الأماكن التي ولد وترعرع فيها عباقرة الفن والأدب الى متاحف ومزارات تاريخية , حتى ان تلك الاماكن تصبح معالم سياحية تستقطب , في كل عام آلاف الزوار، كما تباع مخطوطات ورسائل هؤلاء والكنوز النادرة الخاصة بهم بمئات الآلاف من الدولارات، وتصل الى الملايين، وهذه المبالغ الكبيرة التي يشتري بها الاجانب اثار الفنانين والادباء والشعراء , لا ترتبط بالمال وحده , بل بمدى تقدير الناس للفن والابداع والابتكار، وبكل مايتعلق بهذا الفنان أو ذاك . واذا حاولنا مقارنة ما يحدث هناك, بما يحدث عندنا, فإننا سنخرج بانطباعات مرعبة, تتضمن الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول مدى سنوات أو عقود أو قرون الانتظار، التي يجب ان تلتهم من أحلام الأجيال الحالية والقادمة , قبل ان ترتسم معالم المستقبل المشرق, الذي يعيد الاعتبار الى كبار مبدعينا الذين اطلقوا , ومنذ عقود الاتجاهات الابداعية الريادية في الموسيقا والتشكيل وغيرهما .‏ فالمشكلة تكمن في أن بعض كبار رموز موسيقا وغناء العصر الذهبي، باتوا غير معروفين بالنسبة للعديد من أبناء الجيل الجديد , بسبب غياب الإعلام الذي يبث أعمالهم ويعطيها قيمتها الحقيقية, وغياب الدراسات التحليلية والوثائقية، التي تؤدي الى نوع من التفاعل الثقافي المفيد بين الأجيال المتعاقبة.‏ وهذه المظاهر السلبية المقروءة في الواقع الثقافي المحلي الراهن , تشكل في نهاية المطاف السؤال المقلق ذاته: ترى بكم تباع مخطوطة أو نوتة، كتبها أحد رموز عصر الموسيقا والغناء الذهبي في البلدان العربية, وهل ثمة من يكترث بزيارة منزله المعرّض لاحتمالات الاندثار والزوال.

وبعد انتهاء المحاضرة وجوابأً لسؤال عن جدوى أرشفة الاسطوانات في عصر اليوتيوب، والانتشار الواسع والمذهل لكل ماهو نفيس ونادر، قال مخزوم : أنا أول المتابعين والمندهشين والمذهولين، بعالم يوتيوب السحري، ولقد شاهدت " جبران خليل جبران" على سبيل المثال، يتحرك لأول مرة ، في مقطع فيديو منشور على اليوتيوب. ومما قاله: هذا المعرض هو ( متحف متنقل ) هدفه تعريف ابناء الجيل الجديد، على رموز الموسيقا والغناء القادر على الديمومة والاستمرار، في الشرق والغرب، وفي الشمال والجنوب ( كل موسيقا الشعوب ). فالأرشيف الورقي والصوتي والبصري الأصلي ، يشكل مادة أساسية وضرورية لمن يريد أن ينتج أو يخرج فيلم أو مادة تلفزيونية أو سينمائية، وموت الفنان الحقيقي يكمن في ضياع أرشيفه وأندثار أعماله، وتكريمه الفعلي، يتم من خلال جمع أرشيفه وتراثه، ولا سيما وسط هذه الفوضى والانحطاط الفني ، والحريق الهائل الذي طال تراث الفن الأصيل والراقي، والذي يلتهم البقية الباقية من هذا التراث، بتكريس كل ماهو سطحي ومنحط ووقتي وزائل.

وأضاف العارض والمحاضر قائلاً: كنوز عباقرة النغم ( من أسطوانات وفيديوهات وصور وكتب وأغلفة ) يجب أن تحفظ في متاحف، حتى تبقى منارة في ذاكرة الأجيال الحالية والمستقبلية ، والعودة الى هذا الأرشيف تعطيني الدقة في الصورة والمعلومة ، والنكهة الخاصة في الاستماع والمشاهدة . منوهاً إلى أن عمر أرشيفه المعروض من عمره ( حيث كانت هوايته الأساسية، ومن أيام طفولته إقتناء المجلات الفنية والكتب والتسجيلات لكبار رموز الموسيقا والغناء ) في عصرهم الذهبي . ومنزله أومكان سكنه هو متحف، والمعرض على هذا الأساس يبدو كمتحف متنقل أو متجول، والمعرض يؤكد استمرارية الحياة الفنية والثقافية، رغم أهوال الخراب والدمار والارهاب اللامعقول، فالثقافة العصرية هي العنصر الوحيد، الذي يقربنا في أزمتنا الوجودية المتفاقمة ، من الحضارة والقيم الانسانية النبيلة .