في إحدى المرات اتصل بي هاتفياً ليؤنبني على خطأ – برأيه كبير – إذ أنني لم أضع /أل/ التعريف أمام كلمة نكرة لتصبح مُعرفّة، ولم أفهم آنذاك الفرق واليوم انتبهت له.

أعزاءنا، وكعادة المهندس والصديق باسل قس نصر الله، يشاركنا، عالم نوح، مقالته مشكوراً هذه مع موقع عالم بلا حدود،

أل…التعريف والمتسلقون بقلم المهندس باسل قس نصر الله
عندما كنت يافعاً، كنتُ أدرس بعيداً عن والديّ، ولذلك كنت أرسل لوالدي – كلما احتاج الأمر – رسالة له، والمضحك أنه – رحمه الله – كان يعيد لي رسائلي بعد تصحيحها لغوياً وباللون الأحمر وكأنه أستاذ مدرسة، وكأنني طالب، ويُعيد لي الرسالة وكأنها ورقة امتحان فيها الكثير من الخطوط الحُمر، ولا يبق لها إلّا أن يضع العلامة.

كنت أتخيله واضعاً يديه على أذنيه، عندما أخطئ في كتابة اللغة العربية، وهو يتهيأ بشكلِ الغاضب والمزعوج، وأنا أعرف في سريرتي كم هو محب وعطوف.

في إحدى المرات اتصل بي هاتفياً ليؤنبني على خطأ – برأيه كبير – إذ أنني لم أضع /أل/ التعريف أمام كلمة نكرة لتصبح مُعرفّة، ولم أفهم آنذاك الفرق واليوم انتبهت له.

في اللغة العربية تكون كل كلمة، نكرة حتى نضع لها /أل/ التعريف، فتصبح آنذاك مُعرفة، وعندما نحذف /أل/ التعريف، تعود نكرة.

دأبنا منذ فترة طويلة إلى اختيار بعض المسؤولين (وأركز على بعض) من نوع النكرة، وأعطيناهم المناصب التي هي بمثابة /أل/ التعريف، فيصبحوا مُعرفين ومعروفين، ويعتقدون أنهم مُعرفين بالأساس، وتراهم على صفحات المجلات وفي الإذاعات والفضائيات، إلى درجة يعتقدون أن العالم كله – وليس فقط سورية – لا يعمل بدونهم ودون مشورتهم.

حتى يحين سحب مناصبهم – أي /أل/ التعريف – فيعودون إلى مواقعهم – كما كانوا – نكرة.

يتسلقون المناصب، يبنون علاقات مع نَكِراتٍ مثلهم، يبحثون عن /أل/ التعريف لهم، من خلال المراكز والمسؤوليات.

هم على استعداد لأن يدفعوا مالاً لمن يكتب لهم, في كل شيء, من الاقتصاد الذين أصبحوا منظّرين لها، لا بل على قاب قوسين أو أدنى من استلامهم جائزة نوبل فيها، ولحين استلامهم لها، يخترعون الجوائز ويوزعونها على بعضهم، فمن جائزة الاقتصاد في تربية الدجاج إلى جائزة التوفير في تلميع الأرضيات، والمهم هو الصور وحفلات التوزيع والمجلات التي يموّلونها لنشر نظرياتهم النيّرة.

يلقون محاضرات، كتبوها لهم، من الاقتصاد إلى السياسة الدولية والإقليمية، إلى درجة أصبحتُ اخافُ عليهم من سرقة أفكارهم لاستخدامها في مجال مكاتب الدراسات الدولية، إلى البيئة والزراعة والصناعة….حتى أبحاثهم في الرقص الشرقي والموسيقى الشرقية والأحلام الشرقية.

سئمت من ابتسامات هؤلاء المتسلقين، الذي تحملناهم سنين طوال وأوصلونا إلى ما وصلنا عليه، هم نكرات متعددة، وللأسف هناك من أوصلهم عن معرفة بهم، ومنهم من أوصلهم عن جهل.

اليوم أكثر من أي يوم مضى، علينا أن نختار الأشخاص المُعرفين بذاتهم، وليس بمناصبهم، علينا الانتباه لأولئك النكرات الذين يستخدمون المال السياسي ويسخرونه لأجل /أل/ التعريف.

دائماً هناك استحقاقات، ودائماً هناك اختيارات، فلنسأل أنفسنا فقط سؤالاً واحداً عن الشخص الذي نريد أن نختاره للمسؤولية.

هل /أل/ التعريف معه أم أنه نكرة؟

اللهم اشهد أني بلغت