أمسية شهلا العجيلي وسعد الدين كليب
- مارس 3, 2011
- 0
الأربعاء 2/3/2011 بمدرج كُلية الهندسة المعمارية كانت الأُمسية الأدبية التي شارك فيها كل من د. شهلا العُجيلي ـ أ.د. سعد الدين كُليب قدم للأمسية وأدار الندوة: أ. مهند ميري
وكانت ضمن شعار ربط الجامعة بالمجتمع لإثراء الثقافة العربية بتنظيم من جامعة حلب وبالتعاون مع الجمعية العربية المتحدة للآداب والفنون
الأربعاء 2/3/2011 بمدرج كُلية الهندسة المعمارية و
تحت شعار ربط الجامعة بالمجتمع لإثراء الثقافة العربية جامعة حلب وبالتعاون مع الجمعية العربية المتحدة للآداب والفنون
كانت الأُمسية الأدبية التي شارك فيها كل من
د. شهلا العُجيلي أ.د. سعد الدين كُليب
قدم للأمسية وأدار الندوة: أ. مهند ميري
وقدمت لنا الأديبة الأستاذة شهلا العجيلي نص قصتها مذكرات سندريلّا التي ألقتها مساء الأمس. شكراً أستاذة شهلا.
مذكّرات حذاء سندريلاّ
شهلا العجيلي
تقدّم المجنّد بلباسه الرسميّ، يحمل على وسادة صغيرة من القطيفة الورديّة بين يديه، فردة حذاء نسائيّ، كان الحذاء حائل اللون، وقد تمدّد في جزء منه، وتمزّق جلده في جزء آخر، حتّى إنّ كعبه قد كسر، وانفصل بعض نعله عن بعض هيكله، ولم تفلح محاولات الترميم الواضحة كلّها في إعادته إلى سابق عهده.
كان المجنّد ووراءه فرقة الخيّالة، يطوف بين بيوت المدينة باحثاً عن قدم المرأة التي ستناسبها فردة الحذاء، والذي كان، في الحقيقة، لفتاة في أواسط العشرينيّات من عمرها، جميلة وبهيّة، واسمها سندريلاً، اشترته منذ أيّام من أحد محلاّت وسط البلد، أسود لامعاً مدوّر المقدّمة، وبكعب عال وبلا تفاصيل أخرى، وقد دخل في قدمها الأنيقة، ذات القياس سبعة وثلاثين بيسر، وأمسك بها إمساكاً، وكأنّه مفصّل على مقاسها. لبسته سندريلاَ في اليوم التالي، وانطلقت إلى موعد مقابلة كانت قد ضربته مسبقاً مع إحدى الشركات، لتحصل على وظيفة فيها. سارت في طريقها ودخلت في الزحام، وإذ بمجموعة من الشباب يلتفّون حولها، توجّست منهم شرّاً، فنأت بجسدها تحميه من أيّة حركة محتملة، وقبل أن تستوثق تماماً من غايتهم، كانت يد أحدهم قد امتدّت إلى حقيبتها، وشدّتها بعنف، فانفتحت الحقيبة، وتبعثر ما فيها على الأرض، وعلى إثر صرختها فرّ الآخرون، وبقي الشاب يلتقط ما أمكن التقاطه من أشيائها، لكنّ سندريلاّ تمكّنت من الإمساك بتلابيبه، وقد طار حذاؤها من قدمها ليستقرّ في يدها، فانهالت به ضرباً على رأس الشاب وجسده بكلّ عزم وغضب وعنفوان، حتّى خلّصه الناس من بين يديها قبل أن تزهق روحه، وحين عادت فردة الحذاء إلى قدمها، كان جلدها قد تكسّر قليلاً، وفقدت هيبتها السابقة. وصلت سندريلاّ حانقة باكية، إلى مدخل العمارة التي تستقرّ الشركة في الطابق السابع منها، فوجدت أمامها رجلاً ينتظر المصعد، كانت هيئته غريبة، أربعينيّ ضخم بلحية سوداء مطلقة على عواهنها ومقزّزة، يرتدي جلباباً أبيض يكاد لا يبلغ كاحله، وبقدميه صندل جلديّ بإصبع، وفي يده سبحة. أدار لها الرجل ظهره، ودخل المصعد وأراد أن يغلقه على نفسه قبل صعودها، لكنها ضغطت على زرّ فتح الباب، وصعدت رغماً عنه، وخلال الرحلة من الطابق الأرضيّ إلى السابع، كان الرجل ينظر إلى سندريلاّ شزراً ثمّ يغضّ البصر ويحوقل، ثمّ يعاود فيلقي عليها نظرة خاطفة، يرفع صوته إثرها محتسباً ربّه، ثمّ ينفتل في حجرة المصعد الضيّقة بطريقة هيستيريّة، ويستغفر!
كانت سندريلاّ حائرة ومندهشة، نظرت في المرآة إلى نفسها، وإذ بها محتشمة وبسيطة وجادّة، وإنّ كونها حاسرة الرأس لا يجعلها شيطاناً على الإطلاق! وحين وصل المصعد الطابق السابع كانت نظرات الرجل المقزّزة، ودمدمته المتواصلة قد أوصلتها إلى ما لا يحمد عقباه، لذا، وقبل أن يفتح الباب، عاودت سندريلاّ فضغطت الزر ذا الرقم صفر، وما أن همّ رفيقها بالاحتجاج حتّى خلعت فردة حذائها، وهجمت عليه بوابل من الضربات التي سيمرّ وقت طويل قبل أن يشفى من آلامها! دخلت سندريلا الشركة غاضبة ومتهالكة، أصلحت من هندامها، الذي أضرّ به الشكل الجديد لفردة الحذاء، فقد تهافتت، واتسعت في قدمها، واختلف شكلها كثيراً عن شكل الفردة الأخرى.
قابلت سندريلاّ المدير الستينيّ، المعروف بانتمائه إلى إحدى أهمّ الجماعات التقدّميّة في البلاد، والذي راح يسألها بعض الأسئلة حول تخصّصها وخبراتها، ووضعها وأحوال الدنيا بعينها، حتّى استعادت هدوءها وطبيعتها، وشربت القهوة، على وعود بعمل مريح ومحترم، وراتب مرموق، وشيئاً فشيئاً انتقل المدير من وراء مكتبه ليجلس على الكرسيّ قبالتها، وقبل أن تستوعب نقلته تلك، كانت يده تمتدّ إلى جزئها السفليّ فتفادتها بحركة عفويّة لتتلقّى قرصة مخفقة في فخذها، فما كان منها إلاّ أن خلعت فردة الحذاء وانهالت بها ضرباً على رأس الرجل وجسده، ووجهه وعلى الهواء حوله، وهو يصرخ ويستنجد تحت وقع الحذاء الذي كاد نعله ينفصل عن جلده، ولم تتركه إلاّ حينما تدفّق الموظّفون لفضّ المعركة! خرجت سندريلاً محبطة ومندهشة من أحداث يومها الغريبة، كانت تبكي بغيظ وحرقة، وتندب ذلك العالم الذي بدا لها أسود ومبهماً، أرادت أن تبتعد عن الناس، وتنفرد بأحزانها، فأخذت طريقها إلى البيت، وخلال مرورها في الساحة العامّة حاذت عجوزاً تفترش الطريق، وتبيع المارّة خضاراً طازجة في قفف من القشّ أمامها، وإذ بسيّارة تقبل مسرعة، وتحطّ بجانب الرصيف، سوداء فاخرة، زجاجها معتم، وعلم البلاد على الخلفيّة، وقد انبثق من سيارة أخرى وراءها، بضعة رجال أشبه بوحوش، منعوا المارّة من المضيّ في سبيلهم، ومشّطوا المنطقة، مطيحين بقفف الخضراوات، لتنزل من السيّارة سيّدة فارهة، لم تكلّف رقبتها عناء الالتفات إلى حيث جلست العجوز تنتحب بانكسار لامثيل له، فما كان من سندريلاّ إلاّ أن خلعت فردة الحذاء ذاتها، وصفعت بها خدّ السيّدة بحركة مباغتة لم يفطن لها المرافقون إلاّ بعد أن كانت سندريلاّ قد ضاعت في الزحام. مشت سندريلاّ في شوارع المدينة على غير هدى، حتّى هبط الظلام، فلاح لها من بعيد حملة مشاعل، تبعت الضوء لتستطلع الأمر، فانتهت إلى تظاهرة عظيمة قائمة في الشارع المؤدّي إلى القصر الكبير، فيها خلق عصيّ على العدّ، يهتف بحياة الحاكم الذي كان يخطب على منصّة في صدر المكان، ومن زاوية بعيدة سمعت أصواتاً مناوئة، لمجموعة من الشباب، كانوا يسقّطون الحاكم بهتاف مضاد، لكن قبل أن يتمّوا عباراتهم الحارة رأتهم سندريلاّ جثثاً هامدة في بركة دم، في حين راح صوت الحاكم يعلو بمفردات ملتبسة بين حريّة، وعدالة، ومساواة، وثوابت… سندريلاّ التي كانت فزعة، ومروَّعة، اكتشفت قروحاً في قدمها ذات الحذاء المهلهل، فخلعت الفردة، وقذفتها في الهواء بما بقي لديها من طاقة، فطارت واستقرّت على الأرض، لكنّ الكعب الذي كان قد انفصل عن الهيكل بشكل نهائيّ، نقر بنهايته المسماريّة أنف الحاكم على المنصّة، فأدماه، وبالطبع كان الليل قد انتصف، ودقّت الساعة الثانية عشرة، واختفت سندريلاّ.
*************
أ.د. سعد الدين كُليب