كان هذا في اللاذقية في مقهى قصدية نثر أمسية قصصية للقاص شادي نصير و القاص عيسى الحيدر حيث قام كلا الكاتبين بتقديم بعض من نتاجاتهم القصصية و قد حضر الأمسية الكثير من الأدباء و المثقفين و الفنانين التشكيليين وبالاضافة للصحافة .

وهذه أولى القصص القصيرة التي سننشرها في هذه الصفحة

القصة القصيرة الأولى :  يباس يبتكر المطر    شادي نصير

يباس يبتكر المطر
أبحث عن شي ألملم فيه شظايا روحي المبعثرة في كون فضائي مليء بمئات التذبذبات المخيفة, لأدفنها في الظلمة فقد مات الشعاع البراق الذي اخترق السماء بفرح ساحباً ورائه خيطاً طويلاً من الأمطار و السيول.
ساومني القدر على تلافيف بشرتي المهترئة ووقفت مترنحاً لا أقبل العبث بأيام عمري الطويل وأراهن على الحاضر والمستقبل وكأنني عراف بقبعة زرقاء مطرزة بنجوم الددبة الكونية .
ولكنها مجرد ورقة صغيرة, دسها في جيب قميصي وربت على كتفي وابتسمت عيناه الباردتان, اشتعلت ناراً ولم أدر ما أفعل ولبرهة طفى على السطح الصقيع المختبئ في معطفي القديم ومدفئة الحطب الميتة جوعاً, ورقة صغيرة خضراء تفيدني كثيراً ولا تخسره الكثير وأدفن رأسي في الأوراق وأنا أنتحب ألماً.
أربعون عاماً مضت على عملي في المكتب, امتطيت الخيال فرسا ًوطرت فوق أجنحة الحلم إلى هناك حيث لا سياط تدك جسدي بألوان الزرقة الغامقة ولا فقاعات الهواء الخارج من رأسي المدكوك بالماء الحار سحبت الورقة بارتجاف مراراً لكن ثقلها أرهق يدي, وسقطت الورقة في قاع الجيب ….
من أين أتيت يا زمن الجوع, لم يكن لك مكان في قبو حارتنا الضيق, ومن أدخلك مصطلح أبجديتنا … فيما مضى كنا جماعة تشكل أسرة وبيتا ووطنا يزخر بالحب, وتبقى الأقدار صنيعة الحب والجشع, الكره والعطاء, ويبقى لون الشقائق في الأرض أحمر قانئ لا تزعزعه ألوان الحقد في الأفق
عدت إلى غرفتي الصغيرة تدثرت بالغطاء الصوفي محاولاً جره إلى الأعلى حتى تكشفت أصابع قدمي, علي أخفي عار جديد ألصقته بكفني الأبيض, وتدور الدقائق وتهتز العقارب ولا أزال أشد خيوط النوم من غير فائدة ترجى ….
صعدت السطح واتجهت برأسي نحو البحر كبير, صوت صافرات البواخر يجفل الهدوء من حولي يحيل تذبذبات الشروق في الأفق إلى ألوان تضج بالأزرق ومشتقاته الفيروزية, وأصرخ مناجياً الحاجة, الأعذار والفقر المساعدة و يأتيني صوت الصدى, فارغاً بارداً وأيقن بأنني أصبحت ورقة صفراء بدأ الشيب يجتاح مسامها وكالبقية سأسقط أرضاً أعود إلى غرفتي أنظر إلى زوجتي في السرير, استلقي قربها أضمها بقوة ٍ واعداً إياها بقطع أخرى من اللون الأخضر والأحمر فالبرد قارس على ما يبدو هذا الشتاء.