إنها أمانة يا أبا ذر بقلم المهندس باسل قس نصر الله مستشار مفتي سورية: إعلامنا الحلبي بالكامل على طاولة واحدة، ونحن نركض وراء تفاهات من الحرص على التوقيع باللون الاخضر والزخرفات والحُجّاب وقسائم البنزين، ودهان الغرف وغيره.

إنها أمانة يا أبا ذر بقلم المهندس باسل قس نصر الله مستشار مفتي سورية

مشاركة مع موقع عالم بلا حدود

لي أصدقاء من المركز التلفزيوني بحلب (الذي انتمي اليه جسدا وعقلا وروحا) والذين شاءت الأقدار أن تجعلهم من النازحين بسبب الأحداث، فانتقلوا من مبنى مجهز لكل أعمالهم إلى غرفة واحدة في مبنى محافظة حلب، وعندما أقول غرفة واحدة يجب أن نتخيل المذيع والمصور والمخرج و…… يتواجدون بالتناوب في هذه الغرفة حتى يصح القول عنها أنها "مثل الحمام المقطوعة مياهه" ومع ذلك قاموا بعملهم ضمن (الامكانيات المتاحة والذي هو نوع من أنواع الشحادة وتحميل المنّية بأنه تم منحهم غرفة).

ومع ذلك عملوا، ولم ينس أصحاب المناصب أن يطلبوا الكاميرا لترافقهم وتصور ابتساماتهم المعلبة وكيف يتفقدون النازحين ويقبّلون الأولاد ليظهروا بمظهر العطوفين واللطفاء.

إلى يوم تمت تغيّرات في محافظة حلب، وكالعادة، فكل واحد يبحث عن كرسي وطاولة، وجاء الحظ على هؤلاء النازحين لينزحوا من الغرفة الوحيدة الى طاولة صغيرة فقط.

المهم أن يجلس المسؤول على كرسي ذو محور "برّام"، لأن الحرب التي سيقودوها هذا المسؤول من وراء طاولته هي التي ستفتح معبر رفح الحلبي.

حتى في هذا الوقت العصيب، نلهث وراء كرسي وطاولة، وأول ما يتم انتخابنا "نلف وندور للبحث عن غرفة" لأننا لا نستيطع أن نخدم الوطن إذا لم يكتمل "البريستيج" من غرفة وبرادي وطاولة وكراسي لاستقبال الضيوف وأهم شيء أن نجلس على كرسي يبرم ويفتل بنا ويميل إلى الخلف (لأنه والحق يُقال… لكي نستطيع ان نفكر بخلفية ومن خلال خلفية واضحة)

إعلامنا الحلبي بالكامل على طاولة واحدة، ونحن نركض وراء تفاهات من الحرص على التوقيع باللون الاخضر والزخرفات والحُجّاب وقسائم البنزين، ودهان الغرف وغيره.

إعلامنا الحلبي الذي يجب أن يقول وينقل كل الصور المسيئة لتصحيح الخلل وسد الذرائع، يجلس بكل أجهزته ومذيعيه وتقنييه وفنييه حول طاولة واحدة في جزء من غرفة، لكنهم وعدوه (لهذا الاعلام) بالبحث الحثيث والدؤوب والجدّي عن مكان لهم لكي يصوروا ابتساماتنا وأناقاتنا وشعورنا المسبلة ضمن برنامج هزيل مساحة الجدية فيه ضئيلة.

لم يُتح او لم يُراد ان يتاح للإعلام السوري في حلب في وضعه المأساوي هذا أن يتكلم مثلا عن اللقاح ضد شلل الأطفال الذي يرفع المسؤولون الصحيون الآن النداءات والأصوات "والاضوية الحمراء" لكأنهم نسوا أنه تم تنبيههم منذ عام وتم التوقيع مع منظمة اليونيسيف حول ذلك ولم ينفذوا (نفس المسؤولين أي شيء رغم توقيع البروتوكول)، فقط نريد له أن يتكلم عن نشاطاتنا الهزيلة والخجولة لتضخيمها.

لا نَعرف أو تجاهلنا أن الإعلام هو الطاقة التي تتحرك داخل شرايين كل الاجهزة. وهو السلاح الوحيد المسموح به داخل الحرب الرمزية الاعلامية بامتياز، ومن هنا تكمن خطورته.

تم تناسي أو تجاهل الدور المهم للإعلام (الحلبي على الأقل) في الوقوف أمام صف الفضائيات التي تنقل ما طاب لها فقط من صور الصراع في سورية من خلال نقل الواقع وفقط الواقع.
لا شك أن ما تمر به سورية عامة وحلب خاصة من أحداث وقتل وتدمير يُضاف لها أنها حرب إعلامية بامتياز، وعندما أقول حرب إعلامية، ترتسم أمام مخيلتي الأقنية التلفزيونية والفضائيات وكل الدعم المادي الذي قد يصل الى حدود الخيال للطاقم العامل والأجهزة والمباني، بينما نحن نركن إعلامنا على طاولة صغيرة في جزء من مدخل غرفة.

كانت نصيحةُ النبي (ص) لأبي ذر الغفاري – وقد جاء طالبًا الولاية، طامعًا في عطاء النبي (ص) نصيحةُ محب صادق حريص على من يحب ، فقال له : "يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة"

اللهم اشهد أني بلغت