نقدم لكم كتاب زياد خدّاش .. إذا لم تكن لك حبيبة .. نصوص قصص تأملات

 

 

 

 

 

إذا لم تكن لك حبيبة
نصوص قصص تأملات

زياد خدّاش

لوحة الغلاف والتصميم
الفنان محمد الجالوس

 

 

الطباعة
شركة دار الأديب

بدعم من بنك القاهرة في عمان

حقوق التأليف والطبع محفوظة، ولا يجوز إعادة طبع هذا الكتاب أو أي جزء منه أو استنتاخه أو تخزينه، على أي هيئة أو بأي وسيلة، إلا بإذن كتابي من المؤلف
الطبعة الأولى 2011

دار الأديب للصحافة والنشر

مطابع دار الأديب
عمان – الأردن

هاتف: 4888585 فاكس: 4888584

e-mail: info@label-world,com

إهداء
إلى هذه الحروف مجتمعة ومفرقة

ه ي ف اء

مدينتي وامرأتي هيفاء وحيفا

كم تشبهنا فلسطين
أحب بلادي فلسطين أكثر؛ لأنها بلادك أيضاً

فلسطين ليست بلاداً وشعباً واحتلالاً، هي محض فكرة لطيفة، أو عبث لغوي أو وجودي، من اختراع مشاغباتنا، وثرثراتنا، ومللنا، بينما كنا عائدين إلى غاباتنا من الجبال القريبة.

أنام كل ليلة قرب جسدين غريبين: جسدك المفرط في كبريائه، وجسد فلسطين المفرط في دمه.

تحيرني شامات جسدك؛ فهي تتحرك وتغير أمكنتها تبعاً لذكاء يدي، تحيرني دماء فلطسين ومنابعها، فهي تتحرك تبعاً لجنون التاريخ.

اعتاد محبو فلسطين القول: نموت من أجل فلسطين، نقول أنت وأنا: ببراءة تشبه الخطا لطفلين حافيي القدمين في مخيم: لماذا لا تموت فلسطين من أجلنا فحبنا هو فلسطين أخرى أجمل.

أنفاق غزة توصل إلى بلاد الجوع، عيناك الطويلتان توصلاني إلى بلاد جسدي.

لماذا أفكر في (غولدستون) الآن وتقريره؟

بينما أنت تنتظريني في غرفة النوم، تعدين لي عينيك عشاءً شهياً هل هي صدفة أن نفعل ذلك أكثر من مرة؟

هل هو الضوء ما كنا نحتاجه؟

نكتب صوت فضائية (الجزيرة)، تحت التلفاز بالضبط، لا نفتح أبواب ونوافذ الحب فحسب، بل نلغيها من الوجود.

تتناثر مجازر العالم في (الجزيرة)، وتضج هتافات حشودها وصراخ سياسييها، نتناثر نحن معاً على  الأرض بانتشاء لا يصدق في مهب الحروب. أتذكر عروس وليد في إحدى قصائده، كانت تشعر برغبة شديدة في التبول بينما حشد فرح يرقص حولها، وحدي أعرف الآن أنك تركضين أمام طلقات وغاز الاحتلال مع الراكضين، ليس هرباً أو تجنباً لموت أو اعتقال، بل بحثاً هائجاً عن مرحا.

لو خبرت بين فلسطين وبينك، لاخترت المسافة بينكما، لا أدري لماذا؟ وحدها فلسطين دون غيرها من بلاد العالم تعرف المعنى الخفي لحبينا، كم نشبهها، كم تشبهنا، نحن تكثيف لجراحها، انفجاراتها، تقلباتها، نحن منفاها.

ضرورة أن توجد هذه المرأة
ضرورة أن يوجد هذا الكتاب

عليها أن تكون ليكون، هذا الإنسان الفريد من روحه، والمضرج بالجراح واللعنات والمنفى، عليها أن توجد في هذه المرأة حياة كل كاتب، لا إمكانية لعدم وجودها، تماماً كما على هذا الكاتب أن يوجد من أجلها، لا سبيل لعدم لعدم وجوده، ليكون ولتكون، عليها أن تفهم أنه شيطان يائس حزين، عليه أن بقهم أنها متطلبة بريئة وشقية، على الاثنين أن يفهما أنهما اختيرا من قبل قوى كونية خفية ليكونا الشاهدين على ميلاد تنين نبيذي اسمه الفنون.

على العالم أن يفهم أنهما حبيبا الحياة والفنون؛ إذ بغير قصتهما النازفة لا وجود لفنون، الفنون لا تزدهر ولا تتنفس إلا في  وحول الاضطراب والانكسار والارتكاب، على الناس الرائعين المتآلمين من أجل دموع وحظ السيدة المركزية الكبرى أن يوجدوا لتكون هي ويكون هو، عليهم أن يحرضوها على تركه، عليه أن يغضب، لأن تركها لهيعني ترك الوتر للعازف في لحظة انفجار موسيقي كامل، عليها أن تسخر منهم، عليها أن تبكي وتعبّر عن عجزها عن تبرير حبها له، فالحب مثل الموسيقى والأطفال والشجر لا تبرير لسحرها عليه أن يلهث خلف كل لمعان ابتسامة من امرأة تمر على شباك عينيه، عليها أن يجن جنونها، عليه أن يعتذر ويبكي وينهار ويندم ويقعد على عتبة الباب في البرد والظلام منتظراً أن تصفح عنه، عليها أن تفعل ذلك في النهاية، عليها أن تعرف لماذ صفحت عنه، عليه أن يتراجع عن ندمه أمام لمعان جديد لسحر جديد من امرأة أخرى تمر، عليها أن تعترف أنها تعبت، وملت ولكن عليها، ايضاً، أن تعرف أنه لا إمكانية لترك هذا الجرح الشهي والراقص والمفتوح أبداً أبداً.

وعليه أن يعرف حياته دون هذه المرأة المنتظرة الغاضبة المتقلبة على نار مغامراته، هي أجمل وأدفأ حرائقه، عليها أن تفهم أنه لعنتها وخطؤها المبهر ونافذتها العسلية وطفلها الذي لا يكف عن الجوع، عليه أن يفهم أنها ملجؤه ومتكأ دموعه ومربط بحر قلبه ومصب أنهار أسئلته، عليها أن تفهم أنه سؤال كبير يتطلب أجوبة كبرى لا وجود لها في جماليات ثنائية الحب والكتابة، عليه أن يعرف أنها متاهة برونزية تتطلب خيوط (أريان) التي لا وجود لها في دنيا شبق الفن والأحلانم، على أولئك الذين يحرضونها على تركه أن يعرفوا، كم هم ضروريون ليكتما سؤال المتهة، متاهة ظاهرة غير مفهومة يطلق عليها اسم الحياة، متاهة لا يعبر إليها إلا عبر الفنون أغرب الوسطاء وأطيب الأنبياء.

تأملات

صدفة
صدفة غريبة جمعتني مع زميل صف إعدادي قديم، صار الآن متعهد بناء قديماً، سألني: هل تزوجت؟ لا. هل بنيت بيتاً؟ لا.

هل سافرت؟ لا. هل أحسست بطعم الأبوة؟ لا. هل تذوقت طعم الكافيار؟ لا. سألته: هل تذوقت طعم المستحيل؟ لا.

هل أحسست يوماً أنك قوة كونية كبرى؟ لا. هل تحسست فرو الخسارة الممتعة؟ لا. هل اشتضفت يوماً غيمة في عينيك؟ لا.

هل اكتشف بعداً آخر في ذهنك؟ لا.

ظل هو ينظر إلى ملابسي ويبتسم، ظللت أنا انظر إلى كتابي الأخير في يدي وأبتسم، لم يعرف كلانا من هو المنتصر.

حب مرة أخرى
" أن تكون رساماً يعني أن تحب ثانية" هذه العبارة للّعين هنري مللر الذي كان رساماً أيضاً وأقام معارض كثيرة، الرسم هو حب بطريقة ما، مواصلة درب حريري قطعته فجأة قاطعة طرق رائعة اسمها الحياة.

الكتابة أيضاً حب بطريقة ما، هل اللون أمي والحرف أبي؟ هل أنا كائن الكلمات الملونة أعيش على سفح بنفسجي هائل لتلة طيبة تدعى الشغف؟ تكثر الألوان في قصصي كأنني بذلك أقدم اعتذاراً لخيانتي أو كأني مسر بطاقة لونية دفينة داخلي تحرك شخوصي وكلماتي كما تشتهي، أو كأني أنتقم من الكلمات لمذبحة الألوان التي ارتكبتها في زمان بعيد، حين نسيت الألوان تحت الشجرة وتركتها نهباً للنسيان والإهمال.

أو كأني أود أن أحب ثانية.

زياد خدّاش
اختبئ كعصفور حكيم، ولا تكن أسداً

جريحاً، فخرج الأسد عميق وهادر

غن ظلام حديقتك، صمتاً غنه، وتحديقاً

في الشجر، جلوساً دامعاً في الرذاذ

انظر إلى عينيك كم تتسعان في الظلام

وكم تضيقان نهاراً

الحل هو الطيور، فجراً جهز الخبز

المبلل، ضعه على حواف نافذتك، انتظر

طويلا لا تتعجل، الطيور ستأتي/ ثم

سريعاً أحك النافذة باحكام، اسد الستائر

جيداً، قبل أن يصحو الجيران ويزعجوك

بحبال الكلام والغسيل والأطفال … قبل أن

تسمع صوت الشاحنات وهو يجرح نهد

الهواء.

افرغ رأسك من ذاكرة المهن، فأنت

الآن طفل، طفل مستغرب وسعيد، لا

تعرف شيئاً ولا تتحمل السؤولية شيء

امتهن ذهناً جديداً اسمه ذهن البيت، بيتك

هو العالم يا هذا، تذكر أن الخروج منه –

كما يقول كافكا -(مغامرة غير مضمونة

العواقب)، تمش في غرفتك / مهنتك

الطازجة، أياك أن تقول لي أنها صغيرة

ولا تتسع لخطواتي، اياك، فالسعة نسبية

يا هذا، انظر حولك، المكتبة، وأحلام

الخلق، والموسيقى، وصور الحبيبة،

ونصوص طلابك مليئة بالغيوم والشجر

والنمور

 

 

 

 

زكريا محمود_ عالم نوح