في رحلتنا التي بدأناها في ذاكرة المبدعين قصدنا المسرحي الأستاذ إيليا قجميني الذي أجرى معنا حديثاً من القلب في حب وألم ….

 

 

 

 بعد حديثنا بعشرة أيام تقريبا، حصل الأستاذ إيليا قجميني على جائزة الباسل للإبداع لعام 2011

ونضيف هنا في أول الصفحة لحظة تسلمه درع الجائزة يوم الخميس 8-12-2011

في رحلتنا التي بدأناها في ذاكرة المبدعين قصدنا المسرحي  الأستاذ إيليا قجميني الذي أجرى معنا حديثاً من القلب في حب وألم ….


فحدثنا عن مسرح نقابة الفنانين بحلته الجديدة كونه مشرف على الناحية الفنية فيه, قائلاً:

لقد أشرفت على المسرح من الناحية الفنية بتكليف من الدكتور رياض عصمت وزير الثقافة, المنصة القديمة للمسرح كانت متموجة غير قابلة للعرض وأيضاً هذا المسرح معرّض للرطوبة بشكل كبير فكان في حالة يرثى لها.
لقد تم تنفيذ الحلة الجديدة للمسرح كما أردت تماماً وأنا على دراية كبيرة بتقنيات المسرح الحديث حيث قمت بزيارة كافة مسارح إيطاليا "ميلانو, روما, طورينو, فلورانس, نابولي …" التي تعتبر من أهم مسارح أوروبا, طبعاً جددنا هذا المسرح وفقاً لإمكانياتنا بحيث أصبح الآن لا يتأثر بالرطوبة بالإضافة إلى أننا تابعنا تجيزه بمعدات الإضاءة والصوت وأيضاً شاشة للعرض السينمائي, فيمكن أن نقول بأن مسرح نقابة الفنانين أصبح على مستوى عالمي وليس محلي.


أما عن المرحلة المسرحية التي تواجد بها, قال:


بدأت العمل في المسرح منذ أيام المدرسة الابتدائية وذلك في مرحلة الخمسينيات من القرن الماضي حيث أردت العمل بعد مشاهدتي لمسرحية في سينما الدنيا للراحل سعد الدين بقدونس, هذه المسرحية التي ولّدت داخلي شعور لا يمكن وصفه يتمثل بعشق للمسرح وروح مسرحية سرت في داخلي, ثم شاركت في أعمال كانت تؤدى في الحفلات السنوية التي تقيمها المدارس آنذاك, وهذا ما أطلبه الآن لتوليد جمهور مسرحي فالتجربة المسرحية للأمة العربية غير كافية لتوليد هذا الجمهور على مدى مائة وخمسين سنة, فيجب الانطلاق من المدارس بحيث يرافق بناء كل مدرسة وجود مسرح لها, وهذا ما فعلته عندما كنت أدرّس في مدينة الباب حيث كان هناك مسرح داخل المدرسة محوّل لمستودع فطلبت من المدير تفريغه و تكوين فرقة مسرحية تعرض فيه, فوافق المدير وسرعان ما أصبحت مدينة الباب أهم صرح مسرحي في سوريا فهنالك الكثير من أبنائها يعشقون المسرح وإلى الآن هنالك ثلاثة فرق "أطفال وإعدادي وكبار" هذه الفرق التي أعطت الكثير من الأسامي مثل محمود درويش الذي يمثل سوريا الآن في الفجيرة وقطر و…الخ من المسارح العربية.
تجربة مدينة الباب تولّد لي سعادة كبيرة لأنني زرعت في أطفالها حب المسرح, وعندما كنت أعود من الباب كنت أعمل في مسرح الشعب في حلب.


وعن الفترة التي قضاها في دمشق, تحدّث قائلاً:


درست في دمشق اللغة الفرنسية وهناك قدمت عملين مسرحيين هما "أقوى من الحب" في عام 1968 و "حلاق القرية", الذين نالا نجاحاً كبيراً, وأثناء دراستي هناك تعاونت مع المخرج علاء الدين كوكش في عدة أعمال تلفزيونية, ومع رفيق الصبّان الذي جمع كبار الفنانين تلك الفترة في عمل "هل تعرف التراجيديا اليونانية" حيث كان معنا كل من هاني الروماني ويوسف حنا ..الخ.


أما عن تأثير ذلك في دخوله لمسرح الشعب في حلب, قال "قجميني":


من خلال العمل في المسرح في دمشق تطوعت فور وصولي لحلب بمسرح الشعب الذي كان بنائه أمام منزلي, فكنت أعود من الباب في الساعة السادسة ثم أذهب إلى مسرح الشعب واستمر تطوّعي لعامين عملت فيها في مختلف مجالات التمثيل المسرحي, ومن ثم شجعني من كان معي على السفر لإيطاليا لدراسة المسرح, هذا الأمر الذي تحقق في عامي 1970 و 1971 حيث توجهت لإيطاليا فتعلمت اللغة الإيطالية في جامعة بيروشيا وحصلت على شهادة تخوّلني تدريسها, ثم تقدمت للمعهد العالي للفنون المسرحية في روما وبعد اجتياز امتحان بالغ في الصعوبة حصلت على المقعد الوحيد المخصص للأجانب من بين ثلاثمائة شخص متقدّم للحصول عليه, فدخلت المعهد وأنا أفتخر بأن أساتذتي كانوا من أهم الأساتذة الموجودين في أوروبا ومن بينهم "أوراك زوكوستا جوفان جيلي" الذي يعتبر أهم أستاذ موجود في أوروبا وكان تلميذ "جاكوبو"، وهناك أتتني فرص جميلة مثل العمل مع فرقة "كوميدي فرانسيه" الذي جلت معها كل أوروبا حيث كانوا يريدون شخصاً يتحدث الفرنسية وكنت الوحيد في المعهد الذي أتحدثها فتم اختياري وعملت معهم, واستفدت من التجربة كثيراً حيث لعبت دور المترجم بين ميكانيكيو المسرح وبين أعضاء الفرقة, وأيضاً كان لي تجربة مع مسرح "الساحة" الإيطالي الذي كان يقدّم عروضه في الساحات العامة في مختلف أنحاء إيطاليا والذي كتبت عنه مجلة المعرفة آنذاك, وأهم تجاربي كانت مع مسرح "الأودن" الدانماركي والذي يعتبر الآن أهم مسرح ترفيهي طليعي في العالم, والذي هو تلميذ "لوتوسلي جيونيباربا" الذي استدعانا لنابليانو للخضوع لدورة تدريبية لمدة شهر أضافت إلى معلوماتي كيفية التعامل مع جسد الممثل ومع صوته وأيضاً كيفية تفجير طاقات الممثل والتي تعتبر العملية الأهم التي يقوم بها الأستاذ أو المخرج.
تخرجت بدرجة امتياز في عام 1975 , وبقيت حتى عام 1978 حيث قمت بتجربة تلفزيونية مهمة تمثّلت في "فيديو بولونيا" في شمال إيطاليا, هذه التجربة التي أغنتني بصرياً في كيفية التعامل مع الأجهزة.

وعن شقيقته تحدث …

لقد طلبت منها المجيء لإيطاليا والدراسة على يد الأستاذ "أوراك" وبالفعل تم ذلك ومن ثم عادت وأصبحت موظفة في المسرح القومي في سوريا.

عن مرحلة العودة إلى الوطن تحدّث "قجميني" قائلاً:


شكلت عند عودتي فرقة نقابة الفنانين المسرحية تحت إشراف الفنان دريد لحّام فقدمنا مسرحية "هلاك بابل" التي تعتبر إحدى الصفحات الهامة في تاريخ المسرح في حلب, حيث أعدنا تأهيل ممثلي مسرح الشعب الذين كان عددهم 30 شخص شاركوا في هذا العمل, وعلى أثر أصداء هذا العمل استدعيت للتدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق, حيث بدأت التدريس لمادة التمثيل عام 1880 , ثم تم تكليفي بإعادة تهيئة مسرح حلب القومي الذي كان متوقف لسبع سنوات متتالية, وهنا عدت إلى حلب, فبدأنا بتقديم عملين للكبار وعمل للأطفال في كل عام وكانوا جميعهم من إخراجي ثم استعنت ببقية المخرجين, عندها قلت للأستاذ "صادق العبسي" لكي نعيد تهيئة مسرح حلب نحن بحاجة لشباب مثقف, لأن أصغر شخص كان يعمل في المسرح هو "بهاء حموي" وكان عمره 45 سنة, فتوجهنا للجامعة وقمنا بدورة إعداد ممثل خرجنا بها بعشرين ممثل من أصل ستين وقدمنا معهم "ملحمة جلجامش" التي فازت بالجائزة الأولى في مهرجان دمشق كأفضل عمل وأفضل فرقة وأفضل إخراج, وعندما شاهدت الدكتورة نجاح العطار هذا العمل أرادت أن تمثل هذه الفرقة سوريا في جميع مدن العالم, وعندها ثارت ثائرة الدمشقيون ووضعوا شتى أنواع العراقيل التي تحول دون ذلك, ثم تابعت العمل في المسرح الجامعي ودخل إلى الفرقة أسماء عديدة من بينها "لبابة يونس", وقدمت عمل آخر "نحن والولايات المتحدة" فاز بالجائزة الأولى التي رفضت استلامها وأشرت أن يأخذها شاب موهوب وهو "فؤاد الراشد" لتشجيعه, وفي العام الثالث لي مع المسرح الجامعي كان هنالك العديد من الإشكاليات كرفض عمل "مع الأيام الفلسطينية" للأستاذ محمد أبو معتوق الذي عملت عليه لمدة ثلاثة أشهر, في العام الذي تلاه آثرت أن يختاروا هم النص فأعطوني ثلاثة نصوص من بينها نص"في حالة حصار" لألبير, فقمت بإحضار النص الأصلي من فرنسا وترجمته الذي تم إيقافه بعد شهرين فور وصول خبر إقامة التدريبات إلى دمشق, وعندها اعتزلت المسرح الجامعي وقمت باستقطاب العناصر الشابة في الفرقة إلى المسرح القومي الذي رأى نهضة في بداية التسعينيات على أكتاف هؤلاء الشباب.


أما عن طلابه, فقال:


هناك العديد من طلابي ذهبوا للمعهد العالي ومن بينهم "زهير إيليا" الذي كان الأول على دفعته في المعهد, وأيضاً الأول في مهرجان القاهرة عن عمل مع المخرج جواد الأسدي, "زهير إيليا" الذي أخذ دور جلجامش هو الآن يدرّس في المعهد العالي للفنون المسرحية في ألمانيا, وأيضاً هناك "شادي مقرش" الذي لا يخفى نجمه حالياً في الوسط الفني السوري, وأيضاً هناك "فارس الحلو", "فراس ابراهيم", "أيمن رضا", "ضحى الدبس", "محسن غازي", "محمد خواندي"….الخ.


عن التدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية, قال "قجميني":


لقد كان طلاب المعهد لا يواجهون الجمهور حتى السنة الأخيرة وهذا الأمر اعتبرته خاطئاً فعملت على مواجتهم له منذ السنة الأولى ولم أسمح لطلاب الدفعة الأولى بالتخرّج إلا عند اجتياز اختبار الصوت, لأن أهم شيء عند الممثل في روما هو فحص الحبال الصوتية وسلامتها فلا فائدة من الممثل بدون صوته, فإذا أوجد مشاكل يمكن تفاديها أو أمراض ممكن معالجتها سنعالجها ومن ثم نعمل على بقية أدوات الممثل.

 
عن المرحلة الأخيرة قال "إيليا قجميني":

آخر عمل قدمته هو "العنب الحامض" في عام 2005 الذي كان من المفترض أن يمثل حلب في مهرجان دمشق لكن هنالك ظروف منعت ذلك جعلتني غاضب حتى هذه اللحظة, وجعلتني أعتكف عن العمل في المسرح وأستمر في دورات إعداد الممثل في مهرجانات الشباب واتحاد شبيبة الثورة والاتحاد الوطني لطلبة سوريا, والآن دورة إعداد الممثل التي تقوم بها مديرية الثقافة في حلب الذي تجاوز عدد طلابها الاثنين والخمسين طالب المتحمسين جداً والذين سيكونون نواة للمسرح في حلب.

إعداد وتصوير : نوح حمامي

لقاء وحوار : شادي نصير

تحرير : جلال مولوي