ابتسام شاكوش لشادي نصير وعالم نوح: زرت الأديب الكبير الدكتور عبد السلام العجيلي في بيته, طلبت منه النصح والإرشاد, كان في غاية الرقة والتواضع, قدم لي مجموعة من التوجيهات ما زلت أمشي بهداها وسأبقى, أولها: إذا كنت تكتبين من أجل المال فلا تكتبي, الكتابة لا تجني مالا, وإذا كنت تكتبين من أجل الشهرة فلا تكتبي, إذا كنت تكتبين من أجل نشر أفكار أنت تؤمنين بها فاكتبي ولا تتوقفي,

ابتسام شاكوش والشمس في كفها … حوار مع الصحفي شادي نصير لعالم نوح

 

 هي الأنثى التي تُسقط على سطح أوراقها انفعالاتها ومشاعرها وما تعانيه من تناقضات اجتماعية بحرية مطلقة عبر بوح داخلي تلجأ إليه لإفراغ ما في جعبتها من آسى وألم، تغوص في لاوعيها لتكشف ما تراه وما تسمعه وما تحسه من سماوات تحفل بالنجوم والمذنبات. ابتسام شاكوش القاصة والروائية صوت أنثوي يسحرك بحضوره الجميل لما تتمتع به من بساطة في تصرفاتها ومن صوت تلمس في همساته الوقار والعذوبة ونضارة الكلمة، تسير بمخيلتها من عالم إلى آخر ومن سماء إلى سماء، تصور قصصها طقوس الحياة المليئة بالتناقضات والهموم، تؤرخ فيها للحظة القبيحة والحلوة في حياتنا، ولا تترك كلمة تحيد عن المنحى العام للقصة والقص الذي يكشف التفاصيل الصغيرة والأسئلة الملحة.

وكامرأة تبرع ابتسام في الولوج إلى أعماق بطلاتها وتجعلها تبوح بما يجول في خاطرها من نوازع يتجاذبها الخير والشر والحقد والبراءة والغرور والتواضع، تنساب اللّغة لديها شفيفة سلسة تحاور وتسرد عبر رومانسية مفرطة تارة وواقعية مراوغة تارة أخرى مستخدمة أدواتها الفنية التي تضبط من خلالها مسيرة الشخصيات، صدر لها ست مجموعات في حقل القصة القصيرة هي: 1- اشراقة أمل 2- الخروج من المجال المغناطيسي, هذه المجموعة القصصية ترجمت الى اللغة الصينية , 3- بعض من تخيلنا , 4- الشمس في كفي, 5- الحلم الأزرق, 6- انتظرني حتى أكبر، ولها في حقل الرواية روايتان الأولى (الوجه المكسور) التي حصلت على جائزة المزرعة لأفضل رواية, والثانية (يا حرام) وقد حصلت على جائزة دار الفكر وحصلت على جائزة الرواية النسائية في المملكة العربية السعودية، وهي عضو اتحاد الكتاب العرب – جمعية القصة والرواية.

وعلى هذه الخلفية من الجوائز و العطاءات الفنية أجرى الصحفي و الشاعر شادي نصير هذا الحوار التالي:

*بدايتك مع الأديب عبد السلام العجيلي، حبذا لو تخبرينا عما قدمه لك من فائدة لقاءك مع الأديب العجيلي كقاصة وروائية تتبوأ مكانتها العربية اليوم؟

**قبل الكتابة كانت القراءة, أنا قارئة مدمنة, أقرأ كل ما يقع في يدي, وأقرأ في كل الظروف, وهذه الهواية بدأت منذ طفولتي المبكرة, حين تخلو يدي من كتاب جديد أشعر بفراغ كبير وقلق, أين منه الجوع, أما الكتابة فبدايتي كانت بشكل انفجاري, هكذا أراها, لم أبدأ بالكتابة الفعلية منذ الطفولة مثل باقي الكتاب، بل بدأتها بقصة (إشراقة أمل) كتبتها وأشار علي الأصدقاء بإرسالها للمشاركة في مسابقة (البتاني) للقصة في الرقة, أرسلتها ففازت بجائزة, أذهلني هذا الحدث, فلم أحضر حفل توزيع الجوائز, لأني لم أكتب بعد سوى هذه القصة, بعد ذلك زرت الأديب الكبير الدكتور عبد السلام العجيلي في بيته, طلبت منه النصح والإرشاد, كان في غاية الرقة والتواضع, قدم لي مجموعة من التوجيهات ما زلت أمشي بهداها وسأبقى, أولها: إذا كنت تكتبين من أجل المال فلا تكتبي, الكتابة لا تجني مالا, وإذا كنت تكتبين من أجل الشهرة فلا تكتبي, إذا كنت تكتبين من أجل نشر أفكار أنت تؤمنين بها فاكتبي ولا تتوقفي, وقال بأن الكتابة الأدبية هي عمل إبداعي لا يتعلمه أحد من أحد, علمني كيف أتعامل مع الوسط الأدبي ومع النقاد, ومع الصحافة, هو رجل كبير, كبير بكل ما تحمله هذه الكلمة من المعاني.

*أثناء قراءة الرواية التي تكتبها الأديبة ابتسام يُسقط القارئ أفكاراً وأخيلة تتعلق بالنص إلى أي مدى ترتبط هذه الأخيلة بشخصية الأديبة ابتسام شاكوش؟

**النص الذي نكتبه هو عصارة ثقافتنا وبيئتنا وتجربتنا الحياتية، وملاحظاتنا على الحياة من حولنا, فحين يكتب الأديب عن نفسه سيغوص داخل نفسه, وحين يكتب عن أشخاص آخرين , يتناولهم وفق رؤيته هو, من وجهة نظره هو, لذلك تراه يسبغ على شخصياته الكثير من آرائه سلبا أو إيجابا, وللقارئ الحق في تخيل العمل الذي يقرأه حسب وجهة نظره وثقافته الحياتية.

 *اليوم الزمان والمكان يختلف بطابعه ومعطياته عن الماضي، كيف تستطيعين الربط بين الزمنين؟

** ليس الاختلاف كبيرا بين الماضي والحاض، قد تختلف الأدوات.. وتختلف أساليب الحياة ووسائلها, ولكن يبقى هنالك ما هو ثابت لا يغيره الزمان ولا المكان, لو رجعنا إلى حكايات الجدات, لوجدنا فيها خيالا يسبق عصره بكثير, ذاك الخيال أصبح الآن حقيقة ملموسة, وأداة نستخدمها بشكل عادي, ألا يشبه جهاز الهاتف المحمول قبعة الإخفاء؟ تستطيع من خلاله مخاطبة من تريد متى تريد, وفي أي مكان, والمخاطبة عبر شبكات الانترنت؟ وخاتم سليمان ألا يشبه البطاقات المصرفية؟ كانت هذه الرموز في الحكايات تخدم حاملها وتحارب أعداءه معه, والآن ما زالت تقوم بالمهمات ذاتها, فالإنسان هو الإنسان, بآماله وأحلامه, بقهره ومواجعه, بإنسانيته، وحين نكتب عن الحالات الإنسانية لا نخص مكانا ما أو زمان, والربط بين الماضي والحاضر هو تنقل بين بيئتين لا أكثر.

*نرى أن الشخصيات الأساسية (السلبية) في كتاباتك تتجه في أغلبها نحو الرجل والذي دائماً يقود نحو الأفعال السلبية، هل تعتبرين ذلك نوعاً من الدفاع عن المرأة ككيان مستقل آن له أن ينطلق؟

** هذه الملاحظة لا أوافقكم عليها, لا أشعر بظلم الرجل واستبداده في حياتي الشخصية, ولا أكرسه عدوا في كتاباتي, بل أؤكد دائما أن التخلف الذي تعاني منه مجتمعاتنا ليس بسبب التسلط الذكوري, بل بسبب الجهل من الرجال والنساء بالحقوق والواجبات, ومن يقرأ قصصي سيرى الرجل فيها مظلوما مقهورا, يجاهد في سبيل الخروج من قوقعة زج فيها بلا إرادة منه، الفنان التشكيلي (أكرم نصر) علق على كتابتي مرة بسؤال: لماذا تختارين لأعمالك دائما رجالا ضعافا مقهورين؟ في رواية (يا حرام) كانت الشخصية المحورية السلبية رجل اسمه سليم, وكان إلى جانبه شخصيات نسائية سلبية أيضا, أما في رواية (الوجه المكسور) فالشخصية السلبية الأساسية هي امرأة, بل مجموعة نساء, وكذلك الحال في رواية) اليتيمان) الشخصية السلبية قد تكون رجلا وقد تكون امرأة, الحياة من حولنا تفيض بالنماذج, وما علينا سوى التقاطها وتدوينها على الورق, أما قولك عن المرأة بأنها كيان مستقل وآن له أن ينطق؟ لقد انطلقت المرأة فعلا, ومنذ عقود طويلة, لكن انطلاقة النساء كانت أشبه بزخة رصاص من رشاش في يد رجل أعمى, منها ما وصل إلى الهدف منها ما ضل هدفه, ومنها ما استمرت في سيرها حتى فقدت حرارتها في المدى الأقصى فسقطت على الأرض قطعة من حديد بارد.

*كيف استطعت الدمج بين الخيال والواقع في قصصك القصيرة ورواياتك وخصوصاً روايتك "يا حرام"؟

** العمل الأدبي ليس آلة تصوير, تلتقط الواقع كما هو, لكنه يأخذ مادته من الواقع, يضيف إليها ويطرح, ينفخ هنا و يختصر هناك, وكما يصنع الفنان من التراب والحجر قطعة فنية جميلة, كذلك يصنع الكاتب, وما الأدب سوى إعادة صياغة للواقع وفق نظرة الكاتب.

* حصلت على عدد من الجوائز كانت آخرها جائزة الرواية النسائية في المملكة العربية السعودية؟ ماذا أضافت لك هذه الجائزة؟

** الجائزة الأولى التي حصلت عليها عن قصة إشراقة أمل كانت الأشد تأثيراً عليّ, إذ فرملت انطلاقتي ووضعتني في موقع المسؤولية أمام نفسي, واستدعت مني وقفة مطولة للتفكير في ما يجب علي تناوله من المواضيع في كتاباتي التالية, أما الجائزة الأخيرة, والتي حصلت عليها من موقع "لها أون لاين" النسائي في السعودية فكانت بالنسبة إلي موسم فرح, جاءت بعد فترة ركود أدبي استمر أربع سنوات, ابتعدت خلالها عن المنابر والصحف والمجلات, أصدرت فيها مجموعة قصصية واحدة, هذه الجائزة كانت فاتحة خير وأداة لكسر الجمود الذي حاصرني في السنوات الماضية, باختصار, هذه الجائزة كانت ولادة ثانية لي ككاتبة, جعلتني أتعرف بشكل أوسع على أدباء ونقاد من المملكة العربية السعودية, ومن خارجها, وجعلتني أتعرف على الوسط الأدبي هناك.

لقاء وتحرير شادي نصير لعالم نوح