وصل المؤتمر الفرنسيسكاني الذي ينعقد في حلب إلى يومه الأخير، وانعقدت الجلسات والمحاضرات التي عرّفتْ عن روحانية القديس فرنسيس وكيفيّة عيشها اليوم لكي تنسجم مع “نهج الحياة” الذي نحتفل في التصديق عليه شفوياً من قبل البابا إنوشنسيوس منذ ثمانمئة عام.
في الجلسة الأولى أُلقيت المحاضرات التالية:
القانون في حياة القديس فرنسيس الأسيزي ألقاها الأب د. ريمون جرجس (دكتور في القانون الكنسي الشرقي ومؤلف لعدة كتب في هذا المجال ومشارك في عدّة مؤتمرات إقليمية وعالمية)

وصل المؤتمر الفرنسيسكاني الذي ينعقد في حلب إلى يومه الأخير، وانعقدت الجلسات والمحاضرات التي عرّفتْ عن روحانية القديس فرنسيس وكيفيّة عيشها اليوم لكي تنسجم مع "نهج الحياة" الذي نحتفل في التصديق عليه شفوياً من قبل البابا إنوشنسيوس منذ ثمانمئة عام.
في الجلسة الأولى أُلقيت المحاضرات التالية:
القانون في حياة القديس فرنسيس الأسيزي ألقاها الأب د. ريمون جرجس (دكتور في القانون الكنسي الشرقي ومؤلف لعدة كتب في هذا المجال ومشارك في عدّة مؤتمرات إقليمية وعالمية) شرح من خلالها أهمية الشرعية والقانونية التي حصل عليها فرنسيس من قبل البابا حتى لا يقع في الخطأ الذي ارتكبته مجموعات أخرى في ذاك العصر كانت تدّعي إصلاح الكنيسة من خلال الفقر، لكن بالتمرّد والتهجّم عليها. لكنّ فرنسيس اختار الطاعة وأسلوب إصلاح الذّات أولاً. وأضاف الأب ريمون أن "نهج الحياة" الذي طلب فرنسيس من الكنيسة تصديقه، كان يتلخّص بعيش الإنجيل المقدّس. وذكر أن هذا الحدث يشكل، بالنسبة للعائلات الفرنسيسكانية، فرصةً ذهبية لتجديد الوفاء للإنجيل، بأن تضع السيد يسوع المسيح، الإنجيل الحيّ، في محور حياتها وشهادتها الخاصة، كما أصبح فقير أسيزي إنجيلاً حيّاً قادراً على جَذبِ الرجال والنساء إلى السيد المسيح في كلّ زمان.
هذا وقد ألقى المهندس الأستاذ عبد الله حجّار محاضرة بعنوان الفرنسيسكان في التعريف عن آثار سوريا أشاد فيها بالدور الرائد للرهبان في هذا المجال. وقد ذكّر ببعض الأسماء من الرهبان الذين ما يزالون على قيد الحياة وهم: الأب باسكال كستيلانا والأب روموالدو فرناندس والأب إنياس بينيا (وهو طريح الفراش منذ سنوات)؛ وأسماء غادرتنا إلى الوطن السماوي كالأب ميشيل بيتشريلّو، رحمه الله. لقد عرَّف هؤلاء الفرسان الثلاثة (كما سمّاهم أ. عبد الله حجّار) عن الأوابد وآثار الكنائس في شمال حلب التي هي باقية وشاهدة على ازدهار المسيحية في سوريا. والمئات من الكنائس والأديار وأعمدة النساك، كلُّها تمّ إحصاؤها وتوثيقها من خلال أبحاث وكتب ما تزال موجودة في المكتبات وقد ترجم البعض منها إلى عدّة لغات أجنبية. أما الأب بيتشيريلّو، فكان قد اكتشف وعمل جاهداً في الحفاظ على لوحة من الفسيفساء فريدة من نوعها في العالم تعود لأواخر القرن الثالث الميلادي في مدينة طيبة الإمام (محافظة حماه-المنطقة الوسطى) وشارك في ترميم وتجهيز متحف مدينة حماه ولهُ الفضل الكبير في أعمال أخرى بالتعاون مع بعثات أثرية إيطالية وأوربية في سوريا.
كما عرّف الأب سامي حلاّق اليسوعي عن جانب هام وحيوي من الروحانية الفرنسيسكانية بأسلوبه الجذّاب: البيئية المسيحية من القديس فرنسيس إلى الرهبنة الفرنسيسية. إنه موضوع الساعة! فالجميع يتحدّث عنه، لكنْ ما هي الخطوات العمليّة التي تُتّخذ اليوم للحفاظ على البيئة والحدِّ من استغلالها بشكل مفرط وغير عادل؟ وكم هو جميل أن نحتذي بفرنسيس وبمسلكه ونتّخذه أنموذجاً لحماية البيئة فنعتبر الأرض "أمَّناً وأختاً لنا".
وبعد استراحة وجيزة عاد الجميع إلى قاعة المؤتمر لمتابعة الحديث عن الروحانية الفرنسيسية، لكن هذه المرّة سيتحدث العلمانيين. نعم! ففرنسيس كان قد أسَّس عائلة بفروع ثلاث: الأولى هم الإخوة الأصاغر والكبوشيين والديريين (هم الرجال)، والثانية هي رهبنة القديسة كلارا، والثالثة هم العلمانيون الذين يعيشون الروحانية نفسها، لكن من خلال تواجدهم في العالم كعلمانيين، فمنهم الطبيب والمِهني… إلخ. وترتكز حياتهم على عيش الإنجيل والشهادة للمسيح من خلال الخدمة بتجرّد وفرح. وهم منتشرون في كلّ أنحاء العالم. وقد عرّف عن رهبنة فرنسيس للعلمانيين كلاًّ من الأخ صليبي والأخت زغيب (من لبنان)، وعرَّفت الأخت جورجينا عن حضورهم ورسالتهم في مدينة حلب.
وأما محاضرة الختام فألقاها الأب فراس لطفي الفرنسيسكاني بعنوان: ماذا بقيَ من روحانية فرنسيس اليوم؟ وقال أن الروحانية الحقيقية هي النظر إلى المسيح بعيني المؤسّس وإلا فقد نقع في خطأ أو وهم اتّباع المؤسّس وليس المسيح. وقد بيّن الأب فراس من خلال حديثه أن هذه المناسبة هي فرصة لتجديدنا (ترميم بيتنا، كما قال المصلوب لفرنسيس) من الداخل، فيجب عدم إضاعة هذه الفرصة الذهبية. وقد لمس بعض الميادين التي يجب على الرهبان اليوم أن يعتبروها وهم يعيدون اكتشاف هويتهم الرهبانية بعد ثمانمائة عام: الإخوة، الصلاة، الفقر، والوعظ. واختتم مشاركته في المؤتمر بالنداء الذي وجّهه البابا بندكتس إلى العائلة الفرنسيسكانية بمناسبة الاحتفال بيوبيل السنة المئوية الثامنة على تأسيس الرهبنة:
"إخوتي وأخواتي في العائلة الفرنسيسكانية… وبينما أنتم تَحمدون الربّ وتشكرونه لأنه دعاكم لتكونوا أعضاءَ في هذه العائلة الكبيرة والرائعة، أصغوا إلى ما يقوله الروح لكم اليوم، كي تواصلوا الشهادة لملكوت الله بشَغَفٍ، مُقتفين آثار أباكم الساروفيّ. ليحافظ كلُّ أخٍ وأختٍ منكم على روحٍ تأمّلية وبسيطة وفرحة. انطلقوا دائماً من المسيح، تماماً كما فعل فرنسيس، الذي بدأ يفهم دعوته من خلال النظر إلى صليب سان داميان ومن اللقاء بالأبرص، فاستطاع بذلك أن يرى وجه المسيح في الإخوة المتألمين، ويحمل إليهم سلام المسيح. كونوا شهوداً "لجمال" الله، كما عرف فرنسيس كيف يتغنّى به لدى تأمله بسحر المخلوقات، فكان يُنشِد ويقول: "أنتَ الجمال".
أعزائي، كلمة أخيرة أودّ أن أتركها لكم، وهي نفسها التي تركها يسوع القائم من الموت لرسله: "إذهبوا!" (مت 28، 19؛ مر 16، 15). إذهبوا وواصلوا "ترميم بيت" الرب يسوع المسيح، أي كنيسته أفراداً وجماعات. وكما فعل فرنسيس، إبدأوا دائماً من ذواتكم؛ فأنتم في الدرجة الأولى، البيت الذي يريد الرب ترميمه. فإذا برهنتم أنكم قادرون حقاً على تجديد ذواتِكم بروح الإنجيل، ستواصلون مدَّ يد العون لرعاة الكنيسة كي يتألق وجه عروس المسيح أكثر فأكثر. هذا ما ينتظره منكم البابا اليوم كما في الأمس".
واختَتَم الأب جورج أبو خازن (رئيس دير الآباء الفرنسيسكان في حلب) وقائع المؤتمر، شاكراً من حضَّرَ وحاضَرَ وحَضِرَ. ووجّه نداء شكرٍ لمحطة تللميير الفضائية ونورسات، إدارةً وفنّيين، على تغطيتهم لوقائع المؤتمر متمنياً لهم النجاح والثّبات في رسالتهم المتمِّيزة في عالم اليوم، المتعطّش لكلمة الله بأسلوبٍ سهلٍ وجذّاب تصلُ إلى الجميع دون استثناء.

بقلم الأب فراس لطفي الفرنسيسكاني
2010-04-18
زهيرات وشبيبة مار فرنسيس