أغيد شيخو: استوقفني هذا الكتاب النادر للباحث “علي الجزيري” لما يحويه من معلومات غنية حول الثقافة الشفهية للشعب الكردي وما تحتويه هذه الثقافة من حكايا وأساطير ومعتقدات مازالت متداولة إلى وقتنا الحاضر

 

 

عالم نوح ـ عفرين ـ أغيد شيخو

 

 

                  الأدب الشفاهي الكردي للباحث علي الجزيري

استوقفني هذا الكتاب النادر للباحث "علي الجزيري" لما يحويه من معلومات غنية حول الثقافة الشفهية للشعب الكردي وما تحتويه هذه الثقافة من حكايا وأساطير ومعتقدات مازالت متداولة إلى وقتنا الحاضر، ولعلّ أبرز ما يميّز هذا الكتاب هو جهد الكاتب الواضح في البحث والاعتماد في بحثه على التحليل والاستقصاء والجمع في تناوله لهذا الأدب، وخاصة أنّ معظمه غير مدون بعد، لذلك يحتل هذا الكتاب، بالإضافة إلى ندرته، الصدارة في تدوين بعضٍ من التراث الشفهي الكردي.

وهنا أورد لكم إحدى فقرات الكتاب وهي من الفصل الثاني والذي تحت عنوان "الميثولوجيا الكردية" /المعتقدات الأسطورية في المجتمع الكردي/، آملاً في تحقيق الفائدة والمزيد من المعرفة حول هذه الثقافة التي تعتبر من الثقافات النادرة والغير مترجمة بعد إلى العربية.

"إن المتمعن في الأسطورة الكردية، سيلاحظ بلا عناء، بأن الصراع فيها يدور بين الإنسان من جهة وبين العفاريت والجن من جهة أخرى، ففي حين تتمثل قوى الخير في الأول، نجد أن قوى الشر تتمثل في الثانية على الأغلب.

وتعد "الحية" صورة لقوى الشر في الميثولوجية الكردية، وهذا ما يتجلى بوضوح في أسطورة "الضحّاك"، وقد تغدو "الحية" رمزاً للخير في بعض الأساطير والحكايات الكردية، وليس نادراً من أن تتخذ قوى الشر شكلاً عجوز شمطاء أو ساحرة.

وتعد شخصية "الخضر_الخدر" السرمدية، وفق المعتقدات الكردية التقليدية، ممثلة قوى الخير، وهي موجودة في كل مكان، وتهب لنجدة الإنسان عند الضيق، فهي تلعب دور المخلص، ويعتبرها بعض مفسري القرآن الكريم، ذلك الرجل الصالح، المذكور في سورة "الكهف" والذي يلتقي بالنبي موسى.

وتظهر شخصية الخضر جلية واضحة في ملحمة "ممى آلان" الفلكلورية الكردية، كرمز لقوى الخير، فحينما استبد اليأس بكل من "علي بك، عمر بك، الماس بك" ونال منهم الغم والهم مانال، وساءت حالتم وتردت، ظهر "الخوجة خضر"، وأشار عليهم بتزويج كبير الأخوة، أي "علي بك"، لأن الله سيرزقه بولد. واستجابة لندائه، عاد الأخوة الثلاثة وتصدقوا على الفقراء وذبحوا الأضحية، وامتثلوا لنصيحة "الخوجة خضر"، فرزق بولد، كما تنبأ.

ويظهر الرجل المسن "الخوجة خضر" مجدداً، ويعز إليهم بتسمية المولود باسم "ممى آلان"، ثمّ يختفي فجأة.

ويجدر بنا الذكر، بأنه ليس من النادر أبداً، أن نعثر في صفوف معسكر الشر على قوى الخير، ففي الحكايات الأسطورية الكردية، نعثر على الجن الخير، الذي يساعد الإنسان ولا يؤذيه، كما في ملحمة "ممى آلان" السالفة الذكر. فالجنيات الثلاث، بنات ملك الجن، يتمظهرن أو يتنكرن بمظهر الحجل، ويطرن إلى جزيرة "بوتان" ويعدن بـ"زينى" النائمة على سريرها، ويضعنها إلى جوار "ممى آلان" النائم، يستيقظ "ممى آلان" فيرى حسناء إلى جواره، وحينما يمعن النظر في الباب يجده مقفلاً بإحكام، فتستبد به الحيرة، وتصاب "زينى" أيضاً بالذهول حينما تستيقظ، ولا تجد تفسيراً لوجود ذك الشاب إلى جوارها، وبنفخة من الأميرات الثلاث، ينام "ممى آلان" وتنام "زينى"، ويؤمر الجن بنقل الفتاة وإعادتها إلى جزيرة "بوتان"، ويتم ذلك، بينما كانت تغط في نوم عميق.

وهناك حكاية أسطورية، تردّ أصل الكرد إلى عهد الملك "سليمان" الذي كان يحكم – وفق المعتقدات الأسطورية- عالماً أسطورياً مليئاً بالجن.

وتحكي الأسطورة بأن الملك "سليمان" قد أرسل "خمسمائة جني" إلى أوروبا للبحث عن أجمل العذارى وجلبهن……إلا أنهم وجدوا عند عودتهم أن الملك قد مات، ولذلك احتفظوا بالطبع بفتياتهم ومنهم جاء نسل الكرد.

إن الأساطير والحكايات الأسطورية الكردية، تعكس الصراع الدائر بين قوتي الخير والشر، بين "اأهورا مزدا" و"اهريمان" قبل الإسلام، ويكون البطل غالباً من البشر ومن الناس الفقراء على الأكثر، ويظهر على شكل المنقذ "الخضر" كما أسلفنا، أو على شكل "درويش" رث الثياب متنكراً.

وتتجلى بشكل ساطع ملامح أسطورية في العديد من الحكايات الكردية، مثل حكاية "آسبة سي لنك/ الحصان ذو القوائم الثلاث"، وبصفة عامة يمكن تسجيل الملاحظات التالية فيما يتعلق بالأسطورة الكردية:

أ‌- عبارة عن رواية لأحداث جرت بتدخل من كائنات عليا.
ب‌- ذات طابع مقدّس.
جـ – تعطي تبريراً لممارسة طقس ما غالباً.
د- توحي بخلق جديد في الخيال الشعبي.
هـ ـ وفي ما يتعلق بنا فالأسطورة الكردية تأثرت بالميثولوجيا الإسلامية."

من كتاب "الأدب الشفاهي الكردي" للباحث "علي الجزيري"
الطبعة الأولى 2000
كاوا للثقافة الكردية
بيروت_ لبنان

أغيد شيخو_ عالم نوح