أعزءنا، واليوم الأربعاء و هو أربعاؤنا الأدبي نقدم فيه الكاتبتين … دامي عمر و سناء هايل الصباغ في نتاج فني أدبي مختلف و متنوع مع إضاءة على قصة الكاتبة سناء للكاتب طارق سلمان. ويزين أربعاءنا اليوم لوحات للفنانة لينا بوغوصيان. استمتعوا معنا متمنين تواصلكم مع أربعاءاتنا الأدبية لعالم نوح

 أعزءنا، واليوم الأربعاء و هو أربعاؤنا الأدبي نقدم فيه الكاتبتين …  دامي عمر و سناء هايل الصباغ في نتاج فني أدبي مختلف و متنوع. ويزين أربعاءنا اليوم لوحات للفنانة لينا بوغوصيان. كما يكتب طارق سلمان تقدمة لقصة الكاتبة سناء هيال. استمتعوا معنا متمنين تواصلكم مع أربعاءاتنا الأدبية لعالم نوح

 

 

دامي عمر
Dami Omar

 

• سبية..

أشهد أنك الأول و الأخير

زماني
وأني من غيرك أجز جدائلي
وأقطع شرياني..
أسافر اليك
في عتمة الضوء
حين تغيب
من غير جسم
من غير عنوان
يا زمنا كحل بالسهاد أزماني
قيثارتك الثكلى
في الركن
تعانق أثر أنامل
كم أضرمت تياك الأنامل
نيراها…
..!!كم أضرمت نيراني
وكتابك المفتوح في صمم
يتلوك وشما على كبدي
يسح حزنا على أحزاني
حتى…
أص الياسمين
ذابل الأكمام
قد أفناه ما أفناني
عد إلي ولو … كذبا
قد ألفت أن لا أكذِّب فيك أوهامي
فلا اليقين يقيني
ولا لي في غير الوهم بديل ثاني
قد أضناني رملك
يفر من بين أناملي
أصحراء أنت
ووعودك كثباني؟!
تقول صديقاتي
ويلكِ خائن!
أقول …قدري وإيماني!
ذل على ذل.. !!
على حب…
تَثَرِيُّ الهوى!!
..وأنا
سبية حضرة السلطان..

دامي عمر

حول قصة (تبرع) للكاتبة سناء الصباغ

إضاءة أخرى ، تهدينا إليها الكاتبة سناء الصباغ بلغةٍ أنيقةٍ سهلةٍ، تحملُ تفاصيلَ شتى، حول الصّور اليومية التي نعايشها تحت سقف الوطن…
في البداية يأخذك عنوان القصّة خلف تأويلات عديدة ، لمَا يمكن أن يكون (تبرعاً) في عالمنا المادي الذي؛ أخلاقه لا تقبل هذه الكلمة في قاموسها. فنرى إحدى الشخصيات ترتدي معطف (شارلوك هولمز) محاولة تقصي، خبايا هذه الكلمة من وجه سيدة نزعت أقنعة الرضى والأمل والسكون، وتفجرت ألما عندما يكال لمساعيها الحميدة الصدّ والازدراء تحت عنوان واحد…
لوحة من لوحات فساد المجتمع تنقلها إلينا الكاتبة ، بلقطات متعددة تنقل القلق النفسي، الذي نتنفسه في حياتنا بأسلوب ساخر ووقع تراجيدي ، يختم النهاية المتوقعة…
طارق سلمان
اللاذقية

 

 

                    تَــــبَرُّع

              سناء هايل الصباغ

     


رأيتها أول مرة على باب تلك الدائرة الحكومية , سيدةٌ أنيقةٌ بلباس مترفٍ قليلاً نسبة للمواطنين الذين تحوّموا حول ذاك الباب الكبير … وكل واحد منهم يحمل مصنفاً تنوء أوراقه بحملها من التواقيع والطوابع المختلفة الأشكال والألوان ….


ثم صادفتها ثانيةً في بهو تلك الدائرة مع ثلة من المراجعين البسيطين بطلباتهم , ولكنهم بنفس الوقت مصرّين بعنادٍ على التشبث بمصنفاتهم التي تحتضن بين دفتيها تلك الطلبات ….

لكنها… تختلف عنهم بأن أرجلها _ على ما يبدو _ ما اعتادت الوقوف لساعات طويلة , ولا صعود ونزول الدرجات العالية, فقد ثنت ساقيها أكثر من مرة و رافق هذا الفعلَ علائمُ ألمٍ بادية ٌ على وجهها المرهق – والذي كان مطلياً ببعض مواد التجميل – …

أما المصادفة الثالثة للقائي إن جازت تسميتها – مصادفة – كانت في غرفة مدير مكتب "المسؤول" وتبدو عليها علامات التشنج والغضب, وقد وصلت لأذني بضعة كلمات تناثرت من حديثهما مثل: التبرع – المتبرعين – الثبوتيات لم تكتمل – المسؤول لديه اجتماع……….

و لأني كنت أعاني من ارتفاع ضغط عزوت سببه إلى الحر الشديد في الجو أو ربما قوة التكييف في الحافلة " المريحة جداً " التي أقلـّّتني من الكراجات إلى مركز المدينة , ثم برودة سيارة الأجرة "السريعة" التي استقليتها مباشرة من مركز المدينة حتى باب تلك الدائرة الحكومية دونما محطات توقّف أو إشارات مرور أو زحمة سير…!!!


أو ربما سبب ارتفاع الضغط كان سائق تلك السيارة اللطيف صاحب الدم الخفيف و العداد الظريف , الذي أعطاني نشرة مفصّلة و مجانية عن أحوال البلد و الطرقات و قوانين السير الجديدة …. وشرح لي تأثير مرسوم منع التدخين على السائقين , و كيف غدت أخلاقهم ضيّقة , ولم يعد هناك ما "يفشّون خلقهم" فيه سوى الزبون فقط – الثقيل الدم و البخيل طبعا ً-

أردف بجملة اعتراضية , و بشبه اعتذار لي , أو كإعلان مسبق بأني لست من هؤلاء , لأنه عند وصولنا للمكان المنشود… و- مقابل تلك النشرة المجانية – ابتسم لي عبر المرآة وأنامله الخشنة تقبض على ورقة من فئة المئتي ليرة التي أعطيته إياها للتو , مكشراً عن صفين من الأسنان الصفراء , وحروفٌ ممطوطةٌ تندلق من بينهما , ألّفت جملةً بالكاد ركبتها …. مفادها… " ما معي فراطة…!!"

المهم من كل هذا .. أني أعاني من ارتفاع ضغطٍ , و لا يهم سببه …

و لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل رافقه المٌ حادّ ٌ في الرأس , و لهذه الأسباب لم أحاول أن أسأل تلك السيدة عن سبب ترددها المتكرر على هذه الدائرة , و عن سبب غضبها المكبوت , – حتى الآن على الأقل –

لكني حاولت شغل ساعات انتظاري بالتفكير و التحليل وجعلت من نفسي "شارلوك هولمز" فبدأت أربط عدد مرات رؤيتي لها هنا … مع تفاصيل شكلها … مع بضع الكلمات التي حملها الهواء لأذني ّ في كل مرّة …. فأعملت ذاكرتي البوليسية من باب التسلية و تضييع الوقت , وكي لا يصل ارتفاع الضغط عندي حد َّ الانفجار….

تساءلت…. " ربما هذه السيدة تطلب عقد عملٍ – ولو مؤقت – … و لكن لا يبدو عليها الحاجة للعمل , فهي سيدة أنيقة وترتدي ثياباً مرفهة نسبياً , و ….

و عندها توقف نظري على صورتي في زجاج الباب المقابل , تذكرت "الماكياج" الذي أضعه على وجهي , و انتبهت لثيابي الأنيقة , ونظارتي الشمسية الفخمة التي أرفع بها شعري , والتي لا تدع أحداً يشك للحظة بأني اشتريتها من بسطةٍ على الرصيف المقابل للجامعة …!!

و تذكرت أيضاً بأني صادفت تلك السيدة بعدد مرات مراجعتي لتلك الدائرة , لأني أتردد إلى هنا منذ أكثر من شهر طالبةً عقدَ عملٍ مؤقت , بشهادتي التي حصلت عليها من خمسة أعوام فقط !!

إذن … الشكل ليس مبدأ… ولكن تذكرت نثرات الحروف و الكلمات التي تطايرت من حديثها مع المدير .. تبرُّع … متبرعين ….. هل يعقل أنها تطلب تبرعاً ماديا ً – كإعانة ٍ مثلا ً – ؟

لكن شكلها لا يوحي بـ….. مهلا ً ….. ألم نقل بأن الشكل ليس مبدأ ؟

حسنا ً ولكن على الأقل شكلها يوحي بأنها من عائلةٍ محترمة , وترتدي قطعة ذهبية …

إذن …. احتمال أنها تطلب عملا ً أكثر إقناعا ً من كونها تطلب تبرعا ً …..

لكن ماذا بشأن كلمة " التبرع " التي سمعتها بوضوح ٍ ؟؟؟

المحقق الجيد هو من يمسك بجميع أطراف القضية , فلا يغفل كلمة أو حرفا ً , إذن فلنبدأ منذ البداية …….

همهمة تجري في الممر خارج غرفة الانتظار , خرجت مسرعة ً لأرى عل َّ دوري قد حان بمقابلة " المسؤول " فقد خرج الضيف من عنده , لكن مدير مكتبه أخبرني بكل لطافة ٍ , أن أنتظر قليلا ً أيضا ً , فتلك الشابة ُ الجميلةُ التي حضرتْ للتو هي صحفية ٌ تعمل في مجلة ٍ خاصة , و قدِمتْ لتجري لقاء مع سيادته بناء على موعد ٍ مسبقٍ…..

و لأني أحترم المواعيد المسبقة , و أحترم لهجة المدير اللطيفة التي غالبا ً ما تحتوي كلمات منمقة مثل : " أنت عيني … على راسي … تكرم عيونك … آنستي………"

فقد عدت إلى كرسي ِّ المريح تحت " المكيّف " وقررت العودة إلى تلك السيدة التي غادرت الغرفة منذ قليل , قاصدة ً غرفة أحدهم في الطابق العلوي – بناء على نصيحة ذاك المدير اللطيف –

عدت إلى البداية , كلمة " التبرع " , إذا لم يكن شكلها يوحي بأنها بحاجة ٍ لتبرع ٍ ما… و لكنها لفظت هذه الكلمة , إذن هناك احتمال ثان ٍ لا ثالث له , بأنها تطلب تبرعا ً لإحدى الفعاليات في قريتها التي قدمت منها على سبيل الرعاية مثلا ً…. ربما حفلٌ لتكريم الأطفال المتفوقين , يحتاج إلى رعاية مادية , و تكون عندها تلك السيدة معلمة أو مديرة مدرسة مثلا ً , هذا احتمال ٌ مقنع… أو ربما تكون ناشطة في جمعية خيرية , وتريدُ إنشاء مشروع ٍ صغير في البلدة , و تحاول الحصول على الدعم المادي والرعاية , هذا أيضا ً احتمال مقنع ….. أو ربما …..

ربما نفذت احتمالات " شارلوك هولمز " ونفذ صبري معها , فلم تجد ِ كل محاولاتي البوليسية بالتغطية على ألم راسي الذي بدأ يشتدّ
و لكني رغم ذلك تحاملت على نفسي , و لم أجرؤ على إغضاب هذا المدير اللطيف بسؤالي عن موعد دخولي , لأنه يكره اللّجوجين – كما قال – و يحب النظام , و يكفي أنه أعطاني موعدا ً ثابتا ً اليوم , فلأنتظر…….

شغلت نفسي بالنظر إلى التلفاز , الذي تنبهت لوجوده الآن , فهو يعمل بشكل ٍ مستمر , لكن دونما صوت , فاكتفيت بقراءة الشريط الإخباري: ((الهجوم على قافلة الحرية … فضح أساليب إسرائيل وعرّاها أمام العالم …. امرأة ٌ تهز ُّ عرش إسرائيل بعد أن نجت من الهجوم على السفينة ….. إسرائيل باتت في وضع ٍ محرج ٍ أمام الرأي العام العالمي….. اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب…. قرار برفع الملف إلى مجلس الأمن……!!!!))

ألم رأسي يشتد … وارتفاع الضغط قارب حدَّ الانفجار … ولم أعد استطيع تمييز السبب …

ربما إشفاقا ً على وضع إسرائيل المزري بعد هذا الهجوم … فقد فضحها العرب والعالم …

مسكينة ٌ حقا ً … الكل يشجب ويستنكر أعمالها … لقد تعرّت أساليبها و مؤامراتها أمام العالم بعد أن كانت مخفية…. كانت قمة ً في اللطف والإنسانية و الآن انكشفت على حقيقتها … و أظنها الآن ترتعش مرعوبة ً, وتعاني – مثلي – من ألم حاد ٍ في الرأس, و ارتفاع ضغط ٍ … منتظرة ً عقوبات مجلس الأمن الصارمة ….!!!

الساعة توشك أن تعلن الثانية بعد الظهر… الآن فقط انتبهت للساعة واستدركت أني هنا منذ الساعة العاشرة صباحا ً … لا يهم الانتظار … المهم النتيجة … والنتيجة تقول : بأن الصحفية الجميلة قد خرجت للتو نافضة ً شعرها الأسود الطويل … وابتسامة رضا تعلو ثغرها, ترافقت مع نظرة ذات مغزى تبادلتها مع المدير العامر ِ بالمرح…

وخروجها يعني – بلا شك – أن دوري قد جاء أخيرا ً ….


وقفت باستعداد … رتّبت هندامي … تنفّست الصعداء … رسمت ابتسامة على وجهي, و نظرت باتجاه ذاك المدير الفرح … الذي بادلني بدوره بابتسامة ٍ, و أسبل عينيه , و شبك يديه أمام صدره , و انحنى قليلا ً إلى الأمام بحركة تدلُّ على اعتذار ٍ, و نطق جملته بمنتهى اللطف: (أنا آسف آنستي… الساعة الثانية … موعد اجتماع سيادته بالمدراء خارج الدائرة…!!!)

خرجت ألملم ما تناثر من حطام صبري على طاولة ذاك المدير السّمج , متفادية ً الرؤوس – التي أينعت فجأة ً بعد غفوتها تحت "المكيّف" – لتبدأ محاولاتها البوليسية لمعرفة سبب انفجاري , والذي شظّى غفوة انتظارهم…

و متفادية ً الأعين الفضولية التي تحلـّقت حول الباب الزجاجي للمدير الفظ..

فاصطدم الشرر المتطاير من مقلتي َّ مع بعضها … ومن بينها كانت عينا تلك السيدة التي أطلقت سراح غضبها أخيرا ً , وتناثر حطام صبرها , فاغرا ً لديَّ فاهَ الدهشة …

انطلقت خارج ذاك المبنى الكبير … الكبير … بحجم صبري…

ليتلقّفني شارع ٌ طويل ٌ … طويل ٌ … كانتظاري ….

و المفاجأة كانت أن الهواء المفعم بازدحام الناس على طول ذاك الشارع بترَ بحدّة ٍ ألم رأسي ، فشعرت براحة ٍ غير مألوفة لم يشُبْها سوى صوت السيدة التي لم تزلْ حروفها ترنُّ في أذنيَّ … واضعة ً نهاية ً لقضية "شارلوك هولمز" :

– (( إني سأقسم بالله العظيم …
أنك لو طلبت بعد طابعا ً أو توقيعا ً زيادة على هذا الطلب , سأحرقه …!!
و سأحوّلُ إلى سيارة أجرة , سيارة َ الإسعاف التي كنتُ أنوي التبرع َ بها لمستوصف البلدة…!!! ))

ســـناء هايل الصباغ

 

دامي عمرDami Omar

عذرية..
وهذا عشقي..
خمرة بغير وعاء
كسرت الدن تيمنا
بالتماع الإشارات
ونكست اللّحظ
في شقشقةالضوء
يشق صدر البدايات
وأنا ..بلورة
و العشق سيدي
نفَس الكائنات
تستعيد عند الفجر
صفاء الصحو
صحو الصباحات
نذرا ..على نذر،أحبك!!
بغير نسل..
غيما بغير ماء
أحبك..
نكاية في المهد و الوأد
في الوجع ..في اللحد
فلا أنا عشتار
ولا أصداف محارات
إنتظرني ألف عام
لؤلؤة !..يا هجعة المحيطات
وحين أخرج منك طفلة تحبو
كشعاع فجر
متثائب الخطوات
إمنحني عشب صدرك
كي لا تأخذني المتاهات!!

 

 

الفنانة لينا بوغصيان معرضها الفردي الأول في صالة سرمد من 1-11-2010