الأربعاء الأدبي الحادي عشر
- مارس 7, 2012
- 0
و هذا الأربعاء الأدبي أيضاً معنا الكاتبة منى وفيق و من مجموعتها القصصية com لُعَبْ www و من جديد معنا صديقنا الشاعر والكاتب طارق سلمان و يزين صفحة هذا الأربعاء بلوحاته الفنان نشأت المدرس. قراءة و مشاهدة ممتعة نتمناها لكم آملين تواصلكم.
و هذا الأربعاء الأدبي أيضاً معنا الكاتبة منى وفيق و من مجموعتها القصصية com لُعَبْ www و من جديد معنا صديقنا الشاعر والكاتب طارق سلمان و يزين صفحة هذا الأربعاء بلوحاته الفنان نشأت المدرس. قراءة و مشاهدة ممتعة نتمناها لكم آملين تواصلكم.
هـ و ة
ر لــــ
لمنى وفيق
يخيّم البياض على المكان .. تبدين متعجّلة .. ارتفاع سقف الغرفة خمسون مترا.. يشغلك الصّعود إلى أعلى .. الزّحام شديد.. أنف، أذنان، عينان، فم، عنق، يدان، رجلان، شعر .. الكلّ في سباق محموم من أجل الوصول إلى فوق .. تراوغينهم .. تتعثّرين .. تسقطين .. تعاودين الكرّة .. هذه المرّة تسرعين الخطى .. تصطدمين بهم عمدا .. تهوين مجددا .. تتعالى ضحكات الحيطان .. يكثر الهرج والمرج .. تغافلينهم .. تهرولين مسرعة.. الطريق طويل .. مسافة الوصول بعيدة .. يشكّلون سورا منيعا ضدّك .. ترتطمين به .. تذوين .. تتماسكين .. تستسلمين لذاك الخاطر .. تمشين الهوينى صوب الأعلى .. تمسكين بقوّة بالفم و تتسلّقين الأنف ثم الأذنين فالرّجلين واليدين والشّعر والفم و العنق .. تقتربين من مقصدك .. بقي خمسة أمتار .. متران .. هيلا هــــــوب.. تقعين .. يقعون معك .. أنف، أذنان، عينان، فم، عنق، يدان، رجلان، شعر.. ظلام دامس .. تتحسّسين جسدك .. تبدين متعجّلة .. عمق الحفرة خمسون مترا .. يشغلك النّزول إلى أسفل .. الزّحام شديد..
موسيقى الغبار
طارق سالم
اكتحلت السواد وتلثمت غطاءها الأبيض ، فاح عبير شعر خفيّ تراتب بشكل حلزوني خلف رأسها في ربطة محكمة ..
نظرت إلي من عينيها الواسعتين، ورنّت عبارتها المفضلة : إني أشفق عليك !
سيجارتي المحشورة بين فلقتي أصابعي صرخت بدخان عقيم، وأنّ اللهب الأحمر؛ وضحكت.
– لم تتغيري أيتها البتول، استبدلت أوراقك، وظننت أنك نحرت أشرعة الماضي بين تلافيف جبّتك وشرائطك.
– لم تحقد عليّ .. أنا التي أعلنت توبتي عن حبّك، عن خطيئة وجودك، واستغفرت لذنبي ونسيتك؛ في لحظة إشراق .. أحرقتك.
– ألن ترجعي إلى ذراعي إذاً وتتوهي في أخيلتي .
– انتظر هنا عندك .
رمت نفسها أمامي على باب المدخل وعبرت الرواق بسرعة باتجاه الغرفة الداخلية
مدّ صغيري ذراعه بدفتره الأحمر: سأسمعك اليوم ما تعجب منه يا أبي.
مسدّت ذقني الكثة، وأعدت تسريح شعري بيدي العاريتين، وانتظرنا إشارتها بالدخول.
– تفضلوا.
كانت الغرفة قد غدت عارية إلا من خطوط انحناءاتها، وتجاويف ورق الجدران في أماكن الرطوبة المعتادة. البيانو العتيق مازال يتوسط زاويته القديمة، اندفع إليه الصبيّ وعانق أصابعه ولثمها.
صورها الكثيرة غابت عن الوجود على الأقل أمامي ، تخيلت الأدراج ممتلئة بها ، كم كانت فخورة بعرضها ،لكنها الآن ارتضت السكون بابا ، وأزلجته بتمتمات حفظتها ورددتها حتى نسيت معناها .
رنت الأصابع لحناً حيياً بأنامل صغيرة متأتئة تحلم بامتلاك العالم في لحظات .
– هل تظنين أني نسيت صورتك، إنها هنا معلّقة حتى يذوي الزمان ..
كشرت عيناها ، وافترت شفاهها عن كلمتها :
– لقد صرت طليقتك وأنا محرمة عليك .
– ونسيت موسيقى قلبينا التي عزفناها معاً .
– لقد تعلمت لحناً آخر لا ينتهي.. خالداً سامياً ،لا ينحني ولا يموت.
كنا غريبين فيما تبقى منا، كالعيون التي تحدق بيننا، تحاكي ما سكتنا عنه وتنتظر.
خافت أنامل الصغير واختبأت في صدره ترتجف، أمسكت به وغمرت رأسي بشذى شعره الخرنوبي، وضعته على ضلعي المفقودة، وعزفت معه ما نسينا أن نسمعه؛ طرقات ..طرقات..
صوت الآذان أسكت الصمت، وأفقد الحواس اتصالها بالسكون وما بعده ..، عبق شعره المجعد الصغير فاح بحرارة الغار، مع تصاعد اللحن وانزوائه في آذانهم المفعمة بالصدى ..
وحدها أصابعها الشفافة تطرق زجاج نوافذ عبث الغبار بأركانها وأحالها مرايا تنتظر من ينظر في عينيها .
طارق سلمان ـ اللاذقية
مشجب ضَبْطْ
منى وفيق
.. ليس بالضّبط ..
رصاصكَ متردّد. يُشعرني بالكثير من الإحباط .هلّا كنتَ أكثر دقّة من فضلك . تريدني أن أستقبحك ؟ ماذا؟؟ تقول أنّك مصنوع من كاربون غير مخلوط بالطّين؟ أووه ، يالك من قلمٍ مسالم !!؟؟
سوف أثق بك ، لكن رجاء تذكّر جيّدا هذه المرّة والتي تليها أنّه رُمي بي في النّقطة الوسط من العالم ، و أنا متأكّدة تماما من هذا ، حينها لقفني المشجب الهوائي المرتخي ، غير أنّني وُضعت تحت أسماء العابرين وليس فوقهم .. اتّفقنا؟؟
هيّا .. خطِّط ..ارسُم .. اكتُب..
.. ليس بالضّبط..
أهذا هو صدركِ الباذخ يا ممحاة ؟؟ تلتوين بهذه البساطة حين تمتصّك زهرة الصبّار القابعة تحتي على المشجب؟ ألهذه الدّرجة أنا شفّافة لا أُرى أو لا أُحَسّ ؟ أم تُراني لا أهمّك ؟؟ تشطبينهم وتشطبينني ..من سيعيدني يا لعينة؟؟!!!
تسرقين جلّ ما جنيت من تفّاح وأناناس من المشجب وتهربين؟؟! لا عقل للشّجرة ؟؟؟ والدّهشة تختبئ من العالم؟؟؟
أنتِ وراء كلّ هذا؟ تهربين من النّحت لأنّه مهنة غيرُ ذاتِ غواية وأنتِ أكثر تطرّفا؟؟
أووف .. لماذا أنتِ نصف مــــــارقـــــةٍ كالفتاة الثعبان؟؟ تبّا لكِ ولها…
.. بالضّبط..
.. لا داعي للاستغراب سيّدتي الورقة. لم تتوبي بعد ولن تفعلي. تعشقين الملكيّة وإن كانت بصيغٍ مختلفة. تشبهين الشّتاء لكنّني سأتجاهل بردك وسوف أحضنك، جِدي لك حصانة غيره إذن. لا تتناسي المدن الخجولة والصّخور المعلّبة والبرتقال المجانيّ.. اضبطي كلّ شيء.. كلّ شيء..
إيّاك ألّا تتخلّي عن ظلّك ، أغلقي بياضك عمّن دون النّدى . من غير المهمّ ألاّ يكون لديك برواز يخفّف حِدّتك.
لن أطالبك بالشّاي والبسكويت اللّذين اختفيا من على الطاولة التي صارت جلد رِجليَّ ..
انقلي سريري حيث شئتِ. ومُشطي يفشي السّلام عليك .ما بالك تتكبّرين عليه . و تلك المسامير مازالت في انتظارك.. العمل كثير..
أنتِ الآن تضبطين المشجب والقلم والممحاة. كأنّك أصبحتِ مشجبا؟؟؟؟؟
منى وفيق
الطيور المهاجرة
طارق سلمان
لون شعرها أذهله ، أدخله عباءة السراب ، وعبث بأطياف عروشه ، واختبأت وراء ضحكتها أزهار ألف نهار ونهار ..
رآها كعطر عصور غضة ، التبس ماضيها وراء الغياب ..
استفاق في هزيع الليل الأخير على زعقات الرصاص ..،دارت عيناه حول محجريهما ،وطافت في البناء المتمترس خلف الهضبة ، أذناه لا تصدقان الصوت الذي يسمعه . عبس بأضواء المدينة البعيدة ،والتحف سلاحه البارد إلى صدره المتعرق .
أصوات اللقالق ملأت رحب السماء في الصباح ، وكأن صداها مازال يتردد في أرجاء الأشجار الملتفة حول نفسها والمعسكر .لاشيء يحدّ السواد في نفسه إلا تلك الذكرى ذات اللون الخرنوبي .
رن الهاتف خارقاً سكون الليل كمطرقة حداد .
– انتبه .. ابق يقظاً
حرك ذقنه متلقياً أوامر معتادة أكثر من اللزوم ، وانحنى مسترخياً، وكأن تلك الكلمات قد أشعرته بالراحة ، وملأت صدره المتيبس بقليل من الضوء. حاول إغماض عينيه والتقاط براعم الذكرى ، أو حتى بعض يقظاتها ، لكن صوت الليل انتشى في رأسه ، وسكن .
لأول مرة شعر بخوف من هذا الهدوء . لاشيء .. حتى همسات الأغصان هدأت . حرك أذنيه بطريقته التي ميزته عن رفاقه ، وجعلت منه موضوع سخرية لأيام بعيدة ..
تمنى لو أنها تلمس بأصابعها الرقيقة أذنيه الحمراوين ، وهما تتحركان نحوها تتمايلان لاختلاجات العروق في نحرها الأبيض ..
صفرت رصاصة مخترقة الزجاج ، واستقرت في كتفه الأيمن ، شعر بوهج يتدفق من أسفل رقبته .. لتتلقفه أخرى لكنها لم تصل إلا لحدود شعره .
أصابعه القابضة على المخزن المربوط بشرائط حمراء تشبثت بالزناد ، وعينه الغابشة التقطت أخيلة القادمين ،رأت أرجلاً تقتحم الخلوات وتواصل الزحف نحو المعسكر .
مقبض الهاتف الأسود كان متدلياً وقد شهق آخر أنفاسه ، والصدى حفيف أقدام ، وهمهمات .. وقليل من الصرخات ..
لأول مرة شعر بالخوف عليه ، ذلك الجسد البارد الذي أضحى جزءً منه لطالما خاف منه ومن أفعاله وأزيزه وهو يرهب العصافير فوق أغصان الصنوبر ..
صورتها بين عينيه تشظت ، وكتفه النازف أضحى قطعة من نار تلتهم الأصابع وتتقاطع مع الزناد في طلقات تحذيرية ، ما لبثت أن اخترقت الأجساد المهاجمة ..
لم يعد هناك عصافير تزقزق ، أو ترفرف بعيداً ، كان هناك أجساد تنازع الأنفس بروية وصمت.
أمسكه بقبضتيه وهو يشده إلى قلبه الخافق ، ذاك المقبض البارد أضحى ساخناً ، وكأنه أخرج كل مكنوناته ، آلامه وأحزانه … وشهقاتها وهي تندس بين الجموع الهاربة .
طارق سلمان