نقدم بعض فقرات كتاب “المسيحية في سورية، تاريخ وإشعاع”جـ1 للموقر الأرشمندريت أغناطيوس ديك.
وهذه الفقرات لا تغني عن قراءة الكتاب كاملاً لأنه رائع ومفيد وشيّق. ونحن نقدم جزيل الشكر للأرشمندريت أغناطيوس ديك بسماحه لنا تقديم ما نود من كتابه هذا.

الأرشمندريت أغناطيوس ديك

الأرشمندريت أغناطيوس ديك

المسيحية في سورية
تاريخ وإشعاع
المجلد الأول
العصر القديم
من نشأة المسيحية إلى الفتح العربي
حلب 2007

إهداء

إلى أبناء سورية الحبيبة

أهدي كتابي هذا
ليطّلع مواطنونا
على غنى تراثهم الديني والحضاري
ويتابعوا مسيرتهم
في الولاء لوطنهم
ضمن العيش المشترك
وليكن ماضينا المجيد
حافزاً لصنع مستقبل مشرق

المؤلف

مقدمة عامة
سورية ملتقى الحضارات ومهد المسيحية
هذا الشعار أطلقه الرئيس الدكتور بشار الأسد
للإعداد لزيارة قداسة البابا
يوحنا بولس الثاني التاريخية إلى سورية في أيار 2001

ليست المسيحية إحدى الحضارات التي تعاقبت على سورية واندثرت. إنها رغم تقلبات الزمن لا تزال حاضرة وفاعلة وإحدى مقومات نسيج المجتمع السوري التعددي.
ولد المسيح في فلسطين وانطلقت بشرى القيامة من القدس داعية إلى الإيمان الجديد والأخذ بالمبادئ الإنجيلية. طُرد الرسل من فلسطين فانطلقوا إلى سائر أنحاء سورية حيث أعلنو البشارة وأسسوا الجماعات المسيحية الأولى.

جميع المؤرخين الذين عالجوا تاريخ الكنيسة لا سيّما في العصور القديمة لم يسعهم إلا أن يتوقفوا مطولاً عند سورية التي لعبت دوراً رئيساً في أهم الأحداث. وتاريخ الكنيسة السورية أو الأنطاكية بدوره ليس بمعزل عن الأحداث العامة التي شغلت الكنيسة الجامعة, ولا عن التطورات السياسية والحضارية في المنطقة.

معطيات العهد الجديد
انطلاقة المسيحيّة
ينتسب المسيحيّون إلى المسيح وهو يسوع الناصري الذي ولد في بيت لحم في أيام هيرودس الكبير كيرينيوس الوالي الروماني على سورية في عهد الإمبراطور اوغسطوس قيصر. وبعد أن ترعرع في الناصرة بدأ رسالته العلنيّة في سن الثلاثين (السنة الخامسة عشرة لطيباريوس قيصر) "وكان يسير في الجلل كلّه يعلّم في المجامع ويعلن بشارة الملكوت ويشفى الشعب من كلّ مرض وعلة. فشاع ذكره في سورية كلها". (متى 4/22/24)
وتجاوز يسوع حدود فلسطين وتبعته جموع من سائر اليهودية وساحل صور وصيدا (لوقا617), إذ ذهب إلى نواحي صور وصيدا (متى 1520) و"وصل إلى نواحي قيصرية فيلبس". (متى1613) وهي بانياس في الجولان السوري. وتجوَل في المدن العشر, شرقي الأردن. وقام بعدة زيارات إلى القدس مركز اليهودية ماراً بالسامرة أحيانا وبعبر الأردن أحياناً أخرى. وعلّم في الهيكل الأرشليمي. واصطدم مع زعماء اليهود الدينييّن: الكتبة والفريسيّين لأنه ناقض تفسير هم الضيق للشريعة, لا سيّما لشريعة السبت وتزمّتهم تجاه الخطأة مظهراً محبة الله للبشر ورحمته الأبويّة وتجاهل امتيازاتهم.
ويبدو أن تسمية "المسيحيّين" انطلقت من الأوساط اليونانيّة, أمّا يهود فلسطين فيطلقون على أتباع يسوع لقب "النصارى" فقد ورد على لسان اليهود الذين شكوا بولس لدى الحاكم فيليكس في قيصرية: "وجدنا هذا الرجل آفة من الآفات, يثير الفتن بين اليهود كافة في العالم أجمع وأحد أئمّة شيعة النصارى". (اعمال 2425) وهذه هي المرّة الوحيدة في العهد الجديد التي يسمّى فيها المسيحيّون "نصارى على مثال يسوع الناصري.

وقبيل الوصول إلى دمشق حدث تبدّل جذري في حياة بولس فانقلب من مضطهد شرس للمسيح إلى أعظم الداعين للإيمان به. ويعزو بولس هذا التبدّل إلى مداخلة مباشرة من المسيح القائم من الأموات الذي تراءى له وأوعز إليه أن يكون رسوله إلى الأمم.

نشأت الكنيسة الأولى في القدس وانفتحت على الوثنيّين وأخذت طابعها الشمولي في أنطاكية ومنها انطلقت إلى العالم.

ولكن يعود إدخال الحضارة اليونانيّة إلى سورية إلى فتوحات الأسكندر الكبير الذي دخل سورية عام 331 قبل الميلاد وتوفي عام 323.

فكان سكان سوريّة عند بروز المسيحية مزيجاً من اليونان ومن الآراميّين السوريّين الذين تأثّروا بالحضارة الهلّنستية وساهموا في رقيها بمؤلّفاتهم الأدبية والفلسفيّة والعلميّة, والآراميّين السوريّين الذين ظلّوا على سجيّتهم ولم يتقنوا اليونانية. وكان التأثير اليونياني شبه معدوم في الأرياف والمناطق الشرقية.
الحكم الروماني
استولى الرومان على سوريّة عام 64 قبل المسيح وأبقوا لفترة على الاستقلال الاسمي للدويلات التي نشأت في سورية أواخر العهد السلوقي (الكوماجين مع عاصمتها سميساط, مملكة الرها مع أسرة الأباجرة, اليهودية التي آلت إلى هيرودس, ايطوريا العربية في جنوب البقاع وعاصمتها عنجر خلكيس, مملكة الأنباط, الحكم الذاتي لحمص, مملكة تدمر).

لم تعط رومة لسورية دفعا حضاريّا جديداً, إذ إنّ هذه كانت مشبعة من الحضارات السامية القديمة والحضارة الهلّنستيّة, إنّما أقرّت رومة الأمن الداخلي والاستقرار. وأشادت الطرق وأصبحت المواصلات سهلة وآمنة برّاً وبحراً. وانفتح أمام سورية مجال الإمبراطوريّة الواسعة الممتدة من انكلترا إلى إيران.

ظلّت العبادات الساميّة القديمة قائمة. الإله إيل ورفيقته اشيرا كانا أهم المعبودين لدى الكنعانيّين. وفي عصر الآراميّين برز حدد إله الرعد ورفيقته أثار غاتيس التي كان لها معبد هام في منبج. وتبنّى السلوقيّون اليونان هذه الآلهة ودمجوها بمعبوداتهم زفس وأفروديت. وقام الرومان باندماج مماثل فتماهى جوبيتر الشرقية وغزت هذه الديانا رومة نفسها. وقام تنافس في العاصمة بين أتباع الإله ميترا الفارسي والإلهة ايزيس المصرية.

كانت الدعوة المسيحيّة تتعارض كليّا مع الذهنيّة السائدة. فعقيدتها تدعو إلى التخلّي عن العبادات الرسميّة التي كانت تساندها الدولة وعن عبادة الإمبراطو وتنادي بإله واحد خالق كل شيء تجلّى في ابنه الوحيد الذي تجسّد وصلب وقام من بين الأموات. وأخلاقياتها تدعو إلى المحبَّة والسلام والتساوي بين البشر وبين السادة والعبيد وتشجب الإباحية الجنسيّة المتفشيّة في المجتمع.
وكان الداعون لهذه الديانة الجديدة أناساً عاديّين ولم يكن لمعتنقيها طمع في أي منصب أو مغنم, بل كانوا عرضة للاضطهاد وفقدان كلّ شيء.
ومع ذلك انتشرت المسيحيّة وانتصرت في آخر الأخر على الوثنيّة بقوّة الإيمان وشهادة المحبّة والتأييد العلوي.

"وكان سلوكهم يتميَّز بالمحبّة حتى أن الوثنيين كانوا يقولون انظروا كيف يحبّون بعضهم بعضاً وقد نظمت الكنيسة الإعانة للفقراء والأرامل والأيتام وتجلّت بطولة المسيحيّين أثناء الأوبئة والمجاعات وتبيّن تفوقهم بذلك عن الوثنيّين.

وقد اختار نَيرون ضحاياه بين المسيحيّين للسببين التاليين:
أولا- رغبته في إرضاء اليهود الذين كانوا يكرهون المسيحيّين كراهيةً عميقة, فقد اتّصلوا بعشيقة نَيرون بُوبيّه اليهوديّة وحرَّضوها عليهم فكان لها اليد الطُولى في حَمل العاهل على اضطهاد المسيحيّين.
ثانياً ـ تخوّف الوثنيين من المسيحيّين، الذين كانت تحيط بهم هالة من الأسرار. وهذا ما حدا بالوثنيين على افتراء الكذب عليهم، فنسبوا إليهم أعمال الكِفر والفِسق والظُلم، …
وقد تمتّعت الكنيسة بهذا الهدوء في أيام الأباطرة السوريّي الأصل. فكان كاراكلا (211-217) والاكبال (217-222) والإسكندر سفيروس (222-235) من أنصار المسيحيّين, وقد وضع هذا الإمبراطور الأخير في معبده الخاص صورة السيّد المسيح مع رسوم الآلهة وأقرّللمسيحيّين حقَّهم في عبادة الله كما يشاؤون وفي بناء دور للعبادة خاصة بهم.

وارتقى العرش بعد فترة من الاضطراب فيلبُّس العربيّ (244-249) وهو من حوران. وكان صديق الأساقفة والكتّاب المسيحيّين, وخصوصاً صديق أوريجانوس الكاتب المسيحيّ الشهير, وقد قيل عنه إنّه كان مسيحيّاً في الخفاء. ويقول أوسابيوس المؤرّخ الكنسي في مطلع القرن الرابع, إنَّ بابيلاس أسقف أنطاكية قد فرض عليه أعمال التوبة لأنه توصّل إلى سُدّة الحكم بواسطة انقلاب دموي.

وكان الاضطهاد شديد الوطأة على نصارى سورية وفلسطين ومصر وتعب ديوقلسيانوس من سفك الدماء, فاستقال من الحكم هو مكسيميانوس سنة 305.
تأثّر التقليد الليتورجي الكنسي بإنجيل يعقوب, وكان إنجيل العبرانيّين والأبيونيّي معروفاً في الجزيرة العربيّة ويقرأ فيه القسّ ورقة بن ذوفل في مكة. أما إنجيل بطرس الذي يعود إلى النصف الأول من القرن الثاني فيحمل آثار تدلّ على أنّه دوّن في سورية.
الرسالة أهل أفسس: من أغناطيوس المدعو الحامل الإله (ثاوفوروس) إلى الكنيسة المباركة المغبطة جداً التي في أفسس من أعمال آسيا, سلام وافر ومسرّة مقدسة بيسوع المسيح00
الأفضل أن نصمت ونكون من أن نتكلّم ولا نكون. جميل أن يعلّم الإنسان والأجمل أن يفعل ما يعلّمه000 من يملك فعلا كلام يسوع يمكنه أن يسمع صمته.
لا تخدعنّكم التعاليم الغريبة ولا تلك الأساطير القديمة التي لا فائدة منها. إذا كنّا نحيا حتى الآن حسب الناموس اليهودي فإننا نعترف بأننا لم نأخذ بعد النعمة أولئك الذين عاشوا وفقاً للنظام القديم واحتضنوا الرجاء الجديد لا يحفظون السبت بل الأحد الذي أشرقت فيه شمس حياتنا بواسطة المخلّص وموته.
حاولوا أن تثبتوا في عقائد الربّ والرسل حتى تنجحوا في أفعالكم في الجسد والروح, في الإيمان والمحبّة, في الأب والابن والروح القدس, في البدء والنهاية بالإتفاق مع أسقفكم الجليل ومع الإكليل الروحي الثمين المتمثّل في كهنتكم وشمامستكم. أطيعوا أسقفكم وبعضكم بعضاً كما أطاع المسيح بالجسد الأب وكما أطاع الرسل المسيح والأب والروح القدس حتى تكون الوحدة جسديّة وروحية.
يقول يوستينوس عن الإنتحار: إن ذلك مناف لإرادة الربّ. إننا لا ننكر وضعنا أمام القضاة لأننا نشعر أننا غير مذنبين, ونعتبر أنه من الكفر أن لا نقول الحقيقة في كل مجال. إنّ الاضطهادات هي بتحريض من الأباسلة الذين يكرهون الحقيقة والفضيلة. وقد لاحقوا من قبل أبرار العهد القديم والعالم الوثني. وما كان بوسعهم أن يمسّوا المسيحيّين بالسوء بدون سماح الله الذي يريد أن يقود أتباعه عبر المحن إلى كمال الفضيلة والسعادة الأبديّة. والاضطهادات تتيح أيضاً للمسيحيّين أن يظهروا بجلاء تفوّق ديانتهم على الوثنيّة. وفي الختام يناشد الإمبراطور مجدّدا أن يراعي في حكمه على المسيحيّين العدل والتقوى ومحبّة الحقيقة.
يؤمن المسيحي بالله الخالق الأوحد وبمحبته السامية للبشر أجمعين. وقد تجلّت محبّة الله عندما أرسل ابنه الوحيد المولود قبل الدهور إلى العالم فادياً ومخلّصاً ليضمّ إلى أسرة الله الواحدة جميع الخلائق البشرية.
اتّصفت حياة المسيحيّين بنبل الأخلاق ومسموّ العواطف, ونقاوة السيرة وممارسة المحبّة الأخوية المتبادلة في عالم وثني غليظ عمّ فيه اللهو وانتشر الفسق وسيطرت القساوة وشراسة الأخلاق.
وبُنيت الأسرة المسيحيّة على المساواة الطبيعيّة بين الرجل والمرأة وعلى الأمانة الزوجية المتبادلة, وعامل المسيحيّون الأثرياء عبيدَهم معاملة رقيقة, فأزال حنانُ الروح المسيحيّة في بادئ الأمر كلّ ما في نظام الرقيق من حدّة واستبداد, إلى أن ألغاه تدريجيّاً إلغاء تاماً.
واستنكر المسيحيّون حياةَ البذخ والترف والتبذير, فأخذوا يوزّعون على الفقراء والمحتاجين ما فاض عنهم من أموال وخيرات ماديّة.

عندما تأسست الكنيسة في القدس التفّ المؤمنون حول الرسل الأثني عشر. فأخذ هؤلاء على عاتقهم مهمّة إدارة شؤون الكنيسة بزعامة بطرس الرسول الأول. ولمّا كثُر المؤمنون وتعدّدت مطالبهم اختار الرسل سبعة شمامسة ليساعدوهم على تسيير الأمور الماديّة, وكان استفانوس الشماس أكثر السبعة غيرة وأوضحهم كلاماً.
وشنَّ اليهود على المسيحيّين اضطهاداً عنيفاً, فتبدد الرسل وانتشروا في البلاد المجاورة, فأسسوا كنائس جديدة أقاموا عليها في مختلف المدن مجالس كهنة عهدوا إليهم مهمّة ممارسة السلطة الروحيّة والزمنيّة تحت إشرافهم الأعلى, ولمّ شعروا بأنّهم مالوا إلى الكبَر والشيخوخة منحوا بعضاً من تلاميذهم الكهنة مثل تيطس وتيموثاوس السلطة الأسقفيّة الكاملة. وذلك بغية رسامة الأساقفة والكهنة وإدارة شؤون الكنائس فأصبحوا خلفاء الرسل.
وظلّ الأساقفة حقبةً من الزمن يتنقّلون من مدينة إلى أخرى لا يستقرّون في موضع ثابت. فانحصرت السلطة المحليّة في المدينة بين أيدي الكهنة الذين كانوا يمارسونها بطريقة جماعيّة. ثمّ تبدّلت الأنظمة في نهاية القرن الأول, فاصبح لكلّ مدينة أسقف واحد مستقرّ فيها يسوس أمورها الروحيّة والماديّة ويخضع له لفيف الكهنة والشمامسة. وقد انتشر هذا النظام انتشاراً سريعاً وعمّ أطراف الدولة الرومانيّة في منتصف القرن الثاني.
أورشليم أم الكنائس إذ فيها تمّ سرّ الفداء ومنها انطلقت الكنيسة يوم العنصرة, إلا أنها فقدت دورها القيادي بعد دمار المدينة على يد الرومان عام 70 (تيطوس) ثمّ عام 135 على يد هادريان بعد قمع ثورة باركوكبا. وحظر هادريان على اليهود الإقامة في المدينة المقدّسة. وأقام فيها مستعمرة رومانية باسم ايليا. وتشتّت المسيحيّون الأوائل من أصل يهودي على إثر الحرب ولجأوا لفترة إلى مدينة فحل جنوب طبرية. والمسيحيون الذين سكنوا مجدداً في المدينة بعد 135, تجذبهم ذكرى الأماكن المقدّسة, كانوا من أصل غير يهودي. وأخضع أسقف المدينة إداريًّا لسلطة أسقف قيصرية مركز الحكم الروماني في فلسطين. واستعادت القدس أهمّيتها بعد أن شيّدت فيها الكنائس في الأمكنة المقدّسة لا سيّما كنيسة القيامة واجتذبت الحجاج من سائر أقطار العالم, وأقرّ لها المجمع الخلقيدوني بالإشراف على أقاليم فلسطين الثلاثة.
دخلت المسيحيّة باكراً إلى الرها والمنطقة المحيطة بها. وفي أواخر القرن الثاني اعتنق الابجر التاسع الديانة المسيحيّة وتبعه عدد كبير من السكّان. وقضى كراكلا (حوالي 216) على استقلال الرها الذاتي وضمّها إلى إقليم ما بين النهرين ثم أصبحت قاعدة لإقليم خاص دعي باسمها الاسروهين (أو أسراهوني)
بصرى
استولي تراجان على المملكة النبطية عام 106 وحوّلها إلى ولاية رومانيّة سمّاها "العربية" وقاعدتها بصرى.
زار القديس بولس المنطقة بعد اهتدائه في دمشق وقبل أن يتوجّه إلى القدس (غلاطية 117).
وتسرّبت البشرى الإنجيليّة إليها على يد المسيحيّين من أصل يهودي الذين هربوا من فلسطين من جرّاء الحرب مع الرومان. وبدأت المسيحيّة تنتشر في الخفاء في القرنين الأولين.
قيصريّة فلسطين
قيصريّة قاعدة الحكم الروماني في فلسطين. جاءها القديس بطرس ليعمّد قائد المئة كورنيليوس وهو أول وثني ينتمي إلى المسيحيّة. (أعمال 10) ومرّ بها القدّيس بولس في رحلته الأخيرة إلى القدس, وكان يبشّر فيها فيلبّس وهو أحد الشمامسة السبعة فأقام عنده (أعمال 218)واقتيد إليها بولس بعد اعتقاله في القدس وأقام فيها أسيراً زهاء عامين إلى أن رفع دعواه إلى قيصر فرحلوا به رومة (أعمال 2323 إلى 2632).

صور
فقدت صور في ظلّ الحكم الروماني مكانتها السياسيّة القديمة إلا أنها ظلّت مرفاً تجاريّا هاماً ومركزاً ثقافيًّا.
يشير سفر أعمال الرسل إلى أن الذين تشتّتوا إثر استشهاد استفانوس انتقلوا إلى فينيقية وقبرص وأنطاكية. (1119-20) ولمّا توجّه بولس إلى القدس في رحلته الأخيرة توقّف في صور وكان فيها جماعة من التلاميذ"000 فلمّا بدت لها قبرص تركناها عن يسارنا واتّجهنا إلى سورية فوصلنا إلى صور لأن السفينة تفرغ فيها حمولتها. ووجدنا التلاميذ هناك. فأقمنا سبعة أيام. وكانوا يسألون بولس يوحي من الروح ألاّ يصعد إلى أورشليم. ومع ذلك فلمّا قضينا تلك الأيام خرجنا نريد الرحيل. فشيّعنا جميع التلاميذ مع النساء والأولاد إلى خارج المدينة فجثونا على الشاطئ وصلّينا. ثم ودّع بعضنا بعضاً, فركبنا السفينة وعادوا هم بيوتهم". (أعمال 213-6)
ونمت الخليّة المسيحيّة وأخذت مكانتها ضمن المجتمع الوثني.
أواخر القرن الثاني فصلت فينيقية عن إقليم سوريّة. وأصبحت صور قاعدة الإقليم وهو يمتد إلى دمشق وحمص. وفي أواخر القرن الرابع قسّمت فينيقية إلى إقليمين: فينيقية البحريّة وقاعدتها صور وفينيقية اللبنانيّة وقاعدتها دمشق.
اللاذقيّة
تقع اللاذقيّة بين فينيقية وأنطاكية, وهناك رواية دوّنت أواخر القرن الثاني تقول إنّ القديس بطرس مرّ بها وبشّر فيها. ولا شكّ أن المسيحيّة دخلت إليها منذ العهد الرسولي. وإنّ التاريخ حفظ لنا سلسلة أساقفتها منذ أواسط القرن الثالث.
دمشق
كانت دمشق لدى نشأة المسيحيّة تضمّ جالية يهوديّة قدّرها المؤرّخ اليهودي فلافيوس يوسف بخمسين ألفاً00 ولذا كان لها وضع خاص وترتبط بمحفل القدس. وكانت المدينة تحت تفوذ ملوك الأنباط الذي كان لهم ممثل في المدينة.
تسرّب الإيمان المسيحي إلى الجماعة اليهوديّة في دمشق منذ السنوات الأولى للبشارة الإنجيليّة وأوفد شاول ليقبض على الداعين باسم يسوع. وكان ما كان على طريق دمشق إذ تحوّل شاول من مضطهد إلى أكبر داعية للدين الجديد (أعمال 9) وإن الذي قبل شاول في الميحيّة وعمّده رجل اسمه حنانيا, ويعتبره التقليد أول أساقفة دمشق.
عكّا (بتولمايس)
مرّ بها القديس بولس بعد أن ودّع الأخوة في صور متّجها إلى قيصريّة فالقدس في رحلته الأخيرة: أمّا نحن فلمّا أنهينا رحلتنا من صور وصلنا إلى بتولمايس فسلّمنا على الأخوة وأقمنا عندهم يوماً واحداً". (أعمال 217)

غزة
دخلت المسيحيّة غزة منذ عهد الرسل. يذكر سفر أعمال السل أنّ فيلبس الشماس بشّر خادم كنداكة ملكة الحبشة وعمّده في الطريق المنحدرة من أوشليم إلى غزة (أعمال 826-39) وأما فيلبس فقد وجد أزوت (إحدى مدن الساحل الجنوبي الفلسطيني) ثم سار يبشّر في كل مدينة حتى وصل إلى قيصريّة.
حمص
في مطلع العهد المسيحي كانت حمص تحت إمرة ملوك عرب تربطهم نسابة مع ملوك اليهوديّة ودخلت تحت الحكم الروماني المباشر في عهد دوميتيانوس (81-96) وامتازت حمص بمعبدها لإله الشمس المكرّم تحت شكل الحجر الأسود.
واكتسبت حمص أهميّة خاصة لمّا اقترن الإمبراطور سبتيموس سفيروس بابنة باسيانوس الكاهن الأكبر للمعبد, جوليا دومنا ومن زواجهما ولد الإمبراطور كراكلا, وخلفه الوجابال ثم الإسكندر سفيروس من السلالة نفسها. ولعبت حمص دوراً أساسيَا في عهد اذينة وزوجته زنوبيا.
انتشرت المسيحيّة في حمص في عهد مبكّر. وأول شهادة على تواجد المسيحيّين فيها ما ورد في سفر الأحبار الرومانيّين الذي يشير إلى أن أسقف رومة انيكيتوس (154-166) من مواليد حمص في سورية . وقد التقى به بوليكربوس أسقف إزمير في رومة وقد طلب انيكيتوس منه أن يرأس الاحتفال الافخارستي. واتفقاعلى أن لا يكون الاختلاف بشأن تاريخ الفصح عائقاً للشركة.
بعلبك
يرد في سيرة البارة الشهيدة افدوكيا أنها كانت تعيش في مطلع القرن الثاني في بعلبك واهتدت إلى الإيمان المسيحي وعمّدها ثاوذوتوس أسقف المدينة. مما يدلّ على تأصّل المسيحيّة في هذه المدينة المشهورة بهيكلها الوثني منذ أواخر القرن الأول. ولكن الصحة التاريخيّة لهذه السيرة غير ثابتة.
طرسوس
طرسوس هي المدينة التي ولد فيها القديس بولس, عاصمة كليكيا المرتبطة بأنطاكية. وقد أقام فيها فترة بعد اهتدائه (اعمال 930) ثم استدعي منها إلى أنطاكية (أعمال 1125) ولا شك أنه أخذ يبشّر فيها باسم يسوع..
الانتصار الأول للمسيحيّة إثر صمود أبنائها في الاضطهاد الكبير كان اعتراف الدولة بشرعيتها. يعتبر مرسوم ميلانو عام 313 الشرعة الأولى للحريّة الدينيّة التي نعم بها المسيحيّون ولكن سبقه مرسوم غاليروس عام 311 الذي أوقف رسميّاً الاضطهاد.
وتضاءلت الوثنيّة كثيراً في الشرق فلم يبقَ لها أتباع إلا في بعض المناطق الجبليّة المنعزلة وفي الأوساط الفلسفيّة اليونانيّة. وللرهبان السوريّين دور هام في تنصير الريف السوري, واعتنقت القبائل العربيّة النصرانيّة بفضل تبشير الرهبان لا سيّماس معان العمودي ولتجاورها مع الأغلبيّة المسيحيّة.
وبدا أنّ أمل التفاهم قد تبدّد. والمتشدّدون من الأنطاكيين مثل الإسكندر أسقف منبج رفضوا متابعة الحوال إلى أن يتراجع كيراس عن حروماته الأثني عشر. أما يوحنّا فكان مستعدًّأ للقيام بخطوة جديدة اتّفق مع اكاكيوس أسقف حلب على إيفاد بولس أسقف حمص ليكون رسول السلام إلى الإسكندرية وزوّد يوحنّا الموفد برسالة تعبّر عن الأمل بأن يوضح كيرلس عباراته.

جرت الكنائس على السنن والتقاليد الموروثة من السل ومن الجماعات الأولى. ولمّا ظهرت أوضاع ومشاكل جديدة اضطرت إلى معالجتها وسنّ القوانين الملائمة. وكانت مسؤولية التشريع تعود إلى الأساقفة الملتئمين مجمعيّاً. فنشأ التشريع الكنسي إلى جانب التشريع المدني الذي يسنّه الأباطرة. إلا أن المسافة بين التشريعين ما زالت تتضاءل لأن الأباطرة أخذوا يستوحون تعاليم الإنجيل والأخلاق المسيحيّة في تشريعهم والتزموا بالتقيّد بالتحديدات العقائديّة الصادرة عن المجامع وتدخّلوا في تنظيم الأمور الكنسيّة والتشريع لها. هذه النزعة التي بدأت مع قسطنطين الكبير وثاوذوسيوس وجدت ذروتها لدى يوستينيانوس, ومن جهة أخرى منح الأباطرة الأساقفة امتيازات وصلاحيّات للنظر حتى في الدعاوى المدنيّة. وخوّلوا بعضهم في الأزمات سلطات رؤساء الأقاليم.
إن قوانين المجامع وضعت في ظروف متنوعة تبدّلت ونشأت ظروف جديدة تطلّبت عودة إلى الاجتهاد والتشريع. وإن المجامع المختلفة قد تناولت المواضيع نفسها, فعمد بعض الأحبار والعلماء إلى جمع هذه القوانين وتنسيقها وتبويبها.
حفظ لنا التاريخ أسماء العديد من أساقفة الكرسي الأنطاكي من خلال لوائح الأساقفة الذين وقّعوا على المجامع ومن خلال ما أورده المؤرّخون القدامى من أحداث لعب فيها بعض الأساقفة دوراً خاصاً. وقد تحرّى الباحث روبير دوفريس الوثائق القديمة وقدّم لائحة بالأساقفة التابعين للكرسي الأنطاكي مستعرضاً كلّ إقليم وكلّ أبرشيّة على حدة.
إقليم سوريةالأولى
بيرية حلب: أول أسقف معروف لحلب هو افستاثيوس الذي راسله الإسكندر رئيس أساقفة الإسكندريّة بشأن قضية آريوس عام 324. ثمّ نُقل إلى الكرسي الإنطاكي وحضر بهذه الصفة المجمع النيقاوي ولم تمثل حلب في المجمع.
ثم تعين المطران كيروس الذي تألّب عليه الآريوسيّون وطردوه من كرسيه وقد مدحه القديس أثناسيوس في كتاب دفاعه عن نفسه إذ يقول: "ألم تضيء مدينة أنقرة بمركلوس ومدينة بيرية أي حلب بكيروس؟"
– اكاكيوس 378- 433 أشهر أساقفة حلب في ذلك العصر ورئيس كنستها أكثر من خمسين عاماً. شارك في المجمع القسطنطيني عام 381.
سلوقية, السويدية, مرفأ أنطاكية
– اوسابيوس اشترك بمجمع سلوقية ايصورية 359
– بيزوس حضر مجمعي القسطنطينية لعام 381 و394
اللاذقية
– ثاوذوتوس اشترك بمجمع نقية وكان مناصراً لآريوس.
– جاورجيوس طرده الأسقف الإسكندر من الإسكندرية, وأصبح أحد أقطاب الحزب الآريوسي طيلة 40 سنة.
جبلة
– زويل اشترك بالمجمع النيقاوي (325)
– دومنوس استرك بالمجمع القسطنطيني الأول (381)
– سفريانوس له مؤلّفات لاهوتيّة, وناصر خصوم يوحنا الذهبي الفم واشترك بإدانته في مجمع السنديانة (403).

بالتوس (بين جبلة وبانياس)
– أول أسف مروف هو كيماتيوس الذي نفي لإيمانه النيقاوي.
– باتريس أشترك في مجمع أنطاكية عام 363 وساويروس في المجمع القسطنطيني لعام 381.

إقليم سورية الثانية
أفاميا قاعدة الإقليم
– حلفى أقدم أسقف معروف شارك في المجمع النيقاوي
– اورانيوس كان حاضراً في مجمع أنطاكية لعام 363.
– بوليخرونيوس شقيق ثاوذورس الموبسوستي كان على رأس كرسي أفاميا بين 428 و431.
– الإسكندر رافق يوحنّا الأنطاكي إلى مجمع أفسس.
– يوحنّا كودونات رسمه بطرس القصّار, ثم عُزل واعتلى الكسي الأنطاكي عام 477, ولم تدم حبريته سوى أشه قلائل ويعتبره المونوفيزيّون من أنصارهم.
– توما كان على رأس متروبوليته أثناء حملة كسرى انو شروان على سورية (540) واشترك في مجمع القسطنطينية الثاني عام 553.
ويورد المؤرّخ ثاوفانوس اسم أسقفين في مطلع العصر الإسلامي توماريخوس (649) وجاورجيوس الذي نفاه الوليد الأول إلى ميافرقين في مطلع القرن الثامن.
بانياس (بالانه)
– اوفراتيون اشترك بالمجمع النيقاوي.
– تيموثاوس اشترك في مجمع أفسس اللصوصي عام 449 ومثّله في خلقيدونية مرقس أسقف الرستن.
ابيفانيا (حماة)
– سرجيوس وقّع الرسالة التي وجّهها أساقفة سورية الثانية إلى يوستينيانوس عام 536.
– ويورد ثاوفانوس اسم قزما الذي بدّد أواني الكنيسة وانحاز إلى محاربي الإيقونات.
لاريسا (شيزر)
– ملاتيوس مثّل دومنوس أسقف أفاميا في مجمعي أفسس اللصوصي 449 وخلقيدونية 451.
– ديوجين وقّع الرسالة الموجّهة إلى الإمبراطور لاون.
– اوسابيوس عزله ساويروس الإنطاكي وأعاده الإمبراطور يوستينوس, ووقع عام 519 على الرسالة التي تبعث بها أساقفة الإقليم إلى القسطنطينية.
اريثوسا (الرستن)
– مرقس لعب دوراً تاريخيّاً وكنائسيّاً هاماً. أنقذ حياة يوليانوس أثناء المجزرة التي تبعت وفاة قسطنطين. شارك في عدّة مجامع إبّان الأزمة الآريوسيّة سرذيكة 343 وسلوقية ايصورية. وهو الذي صاغ نصّ سرميوم الرابع المعروف بالقانون المؤرّخ 11 حزيران 359 الذي يقول بالتشابه بين الآب والابن من دون توضيح. وقد اعتمد الإمبراطور قسطنطيوس هذا النصّ كعقيدة رسمية للدولة.
وانتقم منه الوثنيّون أثناء حكم يوليانوس الجاحد لأنه هدم معبداً للوثنيين أثناء حكم قسطنطين وشيّد مكانه كنيسة. وكان ذلك عام 326. وتعيّد له الكنيسة كشهيد في 29 آذار.

مريامة (جوار مرمريتا)
– بولس شارك في المجمع الخلقيدوني (451)
– ماغنيوس وقّع الرسالة الموجّهة إلى لاون (458)
– كيروس وقع الرسالة الموجّهة إلى القسطنطينيّة عام 519.
– اثاريوس حضر سينودس 536.

إقليم فينيقية الأولى الساحلية

صور قاعدة الإقليم
– بعد باولينوس الذي قام بتدشين الكنيسة الكبرى بين عامي 315 و319 تعيّن زينون الذي اشترك في المجمع النيقاوي.
– بولس كان أقفاً على صور لمّا عقد فيها عام 335 المجمع الذي أدان أثناسيوس.
– يوحنا كودونات صديق بطرس القصار. بعد أن أزيح من أفاميا ثم من أنطاكية أقيم بتدخّل من أكاكيوس القسطنطيني أسقفاً على صور واحتجّ بابا بومة على هذا النقل.
– اوسابيوس حضر مجمع القسطنطينية الثاني عام 553.
ارادوس (جزيرة أرواد)
– موكيموس حضر مجمع القسطنطينية عام 381.
– موسى, بولس, الإسكندر, اتيكوس, نصبوا على أرواد وطرطوس.
– اسينكريتوس شارك في مجمع القسطنطينية عام 553.
– تاما كان أسقفاً على أرواد لمّا حاصرها معاوية عام 649.
طرطوس
– أول أسقف معروف هو كاتيريوس الذي عُزل لتمسّكه بالإيمان النيقاوي.
طرابلس
– هيلانيكوس اشترك في المجمع النيقاوي وتصدّى لاوسابيوس القيصري.
– ثاوذوسيوس كان من الآريوسيّين المعتدلين كذلك ايريناوس الذي شارك في مجمع سلوقية (359).
بيبلوس (جبيل)
– ثوذوسيوس حضر مجمع القسطنطينية عام 553.
بيروت
– اوسابيوس صديق آريوس كان أسقف بيروت قبل أن ينقل إلى نيقوميدية, ولعب دوراً رئيسيّاً في مقاومة المجمع النيقاوي.
– غريغوريوس شارك في المجمع النيقاوي
رخلة (في منطقة جبل الشيخ)
نعرف اثنين من أساقفتها: ايليا الذي وقّع رسالة متروبوليت صور عام 518. وأنطاسيوس الذي شارك في مجمع القسطنطينية عام 553.
بانياس (الجولان)
– فيلوكالوس حضر المجمع النيقاوي.
– فيلوكالوس حضر المجمع النيقاوي.
– مرتيريوس كان أسقفاً على بانياس لمّا حُطّم تمثال المسيح القديم ومات الأسقف حقاً في عهد يوليانوس الجاحد.
بتوليمانيس عكا
– اينياس اشترك في مجمع نيقية (325)
– نكتابوس في مجمع القسطنطينية عام 381.
– جاورجيوس كان حاضراً المجمع المسكوني الخامس عام 553.

إقليم فينيقية الثانية أو اللبنانية
دمشق قاعدة الإقليم
– ماغنوس شارك في المجمع الخلقيدوني وفيلبوس في المجمع القسطنطيني 381.
– يوحناّ شارك في مجمع أفسس (431) وثاوذورس في مجمع أفسس اللصوصي 449 والمجمع الخلقيدوني 451.
– افستاثيوس حضر مجمع القسطنطينية عام 553, وكان جرمانوس أسقفاً على دمشق عام 588.
حمص (إيميزيا)
– اناطوليوس حضر المجمع النيقاوي
– اوسابيوس ولد في الرها حوالي 300 وتوفي أوائل 359, تتلمذ على يد اوسابيوس القيصري, ودرس في الإسكندرية وأنطاكية. آريوسي معتدل ويظهر الثنائية في المسيح ويركز على حقيقة نفسه البشرية. له مؤلّفات لاهوتيّة.
– باسيليوس يذكره المؤرّخ ميخائيل الكبير بين الأساقفة الذين رافقوا أثناسيوس الجمّال لمواجهة هرقل (630).
بعلبك (هليوبوليس)
كانت معقلاً للوثنية ومشهورة بمعبدها. ترك لنا التاريخ اسم اثنين من أساقفتها: يوسف الذي اشترك بمجمع أنطاكية عام 445 وبمجمع خلقيدونية, بطرس الذي وقّع الرسالة إلى الإمبراطور لاون عام 458.
تدمر (بالميرا)
– مارينوس حضر المجمع النيقاوي
– يوحنّا مثّله متروبوليته ثاوذورس (دمشق) في مجمع خلقيدونية ووقّع الرسالة إلى لاون (458).
– يوحنّا عزله يوستينوس لموالاته ساويروس.
– توما كان من جملة الأساقفة الذين رافقوا الجمّال السرياني لمواجهة هرقل (630).

– أقدم أسقف نعرفه اكسار اسيوس الذي شارك بمجمع سلوقية الآريوسي المعتدل 359.

– وورد اسم الأسقف ماريانوس أواخر القرن الخامس

– في عهد الأسقف بولس حوالي 530 دشّنت عدّة كنائس أخرى, القديس بروكوبيوس, جاورجيوس, يوحنا المعمدان, قزما وداميانوس.

– بعده وفي عهد انسطاسيوس دشّنت كنيسة القديسين بطرس وبولس.

فتح المسلمون جرش عام 634 -635 ومن بقايا الآثار المسيحية مصباح من عاميّ 744 -745 نقش عليه باليونانية "نور المسيح يضيء للجميع".

إقليم الفراتية

تضم مملكة كوماجين القديمة, شمال منطقة قورش وضفة الفرات إلى صورا. عدد الأبرشيات سبعة في المجمع النيقاوي ونشأت سبعة أخرى بين 363 والمجمع الخلقيدوني.
القاعدة هيرابوليس (منبج)
كان فيها معبد شهير للإلهة اتارغاتيس, أمَّها الأباطرة يوليانوس وقسطنطيوس وهرقل في حملاتهم ضدّ الفرس.

سرجيوبوليس (الرصافة)
بدّل اسمها الإمبراطور انسطاس من الرصافة إلى سرجيولوليس مطلع القرن السادس ومنحت حقوق المتروبوليتية.
– سرجيوس (او جاورجيوس) كان من بين الوفد الذي أرسله الإمبراطور يوستينيانوس إلى المنذر ملك الحيرة.
– كانديوس سجنه كسرى انو شروان وجلده عام 542 لأنه لم يتمكّن من دفع الجزية المفروضة.

أساقفة وبطاركة أورشليم القدس
– هرمون عاصر الاضطهاد الكبير وتوفي بعد مرسوم ميلانو عام 314.
– مكاريوس (314- 333). شارك في المجمع النيقاوي عام 325 ومنحت كنسته إبان المجمع كرامة خاصة ولكن ظلّت تحت سيطرة متروبوليت الإقليم أقف قيصرية فلسطين. وحصل بهذه المناسبة من قسطنطين الملك على الرخصة عن كشف الآثار المقدّسة’ وحصل بهذه المناسبة من قسطنطين الملك على الرخصة عن كشف الآثار المقدّسة, وزارت الإمبراطورة هيلانة عام 327 القدس واكتشف القبر المقدّس وعود الصليب. فشرع قسطنطين ببناء كنائس القيامة وجبل الزيتون وبيت لحم والخليل. وبدأت وفود الزوّار تتوافد للتبرّك من الأماكن المقدّسة ومنهم "حاج بوردو" من فرنسا الذي ترك وصفاً لزيارته جزيل الأهميّة التاريخيّة.
– كيرلس (350- 386). مشهور بعظاته التعليمية التي بدأها منذ أن كان كاهناً. كان أورثوذكسي العقيدة لكنّه غير متحمّس لعبارة اومووسيوس, نفي عام 357 وأعاده مجمع سلوقية عام 359, ثم نفي مجدّدًا عام 360 وعاد بعد موت قسطنطيوس 361. في مطلع حبريته ظهر صليب منير في سماء القدس (نعيّد لحدث في 7أيار), وحاول اليهود إبّان عهد يوليانوس إعادة بناء هيكل أورشليم وفشلت محولتهم. ونفي مجدّداً في عهد الإمبراطور الأريوسي فالنس عام 367 وعاد بعد موته عام 379. وفي غيابه تبلبلت أحوال الرعية. شارك في المجمع القطنطيني عام 381 وفي آخر عهده استقرّتجاليات رهبانية لاتينية, روفينوس وميلاني القديمة في جبل الزيتون (378). وارونيموص وباولا في بيت لحم (385) وتوفي عام 386.
– ايليا الأول (494- 516) عربي الأصل ويقال أنه من بلاد نجد, رفيق مرتيريوس السابق ذكره في النسك. وذكر عنه كيراس البيساني في ترجمة القديس سابا ما يلي: إن ايليا لم يأكل لحماً ولا شرب خمراً حتى بعد أن رقي إلى البطريركية. وبنى ديراً في جانب مقامه البطريركي أسكن فيه النسّاك. وكانت الكنيسة الشرقية في أيامه على أسوء حال بسبب هرطقة اوطيخا فقد كان بطاركة الإسكندرية وبلاديوس بطريرك أنطاكية من أتباعها ولم يبق صحيح العقيدة إلاّ ايليا هذا واوفيميوس بطريرك القسطنطينية. وعزل الملك انسطاس الاوطيخي اوفيميوس من كرسيه سنة 495 ونصب مكانه مكدونيوس الثاني. وظهر من رسائل هذا على أنه على السراط المستقيم في الإيمان فآخاه ايليا وتودّد إليه. ومات بلاديوس الأنطاكي وخلفه فلافيانوس الثاني واتّحد مع ايليا ومكدونيوس. وشقّ على الملك انسطاس اتفاقهم فجعل يضطهدهم. ونفي أولاً مكدونيوس سنة 511 وأقام مكانه تيموثاوس ورغب إلى فلافيانوس وايليا أن يحبّذا صنيعه ويؤيّداه فأنكرا ذلك. فحنق الملك عليهما وكان من ذلك قلق كبير في بطريركتي أنطاكية وأورشليم. وأرسل ايليا القديس سابا رئيس النساك سنة 512 إلى الملك ليسترضيه فلم ينجح إلاّ مدّة قصيرة, وبعدها أمر الملك بنفي ايليا إلى ايلاة (أي العقبة) على شاطئ البحر الأحمر سنة 513 وأقام مكانه يوحنّا ابن مرقيان لوعده بأن يوافق ساويروس الأوطيخي الذي كان الملك قد أقامه بطريركاً على أنطاكية بعد أن نفي فلافيانوس منها إلى بلاد العرب, وحصل في فلسطين بعد نفي ايليا مجاعة وغشيها الجراد. وتوفي في تلك السنة فلافيانوس بطريرك أنطاكية وهلك انسطاس الملك قبل وفاة ايليا بعشرة أيام وكان الله قد أوحى بذلك إلى هذا القديس (ايليا) فقصّه على القديس سابا الذي كان قد مضى لزيارته.
– بطرس (524- 552) في عهده تجدّدت النزاعات حول آراء اوريجانوس بين رهبان فلسطين, وتحمّس لأوريجانوس بنوع خاص رهبان اللافرا الجديدة الذين انشقوا عن مجموعة رهبان ما سابا وأسّسو ديراً لهم في تقوع قرب الخليل.
علاوة على هذه القلاقل قامت ثورة اليهود والسامريين الذين تعدّو على الكنائس وعلى المسيحيين. كان السامريون الثائرون عام 474 قاموا بمجزرة ذهب ضحيتها عدد من المسيحيين ونهبوا الكنائس فعاقبهم زينون بمنعهم عن الوصول إلى جبلهم المقدّس جريزيم وأقام في قمته كنيسة للعذراء. وفي عام 529 ثار اليهود والسامريون معاً ونادوا بملك اسمه يوليانوس وقاموا بذبح العديد من الأساقفة والتنكيل بجثثهم ودنّسوا ذخائر الشهداء. وقام المسيحيّون بأعمال انتقاميّة أزعجت يوستينيانوس فأوفد البطريرك بطرس القديس سابا إلى القسطنطينية لتهدئة الإمبراطور. وقامت ثورة أخرى عام 564.
– يوحنّا الرابع (574- 594), عاموص (594- 601), اسحق (601- 609), لا نعرف الكثير عن هؤلاء البطاركة. إنّما بلغت الكنيسة الأورشليمية ذروة ازدهارها قبل أن يجتاحها الفرس. توافد إليها الزوّار من كافة أنحاء العالم المسيحي, وشيّدت فيها الكنائس الفخمة, وتعدّدت الأديرة التي كانت تضمّ رهباناً من مختلف الأعراق. وازدهرت فيها الأعياد الليتورجية التي منها اشعّت على سائل المناطق. ولم تتقسم البطريركيّة الأورشليمية إلى فرعين كما الإسكندريّة وأنطاكية, وإن كان اللاخلقيدونيون أقاموا أسقفاً لهم فإنه تابعٌ للبطريركيّة الأنطاكيّة ومؤمنوه قلائل.
– زكريا القديس (609-632) في عهده اجتاح الفرس بقيادة كسرى الثاني عام 614 المدينة المقدّة وقتلوا بالتواطؤ مع اليهود ألوف المسيحيّين وهدموا الكنائس الأديار وسبوا عدداً من السكان والبطريرك زكريا وأخذوا ذخيرة عود الصليب. وتوفي البطريرك في بلاد فارس.
– مودستوس رئيس دير القدّيس ثاوذوسيوس, أوكلت إليه إدارة شؤون البطريركيّة أثناء سبي زكريا. وعمل على إصلاح ما تهدّم وإدارة شؤون من نجوا من الكارثة وساعده بسخاء القديس يوحنّا الرحيم بطريرك الإسكندرية.
وعاد هرقل بعود الصليب إلى القدس في احتفال مهيب ولمّا ثبتت وفاة البطريرك زكريا رُقّي مودستوس رسميّاً إلى الرتبة البطريركيّة وبقي على رأس كنيسته حتى وفاته عام 634.
– صفرونيوس (634- 638) ولد في دمشق نحو سنة 558 وتبحّر في العلوم الفلسفيّة والدينيّة. ذهب لزيارة الأراضي المقدّسة وتتلمذ ليوحنّا موسكوس وذهب معه لزيارة النسّاك في مصر واطّلعا على حياتهم العجيبة. ودوّنا أخبار هؤلاء النسّاك في كتاب سمي "بستان الرهبان". وتوقّفا في الإسكندريّة عند البطريرك يوحنّا الرحيم وساعداه في عمله الرعوي. ولمّا غزا الفرس المدينة هربا إلى رومة وأطلعا البابا على أحوال المسيحيّة في الشرق. وتوفي يوحنّا في رومة وعاد صفرونيوس بجثمانه إلى فلسطين إلى دير القدس ثاوذوسيوس. وهناك التزم بالحياة الرهبانيّة. عام 633 كان صفرونيوس في الاسكندرية وحاول إقناع بطريركها كيروس بعدم القبول بنظرية الفعلين والمشيئتين وقد توجّه بعد ذلك إلى القسطنطينيّة لمواجهة بطريركها سرجيوس ومحاولة ردعه عن القول بالفعل الواحد بالمسيح. وانتخب عام 634 بطريركاً على القدس وفي رسالته السلامية إلى البابا أوضح إيمانه بشأن الفعلين والمشيئتين مما أنار البابا اونوريوس. وترك صفرونيوس مؤلّفات كثيرة لاهوتيّة وليتورجيّة. وفي عهده فتح العرب المسلمون فلسطين وسلّم صفرونيوس مفاتيح مدينة القدس إلى عمر بن الخطّاب 638. وتوفي بعد قليل.

الكتّاب والمعلّمون

قام العديد من الكتّاب في هذه الحقبة الهامة في تاريخ سورية وتناولوا مختلف الشؤون الدينيّة. الدفاع عن المسيحيّة ودحض الهرطقات واللاهوت وتفسير الكتاب المقدّس والمواعظ كما العلوم الدنيويّة لا سيّما التاريخ والفلسفة والحقوق. وأغلبية المؤلّفين كتبوا باليونانيّة لأنّها لغة الكنيسة والمجامع وإن لم تكن دوماً لغتهم الأم. وكتب بعضهم بالسريانيّة لا سيّما في المناطق الشرقيّة التي لم تتأثّر كثيراً بالحضارة اليونانيّة. وللكتّاب السوريّين أهميّة كبرى في تاريخ اللاهوت المسيحي.
اجتاز اوسابيوس الاضطهاد الكبير بسلام واعتلى كرسي قيصرية فلسطين عام 315. ألقى الخطاب الرسمي لدى تدشين كنييسة صور الكبرى التي بناها صديقه الأسقف باولينوس بعد نهاية الاضطهاد.

القدّيس ابيفانيوس (315- 403)
ولد في فيسندوكي قرب الفتريبوليس (بيت جبرين) جنوب غرب فلسطين, تدرّب على الحياة الرهبانيّة على يد القديس ايلاريون في منطقة غزة ثمّ زار نسّاك مصر وأسّس ديراً ظلّ على رأسه طيلة ثلاثين عاماً. انتخب متروبوليتاً لقسطنسة, سالامينا عاصمة قبرص عام 367. ساس رعيته بإخلاص وأعطى لكرسيه مقاماً جعله يحصل على الاستقلاليّة عن أنطاكية. كان يجيد خمس لغات: الآراميّة واليونانيّة والعبريّة والقبطيّة واللاتينيّة. وكان متمسّكاً بالإيمان القويم ولم يتعرّض له فالنس ولم يرد اسمه في لائحة أساقفة مجمع القسطنطينية عام 381.

القدّيس ايرونيموس (347- 420) هو من الآباء الغربيين لكنّه عاش فترة طويلة في الشرق (منطقة أنطاكية والقدس) ولعب دوراً في أحداثه.
ولد في منطقة سلوفينيا الحاليّة وأمّ رومة حيث درس الفصاحة والبيان. استسلم حيناً لأهوائه ثمّ عمّده البابا ليباريوس وعزم على التفرّغ للعبادة وسعى لاجتذاب اخته الصغيرة إلى حياة التبتّل والنسك فغضبت عليه عمّته وثارت في وجهه فسافر إلى الشرق. لدى وصوله إلى أنطاكية حلّ ضيفاً على افاغريوس الكاهن مساعد أسقف الفرع الافستاتي, باولينوس. ومارس الحياة النسكيّة في برّية قنسرين جنوب حلب من 375 إلى 377 وعمد إلى الدراسة فتعمّق باليونانيّة وتعلّم العبرية على يد يهودي متنصّر, واتّصل بملّة الناصريّين بحلب وأخذ عنهم الإنجيل حسب العبرانيين المكتوب بخط آرامي والذي ترجمه فيما بعد إلى اليونانيّة واللاتينيّة. عاد إلى أنطاكية وأقنعه باولينوس بقبول سرّ الكهنوت ثمّ رحل إلى القسطنطينيّة ليأخذ علم اللاهوت من غريغوريوس الثاولوغوس. وكان مقرّراً في مجمع القسطنطينيّة عام 381.

يوحنّا الذهبي الفم
هو من أشهر كتّاب المسيحيّة وأغزرهم. ولد في أواسط القرن الرابع في أنطاكية من عائلة شريفة. درس العلوم اليونانيّة والبلاغة على يد ليبانيوس الوثني والعلوم الكتابيّة على يد ذيوذورس. وقد ترّقنا إلى تفاصيل حياته في ترجمتنا للأسقف فلافيانوس الذي سامه كاهناً عام 386 (أعلاه ص 235 -237).
اشتهر يوحنّا بمواعظه التي كان يلقيها عفويّاً ويقوم عدد من المختصّين بتسجيلها. وقد تناقلها النسّاخ وحفظت بأمانة.

لم يكن الذهبي الفم لاهوتيّاً نظريًّا بل راعياً وموجّّهاً أخلاقيّاً, كان ينقل تعليم الكنيسة من دون تبحّر فلسفي إنّما ببلاغته ورقّة شعوره يحمل النفوس إلى الإبتعاد عن الرذيلة وعن البذخ والتوجّه لأعمال المحبّة ومساعدة المساكين. وقد تحمّل الظلم والألم في آخر حياته بصبرعجيب فأصبح مثالاً للقداسة المسيحيّة وللخدمة الرعائيّة.

افاغويوس السكولاستيكي المؤرّخ
ولد حوالي 536 في حماه ودرس الحقوق وأصبح محاميّاً ومارس نشاطه في أنطاكية. رافق صديقه البطريرك غريغوريوس إلى القسطنينية عام 588 ودافع عنه في المجمع الذي اتّخذ فيه يوحنّا الصوام بطريرك القسطنطينيّة لقب المسكوني. وأنعم عليه الإمبراطور طيباريوس وموريس بمناصب شرفية. وعاش حتى مطلع القرن السابع.
ترك لنا "التاريخ الكنسي" في ستة كتب. وتمتد أحداثه من 431 تاريخ مجمع افسس حتى 593 تاريخ وفاة البطريرك الأنطاكي غريغوريوس. ويمتاز بموضوعيّته وصدقه وهو أهم مؤرّخ للنزاعات النسطوريّة والمونوفيزيّة. وله أيضاً مصنّف يضمّ رسائل ومراسيم وخطب كتبها باسم البطريرك غريغوريوس, هو الآن مفقود.

زكريّا البليغ
ولد في مايوما قرب غزّة حوالي عام 465 ودرس في الإسكندريّة وبيروت. وتعرّف أثناء ذلك على ساويروس وكان له تأثير كبير لهدايته. إلاّ أنّه لم يلتحق مثله بالحياة الرهبانيّة. وتوجّه إلى القسطنطينيّة عام 492 حيث مارس المحاماة. لم يكن مختصّاً بالعلوماللاهوتيّة وكان على المذهب الرسمي السائد آنذاك (الهينوتيكون) ثمّ ساير الخلقيدونيين بعد وفاة انسطاس وانتخب مطراناً على جزيرة ميتيلين واشترك بمجمع عام 536 الذي أدان ساويروس.
ترك كريّا البليغ: "التاريخ الكنسي" باليونانيّة وقد استفاد منه افاغريوس إلاّ أن الأصل اليوناني فقد ولم يبق إلاّ شذرات من الترجمة السريانيّة تمتد منالمجمع الخلقيدوني (540) إلى وفاة ينون (491).
سيرة ساويروس كتبها عام 512 دفاعاً عن المناوئين له حفظت في ترجمتها السريانيّة.

كيرلس البيساني
ولد في بيسان (فلسطين) مطلع القرن السادس (514) وكان والده مستشار يوحنّا البيساني الذي كان محاميّاً أولاً ثم سيم أسقفاً على بيسان وله كتابات ضدّ مذهب ساويروس الانطاكي وكان أول من فسّر كتب ديونيسوس الاريوباغي وكان بيته ملاذاً للرهبان واره القديس سابا سنة 532 وتعلّق به كيرالس, ولمّا كبر ترهّب في أديرة فلسطين الشرقيّة وأقام بدير القديس افتيميوس ورأى بعينه مدّة عشر سنوات المعجات التي كانت تجري عند قبرالقديس فخطر بباله أن يكتبترجمتهمعتمداً على ما سمع منمشايخ الآباء الرهبان وجاءت سيرة القديس افتيميوس تحفة أدبيّة وألحقها بسيرة غيره من رهبان فلسطين معاصريهسابا المتقدّس وثاوذوسيوس رئيس الأديار ويوحنا الصامت وكيرياكوس وتوفي في ريعان الشباب بعد عام 558
وحنّا موسكوس
ولد في دمشق بين 540 و550 واعتنق الحياة الرهبانية قرب القدس فيدير القديس ثاوذوسيوس والتقى به هناك القديس صفرونيوس, وترافقا في رحلة إلى مصر حيث تعرّفا على الحياة الرهبانية وأخبار نساكها ثمّ توجّها إلى رومة حيث توفي يوحنّاموسكوس عام 619 وعادصفرونيوس بجثمانه إلى فلسطين ليدفنه في دير القديس ثاوذوسيوس. واشتهر يوحنّا موسكوس بمجموعة قصصه التقويّة عن الرهبان التي عرفت "ببستان الرهبان" والتي نشرها صديقه صفرونيوس.
صفرونيوس
هو آخر بطاركة القدس قبل الفتح العربي لعب دوراً أساسيًّا في مشكلة المشيئة والفعل في المسيح.

مار افرام السرياني (306 -373)
ولد في نصيبين وتتلمذ لأسقفها مار يعقوب الذي أقامه معلّما في المدرسة التي أسّسها. ولمّا استولى الفرس على نصيبين عام 363 نزح إلى الرها وتابع التدريس في "مدرسة الفرس" التي انتقلت إليها ومارس حياة النسكية في جوار المدينة إلاّ أنه ظلّ يتردّد على الكنيسة ويعنى بخدمتها وقدرسم شمّاساً, وهو أوّل من أسّس فرقة ترنيم من الفتيات. وكان له اتصال مع القدّيس باسيليوس الكبير.

ومن أبر مصنفاته ميامره أي قصائده المنظومة على البحر السباعي ومداريشه أعني أناشيده وكلّها تدور حول مواضيع دينيّة وقد دخلت في صلوات طقس الكنيسة السريانيّة.

القس يشوع العمودي
ينسب إلى القس يشوع العمودي كتاب حوليات بالسريانيّة ذكر فيها أسباب الحروب بين دولتي الفرس الرومانيين من سنة 363 إلى 498 ثم ساق الأحداث التي عاصرها بالتفصيل من سنة 495 حتى آخر 506. وهو مصدر هام للتاريخ المدني وللمعارك التي قامت بين قباذ ملك الفرس والإمبراطور انسطاس.
وهناك عدد آخر من السريان الغربيين اشتهروا بالتاريخ والترجمة عن اليونانية والأشعار الكنسية.
شمعون أسقف بيت أرشم قرب المدائن ترك وصفاً لاستشهاد الحارث ورفقته في نجران.

أخذت الحياة الرهبانية في هذه الحقبة أبعاداً جديدة وامتلأت البراري من المؤمنين الأتقياء الذين تركوا حياة العالم ليتفرّغوا "للفلسفة الحقيقية" التأمل والصلاة وكان بعضهم يتوغل في الصحارى النائية والبعض الآخر قريباً من المدن فيتسنى للمؤمنين العاديّين التوجه إليهم وتقبّل إرشاداتهم

قوام الحياة الرهبانية: قمع الجسد بالصوم والسهر وشظف العيش وأحياناً بالسلاسل الحديدية والجلد –حياة الصلاة والاتحاد بالله وقوامها تلاوة المزامير والأناشيد جماعياً والتأم الفردي في الكتاب المقدس وأقوال الآباء –حياة العمل. العمل اليدوي للقيام بأود العيش والعمل الفكري بنقل المخطوطات وتأليف الأناشيد الدينية
وقام الرهبان بدور هام لتنصير الفلاحين وإبعادهم عن الوثنية كما نشأ في جوار بعض الأديرة مدارس أو مستوصفات تعنى بالمرضى. وقد لعب الرهبان دورا في الحياة الكنسية العامة ولدى السلطات العليا وكان لهم دور إيجابي وأحياناً سلبي في النزاعات الدينية التي قامت في القرنين الخامس والسادس. وإن العديد من الأساقفة وآباء الكنيسة امضوا فترة في الحياة الرهبانية قبل ارتقائهم إلى الكرسي الأسقفي

أصفياء الله
ترجم ثاوذوربطوس في كتابه التاريخ الرهباني أو تاريخ أصفياء الله لثلاثين راهباً أو ناسكاً عشرون منهم كانوا توفّوا وعشرة لا يزالون على قيد الحياة وبين الذين توفا عدد منهم كان تعرّف عليهم شخصياً وعدد أكبر سمع عنهم واستقى أخبارهم عن رجال ثقة وأهم مصادره اكاكيوس أسقف حلب الذيمارس الحياة الرهبانية منذ أواسط القرن الرابع قبل أن ينتخب لكرسي حلب.

مرقيانوس القورشي من عائلة شريفة من قورش التحق بالحياة النسكية في قلب الصحراء مولعاً بمناجاة الربّ وكان الترنيم يتبع الصلاة والصلاة الترنيم وكانت تلاوة كلام الله تلي الاثنين معاً.

سمعان القديم وهو غير سمعان العمودي كان يسكن الصحراء وله سطوة على الوحوش الضارية. وكان يسكن في جوار القبائل العربية "إنّ الخوارق التي كانت تجري على يد هذا الرجل جعله شهيراً وجذبت إليه الكثيرين من البرابرة المجاورين له لأن هذه الصحراء كان يسكنها جماعة من الذين يفاخرون بانحدارهم من نسل إسماعيل ولمّا كان هو يحب السكينة فقد وجد نفسه مضطراً لأن يغادر كهفه وبعد أن سار في طريق طويلة وصل إلى الجبل المسمى امانوس". وقد عرفته والدة ثوذوريطوس ونعمت في أثناء حياته بنيل بركته.

رومانوس الاسوزي ولد في ارسوز ومارس النشاط النسكي في أنطاكية في سفح الجبل المجاور للمدينة وامتاز بلطف معشره وبساطته. وقد ارشد إلى الفضيلة والمحبّة والسلام من كانوا يأتون لزيارته وجرت معجزات وبركات كثيرة على يده.

مقدونيوس عاش في النسك سبعين عاماً وكان يلجأ إلى كهف عميق ثم رضي أن يسكن في صومعة ولا يأكل إلاّ الشعير وكانت والدة ثاوذوريطوس تهيء له الأكل. وهو الذي شفع لها إلى الله فولدت ثوذوريطوس وكانت عاشت 13 سنة في الزواج بدون أن تنجب وطلب إليها أن يكون ولدها مكرّسا لله.

مارون الناسك كان يعيش تحت قبّة السماء واتّخذ له رابية كان فيها معبد وثني حوّله إلى كنيسة وابتنى لنفسه صومعة يلجأ إليها في ظروف نادرة ونعم بموهبة الأشفية وحرّض على الفضيلة وازدهرت الحياة النسكية في منطقة قورش بفضله وقد راسله الذهبي الفم من منفاه. ثم انتابه مرض بسيط اودي بحياته "وقام نزاع شديد بين القرى المجاورة رغبة من كل منها في الاستيلاء على جثمانه. لكنّها كانت هناك على الحدود بلدة كثيرة الرجال اقبلت بأسرها وبددت الآخرين وانتزعت منهم ذلك اكنز المرغوب فيه جداً فشيّدوا له عندهم مقاماً فخماً وهم منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا ينعمون بمنافعه فيكرمون هذا المظفّر العظيم بمهرجان شعبي.

سمعان العمودي عرفه ثاوذوربطوس شخصيّاً وكان يمرّ عليه كثيراً في طريقه من قورش إلى حلب. ولد في قرية سيس على الحدود بين منطقة قورش وكيليكيا, وكان يرعى الغنم. وذهب إلى الكنيسة مرّة فسمع صوت الإنجيل يطوّب الذين يحزنون وشعر بأن الله يدعوه إلى الحياة النسكية. أمضى سنتين بجوار النسّاك الذين في المنطقة ثم انتقل إلى تلعدا إلى الدير الذي أسّسه أوسابوناس وابيبيون. ولمّا فاق جميع الرهبان في ممارساته التقشّفيّة وأصبح خطراً على الحياة الجماعية طُلب إليه أن يغادر الدير. فلجأ إلى بئر خالية من الماء وليست عميقة. وبحث عنه رهبان الدير وأعادوه. إلاّ أنه بعد مدّة من الزمان غادر الدير ورحل إلى بلدة تلانيسوس (تل نسا) في سفح الجبل الذي أقام عموده على قمّته. وجد بيتاً صغيراً قضى فيه ثلاث سنوات محبوساً. وبدأ يصوم الأربعين يوماً قبل الفصح من دون أن يتناول أي طعام في الفترة كلّها. وبعد أن أمضى ثلاث سنوات في تلانيسوس انتقل إلى قمة الجبل وأوعز بقيام سياج صغير على شكل دائرة وربط نفسه بسلسلة كي لا يتجاوز المسافة المحدودة. وكان يقضي وقته بالصلاة, ثم تخلّى عن السلسلة نزولا عند نصيحة ملاتيوس المشرف على رهبان أنطاكية. وبدأ الزوار يتوافدون إليه ويتباركون منه ويحصلون على الأشفية ويقول ثاوذوريطوس: "ولم يكن هؤلاء كلّهم من أبناء مملكتنا فحسب بل كان هناك أيضاً الإسماعليون والفرس والأرمن الخاضعون لهم والايبيريون والحميريون وكلّ شعوب البلاد الداخلية. وكان يأتيه أيضاً الكثيرون من أقصى الغرب كالإسبان والبريطانيين والغاليين المقيمين في الوسط بينهما. أما إيطاليا فمن النوافل الكلام عنها لأنه كما هو شائع كان لهذا الرجل في رومة العظمى وحدها من الشهرة بحيث أنّه قد وضعت له في مدخل كلّ حانوت أيقونات صغيرة توحي إلى الداخلين إليها بالحماية والاطمئنان. وعليه فإن الزوّار المتوافدين إليه بعدد لا يحصى كانوا يتهافتون إلى لمسه. وصار هذا يسبب له انزعاجاً لا يحتمل فخطر له أن يقيم فوق عمود وطلب أن يكون بعلو ستة أذرع ثم باثني عشر ذراعاً وبعد ذلك باثنين وعشرين ذراعاً والآن بستة وثلاثين لأنه صار يصبو إلى السماء والانتقال من هذه الحياة الأرضية. أمّا أنا فاعتقادي أن هذه الإقامة لم تحصل إلاّ بتدبير خاص من الله…" إن هذا المشعل الوضّاء كان قائماً بمثابة منارة وكنت ترى الايبيريين والأرمن والفرس مقبلين إليه ومقتبلين العماد على يده. أمّا الإسماعيليون القادمون إليه بالجملة مئتان وثلاثمائة معاً وأحياناً حتى الألف فكانوا يذبذبون ضلال آباؤهم يعبدونها ثمّ يشتركون في الأسرار الإلهية.
وكان لا يأكل إلاّ مرّة في الأسبوع وفي المواسم الكبرى يبقى الليل كلّه من غياب الشمس حتى شروقها واقفاّ رافعاً يديه نحو السماء دون أن يميل إلى النعاس ودون أن يغلبه التعب. وفي وسط كلّ أعماله الشاقة كان قريب المنال جداً, لطيفاً ظريفاً ومجيباً لكلّ من يكلّمه. وهو يقوم بإرشاد الشعب مرّتين في النهار وكان يصلّي بدون انقطاع الليل كلّه والنهار أيضاً حتى الساعة التاسعة وبعد ذلك فقط يوجّه حديثه عن الله للحاضرين وبعد أن يكون استمع إلى كلّ منهم وأجرى بعض الأشفية يبادر إلى حل الخلافات القائمة بين الفرقاء والمتنازعين ثم يعود حول غياب الشمس إلى حديثه عن الله.
عاش سمعان العديد من السنوات بعد أن دوّن ثاوذوريطوس شيئا من أخباره. ثم توفي عام 459 وبنى الإمبراطور زينون حول عموده الكنيسة الرائعة التي لا تزال آثارها قائمة. وقد توصلنا عن سمعان سيرة باليونانية كتبها المسمّى انطوان وسيرة بالسريانية كتبت بعد وفاته بقليل.
مارانا وكيرا ينهي تاوذوربطوس سيرة أصفياء الله يذكر مثالين من العنصر النسائي.
مارنا وكيرا شقيقتان من أشراف مدينة حلب تركتا رفاهية البيت الأبوي في عزّ صباهما ونسكتا خرج باب المدينة (باب جنين). كانتا تسكنان في العراء محاطتين بسور من حجارة وطين, ورافقتهما بعض الخادمات اللواتي رغبن في العيش مثلهنّ فبنت لهنّ ديراً صغيراً خارج الحصن وكنّ يشاركنهنّ في الصلاة. وكانتا منحنيتين تحت أثقال من حديد. وكانت مارنا وحدها تتحدّث إلى الزائرات في فترة معيّنة من السنة وكان ثوذوربطوس يزورهنّ فيدخلنه إلى الحصن. وعندما كتب ثوذوربطوس سيرتهما "كانتا تسيران على هذه الحياة منذ اثنتين وأربعين سنة وهما وقد مضى عليهما كلّ هذه المدّة في الجهاد لا تزال حرارتهما فيه على ما كانت في البدء فهما تتأملان في جمال العريس الإلهي فتحملان بكثير من الارتياح أتعاب سيرتهما.. وهما تتقبلان سقوط المطر والثلج عليهما وحرارة الشمس دون حزن أو تذمّر. وقامتا بحجّ إلى القدس وإلى قبر القديسة تقلا في ايصورية وقضتا عدّة مرّات الصوم الأربعيني من دون أن تتناولا أي طعام.
دومنينا أرادت أن تعيش على طريقة مارون فاصطنعت كوخاً من قصب في حديقة أمّها وأذابت نفسها بالأصوام والصلوات كانت تذهب كلّ صباح إلى الكنيسة المجاورة. وتعنى بالزوار والضيوف.

القديسة ميلاني كانت من أثرياء رومة وأشرافها ولدت عام 342, ترمّلت في الثانية والعشرين من عمرها ورفضت الزواج ثانية وقرّرت التفرّغ للصلاة وأعمال الخير. وتوجّهت إلى الأراضي المقدّسة. لكنّها توقّفت قليلاً في مصر لتساند الأرثوذكسيين أثناء اضطهاد فالنس وأغدقت من ثروتها على الرهبان والكنائس والفقراء ووصلت إلى القدس حيث أنشأت على جبل الزيتون حول سنة 375 ديراً عاشت فيه 27 سنة بين جمهور من العذارى المكرسات. ثم توجّهت إلى رومة وأقنعت حفيدتها المعروفة بميلاني الصغيرة أن تلتزم الحياة النسكية باتفاق مع زوجها. وعادت ميلاني الجدّة إلى القدس بعد عرّجت على أفريقيا لزيارة القديس اغسطينوس. وتوفيت عام 411.

القديس مركلوس رئيس دير الذين لا ينامون ولد في أواخر القرن الرابع في مدينة حمص (أو في أفاميا) من عائلة غنية. ترك غناه وممتلكاته وتوجّه أولاً إلى أنطاكية ثم افسس حيث أقام فترة متدرّباً على الحياة الرهبانية. ولمّا سمع بدير "الذين لا ينامون" الذين أسّسه الانبا الإسكتدر في القسطنطينية توجّه إليه نحو 425. وكان رهبان هذا الدير مقسومين إلى ستة فرق يقومون فيه بالصلوات الطقسية بالتناوب بحيث لا تنقطع الصلاة الطقسية في الدير. ولذا لقّب بدير "الذين لا ينامون"

القديس دانيال العمودي ولد حول سنة 409 في منطقة الفرات الأعلى. وهناك التحق بأحد الأديرة منذ نعومة أظافره. وإذا سمع بأخبار سمعان العمودي أراد أن يراه وتمّ له ذلك إذ أن الرئيس اصطحبه معه في زيارة إلى أنطاكية. وأصعده سمعان إليه وأنبأه بما سيحدث له. وعاد دانيال إلى ديره إلى أن توفي الرئيس وأراد الرهبان إقامته خلفاً له فلم يقبل لأنه عزم على العيش في حياة النسك والعزلة وعاد إلى سمعان العمودي وبقي عنده أسبوعين يستمع إلى إرشاداته. وبعد ذلك سافر إلى القسطنطينية نحو سنة 451. وهناك سكن أولاً في معبد وثني قديم وحبس نفسه فيه عدّة سنوات إلى أن جاء إليه سرجيوس تلميذ القديس سمعان العمودي سنة 461 ووهبه اسكيم القديس سمعان الذي كان توفي منذ سنتين. ففهم دانيان أن الله يريده أن يخلف سمعان. فبنى عموداً ظلّ قائما عليه طيلة ثلاثين سنة.

الحياة الكنسية والليتورجية
في هذه الحقبة تنظّمت إدارة الأربشيّات والأكليروس وأخذت الليتورجية أهم معالمها. ترتّبت أعياد السيد والسيدة والشهداء. ونشأت الأناشيد الطقسية والتسابيح إلى جانب المزامير, وقامت الكنائس الكبرى والمزارات التي استقطبت المسيحية حتى في أصغر القرى.

الصلوات الليتورجية قمّة العبادة المسيحية هي الافخارستيا. تثبّتت في هذه الحقبة الطقوس الليتورجية وكان لكلّ من العواصم الكنسيّة طقسها. وفي سورية كان سائداً الطقس المعروف بالطقس الأنطاكي وقوامه أنافورا القديس يعقوب اليونانية, وكانت تتلى بالسيانية في الأرياف ودخل في قوام القدّس أناشيد جديدة "يا كلمة الله الابن الوحيد" المنسوبة للامبراطور يوستينيانوس ونشيد التقديسات الثلاثة الذي أقحم فيه البطريرك بطرس القصار فقرة "الذي صلب لأجلنا" ليشير إلى أن أحد الثالوث صلب. ولقي معارضة من الخلقيدونيّين لأن هذه الفقرة قد توحي بتلاشي بشريّة المسيح. ويُعزى إلى البطريرك نفسه إدخال تلاوة القانون النيقاوي القسطنطيني في صلب القداس. وكانت الليتورجية نفسها تقام لدى الخلقيدونيّين ولدى معارضي المجمع وإن كان ثؤلاء تخلّو تماما عن اليونانيّة.
علاوة على القدّاس كانت تقام في الكاتدرائيّات والكنائس الرعويّة صلاة المساء (الغروب) والسهرانيّات (السحر), الشبيهة بصلوات الرهبان وكان يرتادها المؤمنون الأتقياء. كانت هذه الصلوات تقتصر في بادئ الأمر على المزامير والتسابيح الكتابيّة, وبدأ الشعراء الكنسيّون يؤلّفون الأناشيد لمناسبة الأعياد السيديّة وأعياد القدّيسين ودخلت هذه الأناشيد في صلب الفرض, وأشهر الشعراء في هذه الحقبة افرام السرياني ويعقوب السروجي ورومانوس المرنّم. وازدهر الترنيم الكنسي وفق الألحن الثمانية وراج الأسلوب انتيفوني حيث تتناوب الجوقتان في تلاوة المزامير الوتسابيح مع ترداد لازمة. وتطوّرت اللازمة في الطقس البيزنطي وأصبحت ما عرف بالطروباريّة. ولم يتمّ تثبيت صلوات الفرض على ما هي عليه اليوم إلاّ في الحقبة اللاحقة. وما ساعد على تنويع صلوات الفرض وإغنائها الأعياد.
الأعياد, أقدم الأعياد هو عيد الفصح وقد يُمهّد له بالصوم الأربعيني الذي تثبّتت مدّته في هذه الحقبة.
بعد الفصح يأتي في الأهميّة عيد الظهور الإلهي والميلاد. كان يحتفل في الشرق في 6 كانون الثاني بعيد ظهور المسيح في مجيئه بالجسد واعتلئه في الأردن وذلك أقلّه منذ القرن الثالث. ونشأ في رومة عيد ميلاد السيّد المسيح في 25 كانون الأول حول عام 274 لينصّر عيد الشمس التي لا تغلب الذي أدخله اوريليانوس في هذا التاريخ. فالمسيح شمس العدل الحقيقية. ومن رومة تسرب عيد 25 كانون الأول إلى سائر أنحاء الشرق, ما عدا أرمينية.

ترك الفاتحون المسلمون للمسيحيّين في دمشق 14 كنيسة ونعرف منها كنيسة يوحنّا المعمدان في موقع الجامع الأموي, وكنيسة العذراء مريم (موقع الكنيسة المريمية) وكنيسة حنانيا وكنيسة مار توما.
وفي حلب جاء ذكر كنيسة القديسين قزما ودميانوس والكنيسة الكبرى على اسم السيدة العذراء في موقع المدرسة الحلوية.

أما آثار الكنائس التي لا تزال قائمة بجدرانها وأقواسها لا ينقصها إلاّ السقف فلا نجد مثلها بهذه الكثافة في أي ناحية من العالم. ففي المنطقة الممتدة من حلب إلى العاصي ومن قورش إلى افاميا (الكتلة الكلسية) ثمانمائة قرية وموضع أثري. وأهم هذه الآثار وأروعها بقايا كنيسة القديس سمعان العمودي. وأقدم كنيسة مؤرّخة من عام 372 في قرية فافرتين التي تقع على بعد 7 كم إلى الجنوب الشرقي من كنيسة القديس سمعان العمودي. هذه الآثار تشهد لازدهار تلك المناطق ولإيمان أهلها ولمهارة مهندسيها ومعماريها وقد حفظ التاريخ اسم أحدهم وهو الكاهن مرقيانوس كيروس الذي بنى عدّة كنائس في بابسقا وباقرحا ودارقيتا في القرن الخامس. وقد ازدانت الدور السكنية وسواكف الكنائس بالزخارف والنقوش النباتية والهندسية البديعة كما كسيت الأرضيات بالفسيفساء الرائعة باشكالها الهندسية المتناسقة وما حوته من نباتات وحيوانات أليفة ومفترسة وكذلك بأنواع اللوحات الجدارية والفريسك. علاوة على الكتابات اليونانيّة والسريانيّة العديدة ظهرت بعض الكتابات العربية على جدران بعض الكنائس قبل الفتح العربي, وهي بخط كوفي. ففي قرية زبد (جنوب حلب) كتابة في كنيسة القديس جاورجيوس تعود إلى عام 511 وهي مذكورة بثلاث لغات اليونانية والسريانية والعربية مكتوبة حول الصليب رمز المسيح. كما وجدت كتابة أخرى باليونانية والعربية على ساكف باب كنيسة حرّان جنوب دمشق وتعود إلى العام 568. ويقدم دوفريس في كتابه عن البطريركية الأنطاكية جرداً للكتابات التي عُثر عليها في سورية وهو يستند إلى الدراسات التي نشرها منقّبوا الآثار في سورية في اواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.

القبائل العربية في بلاد الشام

نزوح القبائل العربية إلى أطراف بلاد الشام بدأ قبل مجيء المسيح وظلّ متواصلاً حتى ظهور الإسلام (راجع اعلاه ص 23- 24) ومع كونها تعيش حياتها الخاصة تأثّرت بديانة الأكثرية ولعبت دوراً سياسيّاً مرموقاً في عهد البيزنطيّين.
التنصير التدريحي
كان العرب يدينون بالوثنيّة الساميّة إلا أن مجاورتهم لمسيحيّي سورية المنظّمين في البطريركيّة الأنطاكيّة فتحهم على المسيحية. بدأ تنصيرهم بشكل مكثّف في القرن الرابع بعد أن قويت المسيحية في سورية على أثر الحريّة التي منحها قسطنطين الملك. وتواصل في القرن الخامس. وفي أواخر القرن السادس كانت المسيحيّة غالبة على عرب الشام وتمّ ذلك بفضل الرهبان المتواجدين في الصحراء وأحياناً بحملات تبشيريّة منتظمة قام بها بعض الأساقفة.
ويذكر المؤرخ البيزنطي صوزومينوس أن الملكة العربية ماوية, في جنوب بلاد الشام كان لها نزاع مع الإمبراطور فالنسحوالي 373 وكان من شروط المصالحة أن يعيّنوا أسقفاً عربيًّا هو موسى راهب متعبد من قبيلتها. ولمّا سيّم أسقفاً كان عدد النصارى قليلاً فعمل بنشاط على تنصيرهم.

وتواصل تنصّر القبائل العربية خلال القرن الخامس, وأقيم لهم أساقفة عرفوا بأساقفة المضارب أو أساقفة العرب. تذكر سيرة القديس افتميوس الذي عاش في صحراء القدس في القرن الخامس أنه نصّر شيخ قبيلة عربية اسمه اسباباط بعد أن شفي ابنه المصاب بالشلل وتنصّرت معه القبيلة كلّها. وسيم الشيخ أسقفاً باسم بطرس. وكان هناك مركزان آخران لأساقفة المضارب قرب دمشق وقرب بعلبك واشترك أساقفتها في المجامع التي عقدت في هذه الفترة.
أما عرب الشمال فقد تنصّر عدد كبير منهم بفضل القديس سمعان العمودي ومنهم بنو تتوخ في حاضر قنسرين وحلب (القرن الخامس). وقد بذل نونوس أسقف بعلبك نشاطاً كبيراً في تنصير قبائل منطقته أواسط القرن الخامس.
ولا نعرف شيئاً عن تنصّر غسان قبل القرن السادس. وكانوا قبلاً وثنيين ويروي الطبري أن الحارث بن أبي شمر أهدى سيفه لبيت الصنم. ثمّ تأثّر بالراهب يعقوب البرادعي الذي عمل على نشر المسيحيّة بين الغساسنة كمت أنّ الحارث دعم يعقوب البرادعي لمّا سيّم اسقفاً وساعده على توطيد الكنيسة المعارضة للملكيّين أنصار المجمع الخلقيدوني. وأقيم أسقفيّة خاصة بهم اسمها أسقفيّة غسان. بعد انهزام الروم أمام الفرس عام 580 حُملت المسؤولية للمنذر بن الحارث فنفاه الروم. وانقسمت المملكة ويقول المؤرخ ميخائيل الكبير السرياني: "منذ نفي النعمان اضمحلت مملكة نصارى العرب بسبب خيانة البيزنطيّين |افاغريوس أن البطريرك غريغوريوس الملكي قام بحملة تنصير كبيرة في قلب صحراء الشام ونجح في إدخال قبائل عربيّة يعقوبيّة في الكنيسة.
أثبتت المصادر العربيّة أيضاً تنصّر قبيلة بهراء بين حمس وتدمر وخناصر وتغلب في الجزيرة الفراتية وفروع من قبيلة كلب وإياد بن نزار.

حلفاء الروم ضد الفرس والمناذرة
قبل أن يرفع الروم شأن الغساسنة ويضعونهم على رأس القبائل العربية في بلاد الشام استندوا على ملوك كنده أولاد حجر آكل المرار الذين دانوا بالنصرانية, كان ملوك كنده مدّوا نفوذهم إلى النقب وضواحي العقبة.
في عام 497 قامت القبائل العربية بغزو ونهب المناطق الرومانية بزعامة جبلة وحجر بن الحارث الكندي. فكُسر حجر وعادت المناطق التي كان يسيطر عليها مدة 25 عاماً إلى الحكم المباشر للدولة البيزنطية, وإن معدي كرب شقيق حجر قام بحملة غزو انتقامية عام 501. واضطر الإمبراطور انسطاس إلى الاتفاق مع زعماء القبائل ومنح الحارث لقب فيلارك أي رئيس القبائل وجعل منه حليفاً وفيّاً. ولمّا أمّن الحدود الجنوبيّة تمكّن من التصدّي للهجوم الواسع الذي شنّه ملك الفرس قباذ وحليفه نعمان الحيرة على الشمال. ففي صيف 502 حاصر الفرس آمد (ديار بكر) بينما النعمان تقدّم باتجاه حراّن وهدّد الرها. وفي صيف 503 بينما كان الفرس يحاولون عرقلة الجيوش البيزنطية في الشمال تقدّم عرب الحيرة في جهة الخابور إلاّ أنّهم اضطروا إلى التراجع وتعقّبهم الحارث حتى الحيرة. وعاد النعمان الكرة ودخل الجزيرة ليساند الفرس في محاولتهم الإستيلاء على الرها وقُتل في المعركة وخلفه المنذر. ثم شنّ البيزنطيّون هجوماً معاكساً فطلب قباذ الصلح وبينما كان يتفاوض الفرس والبيزنطيّون هجوماً معاكساً فطلب قباذ الصلح وبينما كان يتفاوض الفرس والبيزنطيّون لوضع شروط السلام (عام 505) تابع العرب الموالون للفرس والعرب الموالون للروم اقتتالهم لمآربهم الشخصية على سبيل الغزو.
وساد السلام بين الروم والفرس زهاء عشرين عاماً. وفي كانون الثاني 524 بعث الإمبراطور يوستينوس بوفد إلى الحيرة لمناقشة أوضاع المسيحيين على الحدود وفي هذه الأثناء وصل مبعوثون من اليمن واعلموا المجتمعين بالمأساة التي حلّت بنجران إذ تسلّط اليهود على بلاد حمير وقتلوا زعيمهم الحارث النجراني والمئات من المسيحيين. وتوسّط الإمبراطور يوستينوس لدى بطريرك الإسكندرية ليستخدم نفوذه في الحبشة كي يتدخّل الأحباش في اليمن ويعيدوا الأمور إلى نصابها. وهاجم الأحباش اليمن وقضوا على نفوذ اليهود. ثم تدخّل الفرس وتصدّوا لهم ومدّوا نفوذهم إلى تلك البلاد. هذه الأمور كانت من مسبّبات إعادة اشتعال الحرب بين الروم والفرس. ومن الأسباب الأخرى تأخّر دفع الأتاوة التي تعهّد بها الروم للفرس مقابل تأمين حدود القوقاز ضدّ خطر قبائل الهون. وحرّك قباذ المنذر ملك الحيرة الذي توغّل حتى حمص وأفاميا وضحّى أربعمائة راهبة للإلهة العزة.

ولمّا زال الخطر على العاصمة تابع هرقل هجومه على الفرس عام 627 وقرن الأعمال الحربيّة بالديبلوماسيّة واستغلّ النزاعات الداخلية في دولة الفرس. ودخل العاصمة الفارسيّة المدائن وفرض شروطه. فاخلى الفرس جميع المناطق التي احتلّوها وعادوا إلى الحدود القديمة. وجاء لدى ميخائيل السرياني أن الفرس سلّموا الصليب المقدّس إلى الروم في منبج وأنه نقل منها إلى حلب فحمص فدمشق فطبرية وأن هرقل أدخل الصليب إلى المدينة المقدّسة في موكب باهر الجلالة. وتدلّ القرائن أن دخوله تمّ في 21 آذار سنة 630 وأن الاحتفال يرفع الصليب إلى مكانه جرى في يوم الأحد التالي.
سياسة هرقل الدينية
لاحظ هرقل أثناء تجوال في المناطق الشرقية وأرمينية وسورية إبّان الحرب الفارسية حدّة الانقسام الديني القائم في هذه المناطق بسبب معارضة المجمع الخلقيدوني. فابتكر مع البطريرك سرجيوس القسطنطيني حلاًّ توافقيا يقضي بالقول مع المجمع بطبيعتين في المسيح ولكن بفعل واحد ومن ثمّ إرادة واحدة كما يرى المعارضون وقام بحملة لإقناع الأساقفة بهذا القول فاقتنع به كيروس الذي كان أسقفاً في القوقاز ونقله إلى الإسكندرية. أمّا محاولته لدى أثناسيوس الجمال البطريرك الأنطاكي اللاخلقيدوني ونكّل بهم. أمّا رهبان دير مار مارون في منطقة افامياء فاستقبلوه بحرارة وأغدق عليهم الهبات. وإن الأزمة الدينية التي أثارها هرقل حول الفعل والشيئة الواحدة والتي عرفت بالمونوثيلية فستلاقي حلّها في الحقبة التالية (المجمع القسطنطيني الثالث عام 681)
انهيار الحكم البيزنطي
إن الحرب الطويلة ضدّ الفرس أنهكت الدولة البيزنطيّة. وسياسة البيزنطيين العمعية أضعفت ولاء القبائل العربية والسكّان السريان. فلمّا دخلت الجيوش الإسلامية بلاد الشام بقيادة أبو عبيدة الجرّاح في عهد خلافة أبي بكر ساعدهم بعض السكّان المحليّين وانضمّت بعض القبائل العربية إلى الجيوش الإسلاميّة ضدّ الروم. وكان قدوم خالد بن الوليد من العراق على رأس جيوشه لينضم إلى أبي عبيدة ضربة قاسية للروم. وبعد معركتي اجنادين (634) واليرموك (636) التي كان فيها الانتصار للمسلمين انهارت المقاومة البيزنطية وسقطت المدن الواحدة تلو الأخرى, وكانت تستسلم صلحاً مقابل شروط تضمن الحفاظ على الكنائس القائمة ودفع الجزية. وتسمح للذين يرغبون مغادرة البلاد مع جيوش الروم. وعام 640 كان العرب أنهوا فتوحاتهم لبلاد الشام وانسحب هرقل إلى الرها وسميساط ولمّا تأكّد من عدم جدوى المقاومة انسحب قائلاً: "وداعاً يا سورية".
وانتهت حقبة من تاريخ سورية الطويلة وبدأت حقبة جديدة.

نشكر الذين تعبوا لتنضيد وطباعة المجلد الأول
"المسيحية في سورية تاريخ وإشعاع"
أنجزت الطباعة في مطبعة الإحسان للروم الكاثوليك بحلب ـ ساحة فرحات
في الثلاثين من شهر أيار 2007
يطلب الكتاب من المؤلف ـ مطرانية الروم الكاثوليك بحلب ـ هـ 2119304 – 021
المكتبة الروحية بحلب ـ دار الكتاب المقدّس ـ المكتبة البولسية ـ جونيه ـ لبنان