..وفي جامع الروضة بحلب وبعد خطبة الجمعة أشار سماحة المفتي العام الى وجود ضيف عزيز في الجامع، وبعد التعريف به طلب منه الكلام، فقام مطران اوسلو (أُوله كفارم) بالسلام أولاً وهنأ المسلمين بعيدهم.. بقلم المهندس باسل قس نصر الله

الإسلام السوري ومطران اوسلو

بقلم المهندس باسل قس نصر الله


عندما أسمع عن الدعوة الى حرق القرآن الكريم، وردود الفعل المتعددة المرافقة بدءاً من الكنائس والمساجد في سورية الى مساجد وكنائس الجوار ومن بعدها المنطقة مروراً بدول العالم حتى نصل الى مرجعيات مهمة مثل الفاتيكان والامم المتحدة الى الرئيس أوباما نفسه، أقول أنه عندما اسمع كل ذلك أعود بالذاكرة الى يوم كنت طفلاً يصعب التعامل معه مما دعى والدي الى وضعي في مدرسة صيفية عسى طاقتي الحركية تتهذب وتتعقلن.


كانت هذه المدرسة الصيفية هي أشبه بالكتَاب، هناك بدأت بتعلم التجويد وحفظ آيات من القرآن الكريم، إضافة الى التعامل مع اطفال من عمري ادرس معهم والعب معهم واحفظ مثلهم الآيات الدينية، وتعلمت منهم كيف احترم قرآنهم الكريم، ولا يجب أن يعتقد أحدٌ ما أنني لا أحفظ الانجيل المقدس أو لا أقرأ فيه، بل أنني كنت ملتزماً بالتعليم المسيحي، وكنا مع اصدقائي نكتشف اشياء مشتركة بين الشريعتين السماويتين وذلك حسب مداركنا العقلية الصبيانية، وكنا كأي طفل نفتح فمنا دهشةً لدى معرفتنا بهذه المشتركات، كأن الاسلام والمسيحية مثلاً تمنع السرقة والكذب وايذاء الآخر.

أقول أن التعليم المسيحي والمدرسة الصيفية هما اللتان أوصلتاني الى احترام الأديان جميعاً والاسلام بشكل خاص لأن المسلمين جيرانٌ لي وأصدقاء. وللمشتركات الكثيرة التي اكتشفتها عندما كنت طفلاً .


أكتب هذه العجالة وأنا أتابع زيارة لمطران اوسلو (النرويج) الى سورية، الذي كنا في ضيافته منذ سنوات مع سماحة الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسون مفتي عام سورية.

البارحة كان يوم الجمعة وقد وافق أول أيام عيد الفطر السعيد (12-9-2010)، وفي جامع الروضة بحلب وبعد خطبة الجمعة أشار سماحة المفتي العام الى وجود ضيف عزيز في الجامع، وبعد التعريف به طلب منه الكلام، فقام مطران اوسلو (أُوله كفارم) بالسلام أولاً وهنأ المسلمين بعيدهم .

أتوقف عند نقطتين قالهما مطران اوسلو والذي بحكم موقعه ووفق أحكام الدستور النرويجي فهو مطران العائلة الملكية النرويجية، الاولى انه قال "عندما سأعود الى النرويج سأقول من يريد ان يعرف الحياة المشتركة الدينية فليذهب الى سورية"، وثانياً "إنني مغتاظ من أن أسمع عن من يريد حرق القرآن الكريم، لأنه جاهل بتعاليم الإسلام السمحة ولا يعرف سورية ولا الإسلام السوري" . يأتي من اوسلو الى سورية ليقول هذا الكلام الجميل ويشير من طرف خفي الى ما أقوله دائماً عن الإسلام السوري، الإسلام الحقيقي، البعيد عن التعصب الاعمى والتطرف، ويؤكد وهو بحكم منصبه مسؤول عن الوعظ الديني لقطعات الجيش النرويجي المشاركة في افغانستان أن الأُمية الدينية هي المسئولة عن التطرف والارهاب؛ لأن الجماعات المتطرفة والإرهابية تستغل جهل الناس العاديين بدقائق الامور الدينية، وتقوم هي بتقديم أمور الدين كما تريد، وتشرح وتفيض في الشرح، وتستخدم وسائل الاتصال الشخصي، والالحاح، والتكرار، وتجنيد العناصر النشطة، لكي تردد وتقنع الاخرين بما تريد. وقد أكد أيضاً لوزراء الدفاع والخارجية النرويجيين عن ضرورة الاستعانة بشخصيات دينية من الشرق الاوسط لأنها تستطيع التفاهم بشكل أفضل على أرض الواقع، ثم أكد لي بعد ذلك انه سيكتفي بسورية فقط.

من سورية وجهت النرويج رسالة دينية واضحة، وذلك من خلال أعلى سلطة دينية فيها (مطران اوسلو – مطران العائلة المالكة) أن الاسلام السوري هو من يجب الاعتماد عليه في مواجهة التطرف والارهاب، لأن سورية تنهج في اعتمادها على المواطنة وليس الطائفة، والكفاءة وليس الولاء – مع وجود ثغرات يتم تلافيها – وتجابه بالفكر "والموعظة الحسنة" هذا الجنون الذي يجتاح العالم من التطرف والإرهاب الذي اتخذ اسم الإسلام، الى التطرف الديني والإرهاب المعاكس والذي نسمع عنهم جميعاً.

لا شك بأن الإرهابيين يمسكون البنادق الآلية والمفرقعات.. ولكن هناك.. وراءهم.. سندا من الفكر الذي يفلسف الارهاب، ويقدم له التبرير العقلي.. ويضعه في قالب مقبول من المنطق المغلوط.. ويدس السم في العسل.. قد يكون هذا العسل نظرية سياسية.. او دعوة اجتماعية.. او شعارا عاما وغامضا وهلاميا له جاذبية وليس له قوام محدد تمكن مناقشته، ومن هنا تقف سورية بباقة زهورها الدينية والشرائعية سداً أمام هذا الارهاب والتطرف البعيد عن اخلاقيات المواطن السوري.

حالما وصل مطران اوسلو الى حلب (كان آخر يوم في شهر رمضان المبارك) كنت قد رتبت له لقاء مع المطران يوحنا ابراهيم (السريان الارثوذكس) وبعدها دعاه المطران الى الإفطار في أحد الأمكنة، استغرب مطران اوسلو، فقلت له لا تستغرب ان يدعو مطرانٌ مطراناً على إفطار، فالإفطار أصبح جزء مهم من تقاليدنا ليس كمسلمين بل كمسيحيين، يا سيدي المطران هل تعلم ان الكثير من إخوتي المسلمين ورجال العلم على رأسهم، أرسلوا لي وأنا المسيحي بالبريد الاكتروني وبواسطة الخليوي رسائل تهنئة بمناسبة عيد الفطر تجاوزت المائتين.

هذه سورية بأرضها ورموزها وشعبها

هذا هو الإسلام والمسيحية السورية

اللهم اشهد اني بلغت