التربية البيئية مقالة للدكتور مجد جرعتلي
- نوفمبر 3, 2011
- 0
الدكتور مجد جرعتلي: وما أحوجنا إلى أجيال جديدة من أبناؤنا قادرة على معرفة قيمة البيئة وأهمية حمايتها من أي ضرر يصيبها فما يصيب بيئتنا من أضرار يصيبهم ويصيبنا بأضعاف مضاعفة
التربية البيئية وأهمية تدريسها في المدراس التعليمية
الدكتور مجد جرعتلي
مقدمة:
إن الإنسان هو الجاني على البيئة وهو الضحية في الآن نفسه، فبظلم من الإنسان نفسه، وبما كسبت يداه ظهر الفساد في البر والبحر، ومن زرع الريح فلن يحصد إلا العواصف، فالبيئة الأولى البكر التي احتضنت الإنسان منذ ألاف السنين لم تعد كذلك وقد اعتدى عليها الإنسان بقسوة وبلا مسؤولية ، وانقلبت آثار هذه الاعتداءات إلى كابوس يلاحقه في صحته وحياته اليومية ، فهو الضحية والجاني، والمعتدي والمعتدى عليه..
وها هو الإنسان يقف وحيدا يواجه أكبر الكوارث البيئية ، كلإحتباس الحراري، وتلوث الهواء والماء ونضوب مصادر المياه العذبة والجفاف وانتشار قائمة من سلسلة من الأمراض الغير معروفة السبب بالإضافة إلى السرطانات والحساسية..
ولكي لا تضيع جهودنا في ملصقات واحتفالات عن البيئة، أو في مهرجانات وخطابات نظرية، يجب أن ننطلق من قواعدنا الحقيقية وأن ندرس الموضوع من خلال إمكاناتنا الذاتية، دون التهوين أو التهويل،من خلال النظرة الموضوعية العلمية التي تعتمد على جرد السلبيات والايجابيات، والسماح بإدماج الموضوع البيئي في المخطط الوطني وبكافة نشاطاته وعلى رأسها التربية والتعليم ، بحيث يستفاد من الإمكانات بشكل أكبر في تنمية مرتكزات القوة ومعالجة السلبيات البيئية منذ حدوثها.
التربية البيئية Environmental Education:
هي منهج لإكساب القيم وتوضيح المفاهيم التي تهدف إلى تنمية المهارات اللازمة لفهم وتقدير العلاقات التي تربط بين الإنسان وثقافته وبيئته الطبيعية الحيوية , والتربية البيئية ليست مجرد تدريس المعلومات والمعارف بل التمرس في عملية اتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية ووضع قانون للسلوك بشأن المسائل المتعلقة بتقدير وحماية البيئة.
أهمية الثقافة البيئية:
تكمن أهمية " الثقافة البيئية " عندما تأخذ موقعا بين العلوم والآداب التي تدرس بحيث تتحول إلى منهج تدريسي خاص وقائم بذاته قادرعلى أن يأخذ دوره في كافة المناهج التدريسية وفي كافة المراحل المدرسية والجامعية بهدف تنشئة أجيال بعقول جديدة تعي مفهوم الثقافة البيئية، وتعمل على تطبيقها؛ وعليه فمن خلال الثقافة البيئية يمكن إحداث تغييرات جذرية في طرق التفكير والسلوك البيئي عند المجتمع بحيث يتصرف كل شخص فيه وكأنه صاحب قرار ناضج خلال حياته وفي كافة نشاطاته وأعماله .
مبادئ وأهداف التربية البيئية وأهمية تدريسها في المدراس التعليمية
الأهداف العامة للتربية البيئية:
تهدف " الثقافة البيئية " إلى فهم وتعلم الوعي و المعرفة البيئية الأساسية بهدف تنمية السلوك البيئي الإيجابي والدائم منذ الصغر، والذي هو بمثابة الشرط الأساسي كي يستطيع كل إنسان ومنذ الطفولة أن يؤدي دوره بشكل فعّال في حماية البيئة وبالتالي المساهمة في الحفاظ على صحته من خلال محافظته على بيئته المحلية والبيئة العامة التي تشمل كل الأرض وبما فيها من كائنات حية وموارد . وهنا تكمن أهمية الثقافة البيئية والسعي الدؤوب لتطويرها، بغية نشرها و إنضاجها لتتحول إلى ثقافة ثابتة وقادرة على أن تأخذ دورها في حياتنا اليومية من بيته أولا ومن ثم من خلال مدرسته عبر المناهج التدريسية في كافة المراحل الدراسية بهدف تنشئة أجيال مثقفة بيئيا تعي مفهوم البيئية وكيفية التعامل معها في كافة النشاطات البشرية , وفيما يلي نذكر أهم تلك الأهداف :
أهم الأهداف العامة للتربية البيئية:
– تنمية القيم الأخلاقية لدى الطلاب بشكل يساعد في تفعيل العلاقة الإيجابية بين الإنسان والبيئة.
– إيقاظ الوعي حول العوامل الأساسية المسببة للمشاكل البيئية.
– التركيز علي تنشئة التلاميذ وفق الثقافة البيئية من خلال التنشئة والتربية البيئة التي تهدف الي اكتساب الفرد منذ الصغر الاتجاهات الإيجابية اتجاه بيئته المحيطة.
– إكساب الفرد السلوكيات الإيجابية الغير عدائية من خلال مناهج التربية البيئية المصممة لتحقيق هذا الهدف واستعمال الطرق التعليمية المدروسة والتي تتفق وطبيعتها لتساعد في تكوين آلية للسلوك البيئي المسؤول.
مستويات التربية البيئية:
يمكن تمييز خمسة مستويات أساسية للتربية البيئية و التي ينبغي لبرامج التربية البيئية في المدارس أن تعمل على تحقيقها وهي:
أولاً: مستوى الوعي بالقضايا والمشكلات البيئية:
تتضمن تنمية وعي الطلاب بالموضوعات البيئية التالية:
– مدى تأثير الأنشطة الإنسانية مهما كانت صغيرة على البيئة بصورة ايجابية أو سلبية.
– مدى تأثير السلوك الفردي للإنسان على الإتزان البيئي (مثل النفايات المنزلية والمخلفات ,الإسراف بالماء. التدخين, قطع الأشجار …).
– أهمية تضافر الجهود الفردية على نطاق المدرسة الواحدة مع الجهود المحلية أو الدولية لحل المشكلات البيئية.
– توعية الطلاب عن ارتباط المشكلات البيئية المحلية مع المشكلات البيئية الإقليمية والعالمية وضرورة التعاون بين الشعوب لحل هذه المشكلات وأن كرتنا الأرضية هي منزل كبير تعيش به كافة الكائنات الحية بكافة أنواعها وأجناسها وما يصيب أي منها بضرر أو أذى سوف ينتقل إلى الآخرين عاجلا أم أجلا.
ثانياً: مستوى المعرفة البيئية بالقضايا والمشكلات البيئية
على المدارس بكافة مستوياتها أن تتضمن مناهجها التعليمية بالمعرفة البيئية لمساعدة الطلاب على اكتساب الخبرات المتعلقة بالبيئة والتي تحتوي على ما يلي:
– تحليل المعلومات والمعارف اللازمة للتعرف علي أبعاد المشكلات البيئية التي تؤثر علي الإنسان والبيئة
– ربط المعلومات التي يحصل عليها التلميذ من مجالات المعرفة المختلفة بمجال دراسة المشكلات البيئية
– فهم نتائج الاستعمال السيئ للموارد الطبيعية وتأثيره على استنزاف هذه الموارد ونفاذها.
– التعرف على الخلفية التاريخية التي تقف وراء المشكلات البيئية الراهنة.
– التعرف على التجارب والمقترحات المحلية و الإقليمية والدولية لحماية البيئة والاستفادة منها أو الإقتراح بتعديلها .
ثالثاً: مستوى الميول والاتجاهات والقيم البيئية
تتضمن تزويد الطلاب بالفرص المناسبة التي تساعدهم على تنمية ميولهم اتجاه بيئتهم وذلك من خلال ما يلي:
– تنمية الميول الايجابية المناسبة لدى الطلاب لتحسين البيئة والحفاظ عليها.
– تكوين الاتجاهات المناسبة نحو مناهضة مشكلات البيئة والحفاظ علي مواردها وحمايتها مما يهددها من أخطار بيئية
– تنمية الإحساس بالمسؤولية الفردية والجماعية في حماية البيئة من خلال العمل بروح الفريق والمشاركة الجماعية في حل المشكلات البيئية.
– بناء الأخلاق والقيم البيئية الهادفة مثل احترام حق البقاء والحياة لكافة الكائنات الحية مهما كانت صغيرة أو كبيرة واحترام البيئة بكافة محتوياتها واحترام الملكيات الخاصة والعامة بشكل يوجه سلوك الطلاب نحو الالتزام بمسؤوليتهم وعدم الاستهتار.
– تقدير عظمة " الخالق سبحانه وتعالى " في خلق بيئة صحية ومتوازنة للإنسان في الأرض واستخلافه فيها.
رابعاً: تحديد مستوى المهارات البيئية
يتضمن مساعدة الطلاب على تنمية المهارات البيئية بشكل فعلي:
– جمع البيانات والمعلومات البيئية من المصادر البحثية والتجارب والعمل الميداني والرصد البيئي والملاحظة والتجريب والاستقصاء "من خلال رحلات أو زيارات إلى مواقع تشهد مشكلة بيئية معينة " .
– تنظيم البيانات وتصنيفها وتمثيلها وتحليلها واستعمال الوسائل المختلفة للبحث والاستقصاء والعرض
– وضع خطة عمل لحل المشكلات البيئية أو صيانة وتنمية الموارد الطبيعية، أو ترشيد استهلاكها وحمايتها من الاستنزاف والاستهلاك، بحيث تتضمن هذه الخطة إجراءات العمل ونوعيتها مع جدولته زمنيا ومكانيا
– استقراء الحقائق من دراسة المشكلات البيئية ثم صياغة نماذج أو تعميمات أو قوانين مقترحة حولها
– تنظيم دراسات في الرصد البيئي والتجارب البيئية وبناء مشاريع تنموية بناء علي نتائج هذا الرصد
خامساً: مستوى المشاركة الفعلية في الأنشطة البيئية :
يتضمن إتاحة الفرص المناسبة للطلاب في المساهمة الفعلية في النشاطات البيئية العملية :
1. – المشاركة في الاستقصاءات والمراجعة والدراسات البيئية من اجل اقتراح الحلول لهذه المشكلات
– تنظيم أنشطة حماية البيئة وصيانة وتنمية مواردها سواء على المستوى الفردي أم على مستوى المجموعة.
– تقويم البرامج والقرارات والإجراءات البيئية من حيث درجة تأثيرها على مستوى التوازن بين متطلبات الإنسان ومتطلبات الحفاظ على البيئة.
– المشاركة في الأنشطة والمشاريع والحملات البيئية الوطنية والإقليمية والعالمية.
المبادئ الأساسية لاستمرارية برامج التربية البيئية:
1. أن تكون عملية التربية البيئية مستمرّة طوال الحياة في كافة مراحل الدراسة وخارجها.
2. أنْ تُدرّس البيئة كَـكُل،بما فيها من المكوّنات والموارد الطبيعية،والمكوّنات التي صُنْعها الإنسان.
3. أن تكون التربية البيئية مسؤولية كلِّ الجهات القائمة على أمور التربية والتعليم،أي التربية المباشرة وغير المباشرة،وعلى كلّ المستويات.
4. أن تقررالتربية البيئية في كل الاتجاهات التعليمية لتشملَ كل المجالات والعلوم المتصلة بالبيئة من (الهندسة بأنواعها والاقتصاد، السياسة، الجغرافيا , الزراعة ،الصحة ،العلوم ، القانون ، الإدارة…).
5. أن تكون أكثر اقترابا من المنظور العملي في صوْن البيئة، والمساهمة في إنعاشها بأعمال تطبيقية داخل المؤسسة التعليمية،وخارجها كالمساهمة في عمليات ( التشجير،والعناية بالأشجار والغابات والحدائق، وعمليات تنظيف الشواطئ والمساحات الخضراء، والحفاظ عليها وصيانة محيطها…).
وفي الختام يمكن القول بأنه من الضروري أن تقرر وزارات التربية والتعليم بتدريس "التربية البيئية" في كافة المدارس وخاصة في المرحلة الابتدائية والإعدادية وكما قيل " العلم في الصغر كالنقش على الحجر " وما أحوجنا إلى أجيال جديدة من أبناؤنا قادرة على معرفة قيمة البيئة وأهمية حمايتها من أي ضرر يصيبها فما يصيب بيئتنا من أضرار يصيبهم ويصيبنا بأضعاف مضاعفة ..؟