
الثقة في النفس لربيع الإدريسي
- أكتوبر 7, 2012
- 0
الكاتب المغربي الإدريسي ربيع يكتب لنا عن الثقة ولكن بشكل مختلف عن ما هو متعارف عليه: من أهم ما كتب ويكتب في التنمية البشرية هو موضوع.. الثّقة في النفس.
الإدريسي ربيع، الكاتب و المخرج
الكاتب المغربي الإدريسي ربيع يكتب لنا عن الثقة ولكن بشكل مختلف عن ما هو متعارف عليه: من أهم ما كتب ويكتب في التنمية البشرية هو موضوع.. الثّقة في النفس.
• الــثــقــة
من أهم ما كتب ويكتب في التنمية البشرية هو موضوع
الثّقة في النفس
ونظرا لأهميته و لأن معظم المواضيع هي مترجمة من المؤلفين الغرب ، وهي على أهميتها فيها نقاط ضعف وقصور نظر لعدم إحاطة التنمويين بعدّة علوم تعتبر مهمّة وهي ذات صلة وثيقة بالموضوع
الثقة في النفس
يجب تعريف كل مصطلح على حدى من أجل تقريب الثقة :
[ وثق ] مص ـــ: الاتمان طلبت الوزارة الجديدة الثقة في مجلس النواب . ـــ : اليقين ، لست على ثقة من نجاح هذه التجربة . ــــ من يعتمد عليه في الأقوال والأفعال ؛ هو رجل ثقة أمين / هم الثِّقات من المحدّثين أو روات الحديث ج ثّقات .
في : حرف جر
•
•
النّفس :
و الأنفس ثلاث أنواع
النفس الأولى وهي : الأمّارة بالسوء : و الثقة فيها خطيرة جدا توصل صاحبها إلى الظنك الدنيوي و الجحيم الأخروي .
و الثانية النفس اللوامة : نفس لا ترضى بالدنيا أبدا فلو وثق فيها الإنسان لدفعته إلى الإنتحار لأن نزولها إلى الأرض هو سجن لها وعقوبة وهي دائما تشتاق للعودة ( الشيخ مازن الشريف البرهان )
الثالثة وهي : النفس المطمئنة : الوثوق فيها جيد جدا لكن من يستطيع أصلا التّفريق بين الأنفس الثلاث خصوصا بين المطمئنة و اللوامة و من يستطيع ذلك فهو واصل وليس سالك ، لأن هذف الإنسان المسلم خصوصا أن يستطيع العيش في مستوى النّفس المطمئنة في سيرها إلى الله .
إذن ما العمل ؟
عدم الثـّقةِ في النّفسِ يؤدّي إلى الجُبن .
الثـّقة في النّفس وحدها تؤدي إلى الغرور .
إذا ما بحثنا في سيّر النّاجحين في العالم القديم والحديث نجد أنّ لهم ثقة عالية بأنفسهم ، و إذا ذقّقنا جيدا النـّظر نجد أنّ ثقتهم كانت عالية في معتقداتهم ((أنّا كان معتقدهم ))
في العصر الذهبي للأمة الإسلامية هل كان سّر نجاح أسلافنا هو الثـّقة في النّفس ؟
طبعا لا . إنّها الثـّقة في الله أي الثـّقة في المعتقد .
الثّقة في الله هي التي جعلت خالد بن الوليد يشرب السم من يد عدوه ولم يؤثر فيه .
الثقة في الله هي التي جعلت أبو بكر الصديق رضي الله عنه يراهن مع الرومي حين غلبت الفرس الروم في الحرب _( غُلبت الرّوم في أدنى الأرض وهم من بعد غَـلبهم سيغلبون في بضع سنين ) عادة لا تستطيع دولة في ذلك العصر الإنتقام لنفسها إلا بعد مرور جيلين تقريبا لكن الهل أخبر الأمة بأن الروم ستنتصر في أقل من عشر سنوات هذا ما لم يصدّقه الروم أنفسهم ؛ ولكن ثقة أبي بكر في الله جعلته يراهن مع الرّومي .
وفعلا انتصر الروم على الفرس بعدها في أقل من عشر سنوات رغم أن الروم لم تكن لهم الثـّقة في أنفسهم لأن التّجربة العسكرية تؤكد استحالة اللإنتصار في بضع سنين . إلا أنّ ثقتهم في الله لأن الرّوم أهل كتاب جعلتهم يقدمون على الحرب لأنهم جربوا ذلك من قبل فعرفوا أن الأنبياء لا تخطئ نبوؤاتهم .
إنّ الثّقة في الله تحرر الإنسان من التبعية للبشر ( ما أصابك ماكان ليخطئك وماأخطاك ما كان ليصيبك)
وتأمّل معي حديث رسول الله ( ياغُلام إنّي أعلمك كلمات إحفظ الله يحفظك إحفظ الله تجده اتجاهك إذا سألت فاسأل الله و إذا استعنت فاستعن بالله و اعلم بأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك و اعلم أن الأمة لو اجتمعت على ان يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام و طويت الصّحف)
تخيل كيف تكون شخصية هذا الإنسان الذي لاينتضر مساعدة أحد حتى في أخطر المواقف ، تأمل معي موقف نبي الله إبراهيم حين أجمع قومه على أن يلقوه في النار ، كانت نفسه مطمئنّة كان واثقا أن الله معه وكانت له تجارب مع النار بلا شك ــ النار تحرق ــ ( كان واثقا انّه لو أراد الله له النجاة سينجوا حتى لو أراد كل قومه له الهلاك ) تأمل معي سيدنا ابراهيم وهو مقذوف في السماء وبينه و بين النار ثوان يسأله الملك : ألك حاجة أقضيها لك ؟ فيجيبه سيدنا إبراهيم : أما منك فلا أما من الله فنعم . قال الملك : فادعوا . قال إبراهيم عليه السلام : علمه بالحال يغني عن السّؤال ) أرأيت نفس مطمئنّة واثقة في الله .
وحتى لو دعى ابراهيم ربّه واستغاته و سبّح له فهذا لا يعني عدم الثقة كما حصل مع نبي الله يونس وهو في بطن الحوت الذي كان من المسبحين .
إنسان لا يتق في ربّه ستغلبه نفسه اللوامة للخلاص من الجسم أو ترهبه نفسه الأمارة بالسوء التي لا تصبر على بلاء فتوقف القلب من الخوف أو تدفعه لينتحر ، إلا أن نبي الله يونس كانت نفسه مطمئنة وهو في بطن الحوت ، في البحر . نسبة النجاة بمعيارنا المادي منعدمة ، لكن الثقة في الله لا تعرف المستحيل . الفرق بين الثقة الإبراهيمية و الثقة اليونسية هي أن الثانية جاءت بعد خطأ وهو الإعتماد على النفس بدل الإعتماد على الله في مسألة الخروج من القرية إذ أن يونس عليه السلام خرج منها دون إذن ربه فأوكله الله إلى نفسه طرفة عين فكاد يهلك ( لولا أن كان من المسبحين ) أما الثقة الإبراهيمية فهي ثقة مبنية على التسليم ؛ التسليم المطلق لله لا حركة ولا سكون إلا بإذن الله الملك ( وهذا هو معنى أنّ النفع أو الضرر لا يكون إلا بإذن الله)
إذن الثقة في الله طاردة للوساوس التي تهز شخصية الإنسان و تقل من ثقته بالله و طاردة للغرور و العجب بالنّفس الذي يوقع صاحبه في المهالك .
كثقة قارون في قدرته على الإستثمار فأصبح يقلّب كفيه نادما بعد فوات الأوان .
وكذلك الشأن بالنسبة لإخوة يوسف في صلاحهم بعد قتل أخيهم ، كانوا واثقين من أنفسهم ــ الأمارة بالسوء ــ من أنهم بعد قتل أخيهم سيكونوا قوما صالحين لكنهم لم يتوبوا حتى ظهر يوسف وعفى عنهم .
وافتح الكتاب الذي أنار الوجود على سورة الكهف تجد درسا عظيما عن الثقة في المال والغرور كان الرجل من خلال حواره واثقا في نفسه حد الغرور كان واثقا في أن جنته هي من صنع ذكائه وليست من عند الله فأصبحت جنته هشيما لأنه لم يتعض ولم يسمع نصائح أصدقائه .
و الحديث القدسي الذي ذكره الحبيب المصطفى يزيد في وضوح أمر الثقة ( عبدي أنت تريد و أنا أريد فإن أسلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك ما تريد وما يكون إلا ما أريد )
التسليم لله هو أعلى مستويات الثقة و هو المنهج القويم للنجاح دنيا و آخرة ، به تكون لك المنح كلما اجتزت المحن بسلام وتسليم لمشيئة الواحد الأحد .
أما الثقة في النفس قد تنجحك في الدنيا نجاحا يعقبه فشلا دريعا دنيا و آخرة .
قد يقع الإنسان في فخ النفس اللوامة و هو يظن نفسه أنه سلّم أمره لله و أنّ ثقتة في الله جعلته يتوقف عن الكد والجهد وهو ما سمّاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالتواكل . إذ الفرق بين التوكّل والتواكل كبير . فالمتوكل إنسان مجتهد له رؤية وهذف يسعى إلى تحقيقه وهو كلّه ثقة بأن الله سيوفّقه في الذي سينفعه دنيا وآخرة و أن الله سيدفع عنه ما يضره دنيا و آخرة وهذا ما يفسّر الطمأنينة التي يكون عليها المؤمن بربه الواثق في قضائه وقدره . و أجمل المتوكلين هم الذين يستاخرون الله في كل أمرين وجب اختيار واحد منها فلا يختاروا بين رأيين حتى يطمئن قلبهم وعندما يطمئنون ينطلقون و يحققون أهذافهم بتسخير من الله عجيب .
إن الإستخارة لها الفضل في توطيد علاقة الثقة في الله
الاستخارة ثقة قبلية استبصارية ثقة في علم الله المطلق .
و الثقة أثناء إنجاز الهذف هي ثقة الرّعاية ، استشعار العبد أن الله يشاهده وهو ينجز العمل الذي ألهمه الرب صنعه .
و بعدها تكون ثقة بعدية أي أن لا يشغل نفسه إلا بالدّعاء لا يقول هل سيتحقق الهذف أم لا ؟ .
• و من شروط الدّعاء الثّقة في الله لأن الله لا يقبل دعاء المرتاب .
ليس هناك تمارين تجريبية لهذا العلم و إنما تطبيق مباشر وللخاطئ أجر و للناجح أجران. وإن كنت أستطيع أن أخترع بإلهام من الله ما لا يحصى من التمارين الممتعة المفيدة في كل علم .
ربيع الادريسي