وقد استقر مفهومه بالمغرب في العصور المتأخرة على ما يعني القصائد والمولديات والمقطوعات الشعرية المديحي، مقالة ودراسة لسعيد العفاسي

نتابع معكم مقالة الدورة 13 لمهرجان فن المديح والسماع بفاس (جـ2) بقلم الكاتب والفنان التشكيلي سعيد العفالسي

بدايات المديح والسماع الامتداد بفاس:


بدخول الإسلام إلى المغرب كان الدين لدى المغاربة عقيدة وشريعة. وقد لعب المسجد "دار الثقافة والعبادة " دورا هاما في تداخل الثقافة بالدين، ففيه تكتسب المعرفة الأدبية والفنية والسياسية والاجتماعية وفيه أيضا تقوم السلوكيات والأخلاقيات والروحانيات، فكان الطابع الغالب على ثقافة علمائنا هو روح الزهد في الدنيا والتجرد من مطامعها والاستمساك بالكتاب والسنة. حيث اتسم شعر المغرب آنذاك بكونه شعر فقه ودين وشعر الرجل المتدين المتحفظ، المتميز بالبساطة والرزانة الأخلاقية والأداء المحتشم. وإذا كان الشعر في القرون الخمسة الأولى بعد الفتح الإسلامي قليلا، فقد قفز بسرعة في القرن السادس الهجري على عهد الموحدين التي ازدهرت فيها السياسة وتعاظمت الدولة، فانعكس ذلك إيجابا على الثقافة والأدب والفلسفة؛ تطور الشعر والموسيقى والأمداح النبوية وازدهرت باتخاذ عيد المولد النبوي عيدا دينيا ثالثا في أواخر القرن السابع الهجري على عهد بني مرين وتبنتها الدولة بكثير من الفخم على عهد أحمد المنصور الذهبي السعدي فكان يقيم سنويا في قصر البديع بمراكش موسما أدبيا كبيرا، ومهرجانا شعريا ازدهر فيه شعر والأمداح. ومن بين الموضوعات التي اتسم بها الشعر آنذاك الدعوات والتوسلات والابتهالات والتضرع إلى الله كي يفرج مضايق المسلمين ويصلح أحوالهم، من بين ذلك قصيدة التضرع للإمام السهيلي :
" يا من يرى ما في الضمير ويسمع أنت المعد لكل ما يتوقع "
وقصيدة : التوسل للشيخ أحمد بن ناصر الدرعي
" يا من إلى رحمته المفر ومن إليه يلجأ المضطر"
لكن في القرن التاسع والعاشر الهجري تأجج وجدان المغاربة وحثوا على الجهاد وأقبلوا على الزوايا التي اتسع نشاطها ونفوذها وعلى حلقات الذكر والأضرحة والمواسم .وبنزوح المهاجرين من الأندلس إلى المغرب استفاد المغاربة من شعرهم وفنونهم وثقافتهم وموسيقاهم ومن شتى نماذج الحياة المختلفة فتعلموا منهم المواويل والموشحات والملحون وتطورت الموسيقى فظهرت الآلة الأندلسية. ومن تم أصبحت حفلات المولد النبوي التي ترسمت في المغرب لا تقتصر على الاحتفالات الرسمية للدولة، وإنما أخذت طابعا شعبيا واسعا تقام على شكل قصائد وتراتيل وقراءات شعرية، في أغلب المساجد بالمدن القديمة، في مدح الرسول عليه السلام وذكر عظمة رسالته بصوت منغم وتارة بالآلة،واهتم الناس في هذا المناخ بشعر المديح مشوبا بالغزل الرقيق وبالحكم والتصوف والحكايات الواقعية والخيالية للأنبياء والأولياء والصالحين، وترددت بين الناس قصائد وحفظها الكثيرون من بينها البردة والهمزية ( للشيخ الإمام البوصيري والمنفرجة لابن النحوي
اشتدي أزمة تنفرجي قد آذن ليلك بالبلـج
وبعدها منفرجة أخرى للمتصوف محمد بن محمد بن عبد الرحيم التازي المشهور بابن يجبش
اشتدي أزمة تنفرجي قد أبدل ضيقك بالفرج .
ظهر فن المديح و السماع في عهد رسول الله صلى الله وعليه و سلم خلال الهجر ة النبوية من مكة إلى المدينة، لما استقبلنه بنات صغيرات السن من بني النجار خرجن فرحات بمقدمه صلى الله عليه وسلم حين وصل المدينة المنورة و هن ينشدن:
نحن جوار من بنى النجار يا حبذا محمد من جار
فقال عليه الصلاة والسلام لهن "أتحببنني" فقلن "نعم" فقال "الله يعلم أن قلبي يحبكن"
كما أنشد أيضا في هذه المناسبة فتيات صغيرات أمام النبي صلى الله عليه و سلم:
طلع البد ر علينا من ثنيا ت الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
والرسول صلى الله عليه وسلم أعطى لهذا البعد الروحي الوجداني حقه من الاهتمام، فقد أوكل أداء الآذان للصحابي الجليل بلال بن رباح، لما كان يتميز به من صوت جميل وحلاوة في الأداء، وكان يقول صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود : "اقرأ القرآن فإني أحب أن أسمعه منك فقد أتاك الله مزمارا من مزامير داوود". و بعد وفاة النبي استمر هذا الفن في الترعرع في عهد الخلفاء الراشدين، ثم بدﺃ يعرف توسعا في عهد الإمارات المتوالية من بعد الخلافة الراشدة، كالإمارة الأموية و العباسية… بعدها بدأ يعرف اهتماما خاصا لدى الصوفية، الذين انفردوا به وطوروه وكانوا دائما يعتنون به ويحملونه من جيل إلى آخر، والسماع أو " الذكر" أحد الوسائل التهذيبية لدى المتصوفة لما له من تأثير فني و وجداني على المريد السالك، ويؤدى السماع في مجالسهم بأن ينشد فرد أو أكثر قصيدة لشيخ من مشايخ التصوف بأصوات تتمايس لها الأسماع وتتمايل لها الأجساد، ينتهي كل مقطع برد جماعي من المريدين سواء بالهيللة " لا إلاه إلا الله" أو بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، بينما يستمر المنشد في تغيير الألحان-الصيغة- من وقت لآخر.
والأصل في السماع ما يدل على عموم الغناء والموسيقى، وقد استقر مفهومه بالمغرب في العصور المتأخرة على ما يعني القصائد والمولديات والمقطوعات الشعرية المديحية التي يتناشدها المسمِّعون بأصواتهم على أساس الأنغام و"الطبوع" المتداولة في الموسيقى الأندلسية وذلك دون مصاحبة آلية.
وترجع بدايات ظهور السماع بالمغرب إلى منتصف القرن السابع للهجرة عندما استحدثت أسرة العازفيين التي كان رجالها من أعلام مدينة فاس ورؤسائها، عادة الاحتفال بالمولد النبوي، وألف كبيرهم يومئذ أبو العباس أحمد بن محمد المتوفى عام 639 هـ على عهد الخليفة الموحدي المرتضى كتاب "الدر المنظم في مولد النبي المعظم" الذي أكمله ابنه الرئيس أبو القاسم المتوفى عام 677 هـ. ويشير أبو العباس في مقدمة الكتاب إلى الأسباب التي حفزته على الدعوة إلى استحداث الاحتفال بالمولد النبوي، فيصف في حسرة وأسى مشاركة مسلمي سبتة والأندلس للمسحيين في احتفالاتهم بعيد النيروز يوم فاتح يناير، والمهرجان أو العنصرة يوم 24 يونيو، وميلاد المسيح عليه السلام يوم 25 دجنبر. ومع إقرار المؤلف بأن الاحتفال بمولد رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم سيشكل بدعة لم تكن في عهد السلف الصالح رضوان الله عليهم، فإنه يجعله من البدع المستحسنة، أجرها خير من عدمه، ولقد كان تبني أعلام سبتة للاحتفال بالمولد النبوي نابعا من طبيعة المغاربة الذين شبّوا على اعتناق المالكية والتعلق بالحضرة النبوية، وكذا رفضهم للآراء المذهبية التي ابتدعها ملوك الموحدين الأوائل، وفي ذلك ما ينسجم مع صنيع القاضي عياض في العهد المرابطي الذي ألف كتابه "الشفا بتعريف حقوق المصطفى". وقد تولع المرتضى بهذا الإحتفال، وأصبح يقوم بليلة المولد خير قيام، ويفيض فيها الخير والإنعام، حتى وقف في حضرته ذات يوم الأديب الأندلسي أحمد بن الصباغ الجذامي منشدا إحدى روائعه بمناسبة المولد النبوي فقال في مطلعها:
تنعم بذكر الهاشمي محمد *** ففي ذكره العيش المهنأ والأنسُ
أيا شاديا يشدو بأمداح أحمد *** سماعك طيب ليس يعقبُه نكس
فكررْ رعاك الله ذكرَ محمد *** فقد لذت الأرواح وارتاحت النفس
وطاب نعيم العيش واتصل المنى *** وأقبلت الأفراح وارتفع اللبس
له جمع الله المعاني بأسرها *** فظاهره نور وباطنه قدس
فكل له عرس بذكر حبيبه *** ونحن بذكر الهاشميِّ لنا عرس
وما يزال أحد أبيات هذه القصيدة حتى يومنا بمثابة لازمة يتملى بترجيعها المسمعون في حلقاتهم، وهو قوله:*1
وقوفا على الأقدام في حق سيد *** تعظمه الأملاك والجن والإنس
وقد عرف السماع والمديح ازدهارا كبيرا على العهد المريني ثم الوطاسي من بعده، فكان الملوك أنفسهم يرأسون مهرجانات المولد ليلة الثاني عشر من ربيع الأول، كما أصدر السلطان أبو يعقوب يوسف المريني المتوفى سنة 691 هـ أمرا بوجوب إحياء ليلة المولد النبوي واعتبارها عيدا رسميا كعيدي الفطر والأضحى، "وأصبح ملوك الأندلس يحتفلون في الصنيع والدعوة وإنشاد الشعر اقتداء بملوك المغرب" على حد ما قاله ابن خلدون*2. وقد أضاف أبو سعيد المريني الاحتفال باليوم السابع من العيد، وإلى ذلك يشير أبو العباس أحمد بن عبد المنان المتوفى عام 792 هـ في قصيدة يخاطب بها أبا عنان فيقول:*3
وموسم جل قدرا باعتناك به *** راقت لياليه وازدانت سوابعه
كما أصبح توقيف العمل يوم المولد النبوي تقليدا متبعا في العهد المريني، واستمر يوم عطلة على يومنا هذا، وإلى ذلك يشير ملك بن المرحل إذ يقول مستعرضا بعض مراسيم الاحتفال بهذه المناسبة: *4
فحق لنا أن نعتني بولاده *** ونجعل ذلك اليوم خير المواسم
وأن نصل الأرحام فيه تقربا *** ونغدو له من مفطرين وصائم
ونترك فيه الشغل إلا بطاعة *** وما ليس فيه من ملام ولائم
وسرعان ما انتقل الاحتفال بالمولد النبوي إلى الأوساط الشعبية فكانت الحفلات تقام في الزوايا والمنازل الكبيرة وحتى في المنازل، وبعض الساحات مثل ساحة المارستان المريني بسوق الحنة حاليا، حيث وجد هذا المستشفى لمعالجة المرضى نفسيا بالأمداح النبوية الشريفة والسماع الصوفي والموسيقى، وإلى ذلك يشير ابن الدراج في كتابه الجليل "الإمتاع والانتفاع بمسألة سماع السماع" فيذكر أن أكثر ما يتغنى به أهل فاس بهذه المناسبة تتصل موضوعاته بمدح الرسول وتشويق النفوس إلى زيارة البيت الحرام ومواقعه، وإلى المدينة المنورة ومعالمها*5، كما يشير إلى ذلك الرحالة أبو علي الحسن الوزان الفاسي في كتابه "وصف إفريقيا" فيذكر أن التلاميذ يقيمون احتفالا بالمولد النبوي، ويأتي المعلم بمنشدين يتغنون بالأمداح النبوية طول الليل، وهكذا تتجلى الطبيعة الشعبية للاحتفال بالمولد النبوي، ويكتشف معها أنه "جاء متجاوبا مع إرادة مغربية" تعكس حب المغاربة للمقام النبوي العظيم. وليس أدل على ذلك مما ورد في بعض مخطوطات روض القرطاس في أخبار وتاريخ مدينة فاس لعلي بن أبي زرع الفاسي من "أن العزفيين هم الذين ندبوا يوسف المريني إلى تعميم الاحتفال بالمولد النبوي واتخاذ يوم الثاني عشر ربيع الأول عيدا مغربيا*6 . وسوف يبلغ فن المديح والسماع قمة اكتماله في عهد الشرفاء السعديين، وذلك عندما اتخذ المنصور السعدي من عيد المولد النبوي أكبر احتفال رسمي للدولة والأمة، فكان يقيم في قصره بمراكش الحفلات الفخيمة والباذخة، يزينها بالشموع الموقدة، وما يلق بالمناسبة الجليلة،وإنشاد القصائد والمولديات، وإجراء العطايا على المتميزين من الشعراء، الذين يتنافسون في مدح خير البرية سيندا محمد صلى الله عليه وسله تسليا،وقد أفاض في هذا الموضوع أكثر من مؤرخ. من هؤلاء أبو الحسن التمجرُوتي المتوفى عام 1003 هـ الذي يقول في رحلته المسماة "النفحة المسكية في السفارة التركية" واصفا احتفال المنصور في مراكش عام 998 هـ : "وأنشدوا القصائد ومقطعات في مدح النبي المكرم وفضل مولده العظيم، ونظموا في ذلك الدر المنظوم، وبالغوا في ذلك وأطنبوا… وانبسطوا بألسنة فصاح ونغمات ملاح وطرائق حسنة، وفنون من الأوزان المستحسنة، فأصغت الآذان عند ذلك بحسن الاستماع إلى محاسن السماع، ومن هؤلاء أيضا أحمد بن القاضي المكناسي الذي ينوه في كتابه "المنتقى المقصور على محاسن الخليفة المنصور" بما كان يصنعه بهذه المناسبة، أما عبد العزيز الفشتالي مؤرخ الدولة السعدية وشاعر بلاط المنصور فقد أتى بما يذهل الألباب في كتابه "مناهل الصفا في أخبار الملوك الشرفا" إذ يقول: "والرسم الذي جرى به العمل… أنه إذا طلعت طلائع ربيع الأول… توجهت العناية الشريفة إلى الاحتفال له بما يربي على الوصف… فيصيّر الرقاع إلى الفقراء أرباب الذكر على رسم الصوفية من المؤذنين النعارين في السحر بالأذان.. حتى إذا كانت ليلة الميلاد الكريم.. تلاحقت الوفود من مشايخ الذكر والإنشاد… وحضرت الآلة الملوكية… فارتفعت أصوات الآلة وقرعت الطبول، وضج الناس بالتهليل والتكبير والصلاة على النبي الكريم… وتقدم أهل الذكر والإنشاد يقدمهم مشايخهم… واندفع القوم لترجيع الأصوات بمنظومات على أساليب مخصوصة في مدائح النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، يخصها اصطلاح العزف بالمولديات نسبة إلى المولد النبوي الكريم، قد لحنوها بألحان تخلب النفوس والأرواح، وترق لها الإطلاع، وتبعث في الصدور الخشوع، وتقشعر لها جلود الذين يخشون ربهم، ويتفننون في ألحانها على حسب تفننها في النظم. فإذا أخذت النفوس حظها من الاستمتاع بالألحان "المولديات" الكريمات تقدمت أهل الذكر المزمزمون بالرقيق من كلام الشيخ أبي الحسن الششتُري رضي الله عنه وكلام القوم من المتصوفة أهل الرقائق. كل ذلك تتخلله نوبات المنشدين للبيت من نفيس الشعر"*7. ومع حلول العهد العلوي تهيأ لهذا الفن أن يستكمل خصائصه الأدبية والفنية، وأصبح مما تعنى به ملوك الدولة، وعلية القوم وعامتهم على السواء. ولعل مما يدل على شديد ولع الناس بهذا الفن وعظيم وقعه في نفوسهم ما أورده محمد بن العربي الدلائي في مجموع له إذ يقول: "ولما كانت صحبة النبي الكريم فرضا على الإنسان، والصلاة والسلام عليه من أجل ما تلفظ به اللسان، وأمداحه وذكر أوصافه الجميلة وشمائله الشريفة الجليلة من أفضل ما اعتنى به الإنسان، لأن ذلك ذريعة ووسيلة إلى صحبة الرحيم الرحمن، هاجت أفئدة أقوام جذبتهم أيدي السعادة، وأكرمهم الكريم بالحسنى وزيادة، فاقتطفوا من رياض محاسنه بديع الأزهار، وقلدوا بها أجود الموشحات والأشعار، وحلوها بحلل الألحان والنغمات التي تهيج الأفكار،ولقد أصبح من مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي في العهد العلوي أن يقام على المستوى الرسمي احتفال يرأسه ملك البلاد ويرعاه بنفسه، وتلتئم حول حضرته جموع من خيرة المسمعين الوافدين من مختلف حواضر المملكة. وما زالت هذه السنة دَيْدَنَ ملوك الدولة، دأبوا على إحيائها وتوارثوها خلفا عن سلف تأكيدا لحب المغاربة قاطبة لجدهم صلى الله عليه وسلم وتشبثهم بآل بيتهم الطاهرين، ولاغرو، فإن أيادي ملوك البلاد البيضاء على فن المديح والسماع والعناية برجاله من المسمعين والمنشدين، ونشر مستعملاته من قصائد مولدية ومدائح نبوية، والتغني بألحانها إشادة بالمصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم وبآل بيته الطيبين الطاهرين، لهي من السنن الحميدة التي يضرب بها المثل في العالم الإسلامي ويقصر عن وصفها الواصفون.
أما على المستوى الشعبي فلعل خير ما يمثل به هاهنا احتفال الشرفاء الأدارسة والقصليين وغير ذلك كثير في مختلف الزوايا الصوفية بفاس العالمة في أكثر من حي وموضع، نذكر منها ضريح المولى إدريس الأزهر، سيدي قاسم بن رحمون، سيدي علي الجمل،سيدس احمد الصقلي،سيدي أحمد التيجاني…. والحسونيين في سلا حيث يستغرق الحفل أسبوعا كاملا تحتل منه الأنشطة والتظاهرات الموسيقية حيزا كبيرا تتجلى في وفرة طوائف المنشدين الذين يسيرون في ركاب موكب الشموع، وما يحتضنه ضريح سيدي عبد الله بن حسون من مشاهد فنية متنوعة يكللها احتفال اليوم السابع حيث تجتمع فرق المسمعين وتصدح أصواتهم بإنشاد بردة وهمزية البوصيري وغيرهما من القصائد والمقاطع شعري في مدح سيد البرية، ولقد واكب مسيرة التطور الذي عرفه فن السماع منذ ظهوره على يد العزفيين في القرن السادس للهجرة تطور شعر المديح النبوي بدوره، وما فتئ أن بلغ درجة تألقه واكتماله، ولا سيما في مصر على يد أعلام أسسوا لمدرسة جديدة في المديح يحق وصفها بالمغربية، وكان من ألمع هؤلاء أحمد بن عمر المرسي تلميذ علي بن عبد الله الشاذلي الذي تتلمذ على المتصوف المغربي الكبير أبي محمد عبد السلام بن مشيش العلمي دفين جبل العلم، ثم كان من أكثرهم شهرة أحد تلاميذ أبي العباس المرسي المذكور، هو أبو عبد الله شرف الدين محمد بن سعيد البوصيري المتوفى سنة 696 هـ، صاحب قصيدتي "البردة والهمزية" اللتين طبقت شهرتهما الآفاق. وقد لقيت هاتان القصيدتان عناية فائقة من المغاربة، تجلت من الوجهة الأدبية في الإقدام على شرحها ومعارضتها وتخميسها، مثلما تجلت من الناحية الفنية الموسيقية في اهتمام أرباب السماع بها واتخاذها ركيزة أساسية في إنشاد مستعملاتهم.