لاشك أنّ للديكور أهمية بارزة في تبيين الجو العام للعرض المسرحية أو حتى في إيضاح التفاصيل والأبعاد النفسية للشخصيات،عن أهمية الديكور في العرض المسرحي قال منهدس الديكور”حسام سوده”:

أهمية الديكور في العرض المسرحي

الديكور فن ومهنة

لاشك أنّ للديكور أهمية بارزة في تبيين الجو العام للعرض المسرحية أو حتى في إيضاح التفاصيل والأبعاد النفسية للشخصيات،عن أهمية الديكور في العرض المسرحي قال منهدس الديكور"حسام سوده":

»إنّ المسرح يتألف من عناصر أساسية هي التي تصوغه في الشكل الدرامي، والديكور المسرحي من بعض أهم هذه العناصر، حيث يعبر عما يحتويه النص، فكما المقولة المعروفة توقل أنّ الصورة تساوي ألف كلمة في كل الأساليب المرئية, ومن ضمنها المسرح، والمسرح بحكم طبيعته يمثل علاقة جدلية بين دلائل الممثل والدلالات الرمزية للديكور حيث يسعى من خلالها إلى تصوير وتمثيل الحدث المسرحي المقصود.

والقضية ليست تقنية بحته فقط, باستحضار العناصر الديكورية وهي من ضمن العناصر "السينوغرافية" والعمل عليها, وإنما هي أولاً وأخيراً قضية جمالية ومع التقنية تصل إلى حالة نسبية من التكامل، يتحقق من خلالها الفعل المراد, فيبقى المتلقي مستغرقاً في حالة أشبه بالتأمل في مواجهة العرض وما ينتج عنه من تأثير.

معنى ذلك كله أن الديكور في العمل المسرحي هو فن المناظر الذي يعكس اللون والصورة فيه حيث يجعل العرض الدرامي غنيا بالفرجة الجمالية، ولأنه يعكس المغزى من المسرحية والفكرة التي تقدمها فيمكن للمشاهد فهم النص الأدبي من خلال الرؤية الأولى أو الديكور المقدم له عند بداية العرض وفتح الاضاءة أو الستار «.

وبالإضافة إلى الدور الإيجابي الذي يحتله الديكور في العرض المسرحي فمن الممكن أن يكون له أبعاد سلبية أيضاً، حتى أنه من الممكن أن يكون إحدى العوامل الأساسية في فشل العمل، عن ذلك يقول "حسام سوده":

«إنّ المسرح الذي يعتمد الصورة لابد أن يتعامل تعاملاً دقيقاً مع ديكور العرض المسرحي وفقاً لمتطلبات الفضاء المسرحي، فهنالك من يعتمد على الديكور الثابت منذ بداية العرض المسرحي حتي نهايته، وسيؤدي حتماً ذلك إلى ملل المشاهدين بسبب رؤيتهم للمنظر الواحد, وبالتالي سيؤثر ذلك علي إيقاع العرض المسرحي في مسرح الصورة برمته، وقد يعتمد البعض كثرة التغييرات في الديكور الواحد, وهذا الأمر يمكن أن يؤثر أيضاً على إيقاع العرض المسرحي في العروض التقليدية، التي تعتمد الفواصل الزمنية في تغيير الديكور أثناء التعتيم، مما سيطيل مدة العرض المسرحي من جهة، وسيؤثر علي إيقاع العرض المسرحي في المسرح الذي يطلق عليه اسم مسرح الصورة كذلك، وعليه فإنّ على مصمم الديكور إيجاد الحلول المناسبة لذلك من خلال إيجاد ديكور متحرك يضفي علي العرض المسرحي نوعاً من التنوع في مشاهدة ومتابعة العرض المسرحي من قبل الجمهور، والذي أعنيه بالديكور المتحرك، أي الديكور الذي يتحول من قطعة واحدة كاملة إلي عدة قطع مجزأة بلمح البصر، مما يمكن تغيير الديكور أمام أعين المشاهدين بطريقة فنية مذهلة، تتوفر فيها الكثير من مستلزمات الإبهار».

ويتابع مصمم ديكور مسرحية"كاسك يا وطن" حديثه قائلاً:« إن الديكور المتحرك يستخدم الآن نظراً لسرعة تحوله من حالة إلي أخري من جهة، ونظراً لما يحققه من حسابات زمنية دقيقة جداً تخدم الأفعال المرئية المتواصلة، وهنا ليس المقصود بالديكور المتحرك، ذلك الديكور الذي يتم إنزال أجزائه من سقف المسرح أو الجوانب، بل المقصود هنا الديكور الذي تتلاحم أجزاؤه وفقاً لرؤية إبداعية سليمة، تحقق المتعة وتحافظ علي الإيقاع في نفس الوقت، إن هذا يمكن تحقيقه من خلال تصميم الديكور المناسب،  وفقاً للرؤية المشتركة بين المخرج ومصمم الديكور، وبالاستناد إلي المخيلة المبدعة التي يشترط وجودها لدى مصمم ديكور المسرحية.«

ولعل وجود ثقافة بالديكور المسرحي ضرورة لا بدّ من وجودها لدى كل مخرج يعرف تماماً تفاصيل عرضه المسرحي، حول وجود هذه الثقافة لدى المخرجين في "حلب" يقول المهندس "حسام سوده":

«لنقم أولاً بتعريف من هو المخرج المسرحي، فالمخرج هو من يقود المسرح ويحدد معالم طريقه الإبداعي، وهو من تتعلق به جميع مشاكل فن المسرح بلا استثناء، فعليه أن يتحمل مسؤولية ليست قليلة عن العرض المسرحي، فهو المسئول عن رداءة النص أو جودته، وعن الممثلين وتمثيلهم، وعن الجمهور عندما يضحك لمواقف لا تستدعى الضحك, أو يبكيه لمشهد لا يستحق البكاء، فإلى المخرج يوجه أي تساؤل حول العرض، وهو من جانبه يلتزم بالإجابة عنه، فالمخرج بهذا يحمل مسئولية اجتماعية كبيرة، لكنه أيضاً وفى المقابل يمتلك قدراً أكبر من الحقوق، حيث هنالك غياب واضح وغير مبرر للمخرجين الأكاديميين بالمسرح في مدينة "حلب", وهناك العديد من المخرجين الذين لم يدرسوا الإخراج أبداً وهذا لا ينفي ابداعهم بالطرح، ولقد شهدنا هذا أكثر من مرة، كيف أن شخصاً ما يقدم نفسه باعتباره مخرجاً، ثم يقوم بإخراج عرض مسرحي ما، فأحياناً ما يصيب هذا نجاحاً, وأحياناً ما يفشل، والذين لهم ثقافة ودراية بديكور المسرحية وأهميته هم قلائل بحلب, ويحاولون جهدهم لتقديم الأفضل بما يتوفر لديهم من فهم وبحث وإمكانيات، وللأسف المسرح يتعرض لمبدأ ألا وهو تسلط بعض المخرجين النافذين على عليه واعتمادهم على تجارب غيرهم من الأعمال في أعمالهم دون أن يكون لهم تميمة واضحة تخصهم وما يتوافق مع النص لا من ناحية الطرح أو التقديم أو الديكور وهي من ضمن عناصر السينوغرافيا كما ذكرت سابقاً، وكثيراً ما يعاز ذلك لنقص الموارد المادية المطلوبة لدعم العمل المسرحي على حد قولهم أو لاعتقاد البعض أن الديكور المسرحي ما هو إلا تحصيل حاصل ولا يؤثر على الرؤية البصرية إلا القليل واعتبار مصمم الديكور ما هو إلا منفذ وهذا هو الخطأ الشائع، فالمسرح يحكم بعلاقات كثيرة يجب ان تتكامل بالشكل الأصح لنخرج للواقع عملاً ناجحاً».

كما التقينا بالمخرج "نبيل السايس" الذي تحدث عن أهمية الديكور في العرض المسرحي قائلاً:


«باعتقادي تبدأ أهمية الديكور في العمل المسرحي مع بداية فهم النص بشكل ملائم لمقدرة المخرج في التنفيذ لتبدو الصورة أجمل وأبسط وأقرب للمشاهد ضمن الفترة التي يعيشها، لأنّ كل قطعة من الديكور من المفترض أن تمثل بطلاً من أبطال السينوغرافيا الأساسية، ويجب أن تكون فاعلة في الحدث المسرحي  إن صح التعبير، إذاً فوجود أي قطعة إضافية عن الغرض المطلوب تتحول إلى عائق لحركة الممثل وتصبح عبئ على المتلقي، ولكن بالرغم من ذلك أيضاً قد يلجأ المخرج أحياناً إلى توظيف قطع من الديكور لتصبح بحد ذاتها بطلاً فعلاً ضمن العرض بالرغم من عدم تحريكها طوال العرض وهذا في حالات خاصة جداً، وفي عروض أخرى قد نجد العكس تماماً عند خلو المسرح إلا من الممثلين أنفسهم».

وعن إمكانية تأثير الديكور سلباً على العرض المسرحي أضاف مخرج "طفل زائد عن الحاجة" قائلاً:

«بالتأكيد هنالك احتمال كبير في أن يؤثر الديكور على مدى نجاح العمل خاصة عندما يكون ضمن الامكانيات المتاحة فقط وبدون وجود لمسة الإبداع  فيتحول المسرح إلى لامسرح، فإما أن يكون الديكور كما في رؤية المخرج تماماً وبما يناسب العرض وإما فالأفضل ألا يكون أو أن يستعيض عنه بأشياء أقل تكلفة وأكثر ابداعاً، عكس ما نراه  في الكثير من العروض، حيث نشاهد ما يشبه الديكور على الخشبة، حيث لا يكفي أن نشاهد صالوناً مثلاً بل يجب أن نشعر بإحساس الصالون أو من الأفضل برأيي الاستغناء تماماً عن الفكرة من الأساس».

أما عن إلمام مهندس الديكور في "حلب" فنياً بعمله أكثر من إلمامه بالناحية التقنية فقط أضاف "نبيل السايس":

«لا أستطيع أن أحكم على مهندسي الديكور في "حلب" ولا حتى على أغلبهم ولكني أستطع أن أجزم بأنهم ضحايا للإمكانات المادية المتاحة أو المخصّصة للعرض التي قد لا تكفي تغطية جزء منه  وضحايا للوقت أيضاً، حيث من المفترض أن يتم الاتفاق بين المخرج ومهندس الديكور على صورة مبدئية يبدع فيها ويبحر مهندس الديكور حسب رؤيته وأفكاره، ومفهومه الخاص عن النص،  لينفذ ضمن وقت يطرحه هو أيضاً،  وضمن امكانيات مدروسة من طرفه» .

ولا شك أن الديكور له تأثيره أيضاً على الممثلين ومستوى أدائهم على خشبة المسرح، عن ذلك يقول الممثل "نزهت شاهين":

« العامل النفسي لدى الممثل مهم جداً في تأديته للحالة والديكور يعتبر من أهم هذه الإسهامات في نجاح مهمة الممثل لأن الديكور والمكان بشكل عام هو انعكاس لما هو داخل الإنسان، وهناك عامل ثانٍ هو العامل المهني وهو مكمل للعامل الأول بحيث أن الممثل كمهنة بحاجة إلى ما يدعم أحساسه على خشبة المسرح، وفي بعض الأعمال المسرحية التي شاركت فيها كان لها التأثير الكبير على أدائي كممثل بطريقة سلبية إلى درجة انني كنت أشعر بعدم إنتمائي لهذا العرض في بعض اللحظات، وخاصة في مسرحية "من هو الميت"».

وحول إلمام المخرجين ومهندسي الديكور في "حلب" بفن الديكور تابع حديثه قائلاً:

أرى أن اختياراتهم تقليدية جداً ولا يوجد فيه تطوير، وهنا يجب البحث في كلمة "مهندس ديكور" والاستفسار حول إن كان هنالك مهندس ديكور في "حلب" فعلاً أم لا، وهل يعمل مهندس الديكور أن وجد بالطريقة التي يراها مناسبة، هنا تتداخل العوامل المادية والفكرية المتمثلة في سيطرة رأي المخرج على أفكار مهندس الديكور، وهنا مشكلة أكبر لأنه من الممكن أن يكون المخرج على عدم دراية كافية بمهنية عمل الديكور ولكنه يتدخل بشكل أو بآخر، وللأسف فإن مهنية مهندس الديكور مقيدة وهو أحد الأسباب المكملة لتراجع المسرح في "حلب"، بمعنى آخر هناك عشوائية واضحة من خلال القصور المعرفي».

ننتهي إلى القول أن أي عمل فني ناجح هو نتاج جماعي مهما كان العمل الفني شخصياُ وذاتياً والأمر كذلك بالنسبة للعرض المسرحي، إذ لا يمكن لعمل مسرحي أن ينجح دون تضافر جهود كل فريق العمل ابتداءً من مهندس الديكور والمخرج والكاتب وانتهاءً بالممثلين وحتى بمهندس الإضاءة والصوت.

 أغيد شيخو_ عالم نوح