المؤرخ عامر رشيد مبيض: السوريون نشروا « قهوة البن » في تركيا وأوربا وأمريكا … وأول “فنجان” في التاريخ عربي أموري سوري 1800 قبل الميلاد .

عامر رشيد مبيض مؤرخ

السوريون نشروا « قهوة البن » في تركيا وأوربا وأمريكا … وأول "فنجان" في التاريخ عربي أموري سوري 1800 قبل الميلاد .

وللتوضيح أكثر يقول الأستاذ عامر: الفنجان كما أثبتت المكتشفات الآثارية والتي نشرتها أنه عربي أموري ـ عموريون ـ عرب .. ومن حلب ، والصورة واضحة … والفنجان : هو ـ فن الجان ـ يتعلق بعمل العرافة المتنبئة .. والفنجان من طقوس معبد الإله حدد …


عامر رشيد مبيض ، مؤرخ حلب عالم آثار Aleppo

قهوة البن في سورية ومصر ، انتشرت بواسطة الصوفيين لأنها تحافظ على صفاء الذهن الضروري . في الجزائر تُسمى شاذلية . وفي سورية يسكبون الفنجان الأول على الأرض ، لأنه حصة الشاذلي .
ـ يمكن القول أن وصول القهوة إلى سورية ، وبروز المقاهي لأول مرة ، كان من الأحداث المهمة في التاريخ الحضاري لسورية الطبيعية .
ـ انقسام الفقهاء والشعراء حول شرب القهوة :
لقد أدَّى انقسام الفقهاء والشعراء حول شرب القهوة إلى بروز نتاج مثير فقهي وشعري يمثل الطرفين المختلفين :
أ ـ الطرف الذي يُحلل القهوة البنية ويمتدحها ، الأدباء ، وهواة الموسيقا والمسرح .
ب ـ الطرف الآخر الذي يُحرم القهوة ويحمل عليها .


ـ المقهى في سورية تحولت إلى مراكز ثقافية :
لقد أدَّى انتشار القهوة في سورية الطبيعية إلى بروز « بيوت القهوة » أو المقاهي كما سنعرف لاحقاً ، التي تحولت مع الزمن إلى مراكز ثقافية واجتماعية بعد أن أصبحت تشد الأطراف لتقضية أوقات الفراغ ، وممارسة بعض الألعاب « الطاولة ـ الشطرنج ـ الورق …. » وتجذب المثقفين ، وتجمع الفنانين

ـ المؤرخون ميزوا بين القهوتين في سورية :
إنَّ القهوة « المقهى » في المجتمع السوري ، كانت معروفة منذ العصر الأموي ، وقد حرص المؤرخون المعاصرون في سورية على التمييز بين القهوتين ، إذ أطلقوا على الجديدة « قهوة البن » أو « القهوة البنية » لتمييزها عن « القديمة » الخمرة .
ـ وفيما يتعلق بوصول وانتشار « قهوة البن » في سورية الطبيعية نجد أنَّ الروايات المختلفة تربط ذلك بعدة أشخاص ، وبالتحديد بثلاثة من الشيوخ والفقهاء بالنسبة لعصرهم :
1ـ الشيخ محمد بن سعيد الذبحاني ، توفي « 1470م » والذي يُقال أنه قد حمل « قهوة البن » إلى عدن ، ومنها انتقلت عبر البحر الأحمر إلى الشمال .
2ـ الشيخ علي بن عمر الشاذلي ، توفي « 1408م » الذي يرجح بأن يكون قد تعرف على « قهوة البن » في الحبشة خلال نشره للطريقة الشاذلية .
3ـ الشيخ أبو بكر بن عبد الله المعروف بـ « العيدووس أو العيدروسي » الذي جا
ء من اليمن واستقر في دمشق وعُرف بـ « مبتكر قهوة البن » توفي 1503م
ـ الصلة بين القهوة ورجال التصوف :
يلاحظ هنا على الرغم من اختلاف الأشخاص أنَّ ما يجمع وجودهم في وقت متقارب وانتسابهم إلى إحدى الطرق الصوفية ، وبالتحديد إلى الطريقة الشاذلية .
وفي الحقيقة لم يعد هناك من شك أن انتشار « قهوة البن » في سورية الطبيعية ومصر ، قد جرى في وقت متقارب نهاية « القرن السادس عشر الميلادي » بواسطة الصوفيين .
وفي الحقيقة أنَّ هذه الصلة بين « قهوة البن » ورجال التصوف تبرز سواء حين يتعلق الأمر ببلد المنشأ « أثيوبيا » أو « اليمن » أو في البلدان التي انتشرت فيها سورية الطبيعية ومصر ، إذ أنَّ « قهوة البن » كانت مناسبة للصوفيين ، فاستخدمت في دوائر الصوفية لأنها تحافظ على صفاء الذهن الضروري لأعمال التقى في الليل من تسبيح وتأمل .
ـ الفنجان الأول ، وعادة كسر الفنجان في الأعراس السورية :
وهكذا نجد أنَّ « قهوة البن » في الجزائر تُسمى شاذلية ، نسبة إلى الشاذلي ، بينما نجد
في سورية إلى مطلع القرن العشرين ، صاحب البيت حين يأخذ دلة القهوة من على النار ، يسكب الفنجان الأول على الأرض ، لأنه حصة الشاذلي ، لاعتقادهم أنَّ الشاذلي هو الذي ابتدع شرب « قهوة البن » أو هو أوَّل من شربها ، وأنهم إذا لم يرموا هذه من الفنجان تنقلب دلة القهوة على الأرض حتماً . ثم استبدلت عادة سكب الفنجان الأول على الأرض ، بكسر فنجان القهوة في الأعراس السورية ، ضمن العرف القديم : حصة الشاذلي . ونتيجة انقطاعنا الطويل عن التراث ، ظن بعضهم أن عادة كسر الفنجان في الأعراس السورية ، معناه : ما حدا يشرب قهوة من بعدي ، وهذا بعيد تماماً عن المنطق .

ـ اختلاف العلماء حول « قهوة البن » :
ـ ونظراً لتصادف وصول « قهوة البن » وانتشارها في سورية مع دخول سورية في إطار الدولة العثمانية ، فقد أصبحت « قهوة البن » قضية عثمانية وإسلامية عامة ، وليست قضية سورية فقط .
وفي الحقيقة ، لقد اختلف العلماء الواردون والقادمون والنازلون في سورية الطبيعية حول « قهوة البن » مما جعلها موضوعاً فقهياً وأدبياً وسياسياً لمدة مئة عام ، فقد دفع هذا الخلاف ، العلماء إلى تأليف الرسائل المختلفة ، سواء مع « شرب قهوة البن » أو ضد « شرب قهوة البن » وأثار قريحة الشعراء المناصرين والمعارضين « لشرب قهوة البن » ووصل الأمر أخيراً إلى شيخ الإسلام ، والسلطان العثماني سليمان القانوني ، مما جعل الأمر يتعلق بالدولة العثمانية ككل .
ـ مرسوم من الباب العالي بتحريمها :
في مطلع عام 1545م ، عُين الشيخ محمد بن عبد الأول الحسيني ، قاضياً في دمشق ، واتفق مع بعض العلماء المعروفين في دمشق بتحريم « شرب قهوة البن » ونادى بإبطالها في يوم الأحد المصادف 7 ربيع الأول 953 هـ/1545م ، ولم يكتف القاضي بهذا ، بل عرض أمر إبطالها على السلطان سليمان القانوني ، فورد أمره بإبطالها في شهر شوال سنة 953هـ/1546م . ويبدو أنَّ هذا الأمر السلطاني بتحريم « شرب قهوة البن » لعله استند إلى فتوى من فتاوى شيخ الإسلام .
ـ شيخ الإسلام لم يُحرم شرب القهوة :
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ شيخ الإسلام في الدولة العثمانية كان يُمثل المرجعية العليا ، وكان السلطان يلجأ إلى فتوى منه قبل اتخذا أي قرار مهم ، وفي ذلك الحين كان يتولى مشيخة الإسلام أبو السعود العمادي ، الذي شغل هذا المنصب في الأعوام « 1545 ـ 1574م » ومع أنَّ أبا السعود ، عُرف كعالم متنور ، إلا أنَّ موضوع « شرب قهوة البن » عُرض عليه بشكل متحيز ، بعدما قرر له اجتماع الفسقة على شربها ، فأجاب بقوله : « ما أكبَّ أهل الفجور على تعاطيه ، فينبغي أن يتجنبه من يخشى الله ويتقيه » .
في الواقع أنَّ ذلك الموقف من « شرب قهوة البن » لشيخ الإسلام لم يكن « تصريحاً بتحريمها » بل يقتضي أن الأولى « تركها حذراً » كما فُهم من المثقفين في ذلك الوقت . ولذلك فقد اختلف الأمر بعد وفاة السلطان العثماني سليمان القانوني ، سنة « 1566م » وعاد الناس إلى شرب « شرب قهوة البن » ثانية .
ـ تجارة « قهوة البن » :
كانت تجارة هذه المادة رائجة بدليل وجود كثير من القضايا الشرعية التي تشير إلى المتاجرة بمادة البن . ويُضاف إلى تجارتها ، أنَّ بعضهم كان يمتلك محلات لبيع « قهوة البن » المقاهي . ومن الأمثلة على ذلك في حلب : كان علاء الدين القلعي ، يعمل القهوة ويبيعها . أما محمد آغا بن عبد الله ، فكان يمتلك محلاً لبيع القهوة عند قلعة حلب .
ـ ثورة شرب قهوة البن :
ومع أنَّ السلطان العثماني مراد الرابع 1623ـ 1640م ، بادر بشكل مفاجىء إلى تحريم « شرب قهوة البن » وحتى أنه أمر بإعدام بعض الأشخاص الذين تجاهلوا هذا المنع . إلا أن « ثورة شرب قهوة البن » لم يعد بالإمكان كبحها بقرارات فوقية من الباب العالي .
ـ السماح ببيع « قهوة البن » في الأسواق :
وهكذا سمح في عهد السلطان محمد الرابع 1648 ـ 1687م ، ببيع « قهوة البن » في الأسواق ، وعادت المقاهي إلى الانتشار من جديد .
ـ السوريون نشروا القهوة في القسطنطينية وأوربا :
يبدو أن انتشار شرب « قهوة البن » كان سريعاً حتى أنها تجاوزت الحدود السورية إلى القسطنطينية عن طريق التجار السوريين . ويلاحظ أنَّ انتشار المقاهي في المدن السورية أُنشأت في إطار الأوقاف ، وهو ما يؤكده في حد ذاته على مدى انتشار « قهوة البن » والإقبال على المقاهي . فالوقف بطبيعته كان يحتاج منشآت تدر عليه الدخل ، مثل « أسواق ـ خان ـ قيسرية ـ حمَّام » لتغطية النفقات التي تحتاجها المنشآت الأخرى . ومن هنا أصبحت المقاهي بعد انتشار « قهوة البن » وازدياد الإقبال على الأماكن التي تقدمها تمثل بالنسبة للوقف استثماراً جديداً من خلال تأجيرها . وأول من ارتاد المقاهي هم الأدباء ، ومن ثم أخذ يطلقون عليها في حلب اسم « بيوت المعرفة » بينما أسماها أهل دمشق ببيع « الخمارة » ومعنى الخِمْرة : الرائحة الطيبةُ ، و الخَمْرةُ كثرة الناس وزُحمتهم . وقد غنى المطرب العالمي الأسطورة العالمية صباح فخري :
خمرة الحب اسقنيها // هم قلبي تنسيني//عيشة لا حب فيها// جدول لا ماء فيه// يا ربة الوجه الصبوح .

ـ عامر رشيد مبيض ، مؤرخ حلب عالم آثار Aleppo


مؤلف كتاب ـ شمس سورية تسطع على أوربا ـ 600 صفحة .

يتضمن حضارة المدن المنسية وتحرير تاريخ وآثار سورية من التزوير الاستشراقي