فلقمان ديركي استطاع استغلال التفاصيل الحياتيّة التي نعيشها كل يوم وتوظيفها في سبيل أفكار أراد إرسالها إلى المتلقي بقلم أغيد شيخو

الشهرة وأبعادها

بقلم أغيد شيخو

الشهرة عالم يسعى إليه الكثير من الناس على أمل أن تجلب لهم السعادة التي يحلمون بها والحياة الراقية والرفاهيّة التي يسعون إليها,ولكن لكل شيء وجهه القاسي وكذلك الشهرة فعلى الرغم من حياة الرقي والرفاهية التي يعيشها المشهورون فإنّ حياتهم لا تخلو من مشاكل وانتكاسات قد تودي بهم إلى حالات نفسيّة مزمنة أو حتّى إلى الموت والانتحار, وإذما استعرضنا قائمة المشهورين الذين ماتوا وانتحروا فقد لا نصل إلى حد نستطيع معه الإحاطة بهم جميعاً, فالشهرة قد تؤدّي إل ى كثير من العادات والتصرفات السلبية المخلّة بقواعد المجتمع مع العلم أنّ هذه التصرفات قد لا نجدها لدى الأشخاص العاديين الذين يعيشون حياة طبيعيّة بعيدة عن الأضواء, فهناك الكثير من المشاهير الذين انتهت حياتهم بالانتحار أو في مصحات نفسية أو انحصروا في وحدة قاتلة أصبح فيها الموت حلّاً لا مفرّ منه ولعلّ أول من يخطر ببالنا هو الروائي الأمريكي الشهير "أرنست هيمنغواي" الذي حاز على جائزة نوبل للآداب عن روايته (الشيخ والبحر) وبلغت شهرته وكتاباته الراقية مدىً يصعب على أيّن كان الوصول إليه, لكنه في النهاية وجد نفسه وحيداً في أواخر حياته رغم شهرته الواسعة وبدأ المرض يتسرّب إليه فقرّر الخلاص من الحياة عن طريق إطلاق النار على نفسه ببندقية كان يملكها ليخرّ صريعاً عام 1961, ولا يختلف الأمر كثيراً لدى الفنان الهولندي الشهير"فان كوخ"والذي تباع لوحاته إلى اليوم بملايين الدولارات ولكن الشهرة لم تحقق له السعادة فما كان منه إلا أن أطلق النار من مسدسه على نفسه ليموت بعد ذلك بيومين, وأيضاً المغنية العربيّة الشهيرة "داليدا" التي حققت شهرة لم تصل إليها أي مطربة عربية قبلها ولكنها أيضا اختارت الموت ولكن عن طريق الحبوب المنوّمة, وكذلك الحال لدى الروائية الإنكليزية الشهيرة "فرجيينا وولف" والدكتورة"دريّة شفيق" والكاتبة"أروى صالح" والممثلة الفاتنة "مارليين مونرو" والممثلة والمغنية اللبنانية "داني بسترس" وقائمة لا حصر لها من الأسماء, فالجميع يحلمون بالسعادة من وراء الشهرة ولكنهم يفاجؤن بالنقيض تماماً حيث لم يجن الكثير منهم من ورائها إلا القلق والكآبة والحزن فذهب بعضهم للبحث عن الراحة بالموت والانتحار للتخلّص مما هم فيه.

وأحياناً قد لا يختار الشخص الشهرة ولا يسعى إليها ولكنها تأتيه زاحفة نتيجة إبداع قدّمه للعالم يوصل إلى أساليب جديدة في الحياة وطرق مغايرة للمألوف في التفكير والتواصل فأبو بكر الرازي وابن سينا وأبو فراس الحمداني وابن حيّان والكثير من الأسماء لم يختاروا الشهرة ولم يفكّروا بها ولكنها أتتهم نتيجة النتاج الرائع الذي قدّموه للبشريّة والأفكار التي لاقت استحساناً لدى الأوساط المختصّة وتعدّتها إلى الأوساط الغير مختصّة.

وكذلك يمكن لأشياء بسيطة أن تخلق شخصاً مشهوراً إذا استطاع استغلالها الاستغلال المناسب ،فلقمان ديركي مثلاً استطاع استغلال التفاصيل الحياتيّة التي نعيشها كل يوم وتوظيفها في سبيل أفكار أراد إرسالها إلى المتلقي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وهذا يعود إلى قيمة الأدوات التي يملكها ودرايته بما يملك وتوظيفها بطريقة قريبة من المتلقي حياتياً وأسلوبياً, فالجميع تصادفه مواقف كثيرة قد يفكّر بها وأحياناً كثيرة لا يبالي ولكن حسن استغلالها وانتشالها من الحالة المجرّدة التي هي فيها وتأطيرها بأسلوب معيّن قد يوصل إلى الشهرة أيضاً.

وإذا ما ابتعدنا عن مفهوم الشهرة قليلاً ودخلنا في صلب العائلة فإننا نجد الكثير من المفارقات والتناقضات، فالشخص المشهور لديه اسمه ومكانته في المجتمع وهذا ما يسهّل عليه كثيراً من الأمور قد يعجز عن تحقيقها الشخص العادي على الرغم من أنها قد تكون غايات بحد ذاتها لديه ولكن من ناحية أخرى فإن المشهور لا يستطيع الحراك في المجتمع كما يشاء بل نراه مقيداً بعدد كثير من القواعد والقوانين المتعلقة بالشهرة فنراه دائماً مبتسماً وودوداً مع أنّه قد لا يكون في حالة مزاجيّة يرغب فيها بالابتسام فبالنتيجة هو إنسان يتألم ويضحك ويغضب ويتأثر.

أمّا أبناء المشهورين فقد فقد تنعكس عليهم الشهرة سلباً أو إيجاباً "حسب طبيعة الطفل" فكون أحد الوالدين مشهوراً فإن هذا يضعه في حالة الفخر قد تصل إلى الغرور أو التكبر على باقي الأطفال الذين هم أدنى منه شهرةً وإن تراجع في دراسته فإنه قد يلقى استهزاءً كبيراً وإن تفوّق فالأمر عادي جداً لأن احد الوالدين مشهور ومن الطبيعي أن يأخذ منهما شيئاً, وهذه الحالات المتناقضة إما قد تؤدي إلى الانفتاح الكبير على المجتمع وخفاياه وإما إلى الانطواء والابتعاد عن كل ماله صلة بالشهرة فكل شيء ذو حدّين فمثلما نستطيع الاستفادة من السم في الطب والشفاء فكذلك هو سمّ فتّاك إن لم نستطع تأطيره بإطار يلقى استحساناً لدى الشخص ذاته والأطراف المقابلة له….