تقدم لنا الكاتبة والشاعرة إيمان كيالي مقالة عن الطلاق وتأثيره على الطفل والصراعات الناتجة عنه والمسببة له …

 

 

 تقدم لنا الكاتبة إيمان كيالي مقالة عن الطلاق تشرح فيها تأثير هذا العامل على الأسرة والطفل …

 

الطلاق

تكون الأسرة منسجمة عند ما تقوم العلاقة بين الزوج والزوجة، على أسس ومبادئ مشتركة، وتفاهم بشأن الحياة الزوجية، وتسير مثل هذه الأسر على طريق واضح في الحياة، وتلتزم بهديه، وليس مهماً أن تكون الأسس صحيحة وحقيقية، ولكن الالتزام بحاجة إلأى اتفاق في الرأي، وخاصة في موضوع تربية الأطفال، وثمة ضرورة ملحة لهذا التفاهم لتكامل العلاقة بينهم، ولو قرر أن يسلك كل من الزوجين طريقاً خاصاً به، ومواصلة الحياة بموجب ذلك لا نعكس الأمر سلباً عليهما وعلى أطفالهما، إن لم يكونا ككفتي الميزان في تحقيق الانسجام الذي يعتبر أمراً مهماً من أجل العملية التربوية، وإلا لاختلَّ التوازن، وظهرت المشاكل.

 


تظهر أحياناً في الحياة الأسرية بعض الأمور التي تؤدي إلى ظهور الصراعات، واختلافات الأخرى التي تدفع الأسرة إلى الانحلال، وتظهر هذه الأحداث بصور مختلفة منها :(موت الأب – موت الأم – الزواج الثاني – تعدد الزوجات دون توفير المقدمات لقبول ذلك – إنحرافالأب أو إجرامه – غيابه عن البيت – غياب الأم، الذي يؤدي إلى النقص العاطفي عند الأولاد – الانفصال بين الزوجين – حدوث الفوضى الاقتصادية أو عدم الانضباط وفقدان السيطرة على الأولاد) وغير ذلك. ويمكن تحمل هذه المشاكل والاضطرابات والصبر عليها عندما تكون بمستوى إدراك الإنسان وفهمه وسنّهِ وقابليته واستعداده. ولكن ثمة حالات أخرى تصل فيها الحياة إلى مرحلة الانفجار تكون سبباً في إنحراف أفراد الأسرة خاصة الأولاد، لذا ينبغي، إما عدم الزواج مطلقاً، أو تحديد الأهداف والمقاصد مسبقاً قبل الإقدام عليه، ولابد من التدقيق في الموضوع ودراسته بإمعان منذ اختيار الزوجة، والامتناع على الأقل عن عملية الانجاب لفترة يتم من خلالها التفاهم والتوافق حول الحياة المشتركة.


ثمة عوامل تؤدي إلى انحلال الأسرة وظهور حالات الصراع والاختلاف والاضطراب بين أفرادها، لأن ثمة أساس جميع الإختلافات هو عدم اختيار الكفء، فيحدث التباين في الاعتقاد والإيمان، والإختلاف في الفكر والوعي والسن والإدراك والمستوى المنطقي والطبقي، وينبغي أن يفكر الزوجان منذ البداية بهذا الأمر لتفادي النزاع أو على الأقل تحجيم المشكلة ، ولابد أن يتعرف كل من الرجل والمرأة على بعضهما قبل الزواج، وأن يدرس كل منهنا أفكار الآخر وطبيعته، ويعي خلقه وإيمانه وشخصيته لتجنب تلك النتائج المؤسفة، وبخلاف ذلك فإن المشاكل قد تبداً من خلال ذرائع صغيرة وأوامرونواه يصدرها أحد الطرفين لسلب حقوق الطرف الآخر، وفرض سلطته عليه، وجعله عبداً مطيعاً وتابعاً له.

لم يحرم الإسلام الطلاق، ولكنه لم يبحه أيضاً، حيث يرى كل إنسان أنه حرٌ في التخلص من أواصر هذه الرابطة المقدسة، فالطلاق حلال، ولكنه أبغض الحلال، ولا يباح إلا في حالات التي تنعدم فيها جميع الطرق والأساليب الأخرى، وإسلامياً إنه لأمر قبيح أن يلجأ الزوجان إلى الطلاق والانفصال بعد أن ارتبطا برابطة الزواج المقدسة، وأصبحا مستودعاً لأسرار بعضهما، وأنهما بهذا العمل سيسحقان بأقدامهما كل ذلك الحب والود والإخلاص بينهما، ويكذبان على نفسيهما. ويمكننا نعت الطلاق بأنه ذنب أخلاقي، ولهذا السبب لا تجيزه الأديان الأخرى.
نعم فالإسلام سمح بالطلاق عندما تصبح الحياة مستحيلة وعند فشل جميع السبل لإعادة الصفاء بينهما.

يحصل الطلاق عادة عندما تتعقد الأمور وتتضخم الخلافات التي قد تعود أساسها إلى عوامل متجذرة ومتأصلة لعوامل كثيرة، قد تكون اجتماعية أو أخلاقية، ولكنها خفية، تطل من خلال ذرائع واهية في الحياة، وعند حدوث الاختلاف لا يعترف الزوجان بحقيقة أسبابه، ولكن الأطفال هم أول من يشعر بفقدان الأمن والضرر بسبب ذلك النزاع في الأسرة، وشعورهم بالقلق لعاقبة الصراعات، ويتأثرون كثيراً لدى رؤيتهم الشجار الدائر بين الطرفين.


وعندما يسود الأسرة جو من التشتت فإن الأجواء الروحية للطفل يصبها التشتت أيضاً لإحساسه بالخوف، وفقدان الملاذ والملجأ، فتبدأ رحلة البحث عن طريق للتخلص من هذا القلق. ويكون الابتعاد عن الأم والأب من أعقد التجارب في حياة الطفل، مما يهدد رغباته وآماله، ويدفعه إلأى الشعور بالوحدة، ويضطر إلأى التمرد أو الانزواء أو الهيجان، إضافة إلى شعورهم بالغم والحزن، وقد يؤدي إلى مرضه أحياناً، وكلما كان الطفل صغيراً اشتدت النتائج عليه، إذ من الممكن أن يفقد حالة الفرح والمرح، فيصاب باضطرابات سلوكية تؤثر سلباً على نموه وتكامله وشخصيته ومزاجه، تلجئه إلى الانحراف وممارسة الجنح والجرائم المختلفة.


إن لسن الطفل في حال الانفصال، تأثيراً كبيراً على سلوكه، فينبغي أن يفكر الزوجان بطفلهما ونموه، فيما لو أرادا الطلاق أو ترك أحدهما للبيت. فلا سبيل أمام الزوجين إلا أن يتفقا بشأن طفلهما، رغم جميع الاختلافات القائمة بينهما، والتي تدفعهما إلى الطلاق، إذ ينبغي أن يحافظا على حيادهما، ويبذلان جهدهما من أجل سلامة الطفل ومصلحته، وتقتضي المصلحة أن لا يبعد الطفل عن أمه. أما لو قرر الزوجان ترك طفلهما عند أشخاص آخرين، فليختارا مكاناً محدداً ومستقراً، كي لا يشعر الطفل بأنهما يفكران بأمره، وأن يكون أولئك الأشخاص ممن يحبهم الطفل ويألفهم ويحترمهم ويأنس بهم.
ولو أردتم الزواج بعد الانفصال عن الزوجة الأولى، فعليكم أن تفكروا بالطفل قبل أن تفكروا بأنفسكم، إذ أن تقل الطفل من مكان إلى آخر، يمثل جرماً كبيراً لا يمكن التسامح به، ويؤثر ذلك سلباً على معنوياته ويجعله قلقاً وسيء الظن بوالديه.


ليس من الإنسانية أن يتحول الطفل إلأى رهينة بيد الأب أو الأم، فلا يسمحان له أن يقابل الطرف الآخر بسبب الاختلاف والنزاع الموجود بينهما، وعلى الأب أن لا يمنع زوجته بعد الانفصال من رؤية طفلها، لأن ذلك يؤثر على الطفل أكثر مما يؤثر على الأم. وعلى الأبوين(الأم والأب) أن يظهر محبتهما لأطفالهما دائما – بغض النظر عن الخلافات بينهما – وأنهما يفكران به دائماً.

 

عالم نوح