العطش للنحات نجيب جلبي
- نوفمبر 10, 2010
- 0
على هامش معرضه “العطش” للفنان التشكيلي نجيب جلبي الذي أقامه في صالة مديرية الثقافة في 20-6-2010 نقدم كتابات عن المعرض وعن الفنان، ولكن خاصة ما كتبه شخصيا عن رؤتيه للفن والوطن والإنسان.
"العطـش"
الفنان يرسم الرؤى المستقبلية بروعة وصفاء وإبداع مايحلم به الإنسان وأبهى مايتطلع إليه المجتمع.
كلمة مديرية الثقافة:
إن أعمال الفنان الدكتور نجيب جلبي تدخل ضمن نطاق إنساني بحت فيها حركية معبرة عن حياة رمزية بصورة معاصرة.
فهو يرصد المشهد الإنساني فنغوص في خفايا النفس وأسرارها،فيجعل المشاهد يتساءل ويفكر بالفرح والحزن والمستقبل و….
وبهذا الوطن الممتد بالحب الواسع لكافة أبنائه. نتمنى للفنان المزيد من التقدم والإبداع شاكرين جهوده المخلصة وروحه الوطنية والإنسانية.
مدير الثقافة في حلب
غالب البرهودي
هذا المعرض … عبد الفتاح قلعه جي
تتحول الألوان والخطوط والمساحات،ويتحول الصلصال،في يد الفنان المبدع نجيب جلبي إلى حياة نابضة بالأفكار والمعاني والجمال،أنت تقرأ في أعماله الإنسان في آماله وآلامه وأحزانه،وفي قلقه وانفعالاته.ولأنه مهتم بالإنسان وعطشه إلى الحب والحياة والخلود فقد اختار "العطش" عنواناً وموضوعاً لهذا العرض.
خلق الإنسان من طين، وفي الطين عطش الأرض إلى الندى والماء، فإذا ارتوت الأرض اهتزت وربت وأنبتت من كل طلع بهيج.
وراء الإنسان لا يكون بالماء فحسب، فهو مادة وعقل وعاطفة وحياة،وعطشه متنوع مركب.
العطش هو سر الحركة،وإن الحركة هي سر الحياة، وسعى الإنسان وحركته لإرواء عطشه هو الذي يصنع الحياة في صيرورتها.
عطش الإنسان للحب جعلته يقيم أنبل العلاقات العاطفية والإنسانية، وعطشه للجمال دفعه لأن يبدع أروع الآداب والفنون.
وعطش الإنسان للمعرفة جعله يرتاد مجاهل الكون والعلوم والمعرفة الإنسانية.
وعطش الصوفي وتوقه للقاء محبوبه الأزلي جعله يطلب الانعتاق من ناسون الجسد ليتصل بعالم الكمال الإلهي.
وعطش الإنسان للتواصل والاجتماع دفعه لأن يبدع أروع الحضارات.
ونقرأ في صفحة الإنسان عبر التاريخ عطشه الدائم للعدل والمساواة والأمن والكرامة والسعادة.
زفي مقابل هذا العطش الإنساني النبيل نجد أن عطش الإنسان للمال والسلطان إن لم يكبحه وينظمه ويسخره لمصلحة أخيه الإنسان فإنه يحوله إلى طاغية مستبد ظالم.
عطش الإنسان إلى الخلود ساقه غلى البحث عن عشبة الحياة وماء الحياة، وعندما أدرك أن لا سبيل إليهما أبدع مادة خلوده بنفسه في الأعمال العظيمة، والآداب الرفيعة، والفنون الجميلة والعلوم الباهرة.
وهكذا أصبح العطش ســر الخلود.
الفنان نجيب الجلبي الحالة الموهوبة والطاقة الديناميكية المتجددة في الرسم والنحت.
حيث عرفت حينما كان طالباً في كلية الفنون الجميلة منذ أكثر من ثلاثة عقود في حيوية وعربدته ونزقه مع مفردات الفن وشغف في التصارع مع المنحوتة من خلال الحجر والطين والأزميل مع الرخام والمدمر والتفتيش على الجديد من تقنيات ورؤى جديدة والنبش في الآداب التاريخية من نحت ورسم وغير ذلك المماحكة حضارياً عبر التاريخ في قديمه ووسيطه وحديثه ومعاصرته ليتعرف على آفاقه وعمقه الذي يعكس سر الحياة وصيرورتها.
وبعد عقود التقيت الدكتور نجيب الفنان والإنسان الوطني الثائر من أجل عزة الوطن وشموخه والذي لا يعرف إلا العمل والبحث والاكتشاف في الرسم والنحت والتعمق بآفاق مفرداته والتي يماهيها مع رؤيته للطبيعة والحياة من خلال إدراكه لها وفق ذاكرته الجمعية المختزنة وهو ابن الشمال السوري مدينة حلب حيث الطبيعة بمساحتها الحمراء والبنفسجية في ترتيبها المتفردة وأحجارها المتنوعة والتي تشكل علاقات شطر نجيب مفعمة بالحبور في تلاوين الزجاج المعشق وصياغة تكاوينها بينما نحتية بحياكتها دلالاته معبرة لتدل على مايريد أن يقوله الفنان نجيب بخطاباته الدائرية إلى ليزيب- دميكل انجلو- دجياكومتى- كادر ومور وبيارات عناقيد اللون والنور لتذهب بنا إلى حدود المحال في الأشعار الكاندنيكية وإلى مواويل الليل التي تتلألأ في شموع الكواكب حيث الطهارة والنور من أجل قيم الحق والخير والجمال.
ا.د. علي السرميني
عميد كلية الفنون الجميلة والتطبيقية بحلب أستاذ الدراسات العليا 3/6/2010
الأخ الدكتور نجيب جلبي من الأخوة الوحدويين الاشتراكيين عاش نضالات الحزب قبل سفره إلى فرنسا وقد كان طالباً وتغنى بالوحدة العربية التي عاشت في أعماق وجدانه كحلم أي عربي أصيل من المحيط إلى الخليج.
تربى الأخ الدكتور في صفوف الوحدويين الاشتراكيين وعاش أجواء القومية العربية ولانتماء لها… فلم تغير أجواء الغربة أصالته.. ثمانية وعشرون عاماً في فرنسا لم تلغ شرقيته وعشقه لوطنه واندفاعه بحماس شديد ليبلغ الوطن قمة التألق على عرش الحضارة الإنسانية العريقة..
في معرضه العطش محاولة جادة لانتشال الإنسان من واقع الفقر والضعف إلى عالم القوة والنهوض والمعرفة في أجواء تسودها عرى المحبة الإنسانية.. وعلى صعيد الوطن العربي كخطوة مرحلية لإدراك الوحدة العربية التي تتعطش الأمة العربية لنيلها في هذه الظروف الحاكمة.
المهندس المعماري" محمد زياد بصمه جي"
أمين فرع حلب لحزب الوحدويين الاشتراكيين
عضو قيادة فرع الجبهة الوطنية التقدمية.
النحات محمد نجيب الجلبي جاء من مدينة حلب إلى كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق يحمل أطيب ما في روح هذه المدينة من رؤى ذات منظور لا اعوجاج ولا تشويه اجتماعي فيه. قال لي: سأتخصص في فن النحت. قلت: حسناً نفعل حلب بحاجة إلى ألف نحات وأكثر.الدفق الشاعري في ذاته مع براءة طفل من الجلوم الكبرى.
– أحد أحياء حلب القديمة الهامة – جعله يشعر بالفطرة ينبض الحياة في الحجر الجميل الذي هو عمارة هذه المدينة ، فالمقالع الحجرية لها لون اللحم، وإظلال شجيرات النارنج والياسمين في صحون الديار في حلب على الجدار الحجري النحيب له سحر عميق هادئ عمره آلاف السنين في نفس ابن هذه المدينة الفريدة في الشرق.
اشتغل بجد، ونضج من ذات نفسه قوي لا مادية عالج بها الطين والخشب والحجر وتخرج هذا العالم بدرجة امتياز من قسم النحت.
وسألته مرة…
– ماذا تريد من هذه الأشكال أن تقول لنا؟
– إني لا أرى حدوداً بين المادة – الحجر ، والروح .. إني أرى كل شيء وكأنه يتحرك.. وأردف:
– لماذا لا يوجد حجر كثير في كليتنا؟
– لعله صعوبة النقل ، غداً في حلب عندك أجمل أنواع الحجار في العالم.
وحثني عن آرائه في النحت والغد، فقال:
أريد من أعمالي في المستقبل أن أدافع عن الإنسان وحريته وجماله كانسان، وجاءت أعمال تخرجه كسيمفونية تعزفها الرياح والأمطار في أشكال شبه موجودة وكأنه معلق بين الأرض والسماء.
وأكد لي مراراً بأنه يريد أن يسافر ليرى شكل العالم من زاوية أكثر ارتفاعاً، فقلت له:
أفضل أن تفهم حلب أكثر وأن تبدأ من الجلوم الكبرى من جديد فأنت أكثر وعياً اليوم لسحر موطنك.
وبدأ هذا النحات الصغير بقلبه الكبير وخياله المجنح بشعر يهم الغد والأعمال الجميلة التي يمكن أن ينحتها في الغد. وأني متأكد أنه على الدرب الصحيح كنحات وسينجح في حل المشاكل الصعبة التي تواجه نحاتاً عربياً سورياً يقف على مرتفع يرى بوضوح هموم حضارة قومه.
محمد فاتح المدرس دمشق في 3/7/1983
المرئيات واللامرئيات في الإنسانيات واللاانسانيات
في أعمال محمد نجيب جلبي
يعتبر السيد محمد نجيب جلبي من الفنانين الشباب الذين أخذوا على عاتقهم رسالة حمل مشعل الفن ومتابعة الإبداع الفني في قطرنا العربي السوري والإسهام قي أغناء التراث الحضاري بممتلكات ثقافية عربية معاصرة تجد المجتمع العربي وطموحاته المستقبلية.
ولد السيد محمد نجيب جلبي في مدينة حلب عام 1955 ووجد في مدينته عاصمة الطرب ومركز الإشعاع الثقافي مما أسهم في تنمية حب الفن لديه وميله إلى فن النحت.
تابع دراسته في كلية الفنون الجميلة، وتذوق المحاضرات النظرية الجمالية والفنية ووجد في فن النحت لغة تعبير عن الحقيقة فمارسه برغبة وحب.
ثم وجد في الإبداع النحتي مايلي رغبته ويعبر عن رؤاه وتطلعاته الثقافية ومن أعماله النحتية (ومشروع إجازته):
– نصب لؤي كيالي: بارتفاع /3/ أمتار بتميز بجماليته الشكلية ولغته التعبيرية وتكوينه الفني.
– ومشروع إجازته: المرئيات واللامرئيات في الإنسانيات واللاانسانيات ويتضمن جهده النحتي نحو ستين منحوتة وخمس عشرة منحوتة صور شخصية لعدد من الفنانين ولأدباء لأضف إلى ذلك دراسات مختلفة مثل (عبد الرحمن الكواكبي..)
– عمل خشبي طوله 2,5م وارتفاعه 1,5م وعرضه 0,75م.
– وهنك عملان نحتيان حجرين جميلان.
– وعمل طيني جميل عنوانه(وتآمروا عليك يا فلسطين).
– وعمل موضوعه(عناق).
وأن هذا العطاء الفني المبكر يشير بعطاء فني كبير وهام يسهم في إعطاء الحركة الفنية العربية المعاصرة تقدمها الجمالي والفني.
ان تخرجه من كلية الفنون الجميلة بدمشق واهتمامه بتنمية ثقافته الجمالية والفنية مما أسهم في تكوين أراء فنية لديه. فهو يعتبر (الفن رسالة سامية) يؤديها الفنان برغبة الأجيال الصاعدة.
أن السيد محمد نجيب جلبي الذي عرفته شاباً موهوباً، ونحاتاً طموحاً يبدع أعماله النحتية بحب ورغبة وجهد ومعرفة، ويتطلع بعين التفاؤل إلى مستقبل فني مشرق فيه الفن في سعادة الإنسان وتأكيد إنسانيته.
إن السيد محمد نجيب جلبي هو أحد الشباب الفنانين العرب الذين هم على موعد مع العطاء الفني الكبير وحمل مشعل الفن وأداءه رسالته.
الدكتور بشير زهدي
مدرس مادة علم الجمال والنقد
في كلية الفنون الجميلة جامعة دمشق
الأستاذ محمد نجيب جلبي فنان أصيل يمتاز بذوقه الرفيع وقدرته الفائقة على الإبداع والابتكار وجعل الحجر الأصم يكاد ينطق بألف لغة ويعبر بيسر وطلاقة وانسجام مطمئن، عن تفوق فناننا الشاب في ميدان النحت الذي أحبه كل الحب، وأقبل عليه حتى جعل الصخر طوع يديه. والصلصال يخضع لإرادته، ويستحيل بين أنامله تماثيل تثير الإعجاب، وتدعو إلى تقدير هذا المثال الذي أقل ما يقال فيه انه إنسان عبقري بسمو بفطرته إلى أعلى آفاق الإنسانية وأكثرها روعةً وبهاءً..
إن نجيباً جمع النجابة من مختلف أطرافها، واستطاع بقوة جلده وطول أناته، وتألق روحه الفنية، أن يتقدم الصفوف، وأن يتفوق في حلبة الفن الذي نذر له نفسه وزهرة شبابه، وجميع أوقات راحته ولهوه.
لقد دخل محراب فنه، وكل أمله أن يكون في الطليعة ذكاءً ونشاطاً وإخلاصاً لما أحب. فكتب الله له التفوق في إحراز شهادته وأتاح له أن يكون محط آمال أساتذته وموضوع اعتزازهم.
إن حلب لتفتخر بابنها البار السيد محمد نجيب جلبي، وتباهي بهاتيك الآثار الرائعة التي صاغتها أنامله بكثير من الدقة والجدة والأمانة العلمية.
ومجلة ((الضاد)) التي سبق أن توقعت للفنان المشار إليه التفوق البارز، يسرها أن تهنئه بنجاحه الكبير، سائلة الله أن يمد في حياته الغالية، ليظل كوكباً لامعاً في سماء الفن الحي الصحيح.
صاحب مجلة الضاد ورئيس تحريرها المسؤل
عضو اتحاد الكتاب العرب وعضو اتحاد الصحفيين في سورية
عبد الله يوركي حلاق
محمد نجيب جلبي- خفقة قلب في جسد الفن
قلب الإنسان يخفق بنبضاته فيدفع الدم في الشرايين والأوردة ليغذي وينمي كافة أنحاء الجسم.
فان كانت الحضارة العربية هي الجسد فقلبها هم الفنانون وأصحاب الفكر من كافة العلوم،بعطائهم وفكرهم يغذون شرايين الحضارة ويدفعون بها للرقي والتقدم لتأخذ مكانتها بين الأمم الأخرى.
إن نبض الحضارة العربية قديماً بقدم أرضنا ومازال نبض العطاء في جسد الحضارة قوياً مستمراً عبر الزمن .
وفناننا نجيب جلبي خفقة قلب ومبعث فكر جديد في تيار حياتنا المعاصرة .
سألته مرة :ما هو سر إبداعك؟..فنظر إلي بتأمل وهمس قائلاً انه الحب حب كل من حولي؟؟
وأعماله التي نراها ما هي إلا مدعاة فخر واعتزاز لنا جميعاً في مدينة حلب الشهباء العريقة إذ نلمس فيها تأكيد إنسانية الإنسان وتترجم لنا عراقة مدينتنا التي أنجبت الكثير من الأدباء والشعراء والفنانين ومازلت وفية لأهلها فأنجبت لنا هذا الفنان
محمد بشير طيبي
العطش
نجيب جلبي
(المطر لا يهطل على الفقراء) فاتح المدرس
مررت يوماً عندما كنت شاباً بمرسم الفنان فاتح المدرس رحمه الله وكان كعادته يعلق على جدران مرسمه مقولات فلفت نظري مقولة معلقة قد كتبها يقول فيها: (المطر لا يهطل على الفقراء) فقلت في نفسي استغفر الله ماذا يقول إنه الكفر بعينه وعندما كبرت صار عندي الوعي أكبر عندها فهمت ما يقول وما يعني.
العطش هو موت بطيء للإنسان والنبات والحيوان، ويباس لكل شيء، يباس عقل وفكر وشرايين فبالماء تحيا الشعوب والمجتمعات (وجعلنا من الماء كل شيء حي) وباليباس تموت ويموت كل شيء حتى الضمير الإنساني يحتضر كل يوم آلاف المرات.
فأين الأمة لتقف موقف الصمود والتصدي للمستعمر الغاشم أين العزة- أين الكرامة أطفالنا تذبح كالنعاج ونساؤنا ترمل ومقدساتنا تداس ولا أحد يحرك ساكن. أين انتم أيها العرب أما حان الوقت لنكون أمة عربية واحدة قوية متماسكة لنا كياننا أمام بقية الأمم فنحن عطشى لوحدة عربية واشتراكية تعيد الاعتبار للوطن والمجتمع والأسرة نحن عطاش للحب الذي يجمع بين أبناء الوطن كي يهطل المطر على الفقراء.
العطش إلى إعادة بناء الأسرة: لابد من بناء أسرة حقيقية تسودها المحبة والخلاص بين أفرادها.
تتألف الأسرة من أفراد يعيشون أويتعايشون مع بعضهم البعض لفترة من الزمن حتى يكونوا أسرا أخرى بالزواج فبالزواج تكبر الأسرة وتتعدد الأفراد فإما أن تكون هذه الأسر متماسكة متحابة متحدة يسودها الإخلاص والعدالة العائلية وهذا لا يكون إلا بالاحترام المتبادل بين الزوجين وهذا لا يمكن تحقيقه إلا أن تكون حرية التعبير والرأي سائدة لكل منهما فعندما تكون العائلة مكانتها بين الأسر الأخرى في المجتمع.
ومن المؤسف أن نجد بعض الأسر أفرادها ينهشون بعضهم بعضاً كحيوانات مفترسة وكأننا نعيش في عصر الغاب، القوي يأكل الضعيف، والإنسان محب للتملك لا يحب إلا نفسه إلا من هذبته المدينة والأخلاق الفاضلة الحميدة، فالطمع والجشع وتكديس الأموال وجمعها ومنعها عن عباد الله يؤدي إلى بغض وتشاحنات بين الناس وتكثر الجرائم ويزداد التمزق والفساد وعدم المسؤولية بين أبناء المجتمع.
العطش إلى بناء المجتمع: يتألف من عدة أسر متعددة الثقافات والأديان يعيشون في بقعة واحدة. وهذه البقع المتجمعة (جماعات يعيشون على أرض واحدة) تشكل الوطن.
والوطن يعني الأرض ومن هنا نقول استوطن أي عاش على الأرض ومكث وأقام فيها.
فالوطن هو بيت كبير نعيش فيه ونكبر(وهو ممتلك وحق شرعي للمواطن) ولذا نقول أسرتي ومجتمعي ووطني وأمتي.
فالانتماء إلى أسرة أو مجتمع أو وطن أو أمة شعور طبيعي لكل إنسان مهما اختلفت ثقافات وديانات ولغاته وهذا الانتماء يكون فطرياً.
يتعرض الإنسان إلى أن تسلب منه أرضه أو بيته أو وطنه الذي ولد فيه وترعرع، وكان قد ورثه عن أجداده نقول أجداده(أي العادات والثقافات والحضارات والتاريخ واللغات فلا يمكن أن تكون هناك أرض بلا تاريخ أو ثقافة أو حضارة بلا أرض.
سلبت بعض أرضنا وما علينا إلا أن نعيدها ولا يمكن أن نعيدها إلا بالوحدة العربية. فبالوحدة قوة وعلم وكيان وإلا ستكسر ونفرق ونمزق ونشرد ونذبح كالنعاج كما عليه حال هذه الأمة وهذا يذكرني بحكايات الأجداد وقصصهم المشوقة يحكي أن رجلاً عجوزاً كان في المحتضر فجمع أبناءه العشر وأعطاهم حزمة مؤلفة من عشرة عيدان وطلب منهم أن يكسروها فما استطاعوا ففرق الحزمة إلى عشرة عيدان وأعطى كل واحد عوداً وطلب منهم أن يكسروه وكان أمراً بسيطاً جداً وسهلاً.
قال لهم إنكم كهذه الأعواد عندما تكونوا على قلب واحد متحدين يكون لكم قوة وشأن وإياكم أن تتفرقوا فتضعفوا وتذهب ريحكم فالاتحاد قوة والوحدة أقوى والاشتراكية العادلة أقوى وأقوى ففيها تستمر الوحدة ولا تكون المحبة إلا بالإيثار ولا يكون الإيثار إلا بالإحسان ولا يكون الإحسان إلا بالإيمان ولا يكون الإيمان إلا بالمحبة قال عليه الصلاة والسلام:(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه مايحب لنفسه).
وقال عليه السلام:(الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله).
وكيف يكون الحب بين أفراد مجتمع تفاوتت طبقاته كتفاوت الأرض والسماء الغني يزداد غناه والفقير يزداد فقره، كيف تكون المحبة بين أفراد الأسرة الواحدة وصلة الأرحام مقطوعة والأخ يخطط لينهش لحم أخيه من أمه وأبيه ويمتص دمه ليزداد تخمة بالمال والمأكل والمشرب وأخوه جائع مشرد محروم على مرأى من عينيه.
إنها الأنانية والجشع والطمع بعينه أيحسب أنه مخلد والخلود لله الواحد القهار الذي يقهر عبادة بالموت فقيراً كان أم غنياً ملكاً كان أو مملوكاً رئيساً أو مرؤوساً فكل نفس ذائقة الموت. فتركز الأموال في يد قلة قليلة من الشعب يجعل ما تبقى منهم يعيش في حرمان وجوع مدفع وهنا تكثر الجرائم. فالاشتراكية العادلة بعد الوحدة ضرورة حتمية لبناء الأسرة أولاً على المحبة والتعاون والتضامن واحترام رأي الآخر وهنا يكون بناء المجتمع المثالي الذي تسوده الوحدة الوطنية.
فالمجتمع كما قلنا مؤلف من أسرة والأسرة مؤلفة من أفراد فإذا كانت الأسرة متحابة متحدة متضامنة كان المجتمع سليماً قوياً، وتعالوا سوية لنعيد بناء المجتمع من أجل حياة أفضل لمستقبل أطفالنا بعيداً عن الطائفية والعنف والمحسوبية مبيناً على المحبة والتضامن مهما تعددت فيه الديانات والطوائف والثقافات.
إن الطفل كالملاك يجب علينا أولاً وأخيراً أن نحميه ونعطيه الكثير من الرعاية والحب ليكبر وتكبر معه الأمة.
جميل من المجتمع أن يعطي أبناءه ماهم بحاجة إليه إن سألوه والأجمل منه أن يعطيهم وإن لم يسألوا لأنه يعرف حاجاتهم.
فمن لا يعطي وهو مقتدر على العطاء عرضت حياته للتهلكة.
فالعطاء وجه من وجوه المحبة لا بل إن الحبة لا تكون إلا بالعطاء لذلك نجد الألم ملازماً للعطاء كما هو ملازم للمحبة.
فالعطاء رمز الوجود الإنساني ولا قيمة للوجود الإنساني بمعزل عن العطاء. إعطاء حريات الشعوب المضطهدة والتحذير من استعبادها والبطش وإعادة أراضيها المغتصبة وهذا دور كل إنسان يعيش على هذه البسيطة كل حسب عمله ومسؤولياته وخاصة الدول العظمى فلها الدور الفعال إن أرادت إحلال السلام العادل والشامل من أجل الأطفال الرضع والنساء والشيوخ العزل واحترام حقوق الإنسان المضطهدة من مأكل ومشرب وأدوية ومسكن وملبس، ولهذا نرفع أصواتنا ضد المستعمر الظالم على غزة وغيرها والشعوب المستضعفة.
الوحدة هي الماء الذي يعيد حياة هذه الأمة والاشتراكية العادلة هي الحل الوحيد لاستمرارية هذه الوحدة من أسرة ومجتمع ووطن وأمة.
فلنقف وقفة واحدة ضد هذا المستعمر الغاشم المستبد الظالم لنعيد الابتسامة على وجوه أطفاله وأطفالنا بتحقيق السلام العادل والشامل هكذا سنرسم بل ننقش وننحت الابتسامة على وجوه أطفال العالم.
يجب على الفنانين أن ينقذوا الفن العربي المحنط من الخمول والتقليد غلى حيث يصبح قوة فعالة متميزة بالنزعة الإنسانية والأسلوب الحديث الذي يواكب تطور هذا العصر في حياة الأمة من أجل وحدتها وسالمتها.
وان يخدم الإنسان التواق إلى استكمال إنسانيته لبلوغه المستوى الرفيع للثقافة والوعي الإنساني.
فلا يجوز للعمل الفني أن يقضي على شخصية كل من الطرفين المميزة الفنان والمشاهد. وبعض المشاهدين ربما خلقوا لعصر يختلف عن عصرنا. ولذا لا نفرض عليهم آراءنا وأفكارنا بل نساعدهم على امتطاء هذه الأفكار ليعبروا عن مشاعرهم وأحاسيسهم اتجاه أعمالنا الغنية التي يمكن أن ترشدهم إلى طريق الخير والجمال.
فالفنان يكون حراً وله الخيار عندما يكف عن التغني بالحرية والجمال لأنهما القشرة التي تغلق الإدراك فعندها يكون الفن والإبداع.
فما من فنان يقترف جرماً اتجاه عمله الفني إلا بالإرادة الخفية التي هي إرادة الجميع الفن إن سجن في بحر الكلام تعذر عليه أن يطفوا ويسمو على التقاليد والقيود.
هذا المعرض فعل محبة وانفتاح في عصر الأنانية والانغلاق على الذات. فأعمالي الفنية مجردة عن زخرف الوهم وبهرجة الرسم متحلية بجلباب فنان من الفن الخالد يحارب جيوش الظلمة ويحسر القناع عن وجه الحقيقة بكل ما أوتي من حكمة ومعرفة إنه ابن الثورة ثورة الغد((الوحدة العربية)) التي نحن بأمس الحاجة لها في الوقت الحاضر، إن في أعماقي نفساً تطمح إلى جديد مفيد.
فأنا لا أعبر بفني هذا إلا مما اعتقده حقاً وصواباً ولذلك يأتي فني مرآة نقية تعكس شخصية كبيرة تأبى أن تتقيد بقيود الماضي أو أن تلبس حلة غير حلها. (من حكمة وفلسفة وشعر وفن) فإنني تواق للجمال متعشق للحكمة والحقيقة . لذا فإن أعمالي الفنية تدعو إلى التفكير العميق بل ترغم ناظرها على إعمال ذهنه وعقله. فغن كنت تخاف أن تفكر فلأجدر بك ألا ترى هذه الأعمال الفنية.
لأنه ليس بالشكل والصورة التي ترغبون رؤيتها أو الموسيقى التي ترجون سماعها بل هو فن تبصرونه ولو أغمضتم وموسيقى تسمعونها ولو أغلقتم آذانكم ما من فن في هذا العالم. أجزل فائدة للإنسان من افن الذي يحول كل ما في كيانه من الرغبات إلى شفتين محترقتين عطشاً وتجعل حياته جميعها ينبوعاً حياً باقياً للأجيال.
فالفن بذور نبات متشبث عنيد متفرقة على وجه الأرض عطشى تنتظركم لاكتمال نموها.
الحجاب المسدول سيرفع ذات يوم بالأيادي التي حاكته ويصبح الجمال شغف وافتنان فليس الجمال يداً مفتوحة فارغة ممدودة وليس الجمال فماً متعطشاً بل هو قلب ملتهب ونفس مفتونة للحرية فكيف نحكم على الرجل الخداع الظالم بأعماله(من رشوة وفساد) فهو موجع القلب ذليل مهان بروحه.
لأن توبيخ الضمير هو أعظم وأثقل جريمة من الجريمة فإن الخير والجمال الذي ينظر إلى ذاته في مرآة ينقلب شراً وقبحاً.
فإن لم تكن هناك عدالة محبة في المجتمع فإنها تؤدي بالبعض منكم إلى الشراهة وبغيركم إلى الطمع والمجاعة. فالرفاهية والتحرق والتشوق الشديد لها ممزوج بالطمع والفساد والعنف فلها قلب حديد صلد.
حشمة الفن هي ترس منيع والغموض هو بداءة كل شيء لا نهايته فإذا كانت أعمالي الغنية غامضة فأعلموا إن هذا بداية فهمكم.
إن سكينة الوحدة التي يعيشها الفنان تعطيه صورة واضحة عن ذاته فيرتعد لدى رؤيتها فيهرب منها الإبداع.
فالفنان يرسم الرؤى المستقبلية بروعة وصفاء وأبدع ما يحلم به الإنسان وأبهى ما يتطلع إليه المجتمع.
إن مشاهد الموت والقتل والدمار الناتجة عن الحروب التي هي أولاً وأخيراً من صنع الإنسان.
فالمحبة وحدها تقودنا إلى الوحدة فلا تقيدوها بالقيود بل لتكن الوحدة العربية بحراً متموجاً بين شواطئ نفوسكم كأوتار القيثارة يقوم كل واحد منها وحده ولكنها جميعاً تخرج نغماً واحداً.
(حياة الفنان ظلمة حالكة غن لم ترافقها الحركة فمن أحب الحركة والعمل النافع في هذه الحياة فتحت له أبوابها وقربته من أبعد أسرارها فيكون غما فيلسوفاً أو حكيماً أو فناناً على شرط أن تكون هذه الحركة متوجة بالمعرفة والمعرفة تكون عقيمة وسقيمة إن لم يرافقها العمل الخير والإنساني والعمل يكون باطلاً وبلا ثمر إن لم يقترن بالمحبة وهذه المحبة هي التي تربط الأنفس والأفراد والمجتمعات والدول بعضها ببعض عندها يرتبط كل واحد منكم بالوحدة فإذا عملت عملاً فنياً وأنت لا تجد لذة بتنفيذه فكيف سيجد الناس لذة بالنظر إليه وعندما يصبح شبحاً تهرب منه الناس.
الإنسان الضعيف وقد سحقه الظلم وداسته أقدام الحيوان الكائن في الإنسان دون أن تتوفر لديه القدرة على المواجهة والمجابهة وإن حصل فللمجتمع قوة الإسكات والإخضاع .
فإنه يكتفي بالتذمر وبالسقوط في مهاوي الصمت(الرجوع إلى معرض الصمت 1991) وأعمالي الفنية ربما تحجبت بالصمت. فلم أستطع أن أعبر عنها.
فالشعارات سلعة في سوق السياسيين بها يتاجرون ليمسكوا بخناق الإنسان ويمنعونه من الحركة والتقدم وتحقيق الوحدة المنشودة.
يمكن أن نبني البيوت والمجتمعات والأوطان بناءً صحيحاً لا شائبة فيه ولا اعوجاج لتعيش بها أجساد أبناؤنا ربما نفوسهم لا ترغب بذلك فهي تقطن في أوطان الغد التي لا نستطيع أن نزورها حتى في أحلامنا.
فأبناؤنا ليسوا مثلنا لأن الحياة لا ترجع إلى الوراء ولا تلذ لها الإقامة في أوطان الأمس أوليس الظمأ الشديد للماء يكون عندما تكون البئر ملأ بالماء، هو العطش الذي لاتروى غلته.
فالخوف من الحاجة هي الحاجة بعينها.
كل لإنسان بحاجة ماسة إلى الماء فبالأمطار يعم الخير وتكثر المياه.
فالمطر عندما يهطل على الأغنياء والفقراء سوية لكن الأغنياء وذوي السلطة(المرضى نفوسهم) المستفيدين منهم والمتطفلين يمنعونه عن الفقراء، هم إذا نظروا تفقأ أعينهم وإذا تكلموا تقطع ألسنتهم وتسد أفواههم وإذا تركوا قيدوا وكبلوا بالسلاسل.
فلا حرية ولا رأي لهم يموتون موتاً بطيئاً وهم عطشى إلى أقل حق من حقوق الإنسان إنهم أطفال الحجارة.
د.نجيب جلبي