تكبر لدينا تساؤلات مستفيضة تتمحور حول الحدود الفاصلة بين التأليف الخاص بالسينما والاقتباس من مصدر آخر

 

 

 










إن العلاقة بين الأدب والسينما ملتبسة منذ زمن بعيد، ولم تتوصل إلى صيغة ثابتة، إلا أن السينما العالمية لم تتوقف يوماً عن الاعتماد على الأدب العالمي. حيث أن السينما ترتكز على ما وجد قبلها من آداب، وبشكلٍ خاص فن الرواية، فالفيلم السينمائي بحد ذاته يقوم على قصة ما، يقول الناقد السينمائي مارشال مكلوهان: الفيلم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعالم الكتب، ومن هنا فإن الصورة في الفيلم تحقق بالنسبة للمخرج السينمائي نفس الغرض الذي تحققه المفردة اللغوية للكاتب.
الرواية؛ في الغالب، لا تصل إلى الشاشة العملاقة دون تغيير؛ ولو كان بشكل جزئي، رغم ما يبذله كاتب السيناريو من جهد في تحقيق الحدث والخطاب والمغزى، بالإضافة إلى أن عملية الإخراج لا تتم إلاّ إذا تدخل المخرج في النص أثناء ترجمته من الكلمة إلى الصورة.
إذا عدنا لتاريخ السينما، فلابدّ من رؤية
البصمات التي تركتها الأفلام  المقتبسة عن رواية أدبية مثل (ذهب مع الريح) للكاتبة الأمريكية مارغريت ميتشل التي صدرت عام 1936
،












و(أنّا كارنينا)، هذا الأثر الأدبي العالمي والإنساني الخالد، والذي ترجم إلى معظم لغات العالم للكاتب الروسي ليو تولستوي،












و(قصر الشوق) و(بين القصرين) للكاتب نجيب محفوظ، والعديد من الأعمال الخالدة التي اقتبستها السينما من الأدب، لأنها غنية بمواقفها ودلالاتها الاجتماعية والعاطفية والنفسية، والتي وجد المخرج فيها نفسه مطالباً بنقل النص بكل ما يحمله من طروحات وأدوات بلاغية أخرى دون أي إضافة سوى الأصالة والجدّة إلى جانب العمق والرؤية لشحذ قريحة المتلقي   .
ما نلاحظه اليوم في نطاق الزخم العالي لإنتاج الأفلام العربية التي تطالعنا بين ليلة وضحاها، هو ابتعادها عن الأدب كما لو أنها تركب الموجة الضاربة من عزوف المشاهدين عن القراءة، وهنا تكبر لدينا تساؤلات مستفيضة تتمحور حول الحدود الفاصلة بين التأليف الخاص بالسينما والاقتباس من مصدر آخر، ومتى يكون الاقتباس أفضل من المصدر، وهل يجب أن يكون النقل ملتزماً أم متحرراً، في الحقيقة أنّ الجواب يأتي بجهة واحدة من خلال الجوانب العملية الأخرى لعملية الاقتباس، ودورها الفعلي في كيفية معالجة الفيلم للرواية، ومن جهة مغايرة، فإن المنهج التعبيري لشديدي الإعجاب بعالم الفن الروائي الأدبي قائم على فكرة أنه لا بديل عن الكتاب، وأنّ الفيلم عاجز عن نقل إبداعه في الوصف إلى صور، بالمقابل هناك جماهير واسعة يؤمنون أن الفن السينمائي هو المحيط بكل معالم اللغة البصرية، إن صحّ التعبير.
الجدير بالمعرفة أن الفصل بين منهجي الكتابة السينمائية(المكتوب خصيصاً، والمكتوب اقتباساً)، لا يعني أن أحدهما هو أفضل من الآخر، فما يكتب بالشكل السينمائي ما هو إلا ترجمات لمُخيّلة خصبة وإبداعات ذاتية، وأما الاقتباسات وكل ما يلحقها من عناء وجهد كبيرين في التحويل، لإعادة تقديمها بشكل مصور في حيز جديد ضمن الشروط السينمائية، هو أيضاً ناتج عن الإبداع فكري.



 

زكريا محمود_عالم نوح