العمارة المصرية المعاصرة جـ 2
- أبريل 29, 2012
- 0
المهندس أسامة شريبا: وفي متابعتنا لمابدأنا به عن علاقة العمارة المصرية المعاصرة بالقديمة… أقدم لكم هنا نماذج من العمارة المصرية المعاصرة التي قام مصمموها باستلهام أفكار أو مفردات من التراث المعماري المصري، فانه يمكن رصد ثلاثة اتجاهات رئيسية هي:
العمارة المصرية المعاصرة / 2 /
و نتابع مع العمارة المصرية المعاصرة .. هذا الموضوع من اقتراح المهندس أسامة شريبا
….
وفي متابعتنا لمابدأنا به عن علاقة العمارة المصرية المعاصرة بالقديمة… أقدم لكم هنا نماذج من العمارة
المصرية المعاصرة التي قام مصمموها باستلهام أفكار أو مفردات
من التراث المعماري المصري، فانه يمكن رصد ثلاثة اتجاهات
رئيسية هي:
أولا: الاستلهام من التراث الفرعوني:
في بدايات القرن العشرين اتجه بعض المعماريين إلى استعمال
العناصر الشكلية للطراز الفرعوني مثل البوابات والأعمدة و
الكرانيش و قلدوها بالمواد و الإنشاءات الحديثة، و من أمثلة
هذه المباني ضريح سعد زغلول و محطات السكة الحديد بالجيزة و
أدفو و الأقصر، و مباني جامعة الإسكندرية.
وفي فترة التسعينيات من القرن العشرين نجد عودة أخرى الى
استلهام الطراز الفرعوني في التصميم من خلال اتجاهين أساسيين:
الأول امتداد للاتجاه الذي ظهر في بدايات القرن العشرين و الذي
يعتمد على نقل مفردات المعبد الفرعوني الى واجهات المبنى، و
يمثل هذا الاتجاه مبنى الركاب الجديد بمطار الأقصر، و مبنى
المحكمة الدستورية العليا بكورنيش النيل بالمعادى، و العديد من
المباني الأخرى.
أما الاتجاه الآخر فقد ركز على استخدام الشكل الهرمي و الذي
ارتبط ارتباطا وثيقا بأهرامات الفراعنة، كما في مدينة مبارك
العلمية ببرج العرب، حيث أنه تم تصميم المعاهد البحثية على شكل
ثلاثة أهرام ، كل هرم عبارة عن مربع في المسقط الأفقي يتوسطه
باثيو مغطى جزئيا بضلعي الهرم و النصف الآخر بنصف قبة سماوية،
و قد تم استخدام فكرة المبنى الهرمي في مباني أخرى كمستشفى شرم
الشيخ، و المبنى الرئيسي بقرية "ميليا الفرعون" السياحية
بالغردقة، أو بشكل رمزي تجريدي كما في نصب الجندي المجهول
بمدينة نصر.
ويبدو أن الشكل الهرمي له جاذبية خاصة أيضا بالنسبة للمعمار
العالمي، و يظهر ذلك في تصميم الهرم الزجاجي بساحة متحف اللوفر
بباريس، و كذلك في أحد فنادق لاس فيجاس بأمريكا و غيرها من
أمثلة العمارة الغربية.
ثانياً: استلهام العمارة المصرية الحديثة من التراث الإسلامي
يلاحظ أن الاستلهام من التراث المعماري الإسلامي له عدة
شواهد بدأت في الظهور في بعض المباني المصممة في النصف الأول
من القرن العشرين مثل معهد الموسيقى العربية بشارع رمسيس
(1929م) أو مبنى جمعية المهندسين المصرية بنفس الشارع (1935م)،
حيث استلهم المصممون بعض مفردات و عناصر الطراز الإسلامي في
تصميماتهم.
وفي فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي بدأت تظهر
نماذج لمباني يظهر فيها إعادة إحياء الفكر المعماري الإسلامي
مرة أخرى، و قد تركزت هذه النماذج في نوعين أساسيين من
المشاريع هما: المباني السكنية (و الإدارية) و المشاريع ذات
الوظيفة السياحية.
ومن نماذج المباني التي تجمع بين الوظيفة المكتبية والسكنية
والتي استلهمت روح ومفردات العمارة الإسلامية في تصميمها مبنى
مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية بمصر الجديدة، وهو يتكون
من جزأين: الأول المبنى الخاص بمركز الدراسات والثاني سكن،
ويتجمع الجزءان حول فناء يتسع في أدواره العليا بالتوازي مع
بروز واجهات المبنى من الخارج، هذا بالإضافة الى استخدام
مشربيات بواجهات المبنى لزيادة الخصوصية.
ومن النماذج الأخرى التي تعتبر من المحاولات الصادقة لإيجاد
عمارة معاصرة تستمد أصولها من التراث الإسلامي، مبنى سكنى
إداري بمصر الجديدة حيث حاول تحقيق الخصوصية بالدور السكنى (آخر
أدوار المبنى) من خلال استخدام أفنية داخلية مكشوفة بحيث يخص
كل فناء شقة سكنية من الشقق الأربعة، هذا بالإضافة إلى استخدام
حدائق خارجية معلقة بأدوار المبنى الإدارية، مع استخدام
المشربيات الخشبية المثلثة الشكل في واجهات المبنى الخارجية.
أما برج "أرابيسك" السكنى التجاري و لذي يوجد في مدينة نصر،
فيتكون من 15 طابقا منها طابقين أسفل منسوب الشارع، فيعتبر من
النماذج القليلة في العمارة المصرية المعاصرة والتي تتعامل مع
إشكالية إعطاء طابع إسلامي للمباني المرتفعة، ويظهر ذلك في
أسلوب تصميم المشربيات حيث تظهر بواجهة المبنى الرئيسية كل
مشربيتين في دورين متتاليين وكأنهما مشربية واحدة، كما تم
تصميم عقود الواجهة بارتفاع دورين أيضا، حتى يتناسب مقياس
المشربيات والعقود مع الارتفاع الكبير للمبنى، أما في التصميم
الداخلي فقد حرص المصمم على فصل جناح الاستقبال عن جناح النوم
و المعيشة في محاولة لتطبيق مبدأ الخصوصية.
ويتأكد اتجاه استلهام مفردات و عناصر التراث الإسلامي في
المباني العالية في أبراج مركز التجارة العالمي بكورنيش النيل،
وهو ما يعطى دلالة واضحة على إمكانية الاستفادة من تراثنا
الإسلامي مع معطيات العمارة المعاصرة والتي تركز على استخدام
المباني العالية خاصة في المدن الكبرى كأحد المحددات
الاقتصادية نظرا لارتفاع أسعار الأراضي .
وتظهر بعض المحاولات للاستفادة من مضمون وجوهر المعمار
الإسلامي بأسلوب غير مباشر وأكثر تجريدا ، ومثال ذلك مبنى قاعة
النيل للفنون التشكيلية بالجزيرة، حيث كانت الإشكالية التي
تواجه المصمم هي كيفية إعادة تصميم المبنى بما يضمن الربط بين
الحركة الفكرية والفنية المعاصرة وفي نفس الوقت بالتوافق مع
الموروث الثقافي و الحضاري الاسلامى والمصري، و قد ظهر ذلك من
خلال كسوة واجهات المبنى بالحجر الهاشمي مع استخدام العقود و
مخرمات الكولسترا و الأشغال المعدنية المستوحاة من المشربيات،
و التباين في استخدام الشخشيخة الإسلامية بشكل مستحدث لإضاءة
عدة فراغات بالمبنى، مع استخدام السقف الزجاجي المدرج الذي
يغطى قاعة العرض الرئيسية.
ثالثا: الاستلهام من تراث العمارة المحلية:
يعتبر حسن فتحي أبرز من قام بإعادة إحياء أساليب التصميم و
البناء المحلى خاصة عمارة النوبة القديمة، و من أشهر أعماله
قرية القرنة و التي بنيت ما بين عامي 1946 و1953م، و امتدادا
لهذا الاتجاه ظهرت في حقبة الثمانينات و التسعينيات من القرن
العشرين العديد من الأعمال المعمارية التي تركزت أساسا في
المباني و القصور السكنية الخاصة بضواحي مدينة القاهرة بمنطقة
الحرانية و البدرشين و غيرها، الى جانب استخدام هذا الاتجاه في
إنشاء العديد من القرى السياحية في الغردقة و شرم الشيخ و
غيرها.
وهو ما يوضح مفارقة عجيبة حيث أن حسن فتحي عندما بدأ الدعوة
لهذا الاتجاه كان تحت شعار "عمارة الفقراء"، و لكن مع مرور
الوقت تم تسخير هذا التوجه في بناء القصور و المساكن الخاصة و
المنتجعات السياحية للأغنياء، بنفس الأسلوب الذي يعتمد على
استخدام الحوائط الحاملة من الحجر أو الطوب و استخدام التغطية
بالقباب و القبوات، و هو ما حدا بالبعض الى أن يصف هذا الاتجاه
المعماري بالرومانسية.
إن الاستعراض السابق لمحاولات الاستلهام من التراث المعماري
المصري يوضح أحد جوانب الصورة التي تتكرر في العديد من البلدان
العربية كل حسب مخزونه التراثي المحلى، و إن كان كلها يجمعها
هدف واحد ألا و هو محاولة مجابهة محاولات التغريب الثقافي و
الفني التي تتعرض لها البلاد العربية و الإسلامية.
وربما نلاحظ أن بعض هذه المحاولات ربما تتسم بالسطحية أو
الابتذال، وربما في نماذج تصميمية أخرى تم التعامل بفهم و عمق
أكبر مع معطيات التراث المعماري، و لكن تبقى هذه التجارب
المعمارية محاولات وعلامات على طريق حل المعادلة الصعبة التي
يواجهها عالمنا العربي المعاصر من أجل عدم الانسلاخ من الجذور
و التقاليد مع التمسك بمعطيات التقدم العلمي و التقني من جانب
آخر.
إن قضية الاستلهام من التراث المعماري لا يجب أن يتم النظر
إليها على أنها توجه لمدرسة معمارية عربية جديدة في مواجهة
المدارس المعمارية الغربية، بل يجب أن ننظر إليها كأحد دعائم
ما يمكن أن نسميه "بثقافة المقاومة" و التي تعتبر جزء من أسلوب
مواجهة ظاهرة العولمة في جميع مناحي الحياة و التي تهدف إلى
طمس الهويات القومية لشعوب العالم الثالث لصالح الهيمنة
الغربية و بالأخص الأمريكية.
ولا يجب أن يفهم البعض من هذا التوجه المعماري أنه دعوة
للانعزال أو الانكفاء على الذات أو دعوة لمقاطعة الحضارة
الغربية على طول الطريق، بل هي دعوة للاستفادة من معطيات الفكر
الغربي في مجال الفنون والعمارة بما لا يتعارض مع العادات و
التقاليد العربية أو الإسلامية، و من جانب آخر فهي دعوة لكل
المبدعين العرب للمشاركة في صنع الحضارة الحديثة كما فعل
الأجداد في الماضي، بدلا من الاكتفاء بالتقليد و الاستنساخ لكل
ما هو آت من الغرب