مع مطلع ألفية جديدة يستقبلها عالمنا المعاصر يتجه المتخصصون والخبراء في مختلف المجالات إلى محاولة تقييم النتاج الفكري والثقافي والمادي للحضارة الإنسانية في القرن العشرين، من أجل الاستفادة من خبرات الماضي و الحفاظ على

العمارة المصرية المعاصرة / 1 /

ونقدّم لكم هذا الموضوع من إقتراح المهندس أسامة شريبا:

مع مطلع ألفية جديدة يستقبلها عالمنا المعاصر يتجه المتخصصون والخبراء في مختلف المجالات إلى محاولة تقييم النتاج الفكري والثقافي والمادي للحضارة الإنسانية في القرن العشرين، من أجل الاستفادة من خبرات الماضي و الحفاظ على الهوية و الطابع المحلى أو القومي لكل بلد خاصة مع تزايد الدعوات التي تأتى من الغرب بضرورة عولمة الحضارة الإنسانية في مختلف الفروع و المجالات.
ونحن إذ نقر بأن التطور هو سمة أساسية من سمات الحياة البشرية، فانه يجب أن نعترف أيضا بأن التطور أو التغيير يحمل صفة " الحيادية " بمعنى أنه إذا لم يكن التطور أو التغيير للأحسن فسوف يكون بطبيعة الحال للأسوأ، وتبدو هذه الإشكالية في بلد كمصر أكثر تعقيدا نظرا لما تزخر به الحضارة المصرية من تراث ضخم في مختلف المجالات الثقافية والعلمية والفنية.

فهذا التراث سوآء كان مفاهيم أو أفكار أو معتقدات أو قيم، أو أدوات أو أوضاع عمرانية أو مباني أو موسيقى أو شعر أو أدب أو أي صوره من صور الفن، أو عادات أو أعراف، كل ذلك و نحوه تتركه كل جماعة من كل عصر لمن يأتي بعدها فيكون شاهدا على نظرتها للحياة و موقفها منها، و لاشك فان هذا الميراث الحضاري يؤثر بصورة أو بأخرى على الأجيال المتعاقبة سواء على المستوى الواعي المدرك أو حتى على المستوى العفوي التلقائي.
ويشكل التراث المعماري حجر الزاوية في الحضارة المصرية
والعربية على حد سوآء، فهو مخزون مادي يتمثل في المباني الدينية و المباني أو البيوت الأثرية القديمة، كما أن له قيمة معنوية ممنوحة من قبل المجتمع حيث يشعر أفراده بأن هذه الأشياء المادية قد اكتسبت صفات مميزة كأن تعبر عن تاريخ هذا المجتمع أو مراحل تطور ثقافته، فيجد المجتمع أنه لزاما عليه أن يمنح تلك القيمة المعنوية لهذا المخزون المادي.
وعلى ذلك فالتراث المعماري يعبر بصدق عن تاريخ و ثقافة أي مجتمع وهو الصلة المادية والمعنوية الباقية التي تربط ما بين الأجيال المعاصرة و الأجداد، فهو يعتبر تجسيم لقيم ثقافية وحضارية تعكس بنية اجتماعية و سياسية و اقتصادية معينة عاشها الأجداد، كما أنه يظهر مدى مساهمة الأجيال السابقة في رقى الحضارة الإنسانية، ويصبح الهدف من دراسة التراث المعماري هو التعرف على الظروف التي أفرزته و الحلول المعمارية الناتجة مع عمل تقييم لهذه الحلول من المنظور المعاصر لأخذ ما يناسب منها
و تطويره ليتلاءم مع متطلبات الإنسان المعاصر.

وتزخر الحضارة المصرية بتراث معماري ضخم بدءا من الحقبة الفرعونية ومرورا بالفن القبطي وانتهاءا بالفن والعمارة الإسلامية، ثم ينضم إلى هذا التراث المعماري الضخم حصيلة نتاج وخبرات سنوات متواصلة من المباني وأساليب البناء التقليدية التي تنتشر في العديد من المدن والقرى المصرية بطول البلاد وعرضها، والتي تعكس طبيعة التنظيم الاجتماعي والخلفية الثقافية المحلية التي تميز كل منطقة، ونورد هنا على سبيل المثال مباني أهالي النوبة القديمة والتي كانت تعبر عن الكثير من التقاليد
المعمارية والإنشائية والتي أعطت طابعا مميزا لايمكن أن تخطئه العين لمباني النوبة القديمة.
وبصفة عامة يمكن تقسيم الاتجاهات المعمارية في
القرن العشرين في مصر إلى عدة توجهات ومدارس أهمها:

1- استلهام التراث والطرز التاريخية القومية (فرعونية أو
إسلامية).
2-
الاتجاه المحلى البيئي (كما في مباني حسن فتحي).
3-
تقليد الطرز الأوروبية الكلاسيكية (إغريقي أو روماني ..).
4-
الاتجاه نحو عمارة الحداثة (الطراز الدولي للعمارة).

وما يهمنا في هذه الدراسة هو التركيز على الاتجاه الأول المتمثل في استلهام التراث المعماري المصري، والذي يعتبر أحد الاتجاهات التي أثرت بوضوح على المنتج المعماري المصري خاصة في الثلاثين سنة الأخيرة من القرن العشرين، كرد فعل طبيعي لمجابهة سيطرة الاتجاه الدولي للعمارة و الذي كان سمة العمارة والمباني على اختلاف وظائفها ليس في العالم الغربي فقط ولكن في العالم العربي وبلدان العالم الثالث أيضا.

وتظهر إشكالية كيفية الاستفادة من التراث المعماري في المباني المعاصرة نظرا لاختلاف وجهات النظر من مصمم لآخر أو من مدرسة معمارية وأخرى حسب عمق الرؤية وفهم التراث، لذلك فان البعض يرى أنأساليب استلهام أو إحياء ثابت تراثي معين يمكن أن تنحصر في الأساليب
التالية:

أ‌- نقله كما هو.
ب‌- النقل عنه بشيء من التحوير بالإضافة أو النقصان أو التكرار.
ج‌- القياس عليه و تطويره.
د‌- أخذ سببياته فقط و إعادة بنائه بشكل جديد.

أي أن أساليب استلهام التراث المعماري تتم إما على هيئة نقل مباشر في صورة تشكيلات معمارية دون أي تغيير، أو يتم النقل بشيء من التحوير سواء بالإضافة أو النقصان على سبيل التغيير الشكلي فقط دون النظر إلي النواحي الوظيفية على سبيل المثال، أو عن طريق محاولات تطويرية سواء بالقياس على العنصر التراثي أو بأخذ مسبباته في الاعتبار ومحاولة إعادة استخدامه بفكر تصميمي جديد أو مبتكر.
ويرى البعض من أنه لا يجب أن يتم تقليد ما بناه الأوائل و تطبيقه بصورة نقل مباشر، بل و أخطر من تقليد المباني التراثية المعروفة هو الاتجاه السائد بما يمكن تسميته بعمارة الواجهات



Façade Architecture
، و يتم ذلك عن طريق استعمال العقود أو الأقواس أو الكوابيل بدون العلاقة بالفراغات الداخلية سواء بالنسبة للمساقط أو الحجوم، فهذا الرأي يرفض أسلوب النقل المباشر للأشكال التراثية المعروفة دون أن يكون لها عمق تصميمي ووظيفي مرتبط بالتصميم الداخلي لفراغات المبنى.ومن جانب آخر فانه لا يجب أن يتم دراسة التراث دراسة عاطفية بل دراسة علمية تكنولوجية تقوم على كيفية تعامل العمارة مع المناخ الشمسي و مع الحرارة و مع الضوء، و هو ما يؤدى إلي وجود أنماط معمارية متباينة حسب خصوصية تراث و الظروف البيئية لكل منطقة، وكل ذلك يؤدى إلى وجود طابع معماري يحترم خصوصية الزمان والمكان.