العمارة المغربية المعاصرة
- فبراير 18, 2012
- 0
ويقترح علينا المهندس أسامة شريبا أيضاً موضوعاً عن العمارة المغربية المعاصرة: لم يعد من الممكن اليوم اعتبار فن العمارة شاهداً حيّاً على عادات أمّة، أذواقها، اتّجاهاتها، حالتها الفكريّة، حيويّتها و حركيّتها أو انحطاطها
العمارة المغربية المعاصرة
موضوع من اقتراح المهندس أسامة شريبا
لم يعد من الممكن اليوم اعتبار فن العمارة شاهداً حيّاً على عادات أمّة، أذواقها، اتّجاهاتها، حالتها الفكريّة، حيويّتها و حركيّتها أو انحطاطها……
و يرجع هذا للشّروخ و التحولات العميقة التي عرفها مسار هذا المجال في القرن الأخير، والتي حوّلته في النهاية إلى نوع محايد ذي إنتاجين، فكريّ و ماديّ، موجّهين إلى الإستهلاك السريع و المتلاشي.
هذا التحييد للإنتاج المعماريّ عبر جميع تمظهراته و تجلّياته، مع التقليل من أهمية الفكر المفاهيمي الذي يصاحبه، أثّر عميقاً و بالسّلب نحو اِعتبار الهندسة المعمارية كعلمٍ وليس كفنٍّ فحسب. هذا الوضع المقلق يضاف إلى اتخاذ موقع بين فروع المعرفة هو في الأصل غير مستقرٍّ و هشٍّ، وما زال في حاجة ماسّة إلى اعتراف من ناحية الدراسة العلمية.
يتعلّق الأمر بالفعل بحالة ركود شاملة، بالنّظر لعالميّة هذا التخصّص الآن في كيفية ممارسته، تدريسه، إدراكه و معايشته في الواقع. لذلك، فقد غدا من المشروع التّساؤل عمّا إذا كانت حقّا هذه الأزمة التي تمرّ بها العمارة المعاصرة تشمل أيضاً المهندسين المعماريين المغاربة؟
من الواضح أن دولاً مثل المغرب تتعرّض لأشكال مشوّهة و هجينة من هذه الأزمة و آثارها لأنها تُعتبر، من حيث بناء وتصنيع المعرفة المعماريّة، بلداناً مستقبلة، متعوّدة على التبعيّة وليس الرّيادة، لا يُؤبه لرؤيتها للأمور إن هي وُجدت أصلاً.
ومع ذلك، ينبغي التوضيح بأن أسباب هذا الاستبعاد، على الرّغم من أنها كثيرة ومعقدة، لم يعد ممكناً الآن وضعها حصرياً على حساب الماضي مُتمثّلاً في الشرخ العنيف الذي عرفه تاريخ المغرب المستعمر لنصف قرن تقريبا.
لذا وجب الاعتراف بالفجوة الكبيرة القائمة بين السّياق الدوليّ الذي يشهد طفرة في إنتاج المعرفة والهندسة المعماريّتين، والسّياق المحليّ الجامد والذي يعتمد على الإستنساخ والنّقل .
هذا الفارق يرجع أساسا إلى نُدرة المبادرات المتحرّرة فكريّا لبناء وصنع معرفة معماريّة مستقلّة.
وباستمرار هذه الفجوة قائمة فإن التساؤل قائم أيضاً حول أحقيّه المهندسين المعماريين المغاربة في مساءلة الفكر و الممارسة المعماريّين آخذين بعين الإعتبار عالميّتهما، مع العلم أنّهم لا يساهمون في صنعهما إن على المستوى النظريّ أو التطبيقيّ.
بعبارة أخرى، هل من الممكن أن يصبو المهندسون إلى المعاصرة في مجال العمارة؟ وبالتّالي، كيف يمكن تصوّر الحديث عن عمارة مغربيّة معاصرة دون تَمثُّل المسافة والحواجز الفعليّة التي تفصلنا عن هذه "المعاصرة" والرّاسخة بقوة في أذهاننا:
مسافة تاريخيّة، تكنولوجيّة، فكريّة…؟
هذا التساؤل مهم جداًّ لأنه، من جهة، السبيل القادر على توجيهنا لضمان الاستمرارية في المسار الفكريّ الذي أسّست له التيارات المتعددة التي ميّزت النقاش العامّ حول الهندسة المعماريّة المغربيّة وذلك منذ الستينيات من القرن الماضي، والتي ارتكز وجودها أساسا على مواقفها من الفكر الغربي السائد آنذاك.
تبقى الإشارة إلى أن إيجاد أجوبة ضافية لمجموع هذه التّساؤلات و بالتالي إضفاء الشرعيّة العلميّة والتاريخيّة على منهاج واعٍ و حرّ، قادر على تملُّك هويّة خاصة إزاء اللّغة المعمارية المعاصرة، لا يعني أنه وعلى الفور سيصنّف كل الإنتاج المعماري المغربي في خانة "المعاصرة". وذلك أن أي معمار راهن ليس معاصراً بالضرورة. إذا كانت المعاصرة تبدو من حيث المبدأ، حقاًّ شرعياًّ و فورياًّ، فإنها في حقيقة الأمر قيمة مكتسبة. وفهم ما يعنيه هذا يكمن في إدراك الفرق البيِّن بين "المعاصر" و "الراهن". ووحده الزمن كفيل بالقيام بهذا الانتقاء و إنجاز هذه الغربلة…..