بقلم المهندس باسل قس نصر الله: وقام عضو من الوفد بالكلام ثم قرأ الفاتحة على روحها، وقام الجميع مسلمين ومسيحيين بالوقوف، منهم من صلى الفاتحة الإسلامية ومنهم من صلى الصلاة الربانية المسيحية، …. وأين؟؟؟؟؟؟ في إحدى قاعات الكنيسة بحلب.

الفاتحة الاسلامية على روح والدتي المسيحية

بقلم المهندس باسل قس نصر الله

توفيت والدتي منذ أيام، وكان موتها مفاجئاً، فقمت مع العائلة بمتابعة الإجراءات التي ترافقها حسب العادات المتبعة، ولم أزرف دمعة، ليس لأني لا أحبها، بل لأنني اعرف تماماً أن كل الحب الذي في الدموع لا يحيي الموتى.

توفيت والدتي وشريط الذكريات كان يمر أمامي منذ طفولتي إلى هاتفها الأخير، قبل سويعات تؤنبني لأنني لا أزورها.

حضر الكثير من الناس لتعزيتي، واتصل بي العديد منهم، ولكنني سأقف عند نقاط قليلة تمثل حالة الحياة السورية المطمئنة أمام هذا السيل الجارف من الجنون والحرائق التي تعم المنطقة.
أقمنا العزاء في إحدى قاعات الكنيسة، ومن أوائل المعزين لي، لم يكن رجال الدين المسيحي فقط، بل سماحة مفتي عام سورية الشيخ احمد حسون، قال لي : "أنا لم آت لأنك مستشارٌ لي، بل لأنك أخي ووالدتك والدتي" ثم تكلم بكلام كان بلسماً – ليس علي فقط- بل على كل الحاضرين، الذين لم يغادروا مكان العزاء حتى حضر وسمعوا منه.

في اليوم الثاني من العزاء قدم فضيلة السيد عبد الصاحب الموسوي، وهو من إخوتي الشيعة، وقد كان في دمشق للنقاهة من عمل جراحي في القلب، ووصل مباشرة للعزاء، وقد حضرت أيضا مجموعة كبيرة من رجال العلم الإسلامي ورجال الدين المسيحي، وبكل فئاتهم، وقد تكلموا بكلام دل على ما تمتاز به هذه الأرض من حضارة عظيمة.
لن أتكلم عن رجال العلم الإسلامي والمسيحي والشخصيات الأخرى التي اتصلت بي من أصقاع شتى في العالم بل سأنقل صورة مصغرة عن الحياة المشتركة التي تنعم بها سورية.

في يوم العزاء الأخير حضر وفد كبير يمثل المجلس الوطني الإسلامي الشيعي الإسماعيلي ـ سورية والذي مركزه في السلمية قرب حماه (200 كم) ويعود إلى الآغا خان، وقام عضو من الوفد بالكلام ثم قرأ الفاتحة على روحها، وقام الجميع مسلمين ومسيحيين بالوقوف، منهم من صلى الفاتحة الإسلامية ومنهم من صلى الصلاة الربانية المسيحية، …. وأين؟؟؟؟؟؟ في إحدى قاعات الكنيسة بحلب.

في سورية فقط يتم صنع الحياة المشتركة، بتلاحم، صَدَقَ من قال إن سورية تملك أهم مقوماته.

في سورية فقط يقوم بتعزية المسيحي، رجال العلم الإسلامي قبل رجال الدين المسيحي.

وفي سورية فقط نعلم – وقبل أي شيء آخر- إن المواطنة تجمعنا، وليس الجامع أو الكنيسة إلا مرشدين لنا.

وفي سورية فقط، نمسك المواطن كزهرة ونضعها في مزهرية الوطن.

رحمكم الله أيها الوالد والوالدة لأنكم أوجدتموني في سورية، لأنه في سورية فقط فهمت كيف يكون الدين لله وهذا الوطن هو للجميع.

اللهم اشهد أني بلغت
المهندس باسل قس نصر الله
مستشار مفتي سورية