الفنان محمود مكي عن عائشة عجم
أمامنا فنانة مميزة على الصعيد الفني والاجتماعي باعتبارها مارست الرسم أول مرة وعمرها تجاوز 85 عام

الفنانات الامهات العربيات المبدعات
عائشة عجم

رحمها الله
من فنانات سورية الشعبيات
ترسم الفن الشعبي
وهي فنانة معروفة ولها أبناء فنانين تشكيليين معروفين


أضاف محمود مكي

أمامنا فنانة مميزة على الصعيد الفني والاجتماعي باعتبارها مارست الرسم أول مرة وعمرها تجاوز 85 عام …لوحاتها أدهشتنا ..بل أبهرتنا بما تحمله من عفوية وفطرية بدائية …مارست الرسم ست سنوات فقط من مجمل حياتها ..ثم توقف القلب الكبير ..كان شعوري لزاما عليَّ أن أذكرها في هذا المقام الواسع عالميا …( 1916 – 2006 )
الفنانة عائشة عجم مهنا
بين الهاجس الفني ومسؤولية الحياة


هناك طرق وأساليب كثيرة ومتنوعة في الرسم للتعبير عما يجيش في النفس و القلب والصدر ، وقد تصدى لهذه الطرق فنانين كبار نالوا شهرتهم الكبيرة منها ، ولكن الطريقة أو الأسلوب الذي أثار نقاد الفن التشكيلي أكثر من الأساليب الأخرى ، ذلك الأسلوب البسيط السهل الذي ينبع مساره التشكيلي من العفوية والتلقائية الذاتية ، وهو القادر وحده دون غيره عن التعبير الحقيقي لكوامن الإنسان وهواجسه الداخلية ، الذي يحيا هذه الحياة الغنية بأشكالها المتنوعة ومضامينها المختلفة ، والتي تترك في أعماق نفسه وذاكرته كوامن عديدة لها أثرها الكبير في حياته ، وهي قد تكون رسالة هامة للآخرين في أحد ألأيام …
أفتتح معرض كبير في صالة النادي العربي الفلسطيني في مدينة حلب ، وقد شارك فيه عددٍ من الفنانين الشباب أذكر منهم : ( عبد القادر منافيخي _ منذر شرابه _ سهام إبراهيم _ عبد الرحمن مهنا _ فؤاد متى _ …) ، كان هذا المعرض يعتبر تحية للفنانة ( عائشة عجم مهنا ) …

تلك المرأة التي تفجرت كوامن نفسها وموهبتها في الرسم وهي في العقد التاسع من العمر (85 عام) ، لم تستطع إخماد ما يعتلج في داخلها خلال التسعين عاماً من عمرها بقدر ما تحملته من عناء و جهد في البقاء عليها بين دفتين ، هما مصاعب الحياة المادية كربة أسرة كبيرة ، ومصاعب الصبر على الهاجس الفني الذاتي في داخلها ، ولكن كانت مصاعب الحياة ومسؤولية البيت والأسرة والزوج … كانت عندها أهم من الهاجس الفني الذاتي ، وهذه الحالة تعتبر تعبيراً قوياً عن حالة الإيثار لديها تجاه هاجسها الفني ، ففضلت متابعة بناء الحياة لأسرة كبيرة كان منها الشاعر والمصور الفوتوغرافي والفنان التشكيلي …
هكذا راحت هذه المرأة العظيمة تبني وتؤسس في الحياة … وعندما رأت أن مهمتها الحياتية الأولى انتهت في أولادها الذين أصبحوا معالم واضحة في الحياة الثقافية … راحت في عقدها التاسع من عمرها بعدما توفرت لها الفرصة لتروي لنا برسوم رائعة ومميزة عن رحلة العمر الطويلة التي عايشتها ضمن ظروفها الحياتية الصعبة ومع الحكايات الشعبية في الليالي الطويلة ، وأحاديث البنات على شرفات المنازل العتيقة ، وساحات الحي على ضوء القمر في ليالي الصيف الحارة …

ذاكرة قوية نلاحظها واضحة في لوحاتها الكثيرة ، لأنها لم تترك صغيرة أو كبيرة من القصص وما فيها التي ترويها لنا في لوحاتها الجميلة … حتى الألوان أخذت من الماضي السحيق ، ولم تنسى فيها نوعية الخط المنساب من ذاكرة الأيام العتيقة ، كأنها صورة حية يتحرك فيها الأشخاص بحيوية ونشاط …
عائشة عجم مهنا فنانة بالفطرة ، وبقيت معها حتى انفجرت في الآخر لوحات فنية غنية بما فيها من غنى بالشكل واللون والموضوع … لم يؤثر فيها تعاليم المدارس الأكاديمية وقواعدها الصارمة ، فأصبحت لوحاتها ظاهرة فريدة ونقية من عناصر البؤس المدرسي والفكر الأكاديمي المقيد بقوانينه الصارمة …
وأهم ما تميزت به أعمالها الفنية التلقائية والعفوية والفطرية في أداء الخط واللون ، في الشكل والمضمون ، في البساطة والإيحاء ، في التعبير الداخلي والتعبير الخارجي لهذا أدهشتنا في أعمالها … كما يتفجر الصاعق فجأة … إعجاباً وحباً …
المواضيع التي تناولتها الفنانة القديرة عائشة عجم مهنا تتمركز في بوتقة الحياة جملة واحدة ، يبدأ مفهومها وينتهي حول الصراع الأبدي القوي بين عناصر الشر وعناصر الخير في الحياة … بين المرأة والرجل ضمن العلاقات الاجتماعية التي تحكمها بقوة مفاهيم التقاليد الرجولية … وذلك الظلم الغاشم الذي وقعت بين براثنه المرأة المسكينة …
نلاحظ في بعض لوحاتها الفنية تظهر فيها عناصر الرجولية الايجابية تجاه الحياة في شخصية الرجل الطيب وأهمية الأخلاق فيها … من خلال قصص عنترة العبسي ، وقصص ألف ليلة وليلة ، وقصص المرأة مع الرجل في قصة ادم وحواء ، وتلك التفاحة التي سقط معها كل شيء …

ولكن لم ينتهي معها كل شئ … بقي فيها الأمل الكبير مع اليأس ، والفرح مع الحزن …
استطاعت هذه الفنانة تجسيد عناصر الأعراس الشعبية الحلبية في لوحاته
ا باختزال في اللون أكثر من الخط وبصورة عفوية وفطرية متناهية نحو التعبير الصادق ، فجاءت أعمالها صورة تعبيرية واضحة للواقع والحياة منذ أكثر من نصف قرن في من تاريخ حياتها …
في لوحاتها ذلك السيف المسلول دائماً للأعلى والترس المرفوع والرجل بشاربه المعقوف ، والمرأة بشعرها المتهدل على الكتفين ، والشجرة الشامخة والزهرة التي تفوح بعطرها وتملأ الأجواء … وأحجار البيت الصامد في وجه الزمن … والطاووس بعنفوانه ، والحصان الثائر في وجه الليل … وتلك النافذة المفتوحة التي يطل منها الحب والصفاء … حيث تسبح الروح في أجواء شاعرية وسحرية جميلة ..
إنها عناصر تسكبها في لوحاتها بالبساطة والفطرية وتجعلها غنية لها مفاهي
م تعبيرية عن هواجس كامنة في الحياة والمرأة التي واجهت الحياة زمناً طويلاً .. واستطاعت أن تثبت لنا أن الحقيقة ستنتصر عند نهاية الطريق … عند نهاية الزمن …
هكذا استطاعت الفنانة عائشة عجم مهنا أن تنقل لنا ما كنا نريده ، وما كنا نتمناه … حتى فجّرت فينا الدهشة … وكل كوامن الانبهار … في لوحاتها الفنية من حيث بساطة الشكل الفني المتواضع ، ومن حيث المضمون الفكري العميق اجتماعياً ، ومن حيث اللون الجميل ، وبعيدة كلّ البعد عما يخرب الفطرة الطبيعية … والإنسانية … بالتعليم في الأكاديميات التقليدية …
إننا نرى في أعمالها الفنية عفوية وفطرية متناهية نحو الصفاء الروحي والن
فسي … بحيث تؤكد لنا تلك الخبرة الطويلة التي تمتلكها في شؤون الحياة والتجارب العميقة فيها دون أن يمسها قوانين الحياة العصرية المادية الجامدة ، ومدارسها الأكاديمية الصارمة … وحتى أن أحد الفنانين السورين الكبار همس لي قائلاً في إعجاب كبير : ليتني أستطيع أن أرسم مثل هذه اللوحات الرائعة !!

ولكن هذه الفنانة عائشة عجم مهنا التي تجاوزت متطلبات العقد التاسع من عمرها أثارت في داخلي هذا السؤال :
هل يتوقف عطاء الإنسان في هذه الحياة عند زمن محدد ؟! محمود مكّي
السيرة
– ولدت في مدينة حلب عام 1916 . عضو اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين. – مارست الفن في سن الخامسة و الثمانين من عمرها . – ظهرت على الساحة التشكيلية في شهر أيار عام200 خلال سوق الأحد للفنون الذي أقيم في فندق شيراتون دمشق . و قد مارست الرسم المباشر أمام الجمهور في الهواء الطلق . – أقامت معرضها الأول في المركز الثقافي الإسباني بدمشق 13/2/ 2001 . – أقامت معرضها الثاني في صالة نقابة الفنون الجميلة بحلب شهر 5/ 2001 . – شاركت في مهرجان خان الحرير في حلب بجناح خاص ، مع إقامة ورشة عمل ، و ممارسة الرسم المباشر أمام الناس ، و قد حصلت على شهادة تقدير من المهرجان . – رُشحت للمشاركة في مسابقة " فكّر مع يديك " المنظمة من قبل معهد ـ ثربانتس ـ المركز الثقافي الإسباني بدمشق عام 2002. – نالت شهرة واسعة في فترة قصيرة ، حيث تناولت أعمالها الصحف و الفضائيات و محطات التلفزة المحلية و العربية . – توفيت عام 2006