الفنان أيمن السليم في أعماله وتطلعاته ..
واقعية وسوريالية سحرية في الرسم والنحت .. وحوار
أديب مخزوم ـ فنان وناقد تشكيلي


الفنان أيمن السليم في أعماله وتطلعاته ..
واقعية وسوريالية سحرية في الرسم والنحت .. وحوار

ــــــــــــــــــبقلم أديب مخزوم ـ فنان وناقد تشكيلي ــــــــــــ

تطل الوجوه والعناصر الإنسانية والخيول والطيور وعناصر الطبيعة وغيرها، في أعمال الفنان أيمن السليم كرمز لحلم مستعاد أو ليقظة كلاسيكية، وتشكل المدخل لتسجيل سياق الأداء المنضبط بأصول وقواعد ومعادلات، وسط رواج الإستعراضي والآني والعابر، في أعمال العديد من التشكيليين المعاصرين.

                              

ولد أيمن السليم في حمص، وكان منذ البداية متوحداً مع الطبيعة، حين كان يشرد بنظره في السهول القريبة، وكان والده يصطحبه معه في جولاته ويشجعه على الرسم، وقد شكلت الرموز الطفولية الأولى لمشاهدة الأشياء مجمل الهواجس الفامضة والخفية في تصوير سحر الرؤى الخرافية وأشكال الطيور والعصافير والفراشات والرموز الطفولية الأخرى.

وكان يمضي أيام الصيف في قرية والدته (الشيخ بدر) مما ساهم أيضاً في تشكيل هذا الإنحياز الدائم نحو تأمل ألوان الطبيعة وأشكال الطيور والحيوانات، التي كانت ولا تزال تتكرر في أعماله. فمنذ البداية كانت تثيره ألوان الزهور وإنفاس الضباب واشكال الفراشات والضفادع والعصافير، وكان يعكس هذه التأملات كرموز طفولية في رسوم دفاتره المدرسية، وما لبثت أن ظهرت المؤشرات الأولى لتعلقه بالفن الذي تبلور أثر مشاهدته لوحات كبار فناني عصر النهضة، من أمثال: ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو ورفائيل وصولاً إلى مرحلة تأثره بشيخ الفنانين السورياليين سلفادور دالي ، ولقد شاهد بعض لوحات كبار الفنانين العالميين القدامى والمحدثين عن قرب، خلال جولاته الإطلاعية على بعض المتاحف البريطانية .

منحوتات نصبية
وهو من الفنانين الواقعيين الذين يجمعون بين الرسم والنحت، وهذا يعيدنا الى فنانين بارزين مؤسيين جمعوا بين المجالين ، من أمثال فتحي محمد ومحمود جلال وسواهما ، ولقد أنجز منحوتات نصبية بإرتفاعات كبيرة وصلت أحيانا الى عدة أمتار، وخاصة في لبنان ( من ضمنها نصب العدراء في بيروت بارتفاع ستة أمتار ) .

فالعمل الواقعي الرصين ، هو منطلق الأداء التصويري والنحتي، هو الحركة التصاعدية التي تناغم بين اللمسة الرصينة والأخرى، هو المؤشر للعلاقة الحميمية بالمشاهد المرسومة، التي يعمل من خلالها لاستعادة عناصره، التي تتجسد في ريشته وأزميله كقصيدة حب لأجواء الماضي والحاضر معاَ .
وهو ينطلق في صياغات عوالمه ، ليقيم نوعاً من التوازن بين العقلانية الصارمة والعاطفية الهادئة، فاللون عنده يجمع بين الشفافية والكثافة، في خطوات إيجاد رابط متماسك بين الصياغة التلوينية والأداء التكويني، وإضفاء تناغم إيقاعي بين اللمسات اللونية، التي يستعرض من خلالها العناصر الخارجية للأشكال ، بحيث تقترب أعماله من روح التأليف الفني، وبذلك فلوحاته ومنحوتاته تؤكد ملامح إسقاط الذات على الموضوع، وتبرز مشاعر الإحساس باللون والكتلة والفراغ على سطح اللوحة دي البعدين أو في الأبعاد الثلاثة للمنحوتة.

تجاوز الإلتباس
هكذا يمكننا الاقتراب من عوالم لوحات أيمن السليم، وتفهم معاني قصيدة اللغة البصرية المزروعة في ألوان الواقع، وهو لا يلغي الإشكال ليصل إلى وتيرة الالتباس بين المؤشرات المحلية ومعطيات الحداثة الأوروبية، وإنما يجسد العناصر بواقعيتها الحقيقية لإظهار أحاسيس الارتباط بالماضي والحاضر معاً.

ومنحوتاته ولوحاته يمكن أن تلاقي القبول من شريحة واسعة من الجمهور، ولهذا لا يمكن التنكر للعلاقة المتواصلة القائمة بين الناس في المجتمع العربي وبين الرسم الواقعي، حتى أن الهاجس الواقعي الذي يمارسه بخبرة تقنية طويلة يساهم في تقريب الفن التشكيلي من الناس، وبالتالي يكسر حالة القطيعة القائمة بين الجمهور واللوحة أو المنحوتة في البلدان العربية، لأن الصياغة الواقعية الواثقة، تجسد سمات العودة إلى الأصل، أي إلى الشكل الواضح والمفهوم والقادم من مصادر نهضوية واقعية وكلاسيكية وسوريالية . وفن (البوب آرت) اعتبر جماهيرياً لأنه يرتكز على عناصر الصياغة الواقعية القريبة من عواطف وأحاسيس الناس من مختلف الشرائح والأعمار.


وإذا نظرنا إلى اشكاله وعناصره المجسدة في اللوحة أو في الأبعاد الثلاثة، نجدها تتجه في أحيان كثيرة لإطلاق الخيال، لا سيما حين يضيف إلى مشاهده، الرؤى السوريالية، رغم اتجاهه في المقطع الواحد من اللوحة للوصول في أكثر الأحيان إلى نمنمة تفصيلية واقعية.

هكذا يستعرض قدراته التقنية والتأليفية ، ويطرح أمام المشاهد جمالية الأسلوب الواقعي، الذي يعطي مشاهده بعداً خيالياً،ويتجه في لوحاته ومنحوتاته الواقعية في أحيان كثيرة نحو الغرابة، ويقوم بترويض وتكييف وتوليف أشكال الواقع، متبعاً تجليات ابتكار تداعيات الحركة الواقعية والخيالية في آن واحد، وهذا التداخل نجده في أعماله السوريالية حصراً .

دلالات حلمية


وهذا يعني أنه لايبقى دائماً عند ضفاف الصورة الواقعية، وإنما يتجاوزها أحياناً نحو دلالات حلمية مفتوحة على بعض تيارات الفنون القديمة والحديثة معاً، حيث يمد اللوحة والمنحوتة بثمرات خبراته التقنية، في خطوات الوصول إلى الهدف الجمالي المطلوب.
وفي هذا الإطار يمكن القول أن له طريقته الخاصة في توليف الأشكال ، لذا يتجه نظرنا للإحساس بأسلوبية خاصة على الصعيدين التكويني والتلويني رغم تفاوت المعالجة، وهذا يزيد من إيقاعية الحوار اللوني، ويفسح المجال لرؤية العمل منفذة بحساسيات لونية مختلفة ومتفاوتة.
هكذا يرسم وينحت بإضفاء المزيد من الدراية العقلانية والتقنية على عناصره الواقعية عبر الضربات اللونية والهادئة والمدروسة والرصينة المستعادة من مخزون ذاكرته البصرية، التي عمقت من هواجس نزعته المثالية .
وهذا يعني أنه يتنقل في أعماله، من عقلنة كلاسيكية ضابطة ، إلى واقعية متزنة، اذ سرعان ما يرتد إلى لغة الوعي حين يجسد بلغة تصويرية مفرطة في واقعيتها، مواضيع متنوعة تعكس في النهاية أحاسيس الارتباط بنبضات المشهد وألوانه الحقيقية .


ومن الناحية التشكيلية والتقنية جسد عناصره بالزيت والمائي والحبر الصيني والمواد المختلفة ، ورغم تعلقه الدائم بالرسم الواقعي، كان يعمل لإظهار خصوصيات بحثه التشكيلي ، وكان يضفي على لوحاته المزيد من الشاعرية البصرية ، فأعماله لها خصوصيتها، لأنه ينجزها بصدق احساس ومحبة، وحين يكون الصدق يكون التميز .
ولما كان أيمن السليم يعيدنا في لوحاته إلى الكلاسيكية القديمة والكلاسيكية الحديثة ، والواقعية القصوى التي جاءت في فنون العصر كردة فعل ضد النزعات العبثية والدادائية والتركيبية. فإن اعماله تبدو أكثر ميلاً نحو التجسيد الذي يعتمد طريقة إظهار البعد الثالث، برؤية بصرية تتدرج فيها الإضاءة داخل الأشكال الواقعية أو الكلاسيكية، بالإضافة إلى تقديمه ملامس لونية ناعمة في تجسيد الأشكال وتظليلها وإبراز رصانة الرسم في معالجة التفاصيل الصغيرة والدقيقة التي تحتاج إلى جلد وصبر ووقت طويل.

فهو يبحث في التقنيات التصويرية والنحتية التي تنفتح على فلسفة اللون في اللوحة وأبعاد الشكل الفراغي في المنحوتة، حيث التناغم والإيحاء والإنفلات نحو الحلم والمطلق الباعث على التأمل في حديقة التشكيل الفني، الآتي من تقنيات عصر النهضة وصولاً إلى الكلاسيكية الجديدة وواقعية القرن التاسع عشر.
ولقد أظهر الفنان أيمن السليم قدرة لافتة في صياغة التفاصيل الصغيرة والدقيقة، التي أحبها والتي شكلت عودة إلى تقنيات الرسم الكلاسيكي، فالرسم السوريالي الذي يمارسه يرتكز على تقنية الرسم الكلاسيكي، لجهة التعمق بصياغة تشكيلات رصينة وعقلانية نراها ضمن تمثيلات فيها إمرأة أو حيوان، بكل التحديدات والتفاصيل الصغيرة والدقيقة أي بصورة بعيدة كل البعد عن منهج التبسيط والأختصار .

                               
وإلى جانب إنتاجه للوحة الفنية الحاملة مظاهر الرؤى السوريالية، فهو يمارس النحت، ويقدم منحوتات واقعية هي عبارة عن نماذج يمكن تنفيذها كأنصاب نحتية، تحاور عيون الناس في الساحات والحدائق والأماكن العامة، وحين يعالج الوجوه المعبرة كوجه المجاهد صالح العلي والشهيد يوسف العظمة والمجاهد احمد مريود ، فهو يقنعنا أن الدقة في معاينة المظهر الخارجي، هي من ضمن السبل الهادفة إلى كشف التعابير الإنسانية في قسمات الوجه، وهو أيضاً حين يجسد بعض القادة والشخصيات التاريخية الوطنية، فإنه يزيد من حرارة إيمان المشاهد بصلابة الإنسان السوري، وبقدرته على دحر العدوان، وهذا يزيد من عاطفة التعلق بالوطن والإيمان بالبطل المنتظر.
الأشكال السوريالية في لوحاته شكلت عودة إلى أجواء ميثولوجية سحرية شرقية، حين كان الإنسان البدائي، في الشرق السوري القديم يختصر معاني الحياة والوجود برؤى اسطورية خرافية، وهذا الانفتاح على الأشكال الغرائبية هو الذي جعله يذهب إلى تخييل شكلي يصل بالحركة البصرية إلى بهلوانية غريبة، وبالتكوينات إلى أسطورية تتهافت بصورة سحرية على سطح اللوحة.
وهذا ما عبر عنه الفنان الكبير الراحل فاتح المدرس في كلمته التي نشرت في دليل معرض الفنان أيمن السليم الذي أقامه في دمشق خلال عام 1988 حيث كتب يقول: "وهناك فنان مثل أيمن لا يتخلى عن عالمه السري المليء بالرموز الإنسانية والحيوانية يضعها في تناظر شبه هندسي وبألوان غاية في الصرامة والحرارة يعيش فيها لوحده".
ويضيف فاتح في كلمته: " يتجنب أيمن السليم الحركة العنيفة التي يعايشها الفنان المحدث ويلزم نفسه برؤى شعبية عميقة الجذور في الحلم الشرقي، وهذا الالتزام منحه التفرد بقيم التأمل الشرقي، إذ تشير هذه الأشكال بمفرداتها إلى بساطة الأسس المكونة لحلمه ولمقولاته التصويرية، التي تحكي بشكل مباشر عن الحب والولادة، وإسقاط الرموز الحيوانية على فلسفتة المثمرة بأدب شعبي جديد، مما يجعله حقاً متفرداً ومتوحداً مع عالم هو من صنع رؤاه".

بين الواقعية والسوريالية

ولوحاته تشكل مدخلاً لاستشفاف جوهر الرسم الخيالي، الأكثر غموضاً وغرابة في رموزه وعلاماته ودلالاته الأسطورية . فالهاجس القصصي الشرقي يطل في أشكاله الخيالية، ويتنوع ويتداخل ، في خطوات البحث عن إيقاعات تشكيلية جديدة فرضتها وبشكل غير مباشر، أحلام وتخيلات مرحلة الطفولة، وما ترسخ في وجدانه من حكايات وقصص خيالية وأسطورية.
ولقد أظهر أيمن قدرة لافتة في صياغة التفاصيل الصغيرة والدقيقة التي أحبها، وشكلت عودة إلى تقنيات الرسم الكلاسيكي، فالرسم السوريالي الذي يمارسه يرتكز على تقنية الرسم الكلاسيكي، لجهة التعمق بصياغة تشكيلات رصينة وعقلانية، نراها ضمن تمثيلات فيها إمرأة أو حيوان، بكل التحديدات والتفاصيل الصغيرة والدقيقة، أي بصورة بعيدة كل البعد عن منهج الاختصار والتبسيط والتحوير. وفي مجموعة اخرى من لوحاته، وعلى صعيد الموضوع المطروح، يريد أن يكون شاهداً على مرحلة، يلتقط تفاصيلها وعناصرها القادمة من تفاعله المباشر مع الحدث اليومي، والواقع الحياتي الراهن المشحون بالقلق والعنف والتوتر والاضطراب.
وإلى جانب إنتاجه للوحة الفنية الحاملة مظاهر الرؤى السوريالية، فهو يمارس النحت، ويقدم منحوتات واقعية، هي عبارة عن نماذج يمكن تنفيذها كأنصاب نحتية، تحاور عيون الناس في الساحات والحدائق والأماكن العامة .
والأشكال السوريالية في لوحاته شكلت عودة إلى أجواء ميثولوجية سحرية شرقية، حين كان الإنسان البدائي، في الشرق السوري القديم يختصر معاني الحياة والوجود برؤى اسطورية خرافية، وهذا الانفتاح على الأشكال الغرائبية، هو الذي جعله يذهب إلى تخييل شكلي يصل بالحركة البصرية إلى بهلوانية غريبة، وبالتكوينات إلى أسطورية تتهافت بصورة سحرية على سطح اللوحة.
يذكر أن أيمن السليم من مواليد حمص عام 1962 وسكان طرطوس وبيروت ، وفي مجال تفسير العلاقة المتبادلة والمتداخلة بين النحت والتصوير يقول: «الرسم والنحت وجهان لعملة واحدة، وبأن كل لمسة ريشة لوحة، وكل لوحة معرض مؤكداً: أن الفن ذوق وأخلاق وتواضع، وبأن الغرور مقبرة الفنان».
هكذا يرسم باضفاء المزيد من الدراية العقلانية والتقنية على عناصره الواقعية والسوريالية ، ويبدو مولعاً برسم البورتريه والاجساد والاشكال الحيوانية، ويحمل الذاكرة إلى عوالم منسية، من خلال تجسيد مشاهد طفولية ، بكل ما فيها من تفاصيل وعناصر ، وكل ما تقع عليه عيناه المفتونتان بالأعمال الكلاسيكية والواقعية، بكل ما فيها من عناصر مجسدة عبر لمسات ريشة رفيعة تجنح بقوة نحو إظهار تفاصيل وكل العناصر القادمة من وضوح الرؤية في الابعاد الحقيقية. فلوحاته تمنحنا الانطباع، بأنه يمتلك القدرة لتحسس إيقاعات ألوانها المأخوذة من الطيف الشعري، يقدر ما يذهب لتكثيف الوعي التصويري والتقني، في إطار اللوحة عبر الضربات اللونية والهادئة والمدروسة والرصينة، والتي عمقت من هواجس نزعته المثالية الأقرب إلى الواقعية القصوى، دون أن يعني هذا خروجاً عن إطار التواصل مع نقاط ارتكاز أساسية تحقيق الناحية الأسلوبية، ولا تبقى في حدود الصياغة الواقعية العادية. ومن الناحية الفنية يحب ايمن السليم مواجهة الموضوع الواقعي، وهو يختار ويرسم بعقلانية منضبطة وبمنظورية البعد والعمق، ويرتد دائماً إلى لغة الوعي، حين يجسد الاشكال والعناصر بلغة تصويرية مفرطة في واقعيتها ودقتها.

هاجس قصصي
هكذا شكلت لوحات أيمن التي قدمها منذ مطلع حداثته، مدخلاً لاستشفاف جوهر الرسم الكلاسيكي الدقيق، الأكثر ارتباطاً بالوعي والنمنمة التفصيلية، فلقد مارس تقنية الرسم الكلاسيكي سنوات طويلة، وكان يرسم مشاهد الطبيعة والوجوه والعناصر الإنسانية والحيوانية وغيرها بدقة متناهية وحسب معطيات الأساليب القديمة. إلا أنه في مراحل لاحقة أخذ يشعر بأهمية وجمالة الدمج بين العناصر والرؤى المختلفة للوصول الى عوالم الحلم السوريالي المتداخلة والمتشابكة . ولوحاته تبدو بمثابة دعوة دائمة لتأمل المعطيات التصويرية الكلاسيكية، التي تشكل المدخل لبلوغ النقاء والصفاء الكلي حسب رأيه.
والأداء التشكيلي الذي يجسده في حالات التكوين والتلوين، يبعدنا مسافات عن الإشارات الواقعية المباشرة، ويدخلنا في إطار الحالة الرمزية والخيالية، وحسب معطيات تداعيات اللاشعور السوريالي .
ففي لوحاته التي قدمها في معارضه الخاصة والمشتركة، ركز لإظهار تقنيتة بطريقة مغايرة، وعمل على التشكيل الذي يستمد من تدرجات الظل والنور جمالية الرؤية الفنية، ولهذا نراه يجنح وبقوة نحو إظهار الاشكال على خلفية لونية خافتة او معتمة، وهذا يزيد ن وضوح الرؤية الأسطورية في فراغ السطح التصويري .
هكذا يمكن التماس عوالم الأحلام والرؤى الخيالية والأسطورية، وتداعيات معطيات اللاشعور السوريالي، وجمالية الصياغات اللونية والخطية المنبثقة من الرؤية الحلمية، أي من تداخل إيقاعات الأشكال، كما يمكن أن نراها في الأحلام أو في تخيلاتنا المرافقة لقصص ألف ليلة وليلة، التي شكلت منطلق ولادة الرؤى السوريالية الحديثة والمعاصرة .
وفي مجال تفسير العلاقة المتبادلة والمتداخلة بين النحت والتصوير يقول: «الرسم والنحت وجهان لعملة واحدة، مؤكداً: أن الفن ذوق وأخلاق وتواضع، وبأن الغرور مقبرة الفنان».
فهوإلى جانب إنتاجه للوحة الفنية الحاملة مظاهر الرؤى السوريالية، يمارس النحت، ويقدم منحوتات واقعية هي عبارة عن نماذج يمكن تنفيذها كأنصاب نحتية، وحين يعالج الوجوه المعبرة كوجه المجاهد أحمد مريود ، والمجاهد صالح العلي والشهيد يوسف العظمة، فهو يقنعنا أن الدقة في معاينة المظهر الخارجي، هي من ضمن السبل الهادفة إلى كشف التعابير الإنسانية في قسمات الوجه وتعابير العيون . ولوحاته ومنحوتاته تشكل مدخلاً للتعرف على مراحل تطور تجربته، وعلى هذا يمكن استشفاف توجه أيمن في التماس أسلوب فني يعكس نزعاته وهواجسه التي تعطي الأولوية للمسة اللونية الهادئة البعيدة عن العواطف والانفعالات . كأنه من خلال استعادته لتقنيات الرسم الكلاسيكي، يريد الإستفادة من تعاليم المصور الفرنسي دافيد، الذي كان ينصح طلابه بالابتعاد عن العاطفة أثناء الرسم، لأن العاطفة تؤثر على الدقة في رسم التفاصيل.

التقيته وكان الحوار التالي :

*لوحاتك ومنحوتاتك الجديدة والسابقة أيضاً، زاخرة بمشاهدها الواقعية الآتية من معطيات الواقع والذاكرة الطفولية . هل ترسم من الخيال أم من الواقع ؟
** منذ طفولتي أواجه الموضوع بمنطق عقلاني، باحثاً عن أناقة الشكل ومتبعاً تقنية اللمسة المدروسة، في خطوات التعبير عن مواضيعي المختلفة، فالحنين إلى الواقعية والكلاسيكية والسيريالية هو جزء أساسي في لوحاتي . ولقد ساعدتني خبرتي التقنية التي اكتسبتها خلال سنوات طويلة . كما كنت ابحث ومنذ بدايات انطلاقتي الفنية، عن حل لتجليات الرجوع إلى ينابيع الكلاسيكية، من خلال البحث عن جوهر العلاقة المدروسة والمتوازنة بين العناصر والاشياء.



*تجسد في العديد من منحوتاتك رموز الثورة والاستقلال الوطني، ماذا تضيف ؟

** هذا الموضوع يشكل مادة خصبة للعمل في إطار النحت الواقعي ، الذي أميل إليه منذ بداياتي ، لأن تجسيد الشخصية يتطلب المزيد من الدراية والجلد والتأني والصبرالطويل ، كما أن تجسيد الشخصية التاريخية يتطلب البحث والتنقيب عن الصور الأصلية والنادرة ، والأحاطة الكاملة بحياة الشخصية ، ومعرفة الحالة النفسية التي كان يتسم بها ، والعمل على اظهارها وابرازها في في المنحوتة المجسدة في الابعاد الثلاثة .
وصياغة المنحوتة الواقعية تشكل مدخلاً لإظهار قدرة النحات على معاينة الشكل وإظهار ادق درجات الدقة وعناصر الشبه وغير ذلك من القواعد الأكاديمية الثابتة والصارمة.

* كيف تنظر الى التراث الحضاري، وكيف تستعيده في أعمالك الفنية في اللوحة والمنحوتة معاً ؟

** في العديد من أعمالي الفنية اتخذت الواقع والرمز والتاريخ مدخلاً لتسجيل فن واقعي بروح محلية ، وقدمت لوحات فسيفسائية في هذا المجال دمجت فيها ، بين معطيات التاريخ السوري وتوجهات الحداثة، وبمعنى آخر لم تكن لوحاتي الفسيفسائية تقليدية ، وانما كانت حصيلة خبرة واطلاع على توجهات اللوحة الحديثة والمعاصرة . ومن خلالها تجاوزت الرؤية التقليدية في خطوات تجسيد العناصر والاشكال، وبصياغة فنية تنتمي إلى روح اللوحة الحديثة، التي تحفظ خصوصيات التاريخ الحضاري المترسخ في الذاكرة ووالوجدان معاً.
فالرؤية الفنية التي قدمتها، في تنويعاتها المتعددة، هي دعوة صريحة للحفاظ على تراث قديم اكتسبته الأرض السورية خلال آلاف السنين، كما أن تأمل لوحاتي ومنحوتاتي وأعمالي الفسيفسائية وغيرها ، تعيدنا إلى التماس بعض تأثيرات الفنون القديمة والحديثة معاً، وإلى العلاقة الجدلية المستمرة التي تربط بين الغرب بالشرق والشمال والجنوب.

     

*في لوحاتك ومنحوتاتك تبقى في اطار الفن الواقعي والسوريالي واحياناً تعود الى الكلاسيكية ، هل أنت ضد الفن الانطباعي والتعبيري والتجريدي وسواها ؟
** هذا صحيح فأنا اجسد مواضيعي برؤية فنية تستعيد تقنية المقدرة الواقعية، في إبراز النسب وتدرجات الظل والنور والتفاصيل الصغيرة والدقيقة.
وهذا يعني أنني انطلق في تجسيد الأشكال المختلفة، من خلال تقيدي بأدق درجات الدقة في الرسم الواقعي، الذي يعطي الأولوية للمسة اللونية الهادئة والواعية والبعيدة كل البعد عن اللغة التجريدية السهلة ، وهذا لا يعني أنني ضد الفن الانطباعي ، الذي مارسته في مراحل سابقة، وهو الأقرب الى نفسي بين مدارس الفن الحديث ، لانه يبقى في اطار الشكل الواضح والمفهوم، والبعيد كل البعد، عن منزلقات الوقوع في تشابكات واشكاليات الفن الحديث والمعاصر وتشعباته ودهاليزه وأنفاقه.

*اللافت في دقتك المتناهية في التعامل مع العناصر والأشكال، والتي تقرب لوحاتك من أجواء الصورة الضوئية الملتقطة بعدسة أمينة، كيف تحقق خصوصيتك واسلوبيتك في هذا النمط من الفن التصويري ؟.

** بالرغم من انحيازي نحو التعبير الهادئ وإلى المشهدية البصرية التي تحقق عناصر الواقعية القصوى، فأنا أعبر في هذه الأعمال عما يجول في أعماقي من مشاعر وأحاسيس، ومواضيعي المطروحة على هذا، رغم دقتها وواقعيتها المفرطة، تبدو مرتبطة بشخصيتي ومشاعري الذاتية، لأنها تتأسس على مناخات لونية واحدة، بعيدة عن العنف والصراخ والاغتراب الشكلي واللوني ، فلكل فنان واقعي صادق اسلوبه الخاص، وهذا ينطبق على أعمال المدرسة الكلاسيكية التي تكرست في الفن عبر مئات السنين، حيث نجد التباينات والاساليب المتنوعة والخاصة بكل فنان على حدة في الرسم والتلوين معاً، كما كان لكل نحات كلاسيكي ينتمي الى عصر النهضة وبعده اسلوبه الخاص في التعبير عن موضوعه ورؤيته الفنية، وفي معالجة الاشكال وتجسيدها في الأبعاد الثلاثة .


ومنذ بداياتي أعجبت بفناني عصر النهضة من أمثال مايكل انجلو وليوناردو دافنشي، وعملت على الاستفادة من طريقتهم في صياغة التفاصيل الصغيرة والدقيقة. كما لفتت نظري ومنذ البداية لوحات رائد الفن السريالي سلفادور دالي، وخلال زيارتي لبعض المتاحف الأوروبية ، توقفت وتأملت طويلاً أعمال كبار الفنانين القدامى والمحدثين ، وهكذا تتابعت في أعمالي صياغة التفاصيل الصغيرة والدقيقة، التي أحبها ، منذ طفولتي، وشكلت أعمالي السوريالية، عودة إلى تقنيات الرسم الكلاسيكي، فالرسم السوريالي الذي مارسته يرتكز على تقنية الرسم الكلاسيكي، وضمن تمثيلات خيالية فيها إمرأة أو حيوان أو فراشة أو سمكة أو ثمرة أو نبتة .. ، بكل التحديدات والنمنمة التفصيلية الدقيقة، أي بصورة بعيدة كل البعد عن منهج التبسيط المقروء في أعمال الفنانين التعبيريين المحدثين وغيرهم .