يقدم لنا الفنان التشكيلي أكرم زافي رؤية جديدة في عالم التشكيل من خلال البحث الدائم والانطلاق دون قيود في عالم اللون والخطوط، وكان لعالم نوح معه هذا الحوار

                          يقدم لنا الفنان التشكيلي أكرم زافي
رؤية جديدة في عالم التشكيل من خلال البحث الدائم والانطلاق دون قيود في عالم اللون والخطوط، وكان لعالم نوح معه هذا الحوار


حاوره شادي نصير

البداية كانت دمى طوطمية صلصالية غاص أغلبها في في عمق الأرض؟ لماذا إبعاد تماثليلك ودفنها، والى أين كان يقودك الفكر في مرحلة الطفولة والبدايات؟ وهل خلق ذلك لك حالة خاصة تبلورت في نقلك لاحداث حياة مجتمعك إلى العمل الفني؟ ولماذا الرسم بدلا من النحت الذي وّلد الإبداع الزافي؟

البدايات مخيفة وغير واضحة لكن لم أكن أخاف البداية والدليل كنت أدفن ما أخلقه من تماثيل صلصال أحمر من تراب الشمال أرض الرافدين ووادي ماردين المليئة بالأساطير والخرافات والحزن والقتل ومهربي التبغ عبر الحدود
البدايات تحتاج إلى خرق للقواعد، ومن هنا جاء التحول من الصلصال إلى الرسم بسبب تغيير مكان أقامتي من القرية إلى المدينة وأكتشاف نفسي قريب من القماش الأبيض أكثر
لا أعرف مصير الألاف من تماثيل الصلصال التي صنعتنا ودفنتها هناك حيث العتمة الأبدية تحافظ عليها في البراري دون أكسجين.

– من يتابع أعمال أكرم زافي يلاحظ الارتباط الوثيق بين كل الشخصيات التي لها وجوها خاصة مرتبطة بالأساطير التي تميّزت بها منطقة الشرق، هل تعتمد من خلال شخصك إحياء الأساطير برؤية جديدة؟



أنا ولدت في ميزوبتاميا أرض المنجّمين والأساطير وكل وجه تراه هو لي، إحياء الأساطير تحتاج إلى تفكير وتعب كما ترى نحن نعيشها معا كل عمل يخرج من مرسمي كأنك ألتقيت به أو سمعت عنه أنه يحكي ما في داخلنا من أفكار وأحساس يتعلق بالتاريخ الجمعي لإنسان المنطقة ، ربما هو كذلك أحياء الأسطورة بطريقة
zavê.

– أبقى ضمن عالمك الساحر الأسطوري والذي يطلق عليه نوعا ما بالفن الفطري الخام، هل تعتقد أن تأطير الأعمال الفنية وحصرها ضمن مدرسة أو منهج فني يؤثر سلبا عليها؟

الأستاذ الدكتور عصام العسيري فنان تشكيلي سعودي وكاتب وباحث في الفن ينسب أعمالي الى مدرسة الغروتيسك الذي ينتمي إليها الفنان العالمي "جيروم بوش" و"بتريل بروجر" والكاتب "فولتير" والروائي الأميركي "أدغار ألان بو"
وأنا أقول:
لكل عمل خصوصيته ولكل فنان طريقته بالرسم حسب ما هو يجد نفسه فيه، أنا مرتاح مع الكم الهائل لوجوه الملوك في مرسمي، المدارس كلها لا تعنيني، ولا حتى أفكر فيها ولا أعرف الكثير عنها، أنا أنتمي إلى نفسي مدرسة خلقت من طين وماء.

– هل يرى الفنان ارتباطا بين ذاكرة الفن بين الماضي والحاضر وهل ترى نفسك أمينا وناقلا وحافظا لتراث غني اشتهرت به منطقتك؟

– عندما نرسم نبتعد كثيرا عن المحيط نحضر أرواحنا لكل شئ ويصبح المشهد أمام أعيننا مثل فلم سينمائي تتداخل الأرواح الشيطانية مع أرواح الملائكة ، نتوقف على زاوية اللوحة لنستريح ندخن الكثير من التبغ ويتداخل الماضي مع دخان البخور وأضواء الشموع في المرسم نسجل تلك اللحظات على قماشة بيضاء كأننا أنتهينا من العبادة للقدير.

– من يتابع أعمالك يلاحظ التضاد اللوني كيف استطعت أن تمتزج وتزاوج بين الألوان بهذا الألق الكبير؟

– الحقيقة تكمن في التجارب والعمل الكثير والتعامل مع اللون وضده لم يأتي عن عبث، أملك في مرسمي كميات كبيرة من اللون الخام ولا أحب مزج لونين أو أكثر عندما أرسم يحدث ذلك التضاد والألق في تلافيف المخ ثم يتحول هذا الألق الى حقيقة ناصعا كالسماء في كل تجربة.

-في معرضك الأول كانت الشخوص ترتدي تاجا ملكيا ولكنها تحمل وجوها بائسة وحزينة، إلام يرمز تاج السلطة في أعمال زافي والتحمل على هموم متراكمة للشخصيات؟

إن هذه اللوحات كأي لوحة أخرى كان يجب أن ترسم وتعرض
وأنا الملك في النهاية وجميع النماذج ملوك لهم عيون صغيرة ذات تاج على رأس كبير، إنهم نحن جميعا في هذا الدمار الهائل للإنسان والمكان، على كل التفسير قاتل وأنا لا أفكر بالكثير من الأشياء.

– هل تعتقد أن الفنان قادر على نقل أفكاره وعوالمه الخاصة إلى المتلقي من خلال شخوص لوحاته، بمعنى هل الحزن أو الفرح في داخل الفنان يظهر جليا على وجوه وانطباعات شخوصه؟


– طبعا ذلك ممكن ويحتاج نقّاد حقيقيين أو ربما أطباء نفسيين يحللون تلك الوجوه، ويقسمونها على عوالم الفنان، وحياته، والمأسي الذي يعيشها، لكن ليس كل فنان يمكنه ذلك.

على الفنان أن يكون صادقا مع نفسه ومع محيطه ويعيش همومهم حتى يمكنه ذلك، انا أعيش في منطقة حروب واحتلالات لأقسام كبيرة من الأرض إذا لم أكن ضمن هذه الحروب وأعيش مع ناسها كيف يمكنني نقل فرحهم وحزنهم الى اللوحات.. حرق الاشجار في الساحل السوري يؤلمني كما حرق السنابل في قرى الخابور، الحروب حول العالم يؤثر على حياتي لا أقدر أن أهرب منها، إنها مؤلمة.

– هل يرى الفنان زافي أن الفنان ملزم بدعم عمله الفني وتبني آراء الأفكار التي يقرأها المتلقي سواء أكانت إيجابية أم سلبية، أم عليه أن يأخذ القرار عن شخوصه في العمل الفني؟

-الفن عالم متحرك عالم من اللاشئ، الكثير يجهل الظروف التي تحيط برسم أعمالي لشدة ما فيها من قوة الابداع، والقدرة على العبث بالفكرة.
ظهور فنان تشكيلي في الوقت الراهن وعبر الكم الهائل من الأعمال الفنية وسرعة الوصول الى دماغ الانسان العادي، يلزمه دعم كبير من الفنان نفسه لإظهار فكرته وتبنيها من قبل الجمهور والمثقفين، وحتى أصحاب الغاليريات ومقتني الأعمال، وهذا أمر صعب لا يجيده إلا الفنان الخبير بهكذا متاهات نحن نراوغ في بعض الأحيان.



– ما جديد شخوص أكرم زافي والى أين الرؤية والهدف؟

كل ثانية هناك جديدة لا أتعب طالما النبض يخفق في يدي، هناك لأعمال جديدة ومشاريع مهمة على الرصيف، رغم وباء كوفيد 19 حول العالم، هناك أيضا معرض مهم في غاليري كلمات بإسطنبول لمجموعة كبيرة لأعمال ورقية مختلفة المقاسات، رسمت ضمن كتب مميزة وبنسخ وحيدة وتم أقتنائها كلها والآن أنا بصدد الإنتهاء من الكتاب الرابع وهو كتاب ذو غلاف مخملي أزرق يضم 191 عمل فني مشغول بعدة تقنيات، وأعتقد أنني ما زلت في البداية.