الفنان عبد القادر الخليل: الفنان التشكيلي صلاح الدين الخالدي… منذ ان إبتدأ في تآلفه مع الفن التشكيلي ظهرت على الفنان صفاة خاصة كنت اراها صفاة ممتازة قبل ان اعرف معنى تلك الصفات,

 

 

 

 

بقلم الفنان والناقد التشكيلي عبد القادر الخليل

الفنان التشكيلي صلاح الدين الخالدي

صلتي مع الفنان صلاح خالدي صلة طويلة وتأتي منذ 1969 حين كنا زملاء في أكاديمية فتحي محمد للفنون الجميلة. لقد شابت الأيام وهطلت أمطار كثيرة ولم تتشوه تلك الصداقة بأي فاعل من عوامل الزمن. لكن حديثي اليوم لايخص الصداقة المتينة بل إنما يعالج مظاهر الإبداع الفني ومسيرة فنان ماهر في مجمع تجاربه منذ آنذاك حتى يومنا هذا.

 

                                      

منذ ان إبتدأ في تآلفه مع الفن التشكيلي ظهرت على الفنان صفاة خاصة كنت اراها صفاة ممتازة قبل ان اعرف معنى تلك الصفات, الإصغاء للغير, التواضع, إنشغافه في العلم, وهذه كانت وسيلة جذب بها صداقة زملائه عامة. و بعد ان عرفت مناهج الفنانين الهامين في العالم, عرفت ان تلك الصفاة هي صفاة الإنسان الذي ولدته امه كي يكون فناناً, إنه عشق الفن منذ بداية العمر, وكان يسعى خلف التطور والتفوق العلمي بصورة عامة وفي الفن التشكيلي تحت مظلة الوطن.

لازلت اذكر نظرته الباحثة وكانها تفقد شيئا, وأذكره في المعارض التي هي لزملائه, نظرته للأعمال الفنية تلفت النظر لاي مشاهد وخاصة عند المهتم في الفن التشكيلي, وعلى وجهه تبدوا علامات الفن.
أنشغاف ريشته في آثار بلده هي إضائة هامة في نشر تاريخ البلد, والناطق الحسن عن محاسن الوطن وعن أصالة مدينتنا الحبيبة.

في مدخل مدينة بني الفيل في اسبانيا توجد لائحة عل واجهة البناء والتي تقول: هذه الجدران المرتفعة, وهذه الالحجارة الهامة, هي الشاهد العيان هي الشاهد الصامت هي التي تعرف اسرار الماضي وعراقة تاريخ هذه المدينة, ياليتها تنطق وتتكلم, هي التي تعرف الأسرار التي لا نعرفها. ياليتها تتكلم؟ هذه الجمل ذكرتني بقلاع وطني الحبيب, وذكرتني بآثار حلب مهد الحضارات, وذكرتني بأن تلك الآثار نطقت بفصاحة في لوحات زميلي الفنان صلاح الدين خالدي, هو الذي انطق الحجارة الصامتة, وأسمعنا منها همسات المشاة , وتحدثت له جدرانها عن جمال ماضيها, ونقلت ريشته الوفية مسرحيات واقعية عن ماض عريق.


في منتصف قرن العشرين أخذت المناظر التاريخية دوراً جديدا في بناء عالم اللوحة, والفنان دافيد غوثمان هو مثال صادق عن هذا الإتجاه, الأشكال والمناظر الكلاسيكية كان لها إحتفال هام والرومنسية ترعرعت أفكارها في عودة النظر الى القرون السابقة. لوحات الإتجاه التاريخي عرفت في الأحجام الكبيرة وبعناية الفنانين في دقة الأشياء. لكن الصفات التي تلاحظ ان تلك الأعمال لها طابع طبيعي جاء في تجديد المنظر, وله توجيه الحنين في إطار رومنسي, من أشهر الأكاديميين الذين عالجوا هذه المواضيع هو الفنان أنطونيو جيزبرت 1834-1901 – الفنان خوسه كاسادو 1832-1886 ومن الواجب ان لا ننسى فنان مدريد ادواردو روسالس 1836-1873 حيث كان فنان ماهر في اللون والدقة وفي تصميم نسيج اللوحة والذي اتى في تجديدات متفرقة ومتنوعة وعرفه التاريخ بأنه فنان المناظر التاريخية وأنه جسد عظمة الماضي ونقل المشاهد بان يعيش جمال الأيام السابقة.

اما الفنان ماريانو فورتوني زعيم قرن التاسع عشر في هذه المادة, عالج الأشياء بدقة لم تُعرف فيما سبق, وعالج الأشياء التي تصعب رؤيتها في عين المشاهد العابر. وفي هذا الإتجاه كان الفن الإنكليزي له ممثلين ماهرين وهم الذين جسدوا المناظر العمرانية على سداج بلاط الممالك.

مع هؤلاء العظماء من الفن العالمي اجد ان الفن السوري له مقعداً وفي هذا المقعد الواسع اجد مجلساً متصدر لما جاء به زميلي الفنان صلاح خالدي. اعماله الكثيرة هي التي حدثتنا بفصاحة عن تطورات الفنان وعن مراحلة التي مر بها. في لوحاته ومن خلال تجاربه اشاهد ان الفنان هو في حوار داخلي ومتواصل, احياناً ينسى ان أسلوبه يأتي في إستعمال الألوان الخاصة والتي نجد لها الدور الأساسي في تمثيل كل مسرحية لونية أنجزها الفنان, إن كانت من المناظر العمرانية المرتفعة, وإما إن نزلت الى مستوى الشارع القديم. وحتى حين تكون مناظر مأخوذة من داخل ابنية هامة. هذه الألوان هي التي اصبحت مقدمة واضحة وناطقة عن الفنان صلاح, الونه الزرقاء والبنفسجي والأصفر والخمري, جميعها الوان لها نسيج تركيبي منشق من الوان اخرى, هذه تشتهر بها منجزات الفنان و تتحدث عنه حتى منجزاته الأخرى في منابر الرومنسية والسيريالية.


قليلاً يستعمل الألوان الأساسية , وميوله الخاص في تجسيد الابنية القديمة وامامها افراد من المجتمع المعاصر هو خطاب ذو تفسيرين. ويقول بهم اجدادنا بنوا هذه الأبنية و هذا الوطن, وهذه أحفاد هؤلاء هم شباب اليوم وهم بناء الوطن, هذا فخرنا في الماضي وهذا المجتمع هو فخرنا في المستقبل. يعتني كثيراُ في تجسيد جمال المرأة بإسلوب مميز, وهنا يعانق الواقعية والرومنسية في نفس الزمن ويضعهم في إطار تعبيري. يشير في هذه التجسيدات الهامة الى دور المرأة وعن حقها الأول بان تكون ممثلة الدور الهام في هذه المسرحية, هذه الإشارة الهامة نجدها مراراً وبكثرة تذكرها ريشة الفنان صلاح . هذه الرموز التعبيرية هي افكار هامة تستحق المعالجة وتستحق ان تكون نزهة لكل متمتع.

قلت انني تعرفت على الفنان منذ بداية الطريق, ومضت عشراة السنين ولم تتغير اخلاقه الفضيلة, اكثر من اربعين سنة مضت ولم تنطفئ جهوده العلمية, وظمأه الأول. مازال مواظباً في البحث المتواصل وكأنه في بداية الطريق, وكأنه لم يجد الماء لإطفاء تلك الدوافع التي تبحث عن كل جديد. تمضي الأيام وصوته ماسمعناه مرتفعاً قط. ألفته مع أصدقائه ومع زملائه هي ألفة متجددة وكأنه في شبابة الأيام. رغبته في أخذ علوم الفن التشكيلي في الستينات تزهو في نفس الطاقة في هذا اليوم . اما التواضع فله مزار هام في أخلاق الفنان ولهذا جعله عظيماُ الى ابعد بعد في عيون زملائه. الفن التشكيلي في هذا البلد يحتاج بكثرة الى هذا التواضع, هذا التواضع يجب ان يلفت انظار كل فنان كي لا نفور ونخرج من الوعاء قبل ان تصل لنا السخونة.

نزهة واسعة بين أعمال الفنان صلاح هي افضل من أي حديث كان, وتعطي لكل مشاهد إحساسات خاصة. وإسلوبه مفهوم لدى مختلف طبقات المجتمع . لقد جاءت لغاة العالم كي تفهمها المجتماعات, ماهي خدمة اللغات التي لايعرفها اي مجتمع؟ ولا يعرفها حتى الأقلاء من البشر؟

ككل فنان عظيم له ألوان مفضلة, وككل فنان مشهور تمتعت عيناه في الوان خاصة, وهكذا حال الفنان الخالدي, ثلاثة ألوان نجدها تعانق العمود الفقري لكل لوحة من أعماله, لون الشجن والحنين يستعمله كي يعبر عن حنينه لايام مضت في رباع حلب, هذا اللون البارد يستعمله لإطفأء ماترك حريق العطش لكن يزيد الظمأ ظماً. وله من هذ اللون لونان آخرين. يستخدمهم في مراعيه الرومنسية.

الواقعية هي التي لها المفهوم الواضح في نظرة المشاهدين. لكن تعبيريته هي أهداف يشير اليها دائماُ وهي مفاهيم تعبيريةوموضوعيات يمزجها في تآالف لوني لايستطيع الإشارة اليها في حديثه المباشر لكن يدعها تنطق بفصاحة ضمن كل لوحة وأحياناً يتركها تنطق في خجل الرومانسة.

ثلاثة الوان تطورت في نسيج لوحاته المتزايدة. ثلاثة الوان لصنع الأبعاد وثلاثة الوان لصنع الهيكل ولصنع االظل والإضاءة. بينما نجد إضافة لهذه انه يستعمل الحبر الناشف في بعض أعماله, وخاصة لإظهار حجم الجارة وظلها الخفيف, هذا الإستعمال له حدين, صحيح إنه يقرب الأبعاد ويحددها في عين المشاهد لكن هذا إسائة للوحة بعد مرور الزمن. وخاصة بعد تفاعل الألوان وهدوئها الكيميائي, هناك تتغير الألوان ونسيجها يمتزج سوية بينما يبقى الحبر الناشف وكانه منبه يصرخ لوحده. وهنا يفقد تناسبه وتآلفه مع اللوحة.

الفنان صلاح وقف في ربوع حلب وجسد منها المناظر الجميلة, كما وقف شاعر اشبيليا التشكيلي الفنان فيلاثكيث وجسد فصاحة الأثار العربية في اشبيليا وفي مدريد. هكذا يمكنني ان أقول هناك تأثير في المغزى وفي الأشياء الهيكلية. حلب الشهباء هي معروفة منذ الزمن. لكن أصبحت تصل الى كل من لايعرفها وذلك لفضل نسيج ريشة الفنان صلاح . حلب الشامخة, حلب الجميلة. انشغف بها الفنان وإنشغفت ريشته, لكن لم يكون إنشغافه في حب الديار لاغير, بل وفي كل من سكن الديار من المجتمع الحلبي.

أما عن الإضاءة إنه يختلف عن إضاءة فيلاثكيث. فنان إشبيليا كان يستخدم الإضاء المباشرة بينما الفنان صلاح نراه استعمل الإضاءة المنعكسة المشتقة ويستخدم إضاءآت مكونة وطارئة من أشياء أخرى, التناسق الشكلي والمنظري تلفهم إضاءة غير ساطعة وحتي افراد لوحاته يعطيهم لمعة منحازة. هذه الأشكال التي لا ينساها اي مهتم ,هي جزء من اللوحة وهم التعبير الإجتماعي وهم هدف الحاضر والمستقبل. هم نسيج اللوحة في بعده اللوني والجمالي. هذه الإضائة الغير موجهة مع إضاءة يأخذها من أفراد لوحاته يجعلها إضاءة للأبعاد الخلفية, مع تناسق الألوان وإنعكاسها هي اسلوب يبحث عنه كل فنان ماهر. ايضاً فيلالثكيث فنان بلاط مدريد كان متاثر في الفنان الإيطالي كارفاجيو في شبابه. اشير لهذا لان كل فنان يجب ان يتأثر بزعماء الماضي ومشاعل الحاضر, من هنا اشير ان بعضاً من الفنانين المعاصرين في حلب اصبحوا متاثرين في منجزات الفنان صلاح الدين و هذا ملموس في بعض المعارض وهو شيء مثمر, لكن اتمنى بأن يتأثروا ايضا في تواضع الفنان صلاح خالدي, التأثير هو كتاب الحضارات وقراءتنا للكتب فقط تزيدنا تقدماً وترفع مستوانا الثقافي.

حين تجولنا بين منجزات الفنان صلاح, نشاهد أحيانا الإعادة في بعض الأشكال. هنا علي أن أشير أن لكل زمن طرق خاصة ,في عهد النهضة كان التعليم يخص الأشكال الإنسانية و الطبيعة كانت مناظر في الأبعاد الخلفيةوفي عصر الإضاءة في قرن الثامن عشر كان التعليم يخص الإنطباعية والواقعية اما في قرن العشرين تراكمت الطرقات المختلفة.والإتجاهات التشكيلية اصبحت كثيرة ولا يستطيع اي فنان ان يسير في جميع الطرقات, لهذا من السهل ان يعيد الفنان في رسم افراده, لأننا تعلمنا على رسم الأشياء الصامتة ولم نتعلم على رسم الأشكال المتحركة. هكذا قال ايضاٌ الفنان غويا, وإن نظرنا لمنجزات زعماء فن الإضاءة, نشاهد الإعادة لبعض أفرادهم. منهم كان رينوار, كلود مونيه وأيضاً ديغاس, هذه الإعادة ايضاٌ تكون مقصودة في بعض الأحيان. وكما تغنى روبنز في مناظر هولندا, وفان جوج في مناظر جنوب فرنسا وفيلاثكيث في مآذن إشبيليا وفي ربوع نهر الكبير نجد الفنان صلاح خالدي يتغنى ويغنينا جمالاً في معالجة مناظر حلب الداخلية. لكل فنان له ميوله وتآلفه الخاص في إختيار الأشاكال الفردية وفي أشكال الموبيليا التي تحيط في المنظر وحتى الطبيعة التي تتلائم مع ذوق كل فنان, الفنان صلاح الدين فنان ناضج ونضج في حلب. فنان يعشق مدينته, وفنان مخلص , وله القدره الفنية بان يختار اي هيكل كان, لكن الوانه في اي لوحة لو انها تنشق لكانت تحتوي وتحمل الكريات الوراثية التي تتمتع بها حلب. لوحاته حقول كثيرة من مناظر هذه المدينة , جسدتها ريشة الفنان الكبير والتي لها اهمية فنية تجاوزت ربوع الوطن.
الفنان والناقد التشكيلي عبد القادر الخليل