الفنان التشكيلي طاهر البني

بقلم الفنان والباحث الفني . عبد القادر الخليل
متابعة نوح حمامي عالم نوح

لم يكون سهلآ قط، الحديث عن الفن التشكيلي, فكيف حين نكون أمام فنان كبير ومن كبار الناقدين في حلب؟ إنسان يختص باتجاهات عديدة, ودراسات مختلفة ومنها المجال الذي يهمني وهو الفن التشكيلي, أجد الصعوبة في تقديم مقالة توازي ملامح الفنان طاهرالبني، فنان كبير، حضن الفن بكل أوصافه, اللوحة التشكيلية والنقد الفني أمران فيهما السهل والصعب أيضآ.
الأمر السهل هو حرية كل فرد بأن يعطي رأيه عن الفن, الأمر السهل هو أن كل متلقٍ يستطع أن يتغنى بجمال اللوحة, لكن الأمر الشديد أن أكون منصفا في حق الاستاذ طاهر في حديثي هذا. وأن يكون عملي موضوعي ومحايد.

أقف أمام لوحات الفنان طاهر وأول جاذبية تصادفني هي جاذبية الألوان اللذيذة المتألفة مع باقي الالوان وهذه تُعرف بقانون القيم. لم نجد لها من مترجمين إلا في مسيرة الفنانين الفرنسيين كوربيه و مانيه, هم من الأقلّاء الذين عرفوا قيمة اللون كي تصل اللوحة في نهاية المشوار الى محور النقاوة الرفيعة والحقيقة الصادقة وتحافظ على الأسلوب الفردي الذي يبقى في ذاكرة المتلقي .
الفنان طاهر البني يتمتع بشخصية تتمحور في طريقة تصنيف نظرته البصرية. تُظهر منجزاته أوصاف سحرية في تعظيم الإضاءة, ولهذا يستخدم ألوان ممتعة وتحتوي على مزايا المدارس التي كانت تشربت منها أفكاره. . الفنان طاهر بدأت مسيرته الفنية في اكاديمية فتحي محمد في عام 1967. وفي هذه المرحلة وصلت اليها معالم الفن العالمي على يد الفنانين الذين تخرجوا في الغرب والجنوب. وفي هذه السنين انتسب الى هذه الاكاديمية عدد كبير من طلاب حلب وهم من كبار فنانين سوريا في هذا اليوم. . فليس غريب ان يكون الفنان طاهر متأثرا بمعلمي الفن آنذاك وكانوا في ما بعد اصدقاء له. كما تاثر به زملائه في الدراسة فيما بعد أيضا.

الفنان التشكيلي طاهر البني يتمتع بثقافة هائلة. الثقافة البصرية من جهة، وثقافة المطالعة من جهة أخرى, هما أمران ذو أهمية عند الفنان المثمر. الفنان البني أجاد لغات تكتيكية مختلفة, أجاد لغته الخاصة ولغات الآخرين في جميع المدارس الفنية, لهذا نرى في تصميمه للوحة مقاطع مختلفة في آن واحد, وحين نتداخل في الترجمة نشاهد أنها شذرات من الواقعية, من الانطباعية, من الخيالية, من التعبيرية, ومن الرمزية. كما يُدخل فيها خيوط وخطوط الفوبية* والداية* في البعض منها. أيضا عاشت في مسامعه صدى أصوات الحركة التكعيبية وعزف منها في شذرات. ثقافة الفنان الواسعة والغنية جعلته ينتقل في التجارب المختلفة في كل لوحة وكأنه قبطان سفينة لها في كل ميناء حبيب.

تأملات وشرود

يرسم الوجوه بألوان مشتقة ويضع فاصل بين قسم وأخر في نفس الوجه, أسلوب ظهر في وجوه الفنان ماتيس, لكن الفنان الفرنسي كان يستخدم هذه الطريقة ليجعل من الأخضر الحد الفاصل والذي يجب استخدامه في كل لوحة, بينما لدى الفنان طاهر البني فالفاصل هو للمحافظة على التظليل وعلى الوجه الشرقي وجمال أوصافه. لم يترك للصدفة مجال في منجزاته بل أن الذي نراه هو من خلف دراسة عميقة, وهذا لم يسر عليه الآخرين مما ذكرناه. يختار في رؤيته مظاهر دافئة في البعد الاول والأشياء الباردة في الخلفيات وهو عكس مسيرة السابقين. هكذا يُوصل للبصر تداخل المسافة بين الأبعاد.

أمومة

في بناء لوحات الفنان طاهر يُلاحظ نوع من الإعادة في بعض منجزاته, إعادة في الوجوه, وإعادة في نفس الموضوع, فلماذ؟ لا نستطيع ان نحكم على هذه الميزات الا في القول, إنه يعيد تجسيد الوجوه التي لايريد أن ينساها, وهي وجوه شرقية,ومحلية, يُعطيها شكل دائري رمزأ للوطن, ورمزا لبنات الشرق,, ولربما هناك اشارة ضمنية تعود لأفراد لم ينساها في حياته ويحافظ عليها في كل لوحة. أيضا رأينا من هذا الإخلاص في منجزات الفنان رينوار. ونرى الفنان طاهر يحافظ على هذه الوجوه ضمن تغيير شفاف في مواضيع تاريخية.
الفنان طاهر البني فنان عرف عن الفن الغربي وعن الحركة الانطباعية وما بعد. تأثر بأشياء طفيفة لكن جعل من تصميمه دائرة حريصة وأخذ من التاريخ فصولا ومسرحيات لمنجزات هامة. يقف عند الوجوه بصورة مفردة لأنه يعرف قيمة النظرة وما تحكي كل نظرة. وجوه تحكي من خلال البصر, والمتلقي يجد أنها أفراد تُنعش البصر وتُلقي مزايا ريشة الفنان الحريصة على لغات الرموز والتعبير.

*أما عن خطوط الفوبية والدادية، فهما أسلوبين من أساليب الفن التشكيلي العالمي وظهرا في أواخر قرن التاسع عشر. الفوبية هي المدرسة الوحشية. وأَشير إلى استخدام بعض الألوان الأساسية أي قوة اللون. أما الدادية فهي نوع من الرسومات التي تحافظ على أحلام الطفولة.

بوح ونجوى

عبد القادر الخليل. فنان وناقد تشكيلي سوري