الفن بين الثورة و الالتزام للفنان محمود مكي
- نوفمبر 23, 2011
- 0
مقالة الفن بين الثورة و الالتزام للفنان والناقد محمود مكي: لم يكن الفن يوماً ضعيفاً ويقف أمام التحديات الصعبة مكتوف اليدين
الفن بين الثورة والالتزام
الفنان محمود مكي
يتعرض الفنان خلال فترات حياته إلى بعض المواقف الحساسة التي تقتضي منه أن يحدد مواقفه فيها ويكون معبراً عن تطلعاته الفنية لمبادئه الفلسفية التي توافق سلوكه الشخصي ونظرياته الفنية في الحياة, مثل هذه المواقف الحساسة نستطيع ان نفهم منها تلك العلاقات المتنوعة الكائنة بين الفنان وسلوكه في هذه الحياة ومواقفه مختلفة في إنتاجه الفني … كما تعبر, أيضاً, عن الشجاعة أمام تحديات الظروف والمتناقضات الاجتماعية والسياسية التي تعترض طريقه في حياته …
هذه المقدمة أسوقها بمناسبة قرأته عن بطولات أحد الفنانين الكبار الذين عاشوا في زم الشدة والحصار والقمع السياسي في الاتحاد السوفيتي السابق …
وهو النحات والرسام "ارنست نيزافيستي" الذي عاش بين مناخات التوتر السياسي والثقافي في الاتحاد السوفيتي وكان هذا الفنان من أحد أعضاء الفرقة الفدائية التي تطوع فيها وأسقطت وراء خطوط الألمان إبان الحرب العالمية الثانية لتقوم بعمل انتحاري لحماية بلده من المحتل الألماني, وقد نال على بطولته في تلك الفترة وسام النجم الأحمر, كل هذه الأحداث كانت تتماثل أمام عينيه وكأنها صورة الساعة التي يعيشها …..
في أحد أيام تشرين الأول عام/1962/ أقيم معرض أعدّة اتحاد الفنانين الروس في مدينة موسكو العاصمة وكان هدف المعرض إبراز الفنانين التجريبيين, وكان منهم الفنان النحات والرسام "نيزافستي" الذي رفض في بداية الأمر الاشتراك في هذا المعرض, ولكنه اضطر إلى المشاركة بهدف إقناع المسئولين الروس, وقد أثار هذا المعرض ضجة كبيرة بسبب تطلعات الفنانين نحو البحث الجديد عن الأساليب الفنية الحديثة التي لا توافق بعض النظريات السياسية الشيوعية في الاتحاد السوفيتي السابق, مما طلب من الفنانين أن ينقلوا أعمالهم إلى جوار الكرملين حتى يتسنى لرجال الحكومة وأعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي أن يناقشوا معهم القضايا التي تثيرها أعمالهم الحديثة في هذا المعرض …
عمل الفنانون في يومها على إعداد أعمالهم طوال الليل, وبدا لهم المبنى الموجودة فيه صالة المعرض قد أحيط بقوات الأمن في كل زاوية وركن, وقد تم فحص النوافذ والستائر في الصالة ثم جاء الافتتاح على يد (70) رجلاً؛ دخلوا القاعة وعلى رأسهم رئيس الوزراء " خروشوف", وقد سمع صراخه مرتفعاً وهو يندد ويتوعد الفنانين بقوله: "وساخة من المسئول عن هذا المعرض" تقدم نحوه رجلاً يرتعد خوفاً فلاحقه الصياح قائلا: " من أنت … من تكون؟! "فصاح أحد رجال الحكومة قائلا: ليس هذا الرجل الذي نريده, الزعيم الحقيقي هو هذا", وقد أشار إلى الفنان "نيزافيستي", ولكن " خروشوف" واصل الصياح بصوت عالي أكثر وفي تلك اللحظة الحاسمة فوجئ الجميع بصياح أعلى وأقوى يتوجه نحو "خروشوف" وبعزم وقوة وهو يقول له: اسمع يا هذا قد تكون أنت رئيساً للوزراء أو رئيساً لمجلس السوفيت الأعلى, أما هنا فأنت أمام أعمالي وأنا الزعيم هنا, ويجب عليك أن تناقشني كندّ لك, فلا تصرح أكثر …!!
وبدا للجميع أن رد "نيزافيستي" أكثر خطوة من غضب "خروشوف"…؟!!
أجابه احد الوزراء قائلاً بشدة: إنك تكلم رئيس الوزراء وسنرسلك إلى مناجم الأورال … وعلى الفور أمسك اثنان من رجال الأمن بذراعي الفنان "نيزافيستي" ولكنه رد الفنان الكبير عليه قائلا بدون أي تردد وخوف: إنك تكلم رجلاً قادراً على أن يضع نهاية لحياته في أي وقت يشاء ودون تردد لهذا لا يعني هذا الأمر شيئاً لي …
ولكن "خروشوف" أعجب به كثيراً لأنه وجد فيه القوة والشجاعة التي تبحث عن الحقيقة …
وقبل أن يغادر "خروشوف" القاعة استدار نحو الفنان الكبير " نيزافيستي" وهو يقول له: أنت نوع من الرجال الذين أحبهم لأنك مزيج من ملاك وشيطان إذا أنتصر الملاك فيك فنحن أصدقاء أما إذا أنتصر الشيطان فسأقضي عليك …
ترك "نيزافيستي" مبنى صالة المعرض وهو يتوقع القبض عليه عند زاوية الطريق …
لكن أحداً لم يفعل ذلك …. ومرت الأيام وأصبح الفنان الكبير "نيزافيستي" يقضي مع "خروشوف" نقاشات طويلة جداً …. لم يكن الفن يوماً ضعيفاً ويقف أمام التحديات الصعبة مكتوف اليدين, فكيف لا يكون الفنان شجاعاً وقوياً أمام تحديات الواقع طالما هدفه الأساسي البحث عن الحقيقة, والبحث عن الخلاص الذي يريده الملايين من البشر ….
لوحة الصفحة للفنانة آريا عطي