
الفينيقيون السوريون بقلم شادي نصير
- يناير 16, 2011
- 0
مقالة بقلم الصحفي شادي نصير عن الفينيقيين وحضارتهم وتجارتهم ودينهم ثم مداخلة من الكاتب طارق سلمان عن تأثيرهم في حياة سكان المغرب القدامى
الفينيقيون السوريون
بقلم الصحفي شادي نصير
إن تاريخ الشعوب التي تقطن الأراضي السورية، وخصوصاً الساحل، هو تاريخ الحضارة والتمدن البشري على هذا الكوكب، ومما لا مجال للشك فيه بأن إنساننا في الساحل السوري بدءاً من مدينة "أوغاريت" مروراً "بصور" وليس انتهاء "بقرطاجنة" وغيرها من المدن التي أسسها الفينيقيون وأرسوا فيها دعائم المدنية من أبنية وآثار وغيرها من الأمور التي كانت مذهلة في ذلك العصر، فالفينيقي إنسان حذقٌ تواقٌ إلى المعرفة والبحث الجاد عن كل ما يوسع أفاق نهضته المتمثلة في مناحي الحياة عامة، فمن اكتشافهم طرق الإبحار عبر البحار الغامضة إلى اكتشافٍ للقارات (قارة أمريكا) ودورانهم حول أفريقيا (رأس الرجاء الصالح) والعصية على تقنيات تلك الحقبة البعيدة من تاريخ الإنسانية إلا دليل على العبقرية الفذة التي كان يتمتع بها، وعلى الرغم من ضآلة المتوفر من إثباتات عن تلك الحضارات لا يوجد أي شيء يقلل من همتنا في البحث وخصوصاً أن ما وصلنا عنهم مثير جداً.
والفينيقيون الذين مخرت سفنهم عباب البحار كلها، هؤلاء الذين لم يكد يخلو ثغر من تجارهم يساومون فيه ويبيعون ويشترون، وعلى الرغم من عدم معرفة تاريخهم بشكل دقيق لا التاريخ المبكر ولا المتأخر لهم، فقد أنكر البعض أنهم من الشعوب (السامية) حيث يرى (أوتران) بأنهم فرع من الأقوام الذين أنشأوا الحضارة الكريتية، ولكن علماء صور قالوا (لهيرودوت)، بأن أجدادهم قدموا إلى بلدهم هذا من شواطئ الخليج الفارسي (الخليج العربي)، وأنهم أشادوا تلك المدينة في العهد الذي نسميه نحن القرن الثامن والعشرون قبل ميلاد السيد المسيح.(1)
ومنذ الألف الرابع عشر قبل الميلاد التي كان معها بداية عصرنا الدافئ الحالي والذي يستمر عشرات الآلاف من السنين، في تلك الحقبة كانت كتل الجليد بسماكة مئات الأمتار، وتغطي مساحات شاسعة من الشمال وحتى الخط الذي يمر في وسط فرنسا، أي أن الحزام المفعم بالحياة وبشروط تطور الإنسان والحضارة هو الممتد من جزيرة العرب وعبر ضفتي المتوسط الشمالية والجنوبية وكان إلى الشرق من شبه جزيرة العرب ما يسمى جنة العرب الأولى قبل أن تغمرها مياه البحر وتشكل ما يعرف اليوم بالخليج العربي، حيث تجري فيها أنهار دجلة والفرات وبيشيه لتصب جميعاً في بحر العرب، ونتيجة لإنخفاض مستوى مياه البحر خلال العصر الجليدي الأخير إلى حوالي(110) أمتار عما هو عليه اليوم، فقد كان الخليج أرضاً يابسة تتكون من منخفض واعتباراً من أواخر العصر الجليدي الرابع ((الأخير)) أي منذ (14000) سنة قبل الميلاد أخذت مياه البحر بالإرتفاع بفعل المناخ الدافئ خلال العصر الهولوسين((الدفيء)) (2)
وفي الترجمة التي وصلتنا عن تاريخ سانخونياتن إنه من بين الآباء المتميزين اسم قناء (Chna)، الذي كان أول من سمى نفسه بـ "الفينيقي" وهو أخو أوزيريس، أي إن زمنه وبالتالي زمن هذه التسمية يعود إلى نهاية الألف الرابع قبل الميلاد.(3)
وقد يكون معنى لفظ (الفوانكس) الذي اشتق منه اليونان هذا الاسم هو الصبغة الحمراء التي كان يبيعها تجار صور، وقد يكون معناه النخلة التي تترعرع على الشواطئ الفينيقية وكان ذلك الشاطئ، وهو شريط ضيق من الأرض يبلغ طوله(100) ميل ولا يزيد عرضه على عشرة أميال محصور بين البحر من جهة وسوريا من جهة أخرى وكان هو كل ما يطلق عليه اسم بلاد فينيقية.(1)
ويقول "بونفانت":(Bonfante) لقد اشتق اسم فينيق من اليونانية (Phoinix) أي أحمر أرجواني، ليشير إلى صناعة الأرجوان التي اشتهر بها الفينيقيون وبعد أن أطلق اليونان هذا الأسم على الكنعانيين الذين تاجروا معهم فإن كلمة فينيق أصبحت حوالي (1200) ق.م مرادفة لكنعان.(3)
وقد سمى الأغريق تلك الفئة من السكان الذين كانوا يتعاملون معهم تجارياً بـ "فينيكس" أي الأرجوانيين الحمر، وذلك نسبة للون النسيج الذي كان الفينيقيون يبيعونه أو قايضونهم عليه. ومعظم أولئك التجار كانوا من البلاد التي نسميها اليوم بالشاطئ اللبناني، ولا بد أن يكون أجداد الكنعانيين القدماء قد احتلوا المنطقة بأسرها منذ مطلع الألف الثالث قبل الميلاد(4)
أما التسمية في مصدرها بالنسبة لمدونات العرب السوريون فهي عربية قديمة وحديثة وهي في القاموس السرياني أو الفينيقي من الفعل "فنق" ويعني ترفه، تنعم، ساد. وفي "محيط المحيط" نجد: فنق، تنعم، ترفه، وعيش مفانق عيش راغد، والجواري الفنق الناعمات.(3)
ولقد إنداح الفينيقيون غرباً مع باقي الأموريون عبر شطآن المتوسط وصولاً إلى شواطئ الأمريكية، فسمي البحر المتوسط باسمهم (بحر آمورو) وسميت أوروبا باسم الأميرة الفينيقية بنت ملك صور أما (ليبيا) الاسم الذي كان يطلق على أفريقيا فهو اسم أمها أو جدتها لأبيها.(2)
ولم ير أهله أن استيطان جبال لبنان القائمة في شرق بلادهم أو إخضاع هذا الإقليم لحكمهم عملاً خليقاً باهتمامهم، بل كانوا يقنعون بأن يظل هذا الحاجز المبارك قائماً شرق بلدهم يحميهم من الأمم ذات النزعة الحربية التي كانوا يحملون بضائعها إلى خلجان البحار. وقد اضطرتهم هذه الجبال العالية إلى العيش على ظهر البحار، وظلوا من عهد الأسرة السادسة المصرية إلى ما بعد أنشط تجار العالم القديم؛ وبتحررهم من حكم مصر(حوالي 1200)ق.م أضحوا سادة البحر المتوسط، ولم يكتفوا فقط بنقل التجارة، بل كانت لهم مصنوعاتهم الخاصة من زجاج ومعادن، ومزهريات منقوشة ومطلية، والأسلحة والحلىّ والجواهر وقد اشتهرت نساء صور الفينيقيات باستخدام الألوان الزاهية الجميلة التي كن يصبغن بها ما برعن في تطريزه من الأقمشة حيث احتكروا لأنفسهم صُنع الصبغة الأرجوانية التي استخرجوا مادتها من حيوان بحري رخوي يكثر بالقرب من شواطئهم وكانوا ينقلون هذه المصنوعات والفائض الذي يمكن نقله من غلات الهند والشرق الأقصى من حبوب وخمور ومنسوجات وحجارة كريمة إلى موانئ البحر المتوسط قريبة كانت منها أم بعيدة عنهم(1)
وكانت سفنهم تعود من هذه الموانئ مثقلة بالرصاص، والذهب، والحديد من شواطئ البحر الأسود الجنوبية؛ وبالنحاس والخشب (خشب السرو) والغلال من قبرص وبالعاج من أفريقيا والفضة من أسبانيا؛ والقصدير من بريطانيا.
أما بالنسبة لسفنهم فكانت منخفضة وضيقة يبلغ طولها حوالي(7) قدماً وهي طراز جديد في بناء السفن؛ ذلك أنهم لم يحتذوا فيها حذو السفن المصرية المنحنى مقدمتها إلى الداخل، بل جعلوه ينحني إلى خارجها وينتهي بطرف رفيع يشق الريح أو الماء أو مراكب الأعداء.
وللسفينة شراع واحد كبير مستطيل الشكل مرفوع على سارية مثبتة في قاعها، وهذا الشراع يساعد العبيد الذين كانوا يدفعونها بصفين من المجاذيف، وهذه السفن ضعيفة لأنها لاتسترشد ببيت الإبرة ولا يزيد غاطسها في الماء على خمس أقدام. ومن أجل ذلك كانت تخشى أن تبتعد عن شاطئ البحر، وظلت زماناً طويلاً لا تجرؤ على السفر ليلاً(1)
حيث كانوا يسيرون حذاء الساحل خوف الضلال في البحر فإذا جن الظلام رسوا على أقرب بلدة، ولذلك أسسوا الكثير من المدن على السواحل.(6)
ثم ارتقى فن الملاحة شيئاً فشيئاً حتى استطاع أدلاء السفائن الفينيقية أن يسترشدوا بالنجم القطبي (أو النجم الفينيقي كما كان يسميه اليونان) ويتوغلون في المحيطات، ويطوفون آخر الأمر حول أفريقيا، فساروا أولاً إزاء الساحل الشرقي متجهين نحو الجنوب(1)
و((اكتشفوا)) رأس الرجاء الصالح قبل أن يكتشفه (فاسكو دا جاما) بنحو ألفي عام، وفي ذلك الوقت يقول ((هيرودوت)):(( ولما أقبل الخريف، نزلوا إلى البحر، ووزعوا الأرض، وانتظروا الحصاد، فلما أن حصدوا السحب، أقلعوا بسفائنهم مرة أخرى. ولما أن مرّت عليهم في عملهم هذا سنتان وصلوا في السنة الثالثة إلى مصر بعد أن طافوا بأعمدة هرقول "جبل طارق" .
وأقاموا حاميات لهم في نقط معينة على ساحل البحر المتوسط ما زالت تكبر حتى أضحت مستعمرات أو مدناً غاصة بالسكان، أقاموها في قادز وقرطاجنة، ومرسيلية، ومالطة، وصقلية، وسردينية، وقورسقة (كورسيكا) بل وفي إنجلترا البعيدة. واحتلوا كل من قبرص وميلوس ورودس ونقلوا الفنون من مصر وكريت والشرق الأدنى ونشروها في اليونان وفي أفريقيا وايطاليا واسبانيا وربطوا الشرق بالغرب بشبكة من الروابط التجارية والثقافية، وشرعوا ينتشلون أوربا من براثن الهمجية.(1)
لقد كان الفينيقيون يبنون ويؤسسون أينما ذهبوا. وأدخلوا النشاط في عالم كان يبدو فيه الجمود، ووسعوا آفاقه المعرفية والتطبيقية. واشتهر عنهم بناء المحطات أو "العساقل" في رحلاتهم البحرية الطويلة على طول الشواطئ، ثم تطورت تلك المراكز إلى مراكز تجارية يتبادلون فيها بضاعتهم بالذهب والفضة من السكان المحليين ثم إلى مراكز سكنية تعج بالحياة، وكان الفينيقيون وحدهم في العصور الأولى يقومون بتجارة القصدير والرصاص ويضيف "سترابو" بأن السفن الرومانية مرة تعقبت سفينة فينيقية لكي تجد هي أيضاً تلك الأسواق ولكن قائد السفينة الفينيقية قذف بسفيته عمداً إلى اليابسة وقبض من دولته ثمن المحمول الذي فقده وهذا يشير إلى احتكار حقيقي لتجارة (القصدير) وإلى نوع من الضمان من قبل الدولة حيث تم اكتشاف كتابات فينيقية في الجزر البريطانية.
وفي اسبانيا تقع معظم المستعمرات الفينيقية في ترشيش (Tartessus) وخاصة في المنطقة بين قرطاجنة وقادش. وكانت للفينيقيين مراكز في جزر الباليار، وكانت لهم أيضاً مراكز في كورسيكا وسردينيا، ومدينة بالميرو في صقلية مبنية على موقع فينيقي قديم ويرى بعض المؤرخين أن نزول الفينيقيين في جزيرة سردينيا يعود إلى حوالي نهاية الألف الثاني قبل الميلاد، ثم إن جميع البقايا الأثرية في القسم الغربي من جزيرة صقلية ذات طابع فينيقي، وكان السوريون الفينيقيون لا يبارون في صنع المعادن في عصر البرونز المتوسط والأخير(2100 ـ 1200) ق.م فقد كانوا يصنعون النحاس والبرونز بكثرة، حيث أظهر التحليل الكيميائي لنصل الفأس الذي اكتشف في أوغاريت (رأس شمرا) ليس معرفتهم في إذابة الحديد بل معرفتهم أيضاً في مزجه بالمعادن الأخرى لصنع مزيج الفولاذ. وتشيد أشعار هوميروس بصناعة المعدن وبالفنون الفينيقية.
ولا بد من الإشارة إلى أن تفوق الفينيقيين لم يكن في البحر فقط بل في البر حيث أنهم جابوا البراري بقوافلهم فوصلوا بلاد العرب (الجزيرة) والعراق والهند وآسيا الصغرى والحبشة. وكانت قوافلهم تعود محملة بالبضائع النفيسة كالطيوب والبهارات والعاج والطيور الزاهية.(6)
فقد كانوا أول من زرع الأرض وأقام المدن واستخدم المعادن وأوجد فن البستنة وأسس علم الزراعة والفلك والجغرافيا والحساب والطب والنحت ونشير هنا إلى نصوص تقارير رحلتي حنون وخملكان الفينيقيين من قرطاجة وقد ترجم التقريران من الفينيقية إلى اليونانية ثم إلى لغات العالم الأخرى.
وكانت بعل وعناة ـ عشتار تمثل كمسرحية على الساحل السوري قبل أن يفكر اليونان بالمسرحية بعدة قرون وهكذا فإن الفينيقيين لم يكونوا إلا جزءاً من العرب السوريين الذين سكنوا قطعة من الساحل السوري بين ظهراني السوريين تمتد من جنوب صور إلى غرب أنطاكيا، وقد سموا بهذا الاسم نسبة إلى أحد أبائهم فينيق أخو أوزيريس ثم إلى شقيق أوربا.
الديانة عند الفينيقيين:
وتعد مقاطع كتاب فيلون الجبيلي (نهاية القرن الأول ـ النصف الأول من القرن الثاني للميلاد) عن الفينيقيين أهم مصدر في تاريخ الديانة الفينيقية إلى جانب النقوش المكتوبة والإشارات التي نصادفها في مؤلفات العالم اليوناني ـ الروماني القديم. ولقد وصلتنا هذه المقاطع في مؤلف يفسيفي القيساري الذي وضعه عن الفينيقيين (Praeparatio evangelica). لكن يفسيفي هذا يقتبس مقاطع عن فيلون محاولاً أن يبين للقارئ خسة الوثنية وإلحادها. ولم يكن هذا بالعمل الشاق على يفسيفي لأن فيلون نفسه يعالج الدين ـ وخاصة الديانة الفينيقية ـ من مواقع الإيفرغيرميرية؛ حيث يرى في الآلهة مجرد أشخاص وأبطال متميزين (Eisseefeldt,1952a,p.,48-50). غير أننا لو أهملنا نوايا يفسيفي و رؤى فيلون نفسه يبقى أن كتاب هذا الأخير هو بالتأكيد محاولة لصياغة الرؤى الدينية لدى الفينيقيين وفق نظام معين وتقديمها للقارئ كتقاليد مثيولوجية واحدة متكاملة.
لكن فيلون نفسه عاد إلى سابقيه الذين انتشرت مؤلفاتهم في المجتمعات الفينيقية، تلك المؤلفات التي عرضت التقاليد الدينية الفينيقية. فيعتمد مثلاً على مؤلفات سانخونياتون البيروتي الذي تعاد مؤلفاته إلى عصر ما قبل حرب طروادة غير أن التقليد نفسه الذي يعيد مؤلفات سانخونياتن إلى ذلك العهد العهيد يجعله معاصراً لملك بيروت ابيلبال ولكاهن الإله ايفو(levo‘) المدعو يرومبال ؛ فعن هذا الأخير أخذ سنخونياتون الأسطورة ولا ريب انه من الصعب القول إن هذه التفصيلات قد صيغت خصيصاً لهذه الحال فهي تدل على أن سانخونياتون نفسه ومؤَلَفه كانا واقعاً تاريخياً محصوراً في الزمن وبما أننا لم نقع حتى الآن على مطابق لابيلبال تبقى مسألة تأريخه إذاً مسألة مفتوحة. ولقد قام سانخونياتون بدوره، حسب فيلون، بكتابة كتب نسبت إلى تآفتو وهو الإله الذي اخترع الكتابة وهو على الأرجح المؤلف الأسطوري للكتب المقدسة المحلية ورسائل الأموريين (Ammovneon erammasi) التي وجدت في مخابئ المعابد والتي لم يتسن للكل فهمها (مايشبه الهيروغليفية الجُبيلية ؟). يتضح من هذه المواد أنه قام في بيروت تقليد معبدي محلي مكتوب وأنه نُسب على ـ جزء منه في أقل تقدير ـ الكلمة الإلهية مباشرة وكتب بلغة خاصة ( قديمة جداً ولم تعد تستخدم؟) مما جعله بعيد المنال بالنسبة لغير المتعلمين.
ويبدو أن شيئاً مماثلاً كان موجوداً، على الأغلب، في المدن الفينيقية الأخرى. فقد أكد هيرودوت الذي زار مدينة صور إبان تجواله في الشرق انه علم من كهنة المعبد المحلي ميلكارت أن المدينة والمعبد بنى كلاهما منذ 2300 عام قبل الميلاد ويبدو أن هيرودوت استند إلى روايات أهل صور في تحديث تاريخ نشوء الفينيقيين أيضاً وكما يبدو فان يوسف فلافي قد استند هو الآخر إلى مواد ميناندر ايفيسي وديا (العصر الهلنستي) اللذان أخذاهما من أسفار صور أيضاً(تورايف،1930). فعن استخدام أسفار الملوك في جبيل تدل بوضوح تام الرواية المصرية عن إبحار أون آمون إلى جبيل فقد توجه إليه ملك جبيل ذكر بعلو طالباً منه معلومات عن علاقات أجداده بمصر. لكن مع وجود مثل هذه الكتابات كان من الصعب أن ينعدم وجود غيرها: تلك التي سجلت التقاليد الدينية.
لقد كان الإله ميلكارت هو الإله الحامي لمجتمع صور(((ملك المدينة))) وقد طابقه اليونانيون مع الإله هرقل. ففي الوثنية المكتوبة باليونانية والفينيقية يظهر ميلكارت ـ هرقل حامياً لبحارة المستعمرين. لكن مقارنة ميلكارت بهرقل تفترض وجود روايات عن بطولات اجترحها الأول تشبه البطولات التي اجترحها الثاني. وتمثل أهمية خاصة في هذا السياق الملاحظات التي سجلها يو. ب .تسيركين الذي ابتعد عن وصف رسومات بوابات معبد ميلكارت في غادس التي نقلتها لنا ملحمة سيليا ايتاليكا وأعاد ترميم محتوى روايات بطولات ميلكارت. يرى تسيركين أن اليونان والرومان رأوا في صراع هرقل ضد الهيدرا الليرنية (وهي أفعى أسطورية مخيفة ذات رؤوس عدة كلما قطع واحد منها ظهر مكانه آخر وكانت تعيش في مستنقع ليرنيه في مدينة ارغوليد في اليونان) صراع ميلكارت نفسه ضد الأفعى. وصراع هرقل ضد الأسد له ما يقابله في الأختام الملكية الأوغاريتية التي تحمل رسم رجل يقاتل أسداً.وكان ميلكارت في مثيولوجيا صور إلهاً يموت ثم يبعث من جديد حيث عُدُّ موته وبعثه اكتساباً للشباب من جديد). وتروي الأسطورة عن ولادة ميلكارت أن مرضعته كانت أنثى الإيل. ويروي يفدوكس كنيدسي (نقل الرواية عنه اثيني)((يقدم الفينيقيون طيور السّمان ضحايا لهرقل لأن هرقل هو ابن استيريا وزفس الذي جاء إلى ليبيا(وهو الاسم الذي أطلقه قدماء اليونان على منطقة شمال إفريقيا المطلة على المتوسط) وقتل طيفون وعندما جاءه يولادي بالسّمان واستطاع أن يشتمّ رائحتها عادت إليه الحياة من جديد)).
إذا أمعنّا النظر في هذه الأسطورة لإتضح لنا التشابه القائم بينها وبين الأسطورة الأوغاريتية عن صراع بعلو ويمّو؛ وبينها وبين المصرية عن صراع سيت والبحر. من ناحية أخرى ليس خافياً هو الآخر الاختلاف القائم في موضوعات روايات ميلكارت وبعلو. ولا ريب أن ما نراه هو نماذج مختلفة متفرقة للأسطورة نفسها. لقد لفت إ. ليفي الانتباه إلى طقس تطهير نبع رأس العين في صور مع بداية شهر تشرين الأول من كل عام: ينقل الموكب الاحتفالي إلى النبع خمسة دوارق أو ستة منها من مياه البحر وبعد صب هذه الدوارق في مياه النبع عُدّت مياهه مطهّرة. واستمرت هذه العادة حتى القرن التاسع عشر على أقل تقدير ولم يكن المشاركون في إقامة هذا الطقس يعرفون شيئاً عنه بينما رأى الباحثون فيه راسباً من رواسب ألادونيا القديمة. لكننا نرى من الأصح أن نعيد أصول هذا الطقس إلى الأسطورة الصورية عن ميلكارت.
وثمة اعتقاد بأن غادس وصور كانتا تحتفلان سنوياً بعيد موت ميلكارت وقيامته وذلك بحرق رسومه ودفنها ثم قيامته وزواجه المقدس من استرا ونشير في هذا السياق إلى وجود شعيرة استيقاظ ميلكارت الدوري في صور.
غني عن القول أن لائحة الآلهة التي بجّلها أهل صور لم تقتصر على ما ذكرناه منها. ففي اتفاق التحالف الذي عقد بين بعل ملك صور والملك الآشوري سرحدون(في العام 575 ق.م) ذكر عدد آخر من الآلهة أيضاً: بيت إيل، عنات بيت إيل، بعل شاميم(سيّد السماء)، بعل مالاكي ، بعل سابون، بعلقارت، اشمون وعشترتا، أما أهل جبيل فقد اتصفوا بتبجيلهم((اجتماع آلهة جبيل المقدس)) وكذلك إيل، (( السّيدة، سيدة جبيل)) و أدونيس . ويبدو أن اجتماع الآلهة المقدسة مماثل لمثيله مجمع آلهة أوغاريت فإيل وسيدة جبيل نصادفهما في نقوش مكتوبة ضمن سياق لا يسمح لنا بالخلوص إلى أية استنتاجات حول دورهما ووظيفتهما زد على ذلك أن إيل كان رئيس جماعة من الآلهة، أما سيدة جبيل فكانت حامية المدينة والملك ويبدو أنه تجب مقارنتها مع بالْتي التي ذكرتها المصادر السورية المتأخرة والتي كانت عشيقة تموز ـ ادونيس وهذه دمجت بدورها مع عشترتا. ويذكر عبادة عشترتا في جبيل مؤلف رسالة((عن الإلهة السورية))ويذكرها بلوتارخ أيضاً ويعطي هذان المؤرخان أساساً لدمج سيدة جبيل وعشترتا. أما اسم أدونيس فيعني السيّد وهو يعطي الكلمة الفينيقية أي السيّد وتعد هذه الكلمة الأخيرة استعارة للدلالة على الله تستبدل اسمه بالذات، ومن المعروف أن أحد معاني كلمة (Adonis) التي اقترحها غيسخي في القرن السادس للميلاد هو ((سيد)) وعند الفينيقيين اسم بول أيضاً)) هذا الرأي الأخير يدعونا للاعتقاد بأن عبادة أدونيس تتشابه من حيث سماتها الرئيسية مع عبادة الإله بول بل في تدمر الذي يرجع بدوره إلى تبجيل الإله السامي الغربي المشترك القديم بعل (الاوغاريتي بعلو) لقد قدمت القرابين لأدونيس في الحدائق ويتحدث أشعيا بدوره عن الحدائق كمكان لتقديم فروض العبادة للآلهة غير أن النصوص الفينيقية لا تستخدم اسم أدونيس قط. أما ما توارد إلينا من أخبار عن تبجيل أدونيس فيعود إلى المصادر الهلنستية الرومانية ومؤلفات كتّاب الكنيسة السوريين الذين عاشوا في العصور الوسطى. ولا تتوفر لنا حتى الآن المصادر الفينيقية الضرورية لمقارنتها. لكنها تبين مع ذلك مدينة جبيل عُدت مكرّسة لأدونيس. ففي معبد جبيل المكرّس لعشترتا (أفروديت) كانت تقام احتفالات على شرفة وفي غضون ذلك كانوا يبكون الإله الميت ثم يقيمون الاحتفالات ابتهاجاً بقيامته وكانت ممارسة البغاء المقدس أحد أشكال هذا الابتهاج.
وتتسم الديانة الفينيقية ومثلها في هذا ديانات آسية الأمامية المطلة على المتوسط كافة، بتبجيل (سادة، سيدات): الآلهة حماة الأماكن والأنهار وهلم جرا. أما بعل وعشترتا فيمثلان في جبيل الديانة الكنعانية، الوثنية.
ومن المحتمل أن تكون الأساطير التي استخدمها سترابون والتي تحصر صراع زفس (بعل) مع الأفعى طيفون (يمّو) ذات الخمسين رأساً في سورية بين الآراميين ومن المحتمل أنها ترجع إلى الميثيولوجيا الفينيقية.ونشير أيضاً ؟على عبادة أخرى انتشرت في الأوساط الفينيقية هي عبادة الإله سيد وتستحق الاهتمام أيضاً شخصية بعل سيميد وقد قارن فيلون الجبيلي في مؤلفه بين الإلهة الفينيقية وما يقابلها عند الإغريق لكن هذا النظام عكس التركيبات السببية المتأخرة إلى جانب الميثيولوجيا الفينيقية الأصلية: وهذه هي شخصيات الأجداد الأوائل لبروتوغون هين وهينيا مكتشفو النار المضيئة وبئر (النار) وملوك(الشعلة)؛ ومخترعوا الصيد وصيد السمك اغريي(الصياد) وخالي (صياد السمك) وتخنيت(الحرفي)وافتوختون(الساكن الأصلي للأرض).
هذه ((الأسماء)) تعني أن مثل هذه الدراسة العلمية لهذه الأساطير يمكن أن تكون تركيباً متأخراً وتعد شخصية الإله ايونا قريبة من حيث منشؤها إلى الأصل الفينيقي وقد عكست هذه الشخصية تبجيل (( خلود الكون)) وهنا تتضح شخصية بعل شاميم، سيد السماء الذي يدمج مع زفس: يظهر أخيراً أنه هو نفسه اله الشمس.
ثم يدفع إلى الواجهة بشخصية الصانع؛ مؤسس صور الذي يسميه بالفينيقية واليونانية((العليّ السماوي))(samemroumosos kai gpsouranios) أما أخوه الذي يذكر هنا، عدو اوسا، سمي اوسا(القسم القاري من صور) فيصور صياداً اخترع الملابس من جلود الحيوانات المتوحشة ونرى انه خلف هذا تقف رواية صراع ساكني القسم الجزيري والقسم القاري من صور.
يلعب ذكر الإله ريمون في جبيل دوراً جوهرياً في تقويم ((العليّ السماوي)) فإلى الميثيولوجيا الفينيقية القديمة بما فيها ميثيولوجيا صور يعود تبجيل اله الحرفة والسحر خوسور (Hovsor) الذي يدمج بالأوغاريتي كوثر وخسيس ويدمجه فيلون الجبيلي بالإله اليوناني غيفيسيت. وفي العصر الهلنستي يبجل خوسور تحت اسم زفس الميليخي (Dia Meilikhion) أي زفس الكادح.
وعندما يضم الإلهين أغر و اغروير إلى سلالة خلفاء (العليّ السماوي فإنه يوحّد بذلك الميثيولوجيا الجبيلية مع الصورية.
فاغروت بجلوه على شكل تمثال خشبي صغير وضعوه في معبد متحرك تجره البغال في أراضي فينيقية كلها وقد سماه أهل جبيل الإله المعظم أما عبادة الإلهين ميسور ((وصديق)) فقد ظهرت في التربة الفينيقية في وقت متأخر نسبياً: الأسم الأول يعني((العادل)) لكن فيلون يترجمه إلى ((الرحيم)) وهذا ما يؤدي إلى خلافات حول السمات التي يتمتع بها هذا الإله. ويعني الاسم الثاني ((الصالح)) وهكذا يفسره فيلون أيضاً.
وهكذا نرى أن التطور الديني جرى في فينيقا وفي سوريا نفسها ضمن إطار الرؤى السياسية وعندما غدت الظروف ملائمة في سوريا وفينيقية لظهور الوحدانية الالهية لم تظهر هذه الأخيرة من الديانة المحلية بل اقتبست من الخارج.
ونجد أنه لابد من الحديث عن قصة أسطورة أوربا التي تلقي الضوء على تسمية بعض سكان سوريا المتوسطية (5)
أسطورة أوربا.
تقول القصة ـ الأسطورة إنه في إحدى ليالي الربيع المقمرة، والأرض موشاة بأجمل الزهور يفوح عبيرها في أجواء سوريا الساحرة، كانت الأميرة السورية أوروبا بنت أجينور ملك صور ترقد في سريرها، لكن كابوساً أزعجها وأقلق نومها، إنها لم تحلم باله أحبها، بل بامرأتين (قارتين) تتنازعان ملكيتها. رأت القارتين في هيئة امرأتين: أسيا، تقول" إني أملكها لأني أنا ولدتها" والأخرى تقول ـ ولا نعرف اسمها ـ إنها ستملكها لأن الرب زيوس سيهبها لها، وقد وعدها بذلك.
أفاقت الصبية الأميرة باكراً مع الفجر، وكثيراً ما حققت الآلهة أحلام الفجر. نادت صديقاتها ولداتها من الأميرات النبيلات، وخرجت الصبايا في نزهة بين المروج ليس بعيداً عن شاطئ البحر، وبقرب مصب أحد الأنهار كانت كل صبية منهن تحمل سلة لتجمع فيها الأزهار. وكانت سلة "أوروبا" من قصب الذهب تزخرفها النقوش والصور مصورة لمشاهد من حياة الآلهة منها صورة الربة "ايو" وقد مسختها غيرة "هيرا" إلى بقرة. ويقترب منها زيوس، ويمد يده المقدسة ليعيدها امرأة كأجمل ما تكون النساء. وكم كانت جميلة سلة أوروبا الذهبية. ولم يكن أجمل منها إلا تلك الأزهار التي ملأتها وفاح عبيرها: كان النرجس والخزامى والبنفسج وزهور البرية الحمراء. كانت الصبايا ينتقلن كالنحل من زهرة يملأن السلال وكل واحدة منهن آية بين البنات، لكن أجملهن جميعاً كانت أوروبا وكأنها عشتار في فتنتها.
وفي الأعالي كان زيوس يستلقي متكاسلاً يرقب ما يجري على الأرض. وما أن رأى في الصبايا على المرجة، ولمح فتنة أوروبا، حتى لعبت أفروديت وايروس لعبتهما، وأطلقا سهماً في قلب زيوس فألهباه بحب أوروبا، وكأن هيرا كانت في غفلة عما يفعل زوجها. إنها الربة الزوجة الغيور التي كان من ضحاياها الكثيرات ممن أحبهن زيوس.
بسرعة تقمص زيوس شكل ثور قبل أن يظهر نفسه لأوروبا. لقد كان الثور الإلهي أجمل من أي ثور، كستنائي اللون، تحيط بقرونه دوائر فضية كالهلال في مطلع الشهر كما بدا لطيفاً وديعاً، فما تخشاه الصبايا، بل تجمعن حوله يداعبنه، ويتشممن منه العطر السماوي الازكي من عطر الزهور.
اقتربت منه أوروبا، وما أن لمسته حتى أعطى خوارا موسيقياً أجمل من عزف قيثار، وانحنى أمامها، فاعتلت ظهره العريض. نادت رفيقاتها، لكن الثور نهض فجأة، وقفز بها نحو البحر، ثم أخذ يركض فوق الماء والموج ينخفض أمامه. وكان البحر قد أصبح سهلاً، وخرجت من الأعماق جماعة من آلهة البحر نركب الدلافين وتصوت بالأبواق يقودهم بوزيدون نفسه وهو إله البحر وشقيق زيوس.
خافت أوروبا من المخلوقات البحرية العجيبة، ومن عمق المياه تحتها فتشبثت بأحد قرنيه بيد وأمسكت رداءها باليد الأخرى، وقد نفخته الريح كأنه الشراع. فكرت أوروبا ما عساه يكون هذا الثور، ورجته ألا يتركها تسقط في المياه. فهم زيوس أفكارها، وتكلم الثور وطمأنها قائلاً: "إن فكرك صحيح، فأنا زيوس أعظم الأرباب، وقد دفعني حبي لأصنع ماترين"
لقد اختطفها وذهب بها إلى جزيرة كريت، إنها جزيرته، والأرض التي خبأته فيها أمه عندما هربته من أبيه كرونوس (قرونو، وهو "أيل" أبو الرب العربي الإله العربي العام نفسه، وتقول القصة إن قرونو كان يقتل أبناءه وبحيلة ما أنقذ زيوس)
وصلا إلى كريت، وقفز الثور إلى اليابسة، والتقى الحراس والأعيان في حفل الزفاف، لقد أنجبت من زيوس أولاداً أشهرهم"مينوس" و"رادامنتوس" (يذكرنا هذان الاسمان بـ "مينا" أول أمير في شبه جزيرة العرب عبر البحر الأحمر إلى مصر وادي النيل وصار ملكاً ثم تقدس وكان اسمه مينا أبيض، أو صاحب قصر أبيض(نسبة إلى جبل أبيض قرب أبو رواث) كما ما تزال مينا البيضا شمال اللاذقية تحمل اسمه شمال اللاذقية تحمل اسمه، وبجبال الأردن أو الجرود في منطقة وهران). وقد اشتهر مينوس ورادامنتوس بالعدل فأوكل إليهما محاكمة الأموات، لكن اسم أوروبا بقي أشهر الأسماء.
عندما اختطفت الثور أوروبا جمع أجينور (أو"أشنار") أولاده "فينيق، و قدموس، وكيليك، وجاليانو أمرهم بالبحث عنها في كل مكان، وألا يعودوا من دونها. هام الأشقاء الأربعة على وجوههم يبحثون في كل مكان دون جدوى، إلى أن أخذ اليأس يدب في قلوبهم، وانقطعوا لدى بعضهم أمل اللقاء ثانية بشقيقتهم أوروبا. فاستقر كيليكس في أرض هي أبعد إلى الشمال فعرفت باسم كيليكيا نسبة إليه، أما قدموس قلم ييأس، بل فكر وذهب إلى معبد دلفي واستشار الرب أبولو.
أجاب أبولو" لا تجهد نفسك بالبحث عنها والالتزام بأمر والدك بالبحث عنها وبألا تعود من دونها، بل أسس لنفسك مدينة جديدة. عندما تخرج من هنا ستجد "عجلة"فتتبعها إلى حيث تتوقف العجلة لتستريح، هناك تبني لمدينة" هكذا أسس قدموس قلعة قدميا ومدينة (طيبا) بمساعدة خمسة فصائل من عشيرة الأخيين الذين كانوا قد سبقوه إلى هناك من سوريا وسميت المنطقة المحيطة بها أرض بويوثيا أي أبناء العشيرة.
المراجع والمصادر:
1ـ ول ديورانت ـ قصة الحضارة ـ الجزء الأول ـ المجلد الأول ـ نشأة الحضارة ت د. نجيب محمود ـ ط الخامسة ـ المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
2ـ د : أحمد داوود ـ العرب والساميون والعبرانيون وبنو إسرائيل واليهود ـ دار المستقبل ـ الطبعة الأولى ـ 1991 ـ دمشق ـ سوريا ـ
3ـ د. أحمد داوود ـ تاريخ سوريا القديم تصحيح و تحرير ـ منشوات دار الصفدي ـ الطبعة الثالثة ـ 2003 ـ دمشق ـ سوريا
4ـ د فيليب حتي ـ خمسة آلاف عام من تاريخ الشرق الأدنى
5ـ إ.ش.شيفمان ـ ثقافة أوغاريت في القرنين الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد ـ ت د.حسان مخائيل اسحق ـ سوريا ـ دمشق ـ الابجدية للنشر ـ 1988.
6ـ حسني فريز ـ أنور الحِنّاوي ـ تاريخ العالم القديم ـ لبنان ـ بيروت ـ دار الحسني للطباعة والنشر ـ بدون تاريخ.
وقد أرسلنا لنا الكاتب طارق سلمان هذه المداخلة الموجزة عن الفينيقيين في المغرب:
وصلت إلى المغرب قديما عدة شعوب عبر البحر الأبيض المتوسط ، كان من أشهرها: الفنيقيون والقرطاجيون. مـن تكن هذه الشعوب؟ وما أوطانها الأصلية ؟ كيف ومتى تم وصولها؟ وما تأثيراتها على حياة الشعب المغربي القديم؟
1) تقع فينقيا وقرطاج والمغرب في مواقع متباعدة جدا: حيث تقع بلاد فينيقيا على طول الساحل الشرقي للبحر الأبيض، وتقع قرطاج على الساحل التونسي في وسط حوض المتوسط، في حين يقع المغرب في الجهة الغربية من هذه المنطقة. وقد شكل المـغرب منطقة تجارة وسوق مهمة أمام هذه الشعوب التي قدمت إليه عبـر البحر.
2) ارتبط وصول الفنيقيين إلى المغرب بنشـاط التجـــارة: الفنيقيون في الأصل هم شعب كنعاني استوطن الشريط الساحلي لشرق البحر الأبيض منذ القرن 15 ق.م. وأقاموا عدة دول ـ مدن منها: بيبلوس، صيدون، صور، أوغـاريت. وقد توسع هذا الشعب بنشاطه التجاري إلى المغرب خلال القرن 12 ق.م. حيث أسـسوا على الساحل المغربي عدة مراكز ومراسي منها: تينجيس، ليكسوس….
3) مارس القرطاجيون التجارة مع المغرب وأثروا كثيرا في حياة سكانه: إنهم في الأصل تجار صور الفنيقية هجروا إلى الساحل التونسي وأقاموا مدينة قرطاج سنة 815 ق.م. ومن هذه المدينة وسعوا نفوذهم التجاري على السواحل المغربية ببناء عدة مراكز مثل :أصيلة، تمودا، تموسيدا، باناسا…وكانت بمثابة منطقة الوساطة بينهم وباقي قارة إفريقيا. واعتمدت تجارتهم على المقايضة.
4) تأثر الشعب المغربي الأمازيغي القديم بمظاهر الحضارة القرطاجية: نقل القرطاجيون والفنيقيون إلى المغرب القديم عدة مظاهر حضارية منها: الأبجدية، أساليب التجارة، وبعض الحرف والصنائع مثل الخزف، الزجاج، الأصباغ، صناعة الجلود والنسيج والمصبرات … كما أدخلوا عادات وتقاليد في اللباس والزينة… وبوصول الفنيقيين والقرطاجيين دخل المغرب في مرحلة مهمة من مراحل تاريخه القديم.