بعض النصوص التي نقدمها للكاتب فتحي فطوم التي ارسلها على هامش الملتقى الثامن للقصة القصيرة جداً في حلب، حيث شارك الأستاذ فتحي في الأمسية الثانية من الملتقى.

شـــــــــجاعة
رآه يهبط درج مبنى المجمع الحكومي ؛ أخذته رِعْشَةٌ . صورتُه ما زالت محفورة في ذاكرته . تسللت قدمه اليمنى إلى كعب اليسرى ، ضغطت قليلاً ، أجابت أصابع القدم اليسرى بحركة مشابهة ؛ تعرت قدماه من النعلين ، انحنى ، خطف فردتي الحذاء ، وقف جاحظ العينين ، توترت أعصابُه ، اهتزت يداه ، تقدم بحذر . لم ينس يوم بادره بصفعة ، أعقبها بصقعة ، ثم صرخ : " ضعوه بالدولاب " . تقدم … تقدم ، قَدَّرَ أن المسافة بينهما أصبحت تسمح له بالحركة ، رفع يده اليمنى قليلاً حين أمسى قريباً من زاوية طريق فرعية ، انطلق مولياً الأدبار غير مُتَحَرِّفٍ لِلقاء آخر .

الأحد 27 أيلول 2009

شـــفافية
في اليوم الثاني لتكليفه مديراً لفرع المؤسسة دعا إلى اجتماع عاجل ، حيث أكد على ضرورة التقيد بالتعليمات وتلبية طلبات المواطنين دون تأخير، واستقبالهم بوجه بشوش ، وهو ـ من جانبه ـ سيعمل بشفافية ، و … نظر بطرف خفي إلى هدى ، رئيس الديوان ، التي سبق له أن التقى بها أكثر من مرة ، فأوضح بصريح العبارة أن العاملات كلهن مِثْلُ أخواته ، وهذا موقفه الذي لن يتخلى عنه أبداً .
بُعيد منتصف اليوم كان أحد العاملين بالمؤسسة عائداً إلى بيته بحي التعاون السكني الغربي ، فلفتت نظره سيارة المدير المخصصة مركونة في إحدى الزوايا ؛ حينئذٍ لم يخامره شك بما يدور في شقة هدى ! مدَّ يده إلى جيبه ، سحب سلسلة المفاتيح ، اختار مفتاحاً منها ، تقدم من السيارة ، انحنى بحذر ، لم يرفع رأسه حتى رأى الدولاب ينام متهالكاً .
انتَبَذَ مَكَاناً يَرى منه ولا يُرى ، لم يَطُلْ مكوثه كثيراً ، وقعت عيناه على المدير بشحمه ولحمه وعظمه ، وهو يتسلل من باب البناية ذاتها !

الأحد 27 أيلول 2009

وفـــــــاة

في اليوم الأول لافتتاح الدكان تناول قطعة من الورق المقوى ، وكتب بخط عريض العبارة الشهيرة 🙁 الدين ممنوع والزعل مرفوع ، والرزق على الله ) ، لكن هذا الشعار لم يطبق في قرية تل الزهور كالعادة . ثَمّ شيء لا يختلف عليه اثنان : دكان وعدم مسك دفتر للديون يعني انعدام البيع ، ثم الإغلاق !
دفتر الديون ينتفخ يوماً بعد يوم ، هذا شيء لا يثير القلق ما دام هناك مَنْ يوفي ذمته في أوقات محددة ، أما أن يتهرب أحدهم ، أو ( يطمس) في مكان بعيد مِثْلُ حال ابن حارته خضر موسى ، المكنى بأبي فايز ،فالوضع لا يحتمل ! ومما زاد الطين بلة موقف زوجه ، وتريديها بمناسبة وغير مناسبة : " ظافر ذمته عاطلة،يحتاج إلى دواء يكوي كياً " .
ماذا يفعل ليحصل حقه ؟ فكر طويلاً ، رأى أن أسلوب بعض أصحاب المحلات بنشر أسماء المدينين والتشهير بهم أسلوب قديم ، يريد وسيلة شديدة التأثير وأنجع ….. ركب شاحنته الصغيرة ، وأمسك بيده مكبراً للصوت ، ثم انطلق وصوته يتماوج :" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . توفيت إلى رحمة الله تعالى ذمة خضر موسى … أبو فايز … لا صلاة عليها " . أعاد النداء ثلاث مرات ، ختمتها بصوت هادئ : " إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ " .
بعد ساعة كان فايز يقف قبالته في الدكان وهالة من الغضب تهز كيانه ، وإن حاول التخفي وراء ستارة الهدوء . سمعه يقول :
ـ هيك يا جار تفضحنا بالضيعة !
ـ أبوك هو السبب، لا تنسَ أن مَنْ يبَظ ( يفرك المؤشرة بالإبهام ) يبز* .
ـ وأنت لا تنسَ أنك ….
ـ كل شيء قابل للتصحيح بعد التسديد …. جرب وسترى .
فتح دفتر الديون ، وأشار إلى صفحة ظافر ، ثم ركز سبابته في أسفل الصفحة قائلاً :
ـ هنا الحل .
ما كاد يتسلم المبلغ من فايز حتى قفز إلى السيارة ، وأمسك بمكبر الصوت ، وفتح فمه : " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. سُبحانَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ….. أدخلت ذمة ( أبو فايز) غرفة الإنعاش، والوضع في تحسن…ادعوا لها بالشفاء العاجل " .

الجمعة 9 تشرين الأول 2009

ــــــــــــــــــ
* ( يبظ ) : باللهجة الدارجة بمعنى يدفع . وقد جاء في معجم مقاييس اللغة لأحمد بن فارس : " يقولون بَظّ أوتارَه للضَّرْب ، إذا هيّأها " . وفي مختار الصحاح : " في المثل : مَنْ عَزَّ بَزَّ ، أي مَنْ غَلَب سَلَب " .
و( المؤشرة ) : السبابة .

محــــاضرة

ضجرت القرية من كثرة الدراجات النارية ، وقَلِقت من ارتفاع وتيرة الحوادث ، ناهيك عن صخبها وهي تسابق الريح بين الشوارع والأزقة !
يكاد لا يخلو بيت من دراجة أو أكثر ، وكلها مهربة ، فما الحل ؟ ارتأت أطراف عدة أن نقص الوعي بأصول السياقة هو السبب ؛ لذلك اتُفِقَ على ضرورة الشروع بحملة توعية ، تكون بدايتها بدعوة المحامي أشرف لإلقاء محاضرة حول الوعي المروري ،وأثر ظاهرة تهريب الدراجات .
في قاعة المركز الثقافي ما كاد الأستاذ أشرف ينهي محاضرته حتى استرعى انتباهه شاب يشير بسبابته إلى فمه ، ثم يرسلها نحوه بحركة لولبية ؛ فأومأ برأسه أَنْ : اقترب . أقترب الشاب على عجل ، وهمس في أذنه بضع كلمات جعلت الأستاذ أشرف يهب واقفاً ، ثم يغادر القاعة وهو يلوح بيده معتذراً . حين وجد نفسه في الطريق أسرع إلى دراجته غير المهربة ، ركبها وهو يحدث نفسه : " يا بني ! قلت لك : لا شيء يدعو إلى شراء دراجة ثانية . أجبتني : واحدة مهربة بربع الثمن … تفضل شف نتيجة السياقة برعونة ! " .

الثلاثاء 13 تشرين الأول 2009

تصفيق
دخل قاعة المركز الثقافي مع الداخلين ، سار حتى غدا بمحاذاة الصف الثالث ، اتجه إلى
الجهة اليمنى كالعادة ، اختار المقعد الأول ، التفت خلفه ، ثم هبط بسلام وسط ضجيج الأصوات
والمقاعد . ارتفع صوت عريف الحفل ؛ فعم الهدوء . قبل أن يَصْعَدَ المتكلم الأول المنصة صفق له مع المصفقين ، وودعه بمثل ذلك . ظل التصفيق يعلو ؛ نشل الجريدة المطوية من جيبه ، نظر إلى العنوان الرئيس ، أحس بشعاليل الخَدَر يسري في يديه ، ورمل النعاس يفترش عينيه ؛ دَنَا رأسه من صدره فَتَدَلَّى .
أفاق على صفقة قوية ؛ فصفق بشدة وهو ينظر إلى الأمام والخلف . كانت القاعة خالية تماماً ، وضوء خافت يعم المكان ، وثَمَّ شعاع قادم من البهو يخاتل الباب المتأرجح . داخله خوف ورهبه ، نهض ، بحث بعينيه عن موطئ قدم بين المقاعد ، سار وهو يمكو ويصدي* .

الأربعاء 14 تشرين الأول 2009
ـــــــــــــــــــــــ
* يصفر ويصفق

مــــازوت

في إحدى ليالي الصيف استلقى على فراشه فوق المصطبة كالعادة ، وكان قلقاً ؛ أفكار شتى طرقت باب مخيلته ، برزت أمامه صورة الشيخ علي وهو يتلو : " اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ … " ، لكنه لم يفلح في تذكر ما قبلها وما بعدها ؛ فحدث نفسه : " كيف لواحد مثلي أن يلعب أو يلهو ؟ " . تأمل النجوم المضيئة في صفحة السماء الصافية : واحد ، اثنان ، ثلاثة … ضرب فمه بباطن يده أَنْ : أسكت . فجأة لمعت في ذهنه حكاية جده مع النجوم ؛ أشرق وجهه بابتسامة عريضة ، حدث نفسه : " الله يرحمك يا جدي ! فكرتك الغريبة غدت مضرب الأمثال ، كيف خطر لك أن تسأل جدتي : لو كانت النجوم تعمل على زيت الكاز ، فكم بلورة * تحتاج في كل ليلة ؟ "
التفت إلى زوجه الغارقة في نوم عميق إلى جانبه ، فوخزها أكثر من مرة حتى جعلتها تلتف حول نفسها مذعورة وهي تقول :
ـ اللهم ! اجعله خيراً … مالك يا رجل !
ـ خطر على بالي خاطر .
ـ خاطر !
ـ عصر زيت الكاز ولى ، اليوم نحن في عصر المازوت .. يا ترى ! لو كانت النجوم تعمل على المازوت ، فكم برميل أمريكي تحتاج كل ليلة ؟
تَأَفَّفَت ، ثم قالت :
ـ رُحْ اسأل البيت الأبيض .

الأربعاء 21 تشرين الأول 2009
ـــــــــــــــــــــــ
* وعاء مخروطي سعته / 5 / ليترات

 *********************

 

 وقـــــــــوف

أمام باب الدكان غرز صفوت أنبوباً يحمل لوحة معدنية (45 × 75) ، كُتب عليها بخط برتقالي عريض :(ممنوع الوقوف منعاً للإحراج . سيتم إفراغ إطارات السيارة . الإحساس نعمة ).
أسرع جاره عطوان إلى نصب لوحة معدنية ( 75 × 100 ) قبالتها ، كأنها تتحداها بعين ( جقرقة ) ، ليس بسبب حجمها ، بل لأن العبارة التي كتبت عليها بخط أحمر عريض (أيضاً) لم تدع للكياسة مطرحاً ، حيث جاءت صارخة : ( بدون رجاء …. ممنوع الوقوف أمام محلي وإلاَّ بزعجك ) .
لم يكد يمر يوم وبعض اليوم حتى وقفت سيارة (جيب) بين اللوحتين ، ثم نتقت من جوفها أربعة شباب من … اتجهوا صفاً واحداً كأنهم بنيان مرصوص إلى أحد البيوت القريبة ، وحينما عادوا ـ بعد ثلاث ساعات ـ كانت إطارات السيارة على حالها،كما أن أحداً ما لم يتفوه بكلمة مزعجة .
في اليوم التالي عادت السيارة تقل الشباب أنفسهم ، ووقفت في المكان ذاته ، وهبط منها شابان ، في حين ظل السائق مسمراً خلف المقود وإلى إلى جانبه الشاب الرابع يراقب المشهد مبتسماً . ظلت الابتسامة ترفرف على شفتيه حتى مثل أمامه صفوت وعطوان وهما يتقدمان الشابين ؛ حينها انطفأت الابتسامة ، ثم أشار إلى اللوحتين بالسبابة وهو يحدق بصفوت أنْ : ارفع اللوحة إلى سيارة الشحن الصغيرة الواقفة على بُعد خطوات ، وإلا سيقوم بتعرية رجليه ، ثم نظر إلى عطوان ، وبالحركة ذاتها أشار إليه أن يتبع خطوات جاره ، وإلا سيزعجه . تلك الإشارة كانت كافية لتنفيذ الأمر على الوجه المطلوب بحذافيره ، حيث حمل منهما لوحته على ظهره ، ووضعها بتؤدة في السيارة .
سُمِع صوتُ هاتف داخل السيارة ؛ وشُوهدت يد الشاب القاعد جانب السائق تتحرك بسرعة ؛ فركض الشابان رملاً ، وقبل أن يغلقا البابين كانت السيارة تنطلق مخلفة وراءها صدى زعيق على إسفلت الشارع .

الثلاثاء 24 تشرين الثاني 2009

البعوضة والنخلة

" وقال الحسن بن علي عليه السلام ….. وأما أنت يا مغيرة ! فلم تكن بخليق أن تقع في هذا وشبهه ، وإنما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة : استمسكي فإني طائرة عنك ، فقالت النخلة : وهل علمت بك واقعة عليَّ ، فأعلم بك طائرة عني ؟ "
( ابن أبي حديد : شرح نهج البلاغة ، الجز الثاني ،ص 104 )

دفعت بها الريح من عفونة المستنقع إلى أرض النخيل ، طارت قليلاً فغشَّاها الوَنَى ؛ أسرعت تبحث لها عن مكان آمن ، وقع نظرها على نخلة باسقة ، اتجهت إلى سعفة منها ، وبينما كانت تحط عليها ضربت موجة من الريح النخلة ؛ فتمايلت السعفة تحت قدميها ، حسبت أن وقوعها ترك ذلك الأثر ؛ فاغتبطت بما رأت .
لم يطل مكوثها ، أرادت أن تهرب من مكان رحبٍ لم تألفه إلى بيت العفن الذي اعتادت عليه ؛ فقالت للنخلة :
ـ استمسكي ، فإني طائرة عنك .
تعجبت النخلة ! تساءلت : مَنْ هذا الذي يدعوها إلى الاستمساك ؟ اهتزت سَعَفها ساخرة ، وقالت :
ـ لمن هذا الصوت الغريب ؟
ـ أنا … البعوضة .
ـ بعوضة ! وهل علمتُ بكِ واقعة عليَّ ، فأعلمُ بكِ طائرة عني ؟
حارت البعوضة، ما كادت تهم برفع صوتها حتى حملتها هبوبة* في طريقها ! نظرت إلى الأسفل ، رأت النخلة تتمايل ؛ عندئذٍ شعرت بنشوة غريبة ! زاد إعجابها بساقيها اللتين جعل النخلة تضطرب مرة أخرى من شدة وقعهما .
الحسكة: 11 نيسان 2005
ــــــــــــــــــــــــــ
* الهبوبة : الريح التي تثير الغبار

 

فســــاد
أعلنت الحكومة العتيدة عن برنامج لمكافحة الفساد ؛ فاستبشر فرحان السعيد خيراً . كاد يهتف : " جاءك الموت يا تارك الصلاة ! " حين خطر على باله جاره أمين رضوان الذي لم يمضِ على تعيينه رئيساً للجنة المشتريات في إحدى الشركات العامة سنة وبعض السنة ، فإذ به يبني بيتاً (عليه القيمة) ، ويضع لوحة نحاسية على المدخل تحمل عبارة (هذا من فضل ربي)
بينما كان فرحان في دكانه كالعادة ، فإذ بدورية تموين تأتي على حين غِرَّة ، وتبدأ مهمتها دونما استئذان طبعاً . بضعة دقائق مرت قبل أن يقف رئيس الدورية بالباب ، وهو يروز* طبق بيض بين يديه وهو يقول : " البيض فاسد " ، ثم نظم الضبط اللازم ؛ فسيق فرحان إلى القضاء بجرم الفساد ، بينما كان جاره يهز رأسه مبتسماً .

9 كانون الثاني 2010

ـــــــــــــــ

* رَازَ الحَجَرَ رَوْزاً رَزَنَه ليعرف ثقله ( لسان العرب )

تصويت

اكتمل النصاب ، فعُقدت الجلسة ، ودُونت أسماء الحاضرين ، تلا أمين السر التقرير المعد لهذه الغاية …… أخيراً طُرِح التصويت على المقترحات والتوصيات برفع الأيدي . أز صوت رئيس الجلسة أزاً : " الموافقون ! " ، وأرسل بصره فوق الرؤوس متزامناً مع رفع يده لبدء العد ، فلم يرَ غير يده معلقة بالفراغ ، ثم َزَحَرَ زُحَاراً* :" طيب …غير الموافقين ! ". ظل الوضع على ما هو عليه . تأمل يده الممدودة كجناح مهيض ، أدار رأسه نحو أمين السر، وهمس : " اكتب … بالإجماع " .

الثلاثاء 12 كانون الثاني 2010

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إِخراجُ الصَّوْتِ أَو النَّفَسِ بأَنِينٍ عند عَمَلٍ أَو شدَّةٍ ( لسان العرب )

مفاجأة
الورقة الصفراء المطوية في قعر الصندوق لفتت نظره أكثر من غيرها ؛ فقبض عليها بحرص كأنها صيد ثمين ، وبسطها . كان تاريخها يعود إلى أكثر من خمسين سنة خلت ، مرسلها يوسف صديق والده أيام الشباب ، له من العمر ـ الآن ـ سبعة وثمانون حولاً ، أما والده فقد غادر الحياة الدنيا منذ خمسة عشر عاماً .
طواها ، دسها بجيبه ، وخرج وهو يخاطب نفسه : " تصور يا صلاح ! حجم المفاجأة ! سيفرح بها ، ويستعيد ذكرياته " . قصد الحارة الغربية ، كما توقع فقد رآه أمام دكان صالح ؛ فأسرع نحوه ، ومدَّ يده بالرسالة : " لك عندي مفاجأة حلوة " . رآه ينظر إليه فاغراً فمه دون أن يتفوه بكلمة ، فخيِّل إليه أنه لم يسمعه ! وقبل أن يهم بالصياح سمع صوت من خلفه : " يبدو أنك منذ مدة طويلة لم تره ؟ الله يساعده … اتركه بحاله ، كبر السن بهدلة . الرجل فقد ذاكرته " .

الأحد 17 كانون الثاني 2010

رفق
ارتفع صراخ رجل وسط جَلَبةِ الشارع ؛ تركت ما كان بيدي وأصخت السمع …. كان جَرْس الصوت مألوفاً ، وصاحبه ليس بغريب ! اندفعت خارجاً لأتحقق من الأمر . فعلاً كان هو … عزيز ، الشهير بـ (عزيز احتيال ) . كان يشتم ويسب ، يهدد ويتوعد ، يدور حول نفسه ، ثم إذ به يُجَدِّف بِنِعَمِ الله ، ويهجم كالثور على سالم ، جَارِي الْجُنُبِ … وقف بعض المارة في وجهه ؛ فما كان منه إلا أن اتجه إلى باب دار سالم ، وراح يَرْفِسُهُ رفسات متتالية ، أين منها رفسة بغل شموس !
ظل سالم على هدوئه ، يحاول الرد عليه برفق ؛ الأمر الذي دفع أحد الموجودين إلى أن يصرخ :
ـ والله ! أحسدك على صبرك . تتصرف بهدوء ، إنه شخص أرعن ، كيف تعامله برفق ؟ … قليل من يسلم من شره . لو كنت مكانك لجعلته يعرف أن الله حق . بربك قل لي كيف تحملت رعونته ؟
ـ هل أقابل الرعونة بمثلها ، ثم إن طبيعة عملي تفرض عليّ ذلك .
ـ الذي أعرفه أنك مدرس متقاعد … يبدو أنك تعمل في مجال آخر !
ـ هذا صحيح … أنا عضو بجمعية الرفق بالحيوان .

الخميس 8 نيسان 2010 

إســـعاف

على بُعد خطوات من باب المدرسة الثانوية المختلطة صدمت سيارة مسرعة دراجة نارية ، وقذفت بسائقها إلى الرصيف المقابل ؛ فتراكض كثير من المارة باتجاه المصاب ، كل شخص تدفعه رغبة ما ! كان مدرس اللغة العربية بالثانوية أحد الأشخاص الذين قُدر لهم رؤية المشهد ؛ فأسرع ـ دونما تلكؤ ـ إلى غرفة الإدارة ، أمسك بسماعة الهاتف ، وركب رقم الإسعاف .. بينما كان طنين الهاتف يتردد في أذنه اعتورت جسده رجفة ، لم ينقذه منها إلا صوت على الطرف الآخر :
ـ نعم .. إسعاف المشفى الوطني .
ـ سيارة مسرعة صدمت دراجة … قرب الثانوية المختلطة .. والسائق ينزف .. الضربة قوية …
قاطعه الصوت بهدوء :
ـ كيف الجو عندكم ؟
ـ كأنَّ الجوّ من كمد عليلُ …
حين وصلت سيارة الإسعاف كان سائق الدراجة قد لفظ أنفاسه ؛ فتركت جُثَّته بحراسة عيون المارة ، وأسعفت الجو العليل .

الجمعة 9 نيسان 2010