الكاتب و الناقد التشكيلي أديب مخزوم

وحوار حول كتابه – تيارات الحداثة في التشكيل السوري – وما قاله في نقد النقد، منوها إلى الكتب التزويرية السابقة الرسمية والخاصة، والتي غيبت أكثر من مئة فنان وفنانة ، بعضهم من كبار فناني الصف الأول.

الكاتب و الناقد التشكيلي أديب مخزوم

وحوار حول كتابه – تيارات الحداثة في التشكيل السوري –

وما قاله في نقد النقد، منوها إلى الكتب التزويرية السابقة الرسمية والخاصة،

والتي غيبت أكثر من مئة فنان وفنانة، بعضهم من كبار فناني الصف الأول. 

بدأ الناقد التشكيلي أديب مخزوم حديثه لموقعنا عالم نوح بالقول : كتابي الذي يحمل عنوان *تيارات الحداثة في التشكيل السوري*.. وعنوان فرعي "مراجعة نقدية وخطوة توثيقية" هو مراجعة نقدية لأهم ما كنت كتبته خلال العشرين سنة الماضية في الصحافة السورية واللبنانية، بالإضافة لمقالات عديدة تنشر لأول مرة في الكتاب.

يبدأ الكتاب بشهادات لخمسة فنانين بارزين هم: فاتح المدرس الذي كتب لي تقديمه قبل وفاته بعام ونيف. الفنان الكبير عمر حمدي – مالفا شهادته عبارة عن مقطع من رسالة كان قد أرسلها لي من فيينا منذ أكثر من عشر سنوات وهي منشورة بخط يده . الفنان والناقد أسعد عرابي الذي يكتب منذ عقود في صحيفة الحياة اللندنية، وشهادة لغسان السباعي فنان تشكيلي وأستاذ في كلية الفنون الجميلة، والأستاذ الدكتور عبد المنان شما فنان تشكيلي وعميد كلية الفنون الجميلة (سابقاً).

في مقدمة الكتاب فقرة تحمل عنوان: الرواد وإشكالية النقد، وفيها أوضح الالتباسات التي حصلت في الكتب السابقة: وعلى سبيل المثال النقاد الأوائل يحصرون المدرسة الانطباعية السورية بميشيل كرشة ونصير شورى، وبالعودة إلى أعمال الفنانين الرواد الآخرين اكتشفت أسماء كثيرة لفنانين أسهموا في إطلاق الانطباعية السورية. لذلك طرحت أموراً إشكالية..مؤكدا على ضرورة العودة لتاريخ الحركة الفنية السورية منذ بداياتها لمعرفة الاسماء الحقيقية التي ساهمت في اطلاق نزعات التجديد والحداثة في الفن السوري وقراءتها قراءة جديدة ومعاصرة ، كما قمت بتسليط الاضواء على أسماء مغيّبة و أسماء أخذت أقل من حجمها، في كتب سابقة . و هكذا أعدت الاعتبار بكتابي هذا لأسماء تم تغييبها أو تهميشها في كتب سابقة.

وينوه أديب مخزوم إلى أن كتابه النقدي والموسوعي يتضمن بيان تشكيلي لنقد عربي معاصر ، وهو يتألف من 12 فقرة ، كل فقرة تعالج إشكالية أو التباس موجود في حياتنا الثقافية والتشكيلية، و يضيف : على سبيل المثال أعالج في الفقرة الأولى مشكلة مزمنة ومتفاقمة تحصل في صحافتنا الثقافية بشكل يومي والتي تتناول معارض الفن التشكيلي من وجهة نظر أدبية ، مشيرا إلى أن الكتابة في الفن التشكيلي تتطلب حساسية بصرية وروحية من نوع خاص، حيث أن اللغة التشكيلية الخاصة تبحث في اللون والتكوين والتقنية والتوازن والخيال والخطوط. . وهكذا يرى أن معظم الكتابات التي تنشر في الصحف هي عبارة عن كتابات أدبية ، تقرأ العمل قراءة سطحية عير عميقة ، وهو يفرق هنا بين المديح الأدبي المجاني والذي لا علاقة له بالنقد التشكيلي وبين اللغة التشكيلية الخالصة القادرة على القيام بدورها التعريفي والتوضيحي والتحليلي. مثال ذلك في حضورنا اليوم معرض الفنان عبد المحسن خانجي في صالته بمدينه حلب والذي يتناول فيه أسطورة عشتار يأتي أحدهم ويكتب عنه كما قرأ عن أسطورة عشتار في كتب الأدب وهذه اكبر مشكلة تواجه النقد التشكيلي، أي يأتي بالقصة بمفهومها الأدبي ويسقطها على المعرض دون القدرة على اختراق الحاجز الذي يفصل الأدب عن الفن . وهكذا تتغلب الناحية الصحفية والأدبية على موضوعه.. فيقرأ الرموز التشكيلية كما قرأ الأسطورة في كتب الأدب او كما سمع عنها في الأفلام والمسلسلات والحكايات بخلاف الناقد التشكيلي الذي يستطيع تقديم قراءة تشكيلية معاصرة للوحة من خلال تطور مدارس النقد الحديث وتأثيراتها ، أي انه يتناول النواحي التشكيلية والفنية والجمالية في اللوحة .

ويتابع مخزوم قائلا : في الفقرة الثانية من البيان أتصدى لمشكلة النقد التعميمي الذي يغلب على كتابات النقاد المتخصصين.. فمعظم الكتابات التي تنشر عندنا تنطبق عناوينها و نصوصها على جميع الفنانين، يكفي أن تزيل أسم فنان وتضع اسم فنان آخر حتى تحوز على لقب ناقد تشكيلي هنا .

وعن إشكالية النقد القادم من خارج المحترفات الأكاديمية يقول :
يوجد اشخاص درسوا النقد أكاديمياً ولكن لم يستطيعوا أن يوجدوا شيئا جديداً، وكتابات هؤلاء تدخل في نطاق النقد الأكاديمي المتعثر والركيك والفاشل، مؤكدا أن أهم النقاد التشكيليين لم يدرسوا النقد .. طارق الشريف رئيس تحرير مجلة الحياة التشكيلية (سابقًا) لم يدرس النقد، ومع ذلك يعتبر من أهم النقاد التشكيليين العرب، ولقد ترأس تحرير المجلة على مدى أكثر من ربع قرن وهي تابعة لوزارة الثقافة.أيضا صلاح الدين محمد لم يدرس النقد ولكنه يمتلك حساسية بصرية تجعله يقف في طليعة النقاد العرب المعاصرين ، المهم هنا هي الموهبة.. وهذا ينطبق على أغلب أنواع الفنون، معظم الذين يكتبون في النقد الموسيقي والسينمائي والمسرحي والأدبي لم يتخصصوا أكاديميا في المجالات التي يكتبون فيها ، عمر حمدي فنان سوري عالمي ، لم يدرس الفن أكاديمياً لكنه أستاذ الأساتذة في الرسم والتلوين الأكاديمي الصحيح. الدراسة بلا موهبة لا تعطي شيئا، بينما الموهبة بلا دراسة قد تثمر نتاجا خالدا في شتى أنواع الفنون والأدب والنقد . الخريجون بالآلاف،كم يبرز بينهم فنان في العام ، الواقع العدد الحقيقي قد لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة .

وعن عدد الأسماء االمتواجدين في كتابه قال : يتضمن الكتاب 263 فنان وفنانة، منهم من رحل قبل أن ابدأ الكتابة الصحافية في الفن التشكيلي بعقود ، وبالطبع لم التقي بهم ولكن اطلعت على أعمالهم وبحثت في المتاحف (خاصة في متحف دمشق الوطني) وفي مستودعاته ونفضت عنها غبار النسيان وأخرجتها من الأقبية إلى النور . ومن خلال هذه الأعمال استطعت أن أكون نظرة عن أسلوب كل فنان والمدرسة التي ينتمي إليها، وما كتبته خاص بي ولم اعتمد على كتابات الآخرين، فبإعادتي لقراءة تلك الأعمال أزلت عنها الجهل والتزييف والإهمال ، كما أزلت المغالطات الكثيرة التي كانت ترتكب باسم النقد.

ومن الفنانين الرواد الذين أعدت قراءة لوحاتهم الفنان ناظم الجعفري ، وحين شاهدت له لوحات تعود إلى مطلع الخمسينات في معرضه في المتحف الوطني بدمشق ، اكتشفت أنه من رواد الانطباعية السورية، مع أن نقاد الأمس كانوا يعتبرونه عن جهل أو خطأ من رواد الواقعية..

و في الكتاب رتبـت أسماء الفنانين بحسب المراحل العمرية والزمنية. توفيق طارق هو الرائد الأول ثم يأتي منيب النقشبندي وعبد الوهاب أبو السعود وغالب سالم وصولا إلى ميشيل كرشه تولده عام 1900، ثم يأتي محمود جلال وجاك وردة و نصير شورى و محمود حماد و فاتح المدرس وادهم إسماعيل وصولاً إلى الفنانين الشباب، فالأسماء مرتبة في الكتاب من أكبرهم توفيق طارق 1875 حتى أصغرهم عمراً سيمون قبوش تولد 1985 تخرج سنة 2006 بدرجة الشرف، وبالتالي فالكتاب يوثق لأكثر من مئة عام من الفن .

وحيد مغاربة قد يكون أهم فنان تشكيلي خرج من حلب إلى العالم . فهو فنان موهوب وعنده قدرة فذة على الابتكار ومع ذلك فهو غير مكتشف حتى هذه الساعة وقد تم تهميشه وتغييبه عن بعض الكتب السابقة .

مثلاً الكتب التي أصدرتها احتفالية دمشق وسمتها إحياء الذاكرة التشكيلية في سورية غيبت حوالي 100 فنان بعضهم من أهم الفنانين الموجودين في سوريا على مدى عقود ،أنا اعتبرت هذه الكتب طمس الذاكرة وليس إحياء الذاكرة . (كتب الاحتفالية غيبت فتحي محمد وسعيد مخلوف ووحيد مغاربة وغياث الأخرس وفائق دحدوح وفؤاد ابو كلام وعز الدين شموط وخليل عكاري وزهير حضرموت ومجيب داوود ومحمد علي الحمصي وحيدر يازجي وأنور الرحبي وسبهان ادم وزهير حسيب وعشرات الأسماء الأخرى من كبار فناني الصف الأول ).

تعقيب من المحاور نوح : أنا اتصلت بالأستاذ وحيد مغاربة عدة مرات ورفض إجراء أي لقاء أو حوار .

وهنا يعلق الأستاذ أديب مخزوم: الاحتفالية ليست لقاءات، وإنما هم وثقوا للوحات والمنحوتات التي اقتنوها على مدى 50 عاما. لديهم مئات الأعمال.. وحيد مغاربة ورفاقه من المغيبين كانوا يشاركون والوزارة كان بإمكانها استخراج أعمالهم وعرضها من جديد، خاصة وأن هذه الكتب استرجاع لمقتنيات الوزارة…

غسان صباغ، هو كفنان واقعي من أهم الفنانين، يوجد لديه نفحة انطباعية ولكنه يميل إلى الواقعية الجديدة، فتجده أحياناً مصنفاً ضمن الفنانين الانطباعيين وأحياناً ضمن الواقعيين..
هناك فنانين يرسمون بدقة فوتوغرافية مثل عبد الله أبو عسلي ، بعض نقادنا اعتبروه من الواقعيين الجدد ..عن أي واقعية جديدة يتحدث هؤلاء ، هو واقعي تقليدي جداً… أي واقعية فوتغرافية ولا تنطبق عليه صفة الواقعية الجديدة مطلقا.

يتابع مخزوم حديثه لموقع نوح قائلا : ظهر منذ سنوات كتاب اسمه "قاموس الفن التشكيلي السوري" مغيب فيه أيضا مجموعة واسعة من كبار فنانينا كـ فتحي محمد: احد كبار الفنانين في سوريا وصاحب نصب الشهيد عدنان المالكي الذي يتوسط ساحة المالكي في دمشق، أسعد عرابي وأحمد معلا: من الأسماء الهامة جدا والغائبة أيضا عما يسمى بقاموس الفن التشكيلي السوري المعاصر، غياث الأخرس: أستاذ أساتذة فن الحفر ولديه معارض في مختلف أنحاء العالم غائب أيضا عن القاموس وغيرهم كثير ، هذه الكتب والمطبوعات التي تغيب هكذا أسماء اقل ما يقال عنها إنها كتب تزويرية وناقصة ومبتورة ومشبوهة.

وأنا، حين بدأت بالإعداد لهذا الكتاب( تيارات الحداثة) حاولت تجاوز كل الثغرات الموجودة في الكتب السابقة، ويمكن القول انه جاء كردة فعل لتلك الكتب التزويرية والمزاجية. يكفي أن كتابي يسلط الضوء على مجمل فناني الصف الأول، ومن كل الأجيال، لا توجد تجربة هامة إلا ورصدتها في كتابي بالصورة والنص التحليلي ، و المائة فنان وفنانة الذين غيبتهم كتب الاحتفالية موجودين في كتابي .
وعن الصعوبات الأساسية التي واجهته في خطوات إعداد و إصدار الكتاب قال أديب مخزوم : الصعوبات الحقيقية تكمن في غياب متحف الفن الحديث ، وفي عدم وجود أرشيف للفن التشكيلي في سورية . ولقد ذهبت إلى النقابة التي هي الآن اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين لكي أستعين بأرشيف الفنانين الراحلين ، لكنني لم أستطع الحصول منهم على أي شيء .

ومن ضمن الأعمال التي طالعتها من المستودع بالتعاون مع السيدة هيام دركل مديرة صالة الفن الحديث في متحف دمشق منحوتات للفنان الراحل جاك وردة الذي يعتبر المؤسس الأول لفن النحت في سوريا مع محمود جلال، وهما لديهما منحوتات بالأحجام الطبيعية في المتحف.

كتابي هذا يعتبر أرشيفاً بحد ذاته، خاصة من ناحية صور بعض الفنانين الذين كان من الصعب العثور على صور شخصية لهم، مثلاً ميشيل كرشه الذي توفي عام 1973 وهو من مؤسسي الانطباعية السورية ، زرت ابنه الفريدي وأعطاني بعض الصور الشخصية النادرة لوالده. كذلك أبو صبحي التيناوي رائد الفن الشعبي، بعض أعماله معروضة في المكتبة الوطنية بباريس، حفيدته نجاح زودتني بصور نادرة له أيضا وهي منشورة في الكتاب ، اما جاك وردة فحصلت على صورة أصلية له من أرشيف المصور الضوئي مروان مسلماني بعد ان وردتني أخبار عن صداقته معه ، وهكذا وراء كل صورة منشورة في كتابي من صور فنانينا الراحلين قصة وحكاية .

عملي جاء بمبادرة فردية مني ومن الناشر المهندس المعماري باسم حلواني الذي آمن بمشروعي ، معتبرا الفن التشكيلي جزءا من العمارة ، فدعمني ماديا ومعنوياً ولم يبخل بأي شيء في سبيل إنجاح هذا العمل الضخم وتقديمه إلى العالم.

والدعم الحقيقي الآن من أفراد وليس من مؤسسات ، مع العلم أن الكتاب وصل الى بعض العواصم والمدن الأوروبية وتم تسويقه في بيروت – قصر اليونيسكو ، و الآن يسوق في عمان-دار المشرق ، ودمشق – مكتبة نوبل ، وصالة رفيا – الفور سيزنز، وصالة تجليات ، وصالة السيد ، وصالة عشتار . وحلب _ صالة الخانجي . وفي مكتبات وصالات أخرى .

صفحة 2 من اللقاء / نوح