الليث حجو مخرج مرموق استطاع في فترة قصيرة إضفاء بصمته الخاصة على الدراما السورية من خلال العديد من الأعمال التي لاقت حضوراً كثيفاً من قبل الجهور في سائر الوطن العربي، مثل” ضيعة ضايعة، أهل الغرام، الانتظار، الخربة، فنجان الدم” بالإضافة إلى مشاركته في أجزاء من “بقعة ضوء ومرايا”.

 

 

الليث حجو مخرج مرموق استطاع في فترة قصيرة إضفاء بصمته الخاصة على الدراما السورية من خلال العديد من الأعمال التي لاقت حضوراً كثيفاً من قبل الجهور في سائر الوطن العربي، مثل" ضيعة ضايعة، أهل الغرام، الانتظار، الخربة، فنجان الدم" بالإضافة إلى مشاركته في أجزاء من "بقعة ضوء ومرايا".

أثناء تواجد المخرج "الليث حجو" في حلب لحضوره فيلم "طعم الليمون" للمخرج نضال سيجري كونه المشرف الفني على العمل، استضافه مكتب عالم نوح فكان معه هذا الحوار:

تواجدك في مرحلة الطفولة في كواليس المسرح مع الفنان"عمر حجو" إلى أي حد ساعد في أن نرى "الليث حجو" كما هو اليوم؟

في اللاوعي ساعدتني في التعلق بهذه المهنة عن طريق الاحتكاك المباشر بالمتلقي الذي كان هاجسي منذ الطفولة، فدائماً كنت أحاول الوقوف في مكان أستطيع فيه رؤية انطباع المشاهد وهو يرى المشهد ومدى تأثره به، هذه العلاقة بين الممثل والجمهور كانت هاجسي منذ الطفولة حتى يمكن القول أنها كانت جزءً أساسياً من امتهاني للإخراج التلفزيوني حالياً على اعتبار أنّ المادة التلفزيونية على احتكاك مباشر مع الجمهور وخاصة مع التطوّر الذي نشهده اليوم لوسائل الإعلام ومدى تواصلها مع شرائح كبيرة من الناس.

ماذا تحدثنا عن تواجدك في حلب قبل الانتقال إلى دمشق للعمل في الإخراج؟

كنت أعمل كمنتج للإعلانات التلفزيونية ومن ثمّ وبعد إنشاء شركة حلب الدولية للإنتاج التلفزيوني انتقلت للعمل كمساعد مخرج مع عدد من المخرجين المهمين كالأساتذة "هيثم حقي، سليم صبري، مأمون البني وحاتم علي" وكان الهدف من هذا العمل أن أطوّر أدواتي كمخرج للإعلانات، فاستمرت هذه التجربة حتى عام 2001.

من خلال تعاملك مع أسماء مهمة في الإخراج، هل ترى أنهم تركوا بصمة مهمة في أعمالك حالياً أم كوّنوا لديك مخزوناً استطعت إضافة طابع خاص بك من خلاله؟

من المؤكّد أن هذا المخزون هو البصمة التي تركوها لي، فهم قدّموا لي المعرفة والتجربة وأنا بدوري أقدّم معرفتي وتجربتي من خلال ما قدموه لي، فالإخراج هي مهنة لها علاقة بالمعرفة أولاً وبطبيعة الشخص ومحبته للعمل ثانياً وليست وصفة كيميائية يأخذها المخرج ليظهر العمل كما يود أن يراه، فهو مثل كثير من الفنون التي يجب أن تظهر انطباع الشخص وهويته وروحه وكيفية رؤيته للحياة، وهذا كلّه مبني على المعرفة التي اكتسبتها من الأساتذة الذين عملت معهم.

قدمت العديد من الأعمال المنوّعة ولكن نلاحظ أنّ أعمال الكوميديا قد أخذت جماهيرية أكبر من الأعمال الأخرى، ما السبب برأيك؟

أنا أحب الكوميديا ولكن هذا لا يعني أني أتقصدّ أن يكون حجم الكوميديا أكبر، فعندما أجد نصاً جيدّا كنص "الانتظار" فمن المؤكّد أني سأقدّمه وأعمل عليه  وبالمقابل عندما أرى نصاً كوميدياً مهماً فلا مانع من العمل عليه وإن كان سيئاً فبالتأكيد سأفضل عملاً آخر عليه، عموماً لا أفضل أن أقف في مكان واحد، لكن عندما كنت أعمل على "بقعة ضوء" شعرت كأني مختص بتقديم اللوحات الكوميدية  وبصعوبة استطعت التخلص من هذا الموضوع بعد مضي ثلاث سنوات تقريباً، أنا شخصياً أحب الكوميديا ولكن أفضل أكثر النص الجيد بغض النظر إن كان كوميدياً أم لا.

ما الذي ينقص الكوميديا في سوريا برأيك؟

ينقصها فهم الكوميديا، أي أن نفهم الكوميديا بأنها ليست فقط عبارة عن ممثل خفيف الظل يستطيع إضحاك الجمهور، بل هي من أعقد أنواع الدراما وتحتاج إلى حسابات وحزر شديد بالإضافة إلى ذكاء حاد لفهم كيفية إلقاء النكتة وتوقيتها، وتحتاج أيضاً لمسؤولية كبيرة، إذ لا يكفي إلقاء النكت فقط لأن العمل الكوميدي ليس فقط هو الذي يضحكك بل من الممكن أن يبكيك أيضاً.

حصلت عن عمل كوميدي هو "ضيعة ضايعة" على جائزة أدونيا للعام 2010، ما المختلف الذي قدّمته فيه ولم يكن موجوداً من قبل في الكوميديا؟

لم أقدّم شيئاً لم يكن موجوداً، فالكوميديا موجودة حتّى أنها كانت في أفضل حالاتها سابقاً، فالدراما السورية عرفت عن طريق الكوميديا ولا زال المشاهد يرى مقاطعاً من الكوميديا يستمتع بها حتى وإن كانت بالأبيض والأسود، إن كانت لغوار أو أبو فهمي أو غيرهم، وحتى في المسرح والسينما فقد كانت الكوميديا جزءً مهماً فيها وساعدت على انتشارها بشكل كبير، ولن أدعي أني أضفت شيئاً غير موجود في الكوميديا ولكن في مرحلة "ضيعة ضايعة" من الممكن أني حصلت على الجائزة كونهم اعتبروه أفضل عمل في2010 ومن الممكن أن يكون كبقية المسلسلات التي كانت تظهر ناجحة تماماً في أعوامها، ومنها من بقي إلى الآن  و"ضيعة ضايعة"يمكن أن يبقى مهماً إلى الآن ولفترة لاحقة كأي عمل آخر لا نزال نستمتع بمشاهدته رغم قدمه كصح النوم وعيلة خمس نجوم ومرايا وغيرها من الأعمال التي لا تزال مشاهدة إلى اليوم.

لماذا برأيك من الصعب إيصال لهجةٍ غير "شامية أو بيضاء" إلى المتلقي؟

من خلال "ضيعة ضايعة" بالفعل كان لدينا هذا المعتقد وأننا سنعاني من التوزيع لأن اللهجة المنتشرة هي اللهجة الشامية، ولكن أثبتت التجربة أننا من الممكن أن نقدّم لهجات أخرى غير الشامية، وليس لدي تفسير عن أسباب أخذنا لهذا المعتقد لأني كنت أعتقد ذلك أيضاً، ولكن مع التجربة اكتشفت أننا كنا مخطئين وهذا ما دفعني إلى تقديم عمل آخر بلهجة مختلفة من خلال مسلسل"الخربة" الذي أخذ لهجة أهالي السويداء.

مع العلم أنه تم تقديم تجارب سابقة كانت ناجحة للهجات غير الشامية مثل مسلسل "خان الحرير" الذي لاقى رواجاً كبيراً وبعدها تم طلب أعمال أخرى باللهجة الحلبية.

 ولا نخفي أنّ هنالك خوف من استخدام لهجات جديدة، فإن لم يصل إلى المتلقي صاحب اللهجة أنك تريد السخرية من لهجتهم فإنه سيتقبل العمل ويتغاضى عن كل الأخطاء التي من الممكن أن تقع فيها لأنه في النهاية يعلم أن الممثل متقمّص لشخصية أخرى ويحاول تقديم تلك اللهجة دون السخرية منها، وقد لاحظنا لهجة "ضيعة ضايعة" أنها أصبحت تستخدم حتى من قبل أناس غير أصحاب اللهجة من باب التودد.

أريد القول أن هنالك الكثير من الأشخاص الذين يخجلون من لهجتهم المغرقة سواء كانت "الحلبية أو الادقانيه" لكني اكتشفت فيما بعد أنها تحتوي مفردات أصيلة حتى أكثر من اللغة العربية الفصحى، فأثناء استخدامنا للهجة اللاذقية كانت هنالك كلمات أوغاريتية والمعروفة أنها كانت منذ آلاف السنين قبل اللغة العربية الفصحى، لذلك إنّ استخدام هذه اللهجات هو حفاظ على تراث وثقافات قديمة لشعوب هذه المنطقة أو تلك، ويجب علينا عدم الخجل من اللهجات المغرقة وعدم اعتبارها جزء من التخلف والأمية لأنها جزء من حالة ثقافية تستحق البحث فيها أكثر وخاصة لعدم وجود وسيلة للحفاظ عليها غير الفيديو.

هل نص "ضيعة ضايعة" كتب بنفس اللهجة التي شاهدناه فيها أم بطريقة أخرى؟

كتب النص بلهجة محايدة تماماً، ولكن كان الشرط الأساسي بالنسبة للممثلين هو أن يكون جميعهم من أبناء المنطقة، وبالفعل كافة الممثلين الذي تحدثوا بلهجة اللاذقية هم من اللاذقية، لذلك لم يكن لدينا مشرف على اللهجة لأن الاعتماد كان على ذاكرتهم وهذا ما خلق لديهم استمتاعاً في البحث في ذاكرتهم ومخزونهم، حتى أنّ بعض الكلمات كانت تختلف من شخص إلى آخر ولكن كل شخص كان يتحدث من خلال لهجته عن حيّه والمكان الذي عاش فيه.

هل من الممكن أن نراك قريباً في لهجة أخرى مغايرة للذي قدّمته، كاللهجة الحلبية مثلاً؟

بالتأكيد ممكن، يكفي أن أجد النص الذي يحترم هذه اللهجة فقط لأني أفضل كثيراً العمل على اللهجات التي هي جزء من التنوع الثقافي السوري، وقليلاً ما نجد هذا التنوع في المجتمعات الأخرى.

قالوا أن "الخربة" لم يستطع الخروج من عباءة أخيه الأكبر "ضيعة ضايعة"، ماذا عن هذا التشابه؟

أفعل الآن كما فعلت في "ضيعة ضايعة" سابقاً فإن استطاع العمل الدفاع عن نفسه فيما بعد فهو عمل جيد وإن بقي تحت مقولة" لم يستطع الخروج من عباءة ضيعة ضايعة" فأخوه الأكبر أيضاً عمل يعني لي الكثير وليس لدي مشكلة في هذا الموضوع، وكما نعلم فإن الانطباع الأول لضيعة ضايعة كان سيئاً جداً وكذلك الأمر بالنسبة للانطباع الأول في "الخربة" وإذ ما قارننا بين الانطباعين فأنا سعيد جداً بالنتائج التي وصلنا إليها، علماً أنه يصعب علي المقارنة وتفضيل عملٍ على الآخر، ولكن الطريف في الموضوع أن كل شخص تحدث عن "الخربة" قارنه بتجربة "ضيعة ضايعة" وهذا دليل على أن المتلقي نفسه علق تحت هذه العباءة، وهو لا يستطيع أن يقدّم عيوب هذا العمل دون مقارنته بالآخر وهذا دليل على وقوعه في المشكلة نفسها.

 من الممكن أن تكون المقارنة أتت من موضوع تنميط المخرج بنمط واحد من الأعمال، كيف ترى الموضوع؟

أنا لا أقدّم عمليين متشابهين في فترة متلاحقة، وغالباً ما كنت أنتظر لسنوات قبل البدء بعمل ما لعدم توفّر النص المناسب، فبعد مسلسل "الانتظار" أتاني نص تتقاطع مواضيعه مع "الانتظار" كثيراً فاعتذرت عن العمل وبحثت عن موضوع مختلف تماماً فقدّمت "ضيعة ضايعة" وبعد "ضيعة ضايعة" لأتجنب موضوع المقارنة والتنميط قدّمت عملاً بدوياً هو "فنجان الدم" بعدها عدت إلى "ضيعة ضايعة" في الجزء الثاني وقدّمت "أهل الغرام" وكل هذا التنوع كان محاولة في البحث، ولا أعلم أين التنميط هنا، وفي هذه السنة بالذات بالفعل لم يتوفر لدي نص آخر غير الكوميديا، ولم يكن يجب أن أقدّم الكوميديا هذه السنة بسبب هذا الموضوع، فأثناء عملي في بقعة ضوء كنت أبحث دائماً عن نص مختلف، لكن يبدو أنّ المشاهد أيضاً يساعد أحياناً في تنميط المخرج أو الفنان من حيث أنه يفضّل أن يراها في نمط واحد دون آخر، فدريد لحام الجمهور ساهم كثيراً في تحديده بشخصية "غوار" ولم يستطيعوا رؤيته في شخصيات أخرى غيرها على الرغم من أنّ لديه قدرات هائلة في التنوّع ورغم ذلك فالجمهور مصرّ على رؤيته في شخصية "غوار"، والموضوع نفسه لدى الفنان "ناجي جبر" في شخصية "أبو عنتر"، إذاً فالمتلقي يساهم أحياناً في هذا التنميط.

لاحظنا تعاوناً مع الفنان "نضال سيجري" سواء في "ضيعة ضايعة" أو "الخربة" أو حتى في فيلم "طعم الليمون" من ناحية اختيار الممثلين وخلق كركترات، إلى أي حد ترى هذا التعاون بين الممثل والمخرج في الوسط الفني في سورية؟

 ليس لدي فكرة عن التجارب الموجودة في الوسط ولكني أعتقد أنّ هذا التعاون يساهم كثيراً في نجاح العمل ويساهم في تقديم رؤى مختلفة بعيدة عن الرؤية الفردية، فالمخرج ليس رساماً ليستطيع أن يرسم عمله بمفرده ، لأن العمل مشابه للأوركسترا ولا يستطيع المخرج أن يقدّم عملاً ناجحاً إلاّ بالاتفاق مع الكادر الذي لديه.

هل برأيك ظاهرة تعدد المخرجين في "بقعة ضوء" أضرّ بالعمل أكثر من أن يقدّمه بطريقة جديدة؟

 بالتأكيد، لأنهم اعتبروا "بقعة ضوء" كبرنامج للمنوعات يقدّم فيه كل شخص الكليب أو اللوحة الخاصة به ويدير ظهره، والموضوع ليس كذلك أبداً لأن العمل على الرغم من اختلاف اللوحات التي يقدّمها إلا أنه يقدّم أطروحة واحدة من خلال هذه اللوحات ولا يجوز أن تشاهد لوحتين لمخرجين الأول يرى الموضوع سلبياً والآخر يرى الموضوع نفسه إيجابياً، فعمل مخرجين في عمل واحد مشابه تماماً لسيارةً بمقودين إذ لا يمكن أن تسير إلاً لمسافة محددة ثمّ لا تلبث أن تتوقف وهذا كان الخلاف بيني وبين "أيمن رضا" الذي كان مع تعدد المخرجين وأنا كنت ضده ولكن خلال السنوات الأخيرة تم تطبيق نظريته بتعدد المخرجين، لكني أرى أن الحكم في النهاية يعود للمتلقي الذي إمّا يتقبّل هذه الظاهرة أو لا يقبلها.

قالوا أنّ "بقعة ضوء" ومرايا" قد كررا نفسيهما في السنوات الأخيرة من خلال مواضيعهما، كيف ترى الموضوع؟

ليست مهمتي أن أعلّق على أعمال زملائي لأنّها مهمة المتلقي ولا أستطيع أن أقدّم رأيي كمتلقي لأنه لن يكون منطقياً فأي رأي أقدّمه سيؤثر على المتعاطفين معي وحتى على المتعاطفين مع زملائي المخرجين الذين سيتهمونني بالهجوم على أعمالهم بغير وجه حق لذلك أفضّل ألاّ آخذ دور المخرج والمتلقي في الوقت ذاته ولا أريد أن أصادر رأي المشاهد فيما يشاهده .

تقول أنك تكون مع النص الذي تقدّمه منذ بداية كتابته إلى حين الانتهاء منه، ألا يعتبر ذلك تدخلاً في النص وفي فكر الكاتب؟

لا أبداً، فقد كان هنالك نصان جاهزان ولكن عندما أخذتهما تم إعادة كتابتهما من البداية وهما "خلف القضبان" و "أهل الغرام"، ولكن هذا لا يعني أن أتدخل في النص وأغيّر فكر الكاتب، فأنا احترم الكاتب جداً ووجودي بجانبه منذ فترة البداية هو فقط من باب فهم الشخصية أكثر والتعمق في تفاصيلها، وليس لي علاقة بالكتابة أبداً حتى أني لا أستطيع أن أكتب مشهداً واحداً، ولم أدعي أن لي يداً في كتابة أي نص قدّمته ولن يكون لي يد في ذلك في الأعمال القادمة، لكني أفضّل أن أكون مع الكاتب منذ البداية لأخلق التواصل بيننا وبين الشخصيات، وأحياناً من الممكن أن تكون هنالك أمور غير مفهومة فأساهم باقتراح للكاتب كحل تقني يدعم فكرته أثناء الكتابة.

إلى أي حد من الضروري التعاون بين المخرج والكاتب والذي نراه قليلاً لدينا، إذ أن الغالب يعمل على النصوص الجاهزة بعد تعديلها تعديلات لا تذكر؟

 الأمر عائد للمخرج ومدى الواجب الذي يتحلى به كمخرج، لكني أعتبر أن هذا التعاون شرط أساسي للعلاقة بين المخرج والكاتب لفهم رؤية الكاتب بشكل أفضل وليس لتوجيهه وتوجيه كتاباته، لأن المشروع "فكرياً" مشروع مشترك بينهما ولا أستطيع القبول بعمل يقول فيه المخرج أنه أدى ما عليه إخراجياً ولكن النص كان سيئاً، فالنص لا يتم فصله عن رؤية المخرج وأفكاره وما يؤمن به، فأنا كمخرج أتبنى وجهات النظر كاملة وأدافع عن أي حرف وتصرّف موجود في النص الذي أقدّمه ولا أستطيع أن أقول أن هذا ليس من مهامي وإنما من مهام الكاتب لأني وقتها سأحيد عن عملي كمخرج للعمل وأكون في العمل بصفة أخرى، والذي يرى أنّ الإخراج  هو توضّع الكاميرا وتحديد زاويتها فقط فهذا الأمر خاطئ لأن هذا الأمر آخر نقطة يجب على المخرج أن يفكر بها.

أثناء تحضيري لهذا اللقاء وجدت تصويتاً  بين "الليث حجو" و "رشا شربتجي" لأفضل مخرج، وكانت النتيجة متعادلة بينكما، ما سبب هذه المقارنة برأيك على الرغم من اختلاف أعمالكما؟

"رشا شربتجي" زميلة لي وأنا أحترم عملها كثيراً، وهي عنيدة لا تتنازل، أعتقد أن هنالك بعض الصفات المشتركة بيننا كالعناد وحالة التحدي مع الذات بشكل دائم بالإضافة إلى البحث الدائم عن المختلف، وهذه الأمور تهم الجمهور بشكل كبير لأن تعب المخرج في البحث عن الجديد لتقديمه للمتلقي يعتبر احتراماً وتقديراً له و "رشا شربتجي" تحترم المتلقي كثيراً.

كون معظم التمويل للأعمال السورية يكون خليجياً، هل ترى أن الممول الخليجي يحترم الفن السوري أكثر من الممول السوري؟

ليس الموضوع موضع تقدير، فهو أولاً مشكور على هذا التمويل والذي ساهم بجزء كبير في صناعة الدراما السورية التي نفتخر بها اليوم، فللأسف هو ساهم بصناعة الدراما السورية ونحن نتعالى عن هذا التمويل، وأرى أنه من واجبنا أن نقدّم الشكر والاحترام لهذا الممول الخليجي، فمهما كانت نواياه وأهدافه إلا أنه ساهم فيما نفتخر ونعتز به اليوم من دراما موجودة لدينا، طبعاً هذا لا يعني تحييد المنتج السوري الذي يستحق كل احترام أيضاً مهما كانت نواياه لأنه في النهاية أعطانا فرصة لنقدّم نوايانا ومقولتنا نحن، فالممول الخليجي يدفع مبالغ كبيرة ليرى فناً يرضاه هو وهنا يبقى الأمر لنا في أن نوافق بين هذا التمويل وبين ما نرضاه نحن وما يتوافق مع أفكارنا وضميرنا وذاتنا، ولست أبداً مع مقاطعة التمويل الخليجي لأنه بدونه لا يمكن أن تكون هنالك صناعة الدراما في سورية، إذ ليس لدينا قنوات تستطيع أن تغطّي تكاليف العمل السوري وفي الوقت نفسه تتمم منافسة الأعمال المصرية أو الخليجية في حين لا يوجد لدينا سوى قناتين سوريتين بالإضافة إلى قناة خاصة "قناة الدنيا"، وعندما تتواجد قنوات سورية تستطيع استيعاب الإنتاج عندها يمكننا القول بالمنافسة والمقاطعة…

كيف ترى المسلسلات السورية من حيث إنتاجياً؟

ليست لدي معرفة دقيقة بالأرقام ولكن يمكن القول أنّ الحد الأدنى لتكلفة مسلسل هو 2 مليون دولار ويرتفع إلى 5 و 6 مليون دولار أحياناً، أمّا المسلسلات التي قدمتها فكانت صراحةً من أفقر المسلسلات من ناحية التكلفة ولا أعلم تماماً إلى أين وصلت الأرقام لأن الموضوع يختلف من سنة إلى أخرى، فبقعة ضوء وصل في أولى أجزائه إلى 2 مليون ليرة سورية عام 2001 والذي اعتبر عملاً مكلفاً وقتها، لكن الحد الأدنى له الآن هو فوق 2 مليون دولار .

برأيك هل استطاعت قناة "سورية دراما" استيعاب الدراما السورية؟

  إلى الآن كل القنوات القنوت السورية لم تصل إلى مستوى الدراما السورية، الخاصة منها والحكومية، وهي تظهر على أكتاف الدراما وليس العكس، فنحن الآن بحاجة إلى قنوات تظهر الدراما إلى مستوى أعلى وتروّج لها، ولأكون واضحاً أكثر: فمحطة mbc اليوم تستطيع أن تصنع من عمل "قد يكون سيئاً جداً" عملاً جماهيرياً مشاهداً من قبل كم هائل من المتابعين وتحوّله إلى مسلسل من المسلسلات المنافسة على مستوى العالم العربي، بالمقابل نرى أعمالاً تكون مهمّة جداً ولكن يتم عرضها بطريقة خاطئة وبتوقيت خاطئ فلا يقدّم المطلوب منه في حين أنّ نفس المسلسل في حال عرضه على قنوات موثوقة فهي تكسب المصداقية أكثر من عرضها على قنوات عادية، وعندما نصل إلى قناة تستطيع أن تجعل الجمهور ينتظر المسلسل لمتابعته وذلك من خلال الإعلان المناسب له وتهيئة الظروف المناسبة لعرضه عندها يمكننا القول بوجود قناة استوعبت الوسط الفني لدينا.

ما أخبار "أنا وصدّام" حالياً، وإلى أين وصلتم به؟

في الحقيقة عندما بدأنا بتصوير هذا المسلسل كان الظرف مختلفاً سياسياً وعالمياً وكانت فكرة "صدّام" قابلة للعمل ومازال الأمر كذلك إلى الآن ولكن أصبح هنالك اليوم أكثر من "صدّام" لذلك أعتقد أن الموضوع سيظهر بشكل هزيل نوعاً ما إلا إذا كان الكاتب"عدنان عودة" يستطيع الربط بين ما يحدث اليوم واستطاع أن يرى التقاطعات التي تساعد على هذا الربط عندها سيأخذ العمل فرصة أكبر للظهور.

والموضوع الذي مازلنا نعاني منه إلى الآن رغم التصريحات التي صرحتها هو أن الجميع يعتبر العمل سيرة ذاتية لصدّم في حين أنه لا يتعرض لهذا الموضوع بتاتاً بل هو استعراض للفترة التي دخل فيها "صدّام حسين" إلى سورية هروباً من الاعتقال والمحاكمة إلى لحظة اعتقاله وإعدامه، نحن نستعرض هذا الزمن الذي مرّ على المنطقة كلها والتأثير الذي أحدثه لأن هذا الحدث لم يؤثّر فقط على "صدّام حسين" كشخص وإنّما أثّر على الكثيرين سواء في العراق أو سورية أو الكويت أو في أي بلد آخر.

كيف ترى موضوع تحول طلاب المعهد العالي من المسرح إلى التلفزيون؟

للأسف هنالك الكثير من الطلاب الذين يدخلون إلى المعهد العالي لفنون المسرحية ولكن ميلهم يكون إلى التلفزيون، طبعاً هذا خطأ كبير، بالإضافة إلى أنّ الذي يريد أن يدخل إلى التلفزيون يكون مضطراً إلى دراسة المسرح لعدّة سنوات ومن ثمّ يدخل إلى الشاشة أما الذي يرغب بالدخول إلى المسرح فإنه أيضاً يعاني كثيراً لتراجع النشاط المسرحي، وهذا ما يخلق إرباكاَ لدى الممثل، وأريد أن أؤكّد على القول بأنّه "على قدر ما يكون الممثل بحاجة إلى فرصة للعمل والظهور بقدر ما يكون هذا العمل بحاجة إلى وجه جديد ليقدمه.

ماذا عن جديدك؟

حالياً لا يوجد جديد وإنّما نحن في حالة بحث عن أبعاد الوضع العام وماهيته فمهما يكن نحن لا نستطيع الفصل بين الدراما والسياسة ولا نستطيع أن نقدّم الدراما دون فهم ما يحدث تماماً، ولكي نكون صادقين تماماً فيما نقدّمه يجب علينا فهم ما يحدث لإيصاله بطريقة صحيحة دون تشويه.

ماذا تود أن تضيف أخيراً؟

أشكر اهتمامكم، وهذه المصداقية التي وصلتني من خلال هذا اللقاء، وأتمنى فعلاً أن تكون هذه المصداقية موجودة لدى كافة مواقع الإنترنت لبناء علاقة من الثقة بين القارئ وأي شخص من الممكن أن يجري حواراً مع إحدى المواقع.

 

أغيد شيخو_ عالم نوح