لا يجب أن نتنصل ونحاول أن نجد من نحمله أخطاءنا، كلنا أخطأنا، بدءا من راكبي السيارات السوداء إلى من استخدم ساقيه للتنقل، وكلنا يجب توبيخه ومحاسبته، من ترك المسؤولية ومن لا يزال قائما يعيش في رغدها، من قدم إلى حلب ومن رحل عنها

         المتســلقون

 بقلم

المهندس باسل قس نصر الله كانت لي هواية (لا أعرف إن كانت سيئة أم جيدة)، وهي محاولة تسليط الضوء على ما ألمسه أنا – وليس على ما تعانيه بالفعل- مدينتي التي كبرت بها، وأعني بها حلب.

ثم كتبت عن إشغالات الأرصفة ( وفي قناعتي التامة أنها مخالفة ملائكية أمام المخالفات الأخرى وأنها أصبحت من تراثنا المحلي) وقد كتبت حينها " ويأتيك في زاوية ردود المسؤولين أنهم يقومون بقمع المخالفات وتسيير الدوريات لأجلها "

أما مقالة "مخالفات 2001" فقد كتبتها، تحدوني رغبة بأن أجعلها مسلسلا سنويا أسوة بمسلسل بمرايا، ، نوهت بها " هذه المشكلة التي يجب أن تجعلنا نتساءل ونتحرى ونوجه أصابع الاتهام مباشرة ودون مواربة لمن أخطأ ولا يجب مطلقا أن نقف عند ذلك بل علينا محاسبة – وبأشد أنواع المحاسبة أولئك الذين ولأسباب وضيعة يتلاعبون بمصير وطن وإنسان.

ووصلت بعدها أنه " لا يجب أن نتنصل ونحاول أن نجد من نحمله أخطاءنا، كلنا أخطأنا، بدءا من راكبي السيارات السوداء إلى من استخدم ساقيه للتنقل، وكلنا يجب توبيخه ومحاسبته، من ترك المسؤولية ومن لا يزال قائما يعيش في رغدها، من قدم إلى حلب ومن رحل عنها "

بعد هذه الإطالة والجولة السريعة في كثرة المخالفات، التي عزوتها إلى ضعف النفوس أحيانا، والى إغراءات المادة غالبا، لمست ناحية لم أكن أتصور أنها سبب رئيس في المخالفات التي نراها والمخالفات التي لا نراها، وهي تحمل الكثير من أسباب التراجع العشوائي للتطور المديني.

لقد درجت منذ مدة عادة الحصول على لقب الدكتوراه، وبداية قمت بتحية أولئك الذين ينكبون على العلم لتحصيله وهم في مناصب ومهام أعمال لا تترك لهم الوقت الكافي لذلك، وكم كنت ساذجا حين علمت أن الموضوع يتعلق بمبلغ بسيط من العملة الصعبة ويحصل بعدها الشخص على شهادة الدكتوراه، وغالبا لا يقوم هو حتى بدفع ما يترتب عليه من مبلغ، بل يقوم أشخاص آخرين بذلك " كرمى لعيون المسؤول " ولمساعدته على تسلق المناصب.

كان في الماضي يتم دفع مبلغا من المال للحصول على لقب البيكوية، وأصبحت شهادة الدكتوراه اليوم (التي يتم دفع مبالغ مالية بدلا من تقديم أطروحة دراسية، وفي أحسن الأحوال يتم تقديم الأطروحة الدراسية من قبل شخص آخر) أقول أن هذا النوع من الألقاب أصبح بيكوية العصر – على قول احد أصدقائي – وكل ذلك استوعبه وأحاول أن أهضمه، ولكن ما يحز في نفسي، أولئك الأشخاص التي تعبوا ودرسوا وسهروا في بلادهم أو في بلاد الاغتراب وغابوا عن أهلهم وعملوا بأعمال متنوعة لمساعدة أنفسهم على تحصيل العلم، هل يكونون في السوية نفسها مع أولئك الذين حصلوا على ألقابهم بأموال الآخرين، وفقط لكي يضيفوا ( د. ) إلى اسمهم.

سألني أحد رجال الدين عن زيد من الناس هل حصل على شهادة دكتوراه، فأجبته بسذاجة "ولكنه ليس موظفاً مهمّا ولا مسؤولاً رفيعاً للحصول عليها "، ومنذ مدة قريبة جدا أفشى لي أحدهم بسر خاص وقال لي "سأصبح بعد مدة ثلاث سنوات مسؤولا مهما " قلت له كيف ( وأنا اعرف أنه مهندس منذ أقل من سنتين، إلا أنه متسلق بارع) فأجابني لقد اتصل أخي بي وطلب مني الحصول على شهادة دكتوراه، وقد نصحني بأنني أستطيع الحصول عليها خلال مدة ثلاث سنوات ودون مغادرة القطر، ولكن المدة الزمنية ضرورية لتمريك الايام، وهكذا أصبح مسؤولا".

وأصبحت حينها أقدر العلم والعلماء والألقاب العلمية التي ستكون السبيل (آمل ألا يكون الأوحد) لتسلق المناصب، وعندها لن استغرب مطلقا أن أجد مخالفة مرور على زجاج سيارتي بتوقيع الدكتور شرطي المرور فلان الفلاني، مع قناعته التامة أنه سيصبح في يوم من الأيام قائد مرور المدينة، مع القليل من الدعم والمال والتزلف والانسحاق والتقزم.

هكذا أشخاص، برغبتهم الشديدة على تسلق المناصب مهما كانت، ولو مدير منظفي شارع صغير، المهم الحصول على لقب مدير، لن يصلوا إلا إلى مخالفات أكثر، نتيجة تكوينهم الإداري والأخلاقي وغيره الكثير، لذلك تصبح كل المخالفات التي سبق أن نوّهت وكتبت عنها من مرتبة الأخلاقيات الحميدة مقابل ما سنلمسه مستقبلا عندما يصل مثل هؤلاء إلى مبتغاهم، تدعّمهم آلية مالية وعلاقات مصلحية .

وأنا أعتذر من الملائكة المخالفين لقضايا بسيطة في هيكل الوطن.

قالت لي صديقة عزيزة، أن بعض ما أكتب بصراحة لا يتطرق إلى العمق، وأجيبها " لو تعلمين بحالي "

اللهم اشهد إني بلغت


المهندس باسل قس نصر الله
   مستشار مفتي سورية