المدلـول التعبيـري وحساسـية اللـون عند الفنان شادي نصير
- أكتوبر 1, 2014
- 0
المدلـول التعبيـري وحساسـية اللـون المطبوع عند الفنان شادي نصير ـ بقلم الناقد أديب مخزوم
إنها مجموعة أفكار ورسومات سريعة لمجموعات بشرية منفذة بإيقاعات الالوان المتقاربة
على هامش معرضه الأخير الذي أقيم في صالة العرزال ـ اللاذقية بتاريخ 11-1-2014 و لغاية 25-1-2014 ، قدم الناقد أديب مخزوم القراءة النقدية للوحات الفنان شادي نصير..
المدلـول التعبيـري وحساسـية اللـون المطبوع عند الفنان شادي نصير
اللاذقية ـ الناقد أديب مخزوم
المنطلق الرئيسي لتجارب الفنان شادي نصير يعتمد على معالجة العناصر الانسانية المختزلة، الى حدود الابقاء فقط على اشاراتها التلميحية، والتي تبرز في احيان كثيرة كظلال لا اجسام لها، الشيء الذي يؤكد حضور العناصر التعبيرية، القادمة من تأملات وتحولات وتداخلات ثقافة فنون العصر.
ويمكن اعتبار لوحاته بمثابة خطوة أولى، في اتجاه تثبيت ركائز دعائم موضوعاته الانسانية،المنطلقة من الواقع الحياتي الراهن المشحون بالقلق والتوتر والاضطراب اللامعقول، حيث يركز لابراز الجماعات الإنسانية الخائفة والقلقة والمندفعة نحو بعضها البعض. وهو في مجموعة لوحاته يعمل على تنويع حساسيات اللون من لوحة الى اخرى، ضمن ايقاعات محددة ومتدرجة بين التعتيم والتفتيح. وبذلك يشحن مفرداته التشكيلية،بصياغات بصرية تستعرض تلك العلاقة الحميمية القائمة بين اللون والوهج وبين الخط والحركة، فالمساحات المضاءة تزيد من حدة المساحات الخافتة وتظهر تكاوين العناصر والأشكال، وتكشف أمامنا نتائج اختبارات تجربة فنية، تتعامل مع الجماعة الإنسانية،والتشكيلات التجريدية (أحياناً) ضمن هاجس إبراز التضاد بين الشفافية والكثافة، وبين التبقيع والنثر اللوني. بين الوضوح والغياب هكذا يتدرج في معالجته للجماعة الإنسانية ما بين الوضوح والغياب، وبين السكون والحركة،حيث يتدرج في تحويرالعناصر الانسانية، ويصل أحيانا إلى التعبير عن موضوعه بالمختصر المفيد، الذي يكتفي فيه ببعض الاشارات اللونية العفوية والمتناثرة في فضاء اللوحة، بحيث تبرز الإشارات أو المدلولات التشكيلية، معبرة عن تموجات وتبدلات وتقلبات الحالة الداخلية الانفعالية، التي تترك أثرها الواضح على سطح اللوحة. وهو في هذا النطاق يظهر مقدرة في معالجة حركات الأشخاص بحساسية بصرية وروحية، نلمسها في تدرجات اللون الواحد المعبر عن منهجه العقلاني والعاطفي في آن واحد، فهو يصوغ أشكاله بخطوط وحركات لونية متبدلة الايقاعات، كما يحفر اشكاله على كليشة خاصة، ويستخدمها مرة واحدة في طباعة لوحته الفنية الورقية، ليحصل على التشكيل المطلوب المعبر عن اختباراته التقنية الخاصة، التي تتولد من خلال خبرته في رسم العناصر ووضع اللون وطباعته على سطح اللوحة، ومن ثم العودة لإضافة بعض اللمسات باستخدام الريشة في بعض الأحيان وتقنيتة تكمن في خاصية كونه مطلعاً على تجارب فنية عربية وعالمية، ويعرف كيف يتعامل مع الاتزانات الخفية،ويطوع العلاقات القائمة بين العتمة والضوء، وبين الخط واللون، وبين التبقيع والنثر اللوني. هكذا يمكن الاقتراب من عوالم لوحات شادي نصير وتحليل معطياتها التشكيلية والتعبيرية،التي تختصر العناصر الإنسانية المضطربة، والمعبرة عن حدة المفارقة بين الحياة والموت، وبين الصمت والتفجير. وتبدو المدلولات التعبيرية الإنسانية في بعض لوحاته، أكثر تحرراً وأشد عفوية وتلقائية وغنائية، وضمن اتجاه ما يسود من اهتمامات الحركة الفنية، في هذه المرحلة المشحونة بالتوتر والقلق والترقب، حيث يتفاعل مع رغبات اختصار الشكل الواقعي ويعمل أحياناً على تجريده، والتعبير عن حيوية العاطفة في اخراج اللوحة، بهذا الحس التقني والتلويني المعبر عن حساسية العين،وقدرتها على التماس عناصر الخطأ من الصواب في خطوات الوصول الى اللوحة الفنية المطلوبة. نبض الاختزال والاختصار فحين نتأمل لوحات شادي نصير (من مواليد اللاذقية 1978) سرعان مانشعر بنبض الاختزال والتبسيط،وما يسمى بإيقاع اللون المتحرر، الذي يدفع العين نحو تحسس موسيقا اللوحة وتقاسيمها اللونية المرئية، ورغم اتجاهه نحو التحريف الشديد والذي يلامس أجواء التجريد في بعض لوحاته، فإنه في بعضها الآخر، يبقى عند ضفاف الشكل، حيث يقترب من واقع لوني شديد العفوية، يشير في مجمل لوحات المعرض، إلى وجود أشخاص في اللوحة.
إنها مجموعة أفكار ورسومات سريعة لمجموعات بشرية منفذة بإيقاعات الالوان المتقاربة، والمعرض يقوم على أساس إبراز عنصر الحركة، بمعنى أن العناصر البصرية الواضحة في المعرض تظهرالتعبير الحركي، الذي يصل إلى ما يشبه الحركة الحيوية المقروءة في حركات الاشخاص المتجاورة والمتداخلة والمتنافرة احياناً، كتناقضات حياتنا المعاصرة.
فهو يقدم نتائج اختبارات تجربة فنية، يبحث من خلالها عن عفوية لونية مفتوحة على حركة العواطف والانفعالات، لما تحويه من حساسية بصرية تقطف المناخات الونية والمفردات التشكيلية.
وهذا يعني أن لوحاته تشكف عن تنويعات تجربته التي يتجاوز من خلالها المؤشرات التصويرية، نحو العمق الآخر للمشهد، عبر التأكيد على مظاهر الألوان المتقاربة والبعيدة عن الصخب، والتي تشكل أرضية لوحاته كمنطلق ومدخل لإبراز تدرجات اللون الواحد، الذي يعطي اللوحة وبشكل دائم الهاجس التعبيري العاطفي، لمنطلقات الصياغة اللونية العفوية والتأليف التشكيلي الحديث.
هكذا يدمج في لوحاته ما بين عفوية المشهد الانساني وحيوية الانفتاح والتفاعل مع المعطيات الفنية الحديثة،التي أطلقتها صالونات العواصم الأوروبية في القرن العشرين، قرن التحولات الفنية الكبرى. حيث يتجه نحو اختصار المساحة اللونية و تبسيط الأشكال الواقعية واختزالها وتفكيكها وتحليلها لإبراز صيغ التحاور البصري، بين ايقاعات لونية متجاورة ومتداخلة بحرية تتخطى الرؤية الخارجية الموجودة في الصورة التقليدية لتجعل الحوار البصري أكثر حداثة والحركة الداخلية أكثر اتجاهاً نحو المزيد من الاختصار والتبسيط.
وهذا يعني أن لوحات شادي نصير تنفلت من برودة الصياغة الصالونية الجاهزة، كونها تبتعد من الأساس عن الوسائل التصويرية التقليدية، وتعمل على ولادة لوحة فنية تنحاز أكثر فأكثر نحو النسيج البصري الحديث،الذي يظهر تداخلات الخطوط والبقع اللونية، ضمن صياغة فنية بعيدة كل البعد عن أي انفلاتات ارتجالية وعبثية. حيث يعتمد التدبير في الكشف الصريح عن الانفعال الداخلي،من خلال المعالجة اللونية المائية، التي تتبدل ايقاعاتها البصرية في المدى التشكيلي، الذي تراه العين ضمن اطار اللوحة.