المرأة العربية و ثقافة … رضى التماثيل
- يوليو 17, 2010
- 0
… و في بنود هذا الاعلان لم تذكر مرة واحدة كلمة (امرأة ) و إنما ( فرد) بينماتم ذكر كلمة (أمومة)….
من مقالة المرأة العربية وثقافة “رضى التماثيل” بقلم الكاتبة كلاديس مطر
المرأة العربية و ثقافة " رضى التماثيل " بقلم كلاديس مطر نشرت هذه المقالة أو التعليق عليها بالعديد من المواقع منها موقع الكاتبة كلاديس مطر نفسها، باريس القدس، كنعان، الجيران، عالم بلا حدود
ونقدم للكاتبة كلاديس مطر كل المحبة والتقدير
في عام 1968 سمحت الرقابة على المصنفات السورية لمطابع وزارة الثقافة و السياحة
و الارشاد القومي بنشر الكتاب المترجم ( حضارة الإنسان ) لرينيه ماهو. و أقول
سمحت لما في هذا الكتاب الفذ من فكر متفتح و جرأة في الطرح أثارتني لدرجة
الإعجاب الشديد . لقد كان ملفتا بالنسبة لي أن تقدم أفكار بالغة الشمول و عميقة
الدلالة لا تتناول الإنسان العربي فقط و حقه في الوجود الإنساني و المجتمعي
الكامل و إنما تتناول الشعوب كلها . إن الكتاب يطرح خطة كلية معدة لعالم روحي
بالدرجة الأولى فكل شيء كما يقول "ماهو" ( يخلق بالإنسان و من أجل الإنسان ) و
الحق لقد اختصر قناعاته في العمل في ثلاثة بنود :
أولا ، إن استقلال الدول في العالم المعاصر لا يعني مجرد التوكيد على السيادة
الكلاسيكية المعروفة و إنما يتجاوزه إلى استقلال النمو القومي، هذا النمو المؤسس
على التربية و العلم و الثقافة …. و النمو هو نمو الإنسان بالإنسان و من اجل
الإنسان . . و ما يطلق عليه القرن العشرين اسم النمو بتعابير اقتصادية –
اجتماعية، هو ما يطلق عليه القرن الثامن عشر، بتعابير اشد التصاقا بالسياسة،
اسم حرية.
ثانيا ، إن مفهوم النمو يتضمن التعاون الدولي . ولا يعنى هنا مساعدة الدول
الغنية للدول النامية، و إنما يعني تنظيم حياة جميع الناس على الأرض.
ثالثا ، إن الإنسانية تسير نحو حضارة عالمية و أنها مدفوعة إلى ذلك بقوتين
أولاهما التقدم المستمر للتكنولوجيا و ثانيهما الطموح الأخلاقي الذي لا يقل عن
ذلك قوة و هو حاجة الإنسان إلى الإطلالة على الإنسانية.
إن هذه القناعات الثلاثة في فكر "ماهو" و هو في قمة هرم منظمة الاينسكو لم يكن
ممكن تحقيقها لولا وجود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان باسم الجماعة الدولية.
و الحق أن نص هذا الإعلان ليس تركة من تركات الأجداد، ولا ميراثا تناقلناه من
جيل إلى جيل و إنما هو حاجة فرضتها تطورات معاصرة في القرن الماضي على كل
الأصعدة . انه ليس قصيدة شعر و إنما أوامر فرضها التعسف الإنساني الطويل الأمد.
فالمنظمات العالمية و العربية لحقوق الإنسان كانت و لا تزال في هاجس طرح
أفكارها لدى كل محك إنساني و كل انتهاك حقوقي يثقل على كاهل الفرد – الإنسان.
و في بنود هذا الاعلان لم تذكر مرة واحدة كلمة ( امرأة ) و إنما ( فرد ) بينما
تم ذكر كلمة (أمومة ) في البند القائل : ( للأمومة و الطفولة حق في رعاية و
مساعدة خاصين ، و لجميع الأطفال حق التمتع بذات الحماية الاجتماعية سواء ولدوا
في إطار الزواج أو خارج هذا الإطار.)
اعترف أن دهشتي امتدت إلى غلاف الكتاب و ما كتب عليه من تعليق. إن عقلي المثقل
اليوم بالخطابات الدينية و السياسية الموجهة و ما هو محلل و محرم لا بالنسبة
للمرأة فقط و إنما للفرد العربي ككل قد إثارته هذه العبارات البديعة التي كانت
تستقر فوق رفوف المكتبات السورية و العربية في يوم من الأيام . و سأورد للقارئ
النص كما ورد على غلاف الكتاب :
( الكتاب مجموعة ( دروب ) تتجه نحو نقطة واحدة تتلاقى فيها : الإنسان بما هو
انسان، الإنسان في إنسانيته الخالصة ، كيف ننشئه، أو بالأحرى كيف ينشىء ذاته. المرض، الجهل، الأمية، الفقر، الظلم، الاضطهاد، الحرب تلك هي الأمراض التي
عانت منها الإنسانية و ما تزال …..
الشباب، المرأة ، الجماهير تسعى إلى النور، الشعوب في طريقها إلى التحرر، هؤلاء هم أمل المستقبل .
المدرسة، الكتاب، الجامعة، منظمات الشباب، الإعلام، تنظيم اللهو و الفراغ، اليونسكو، تلك هي بعض المؤسسات التي يضع الإنسان فيها أمله .
العلم و التقنية… الشعر و الرياضة … الفن و الفكر …التربية و الثقافة ..تلك هي وسائل التحرر.
دانتي ، شكسبير ، كيركجارد ، آينشتاين ، تياردي شاردان و أمثالهم هم قادة الإنسانية .
و فوق هذا و ذاك …. قبله و بعده …الحرية منطلقا و غاية .
إن رينيه ماهو المدير العام لمنظمة اليونيسكو هو مرب و فيلسوف و فنان أكثر مما
هو مدير . انه يعيد إلى الكلمة المكانة التي كانت لها عند العرب و الإغريق . و
معها يعيد للحرية مقاما تكاد تفقده في عالم يقوم على التنظيم الصارم .
في البدء كانت الكلمة الحرة ) لقد وقفت أمام هذه الفقرة متأملة. لو قدر لأي كاتب أو مفكر عربي معاصر اليوم
أن يعلق على هذا الكلام اليوم، كيف سيكون خطابه أو طرحه ! هل سيشدد كثيرا على
كلمة الحرية من دون أن يذكر إطار هذه الحرية! هل سيشدد على نفس وسائل التحرر
أي الفن و الفكر و العلم و التقنية !! أم انه سوف يرى في الخطاب الديني و
مرجعيته و حقوقيته الملاذ الجديد للحرية العربية المعاصرة و إطارها الوحيد
الشرعي في وجه مد عولمة لا يستطيع أن يتكهن لا بمقدماتها ولا بنتائجها؟ هل سوف
يرى في آنشتاين أو الاب تيارد دوشاردان قادة للإنسانية مثلا، أم انه من
المستحيل أن يحتلا هؤلاء أية مساحة من عقله في وجود المرجعيات الدينية و
الشرعية و السلطوية المعاصرة الأخرى! و هل فعلا، يعتقد اليوم انه في البدء
كانت الكلمة ( الحرة )! و هل يمكن لعالمية حقوق الإنسان أن تتجاور اليوم مع
النسبية الثقافية للمجتمعات !!!! صحيح إن هذه الحقوق ليست قانونية بمعنى أن
الإنسان يملكها أصلا ومصدرها تماما طبيعته الأخلاقية و إحساسه بكرامته المتأصل
في شخصيته إلا أنها تتقاطع بحدة مع النسبية الثقافية للمجتمعات و الدول. و إذا
ظننا أن هذه الحقوق انبثقت من الغرب وهي بالضبط ما انتهى إليه الفكر الأوروبي
الرأسمالي خلال تطوره التاريخي، إذن ، أين الرؤية العربية و الإسلامية لحقوق
الإنسان لدينا ! هكذا برز هذا التقاطع بين المعايير العالمية لحقوق الإنسان و
الأعراف و الممارسات الاجتماعية المحلية المؤسسة على مفاهيم بديلة عن الكرامة
الإنسانية و مفهوم ( الحق) !
لا يتضمن الإسلام على اللفظة المعاصرة ( حقوق الإنسان ) لكنه يؤسس حق الإنسان
المسلم على فكرة العدل! إن حقوق الإنسان في الرؤية الغربية تعني الحقوق
الطبيعية المرتبطة بجوانية الإنسان و ذاتيته من الناحية الطبيعية و هكذا فإنها
عالمية بهذا المعنى بغض النظر عن أي اعتبار آخر طالما انه يرتبط بطبيعة
الإنسان، بينما تبنى حقوق الإنسان في الإسلام على مبدأ التكريم الإلهي و مقدار
التقوى تجاه الذات العليا و على مفهوم العدل.
لكن المطلع على انتهاكات حقوق الإنسان و خصوصا المرأة في بعض دول العالم العربي
يشعر بضرورة الإسراع في تفعيل الميثاق العربي لحقوق الإنسان ، هذا الميثاق الذي
تمت صياغته في مؤتمر في مدينة سيراكوزا الايطالية عام 1986 .
لكن هذا الميثاق بحاجة إلى تكييفه اليوم بما ينسجم و المعايير الدولية، كما دعا
البيان الصادر عن مؤتمر الدار البيضاء عام 9991. فهذا الميثاق الذي ولد و هو
لا يتمتع بمقومات الحياة ، لم يحظ بتصديق دولة عربية واحدة رغم مرور وقت طويل
على صدوره ،كان فيها محل تجاهل الرأي العام و محل نقد حاد من منظمات حقوق
الإنسان التي تحفظت عليه جملة و تفصيلا .
و لقد أعلن المؤتمر المنعقد في بيروت رفضه للمنهج الاعتذاري التبريري الناظم
لفلسفة هذا الميثاق بما ينطوي عليه من تبرير لعدم التزامه بمساواة الشعوب في
العالم العربي في الحقوق مع شعوب البلدان الأخرى، و ذلك بدعاوي الخصوصية
الدينية و اعتبر المؤتمر ذلك بمثابة نظرة تسيء إلى جوهر الأديان و تغولا على
حقوق الإنسان في العالم العربي .
إذا، من يجرؤ اليوم على تذييل كتاب بهكذا مقدمة !!!
و كيف يمكن لا للمرأة فحسب وإنما للإنسان العربي أن يكمل بناء ذاته و حضارته
وثقافته و هو لا يملك ( وثيقة ) تحمي حقوقه ليخر ج من أسر الفقر و التخلف و التبعية و تحرير كامل طاقاته من أجل النهوض بأي مشروع مجتمعي مفترض !
و قبل أن ندير رؤوسنا باتجاه تلك الزاوية المظلمة التي تركن فيها المرأة العربية إما بقرار من ذاتها في وأد أنوثتها الوجدانية أو بقرار من القانون
المجتمعي أو الديني أو الذكوري السائد ، فإننا نتجه بخشوع المؤمن و مثابرة المجتهد و صبر أيوب الى تبني برامج فعالة من أجل الإصلاح السياسي و الدستوري و
تفعيل حقوق الإنسان عمليا و اعتماد التعددية السياسية و الفكرية و الثقافية و العرقية و الدينية في المجتمعات العربية.
و حين نتطلع بعين الفاحص إلى مكمن الخلل فإننا نميز لا محالة عدة عناصر أساسية
تفتك في التنمية البشرية في البلدان العربية : أولها النقص المهول في تنمية
قدرات المرأة و عدم السماح لها بالمشاركة الفعلية بسبب طبيعة المجتمع الثقافية
و حالة المرأة ذاتها و أنوثتها غير المتحققة. ثانيا، النقص المعرفي الكبير
بالنسبة لحجم المعرفة المتاحة عالميا، و أخيرا و قبل كل شيء ، النقص المرضي
في الحرية .
الحق إن الضغط الكبير الذي يمارس على حركة المجتمع المدني هو بالذات ما جعل
الشارع العربي يبدو بشكله الباهت النضالي ليس فقط لتحرير ذاتية الفرد العربي
وإنما أيضا من اجل التضامن الفعلي مع الشعب الفلسطيني و العراقي و كل إشكال
القمع في الحياة العربية. فالنضال من أجل حق مشروع أو فكرة مشروعة بالنسبة
للمرأة هي وجه من أوجه الأنوثة المتحققة لأنها تعبر عن وجدانية هذه الأنوثة
بأقصى وابعد طاقاتها . إنها الأنوثة الحامية و المدافعة و المؤسسة لجدران
المجتمع السوي. أما النضال فهو يعطي للذكورة صفتها الكاملة لأنه يحدد مسيرة
الطاقة المتجمعة فيها ( المنتظرة غير الإبداعية ) و يدفعها باتجاهها العملي
الإبداعي الفعال.
إن المساواة في فعل النضال يدفع بقطبي الذكورة و الأنوثة إلى أقصى مداهما من
التحقق، و هذا التحقق يتجلى في تكريس أسس المجتمع السوي الحر .
اننا نفخر بأننا وطنيون دائما و نردد مع الجميع أن ( حب الوطن سوسة )، لكن
الوطنية من دون ديمقراطية مجرد أضغاث أحلام لأنها في طريق ثابت باتجاه التعسف
إن لم نقل الديكتاتورية و بالتالي فإنها مقدمة لأي تدخل أجنبي محتمل .
حين يترك المجال للمرأة العربية لكي تناضل من أجل قضايا الأمة فانه يفسح لها
المجال لكي تحقق أنوثتها لا بشكلها المزيف الحالي وإنما بشكلها العملي المجتمعي
و الوطني الفعال. إن الأنوثة النضالية المتحققة هي الدرع المتين أمام سقوط
القيم الأخلاقية و الدينية في المجتمع و ليس العكس. إنها أيضا السور العالي
الراسخ الذي يلتف حول جدران الأسرة – الخلية الأساسية في المجتمع، و يمنعها من
السقوط. الأنوثة المتحققة ليست وقتا يهدر هنا و هناك وراء المنابر … إنها وعي
بالدرجة الأولى و سلوك و وجهة نظر .
فالنضال المجتمعي للأنوثة يبدأ من الخلية الأولى – الأسرة لينتهي في المجتمع في
أرحب مجالاته . و لكنه يبدأ هناك أولا بين الأطفال الذين يترعرعون في كنف
الأعراف المحلية و القيم المثيرة للجدل و رجل مثقف لا يلهيه البحث عن لقمة
العيش عن مبادئه و حقوقه و كرامته .
إذا إن المرأة العربية في موقع لا تحسد عليه. و لهذا لا يجب عليها اليوم أن
تنتظر الرجل لكي ( يتركها ) تحقق هذه الأنوثة الوجدانية. إنها هناك في داخلها
في متناول يدها، كل ما عليها هو أن تفرد جناحيها و تستعد للطيران.
إننا نصنع زمننا و نحيكه بصبر أيوب. إننا نعطي للفترة طابعها، و للساعات التي
تمر نبضها الخاص. إننا صانعوا الفترة، التاريخ، اللحظة …. !
اليوم وبعد ست و ثلاثون عاما على ظهور هذه المقدمة البديعة، تعيد الرقابة على
المصنفات في كل أرجاء الوطن العربي حساباتها الإبداعية بكل تؤدة و انتباه فلا
تنزلق قدم في جنة الحرية غير المؤطرة ، ولا يزل لسان بأسماء لا تجد موافقة لها
في الخطاب الديني أو السياسي للأمة .
إذا نحن نصنع ما يدور حولنا، نغزله، نعيد صياغته و نستعمله بعد ذلك كقانون أو
كمقصلة و نشنق أنفسنا به .
و المطلوب من المرأة العربية اليوم أن تغزل هذه الأنوثة ، أن تبعثها من جديد ،
أن تحييها و تعمل على تفعيلها و أن تصنعها كل لحظة و أن تفلت من ثقافة "رضى
التماثيل " المقيتة. قد تخسر بعض المعارك و لكن الحرب يجب أن تكسبها لا لكي
تحقق وجودا مماثلا أو مساويا لقطب الذكورة و إنما وجودا تكامليا معه .
اليوم ، تخرج امرأة العالم و المرأة العربية أيضا من بنود حقوق الإنسان . إنها
دين المرأة المعاصرة و وثيقة حقوقها. و متى حان الوقت لتشكيل لجان مشتركة من
خبراء حكوميين و ممثلين عن منظمات حقوق الإنسان لإعداد وثيقة إقليمية لتعزيز
حقوق الإنسان العربي ، يجب أن يكون هناك بند يشدد على حق المرأة في تحقيق
أنوثتها من خلال نضالها المجتمعي و ممارسة حقوقها المدنية و السياسية كاملة لا
من خلال رؤية تماثلية و إنما تكاملية مع الرجل .
www.gladysmatar.net