من المعروف أنّ العديد من الحضارات القديمة كانت تلجأ إلى الموسيقى والأصوات لتعزيز الشفاء الجسدي، النفسي والروحي. واليوم يشكل العلاج بالموسيقى وبالأصوات واحداً من أبرز العلاجات الطبيعية،

الموسيقا… العلاج الممتع

عن موقع: البلاغ

صفحة عالم المعرفة Rima jean 

متابعة عالم نوح ـ نوح حمامي

المرة المقبلة التي تتوجّه فيها إلى عيادة طبيب الأسنان، لا تَنْسَ أن تأخذ معك جهاز التسجيل الصغير الذي يضم أغانيك المفضلة. ولا تتأخر في تشغيله ووضع السماعات على أذنيك، حالما يُدخل الطبيب مسباره في فمك. فاستماعك للموسيقى سيخفف كثيراً من خوفك، وقلقك، وآلام أسنانك.

رقيم اوغاريت مصنوع من الطين يحتوي على أقدم مقطوعة موسيقية يرجع تاريخها الى 1400 ق م

من المعروف أنّ العديد من الحضارات القديمة كانت تلجأ إلى الموسيقى والأصوات لتعزيز الشفاء الجسدي، النفسي والروحي. واليوم يشكل العلاج بالموسيقى وبالأصوات واحداً من أبرز العلاجات الطبيعية، التي جاء العلم ليؤكد فوائدها وصحة ممارستها. وغالباً ما يلجأ المتخصصون في العلاج بالموسيقى إلى الأنغام والمقطوعات الموسيقية الأوروبية الكلاسيكية لإحداث تغييرات إيجابية نفسية، فيزيولوجية وذهنية. أمّا العلاج بالأصوات فيعتمد على الإيقاعة، مثل أصوات الطبول، الإنشاد والترنيم لرفع مستويات التوازن وتعزيز عملية الشفاء. ويعتمد هذا النوع من العلاجات الطبيعية على مبدأ بسيط، هو إستخدام الأصوات لإحداث حالة من الإسترخاء العميق، تتميّز بتراجُع سرعة التنفس الذي يصبح أكثر عمقاً، وتراجع سرعة إيقاع نبض القلب، وإسترخاء العضلات، وتغيُّر تواتر موجات الدماغ، وتعزيز فاعلية الدورة الدموية. ويُذكر أن إستجابات الجسم المذكورة هي مناقضة تماماً لتلك، التي تحصل عند تعرضنا للتوتر والضغط النفسي. وهذا يعني أنّ العلاج بالموسيقى يساعد الجسم على تفادي الإضطرابات الصحية الناتجة عن الضغط والتوتر، وتعزيز مقاومته لها.

أمّا أبرز الحالات التي يتم فيها إستخدام العلاج بالموسيقى فهي:

1- تخفيف الألم:

ساعة من الإستماع إلى الموسيقى يومياً لمدة أسبوع، هي الوصفة الطبية التي يقدمها البحّاثة في مستشفى "جامعة كليفلاند"، للمرضى الذين يعانون الروماتيزم أو إلتهاب المفاصل بأنواعه، آلام الظهر المزمنة، آلام الرقبة. وقد تبيَّن علمياً أن اعتماد هذه الوصفة وتطبيقها يساعدان على التخفيف من حدة الألم بنسبة 21%. وتأتي الدراسات التي أجراها الباحث الفرنسي ستيفان غيتان، من "جامعة مونبلييه"، لتؤكد النتائج التي توصّل إليها الأميركيون، في ما يتعلق بقدرة الموسيقى على تخفيف حدة الألم الذي يعانيه المصابون بالروماتيزم. من جهة ثانية، أظهرت دراسة أميركية حديثة، أنّ الإستماع للموسيقى الهادئة يساعد على التخفيف من الألم والقلق المرتبطين بالخضوع لعمليات جراحية، خاصة تلك التي يخشاها الكثيرون لدى طبيب الأسنان. وتعلق البروفيسورة ساندرا سيدليك، التي أشرفت على التجارب الأميركية فتقول، إنّ الموسيقى تساعد على تشتيت إنتباه الناس عن مصدر قلقهم وإنزعاجهم. لكن الأمر لا يتوقف عند ذلك، بل إنّ الموسيقى كما يؤكد الدكتور بيير لوماركيز، تحفز الدماغ إلى إفراز المزيد من الناقلات العصبية، "الأندورفينات" المعروفة بقدرتها على التخفيف من حدة الألم ورفع المعنويات.

2- تبديد الإكتئاب:

يؤكد المتخصصون في العلوم العصبية، أنّ الموسيقى تتمتع بفاعلية تشبه إلى حد كبير فاعلية العقاقير المضادة للإكتئاب، مثل "البروزاك" الشهير. ويقول لوماركيز، إنّ صور الأشعة المقطعيّة تُظهر بوضوح، أنّه أثناء الإستماع لمقطوعة موسيقية نحبها، تنشط داخل الدماغ المناطق والمسارات نفسها المسؤولة عن شعورنا بالحبور بعد نَيْل المكافآت. وفي الوقت نفسه يُسهم الإستماع للموسيقى في إرتفاع مستويات "السيروتونين"، الذي يُشكل أساس معظم العقاقير المضادة للإكتئاب، و"الأندورفينات" (أو هُرمونات السعادة) و"الدوبامين" (هرمون الرغبة والإبتكار). والواقع أنّ العلماء وجدوا أن مستويات "الأندورفينات" في لُعَاب الموسيقيين المحترفين، تكون أعلى ممّا هي عليه عادة لدى الأشخاص غير المهتمين بالموسيقى.


«”أورنينا” هو اسم مغنية المعبد السورية، والتي يعتقد علماء الآثار أنها أول من غنت على سطح الأرض، وكان ذلك في عام /3500/ ق.م».في معبد عشتار في مدينة (ماري) الواقعة في جنوب مدينة دير الزور


3- مكافحة الأرق:

أخضعت البروفيسورة ماريون غود، من مستشفى "جامعة كليفلاند"، مجموعة كبيرة من الأشخاص، الذين يعانون الأرق وإضطرابات النوم للعلاج بالموسيقى لمدة 3 أسابيع، بمعدل 45 دقيقة من الإصغاء إلى موسيقى ناعمة عند موعد النوم. وقامت خلال ذلك بتسجيل النشاط الدماغي لديهم، فتبيَّن أنّ الإستماع للموسيقى يُسرّع عملية الخلود إلى النوم بنسبة 35%، كما أنّه يُحسّن نوعية النوم، ويطيل مدته. ويفسر الباحث لازلو هارمات هذه الظاهرة قائلاً، إنّ الموسيقى الناعمة تُهدىء الجهاز العصبي، وتخفف من سرعة حركة التنفس، وسرعة إيقاع نبضات القلب، وكل ذلك يساعد الجسم على الإنتقال بشكل أسهل إلى عالم النوم. لكنه يحذر قائلاً، إننا لا يجب أن نتوقع النتائج بين عشية وضحايا، إذ يمكن أن يتطلب الأمر ثلاثة أسابيع يحتاج إليها الجسم، ليربط بين الموسيقى والراحة، والخلود إلى النوم.

4- تعزيز قدرات ضحايا السكتة الدماغية:

يمكن للموسيقى أن تساعد على التخفيف من حدّة معاناة الأشخاص الذين تعرضوا لسكتة دماغية. ففي دراسة فنلندية نشرتها مجلة "الدماغ"، طلب الأطباء من المرضى الذين تعرضوا لسكتة دماغية، الإستماع لموسيقاهم المفضلة لمدة ساعتين في النهار. وفي غضون ثلاثة أشهر من تطبيق هذه النصيحة، شهد هؤلاء المرضى زيادة في القدرة على تشكيل الكلمات والعبارات ونطقها بنسبة 60%، مقارنة بزيادة قدرها 29% فقط لدى مرضى آخرين تعرضوا لسكتة دماغية أيضاً، لكنهم لم يطبّقوا نصيحة الإستماع للموسيقى. ويشدّد الأخصائي الفنلندي الدكتور تيبو ساركامو، الذي أشرف على الدراسة، على ضرورة البدء في تطبيق هذه النصيحة العلاجية في أبكر وقت ممكن، أي منذ الساعات الأولى التي يبدأ فيها الدماغ، المعروف بمرونة وبقدرته على التأقلم، محاولة التكيّف مع الأضرار التي سبّبتها السكتة الدماغية.

صورة نادرة لعازفة الطبل الاوغاريتية يداها تعزف الفرح والسلام

5- تنشيط ذاكرة المصابين بمرض الـ"زهايمر":

يؤكد الدكتور لاماركيز، أنّ بعض الأشخاص المصابين بمرض الـ"زهايمر"، يظلون قادرين على الإستعانة بذاكرتهم الموسيقية، وبدَنْدنَة ألحان كانوا يعرفونها في الماضي، أو بترنيم كلمات أغنياتهم القديمة المفضّلة. ويؤكد أيضاً، أن في إمكانهم تعلّم أغنيات جديدة حتى في حالة فقدانهم القدرة على التحكم في اللغة. وكان الفرنسي هيرفي بلاتيل، الأخصائي في علم النفس العصبي، قد نجح في مدينة "كان"، في تعليم مرضى مصابين بحالة متقدمة جدّاً من مرض الـ"زهايمر"، أغنيات جديدة لم يكونوا يعرفونها من قبل. بل وأكثر من ذلك، فقد تمكن هؤلاء من حفظ الأغنية في ذاكرتهم أشهراً عديدة، وترديدها من دون حاجة إلى إستثارة عصبية. ويعتقد البحّاثة، أنّ الموسيقى التي تتوجّه مباشرة إلى المناطق الإنفعالية في الدماغ، قد تكون قادرة على إستثارة الذاكرة اللاّواعية.

6- تحسين توازن المصابين بمرض "باركنسون" وتعزيز قدرتهم على الحركة:

جميعنا تنتابنا رغبة في التمايُل والرقص، حال سماع ألحان إنسيابية، أو إيقاعية مفرحة. وهذا الأمر ليس مستغرباً، إذ إنّ هناك روابط بيولوجية مباشرة بين حاسة السمع والقدرة على الحركة. وإنطلاقاً من ذلك، يعتقد الأخصائيون في العلوم العصبية، أنّ الإستعانة بهذه الروابط، يمكن أن تساعد مرضى الـ"باركنسون" على تحسين توازنهم وتنسيق حركاتهم والتحكم فيها. ويشير لاماركيز إلى دراسة كندية، أظهرت أن 20 درساً، مدة كل واحد منها ساعة، من تعلم رقصة "التانغو"، تُفيد مرضى الـ"باركنسون" أكثر من 20 جلسة من جلسات إعادة التأهيل التقليدية.

فرقة الأوركسترا السمفونية الأسترالية

7- خفض مستويات التوتر:

لا نحتاج إلى دراسات عليَا في العلوم العصبية، لكي نتأكد من أن بعض أنواع الموسيقى "يثير أعصابنا" وبعضها الآخر يُهدئها. ولكن بفضل دراسة مخبريّة أجراها أخصائيون فرنسيون في الفيزيولوجيا العصبية، وعلم النفس العصبي في مدينة مرسيليا، أصبح لدينا اليوم برهان على أنّ الموسيقى تتفاعل مع إيقاعات الجسم البيولوجية. وكانت الباحثة ستيفاني خالفا، التي أشرفت على الدراسة المذكورة، قد قاست مستويات هُرمون التوتر، "الكورتيزول"، لدى مجموعة من الطلاب بعد إخضاعهم لوضعيّات مسببّة للتوتر، مثل إلقاء خطاب أمام جمع كبير من الناس، أو إختبار في الحساب الذهني. وتبيَّن لها أنّ هذه المستويات تبدأ بسرعة في العودة إلى مستوياتها الطبيعية، لدى الطلاب الذين يصغون إلى موسيقى ذات إيقاع منتظم، حال إنتهاء الوضعية المسببة للتوتر. أما لدى الآخرين الذين لم يصغوا إلى الموسيقى، فقد استمرت مستويات "الكورتيزول" في التصاعُد على الأقل لمدة ربع ساعة، بعد إنقضاء الحالة المسببة له. وبعبارة أخرى، فإنّ للموسيقى تأثيراً مباشراً مضاداً للتوتر، فهي تساعد على التخفيف من سرعة إيقاع ضربات القلب وحركة التنفس، كما أنّها تُسهم في تعديل الموجات الدماغية.

ومن جهته يقول الأخصائي الأميركي الدكتور مايكل ميلر، مدير مركز طب القلب الوقائي في "جامعة ماريلاند"، إنّ الإستماع للموسيقى يحث الجسم على إفراز "الأندورفينات"، وهي المواد الكيميائية الدماغية التي تخفف التوتر وتعزز إنسياب الدم في الجسم. وكانت الدراسات التي أجراها ميلر، أظهرت أنّ الإستماع للأغنيات المفرحة، يساعد على إراحة الأوعية الدموية بنسبة 26%، أي ما يوازي الفوائد الناتجة عن ممارسة التمارين الرياضية لمدة نصف ساعة.

8- تحسين قُدرات الأطفال المصابين بعُسر القراءة والكتابة والنطق:


بما أنّ الموسيقى تَعبُر المسارات العصبية الدماغية نفسها التي تعبرها اللغة، أرْتَاى باحثان فرنسيان، هما: ميرييل بيسون وميشيل حبيب، الإستعانة بهذه الحقيقة لمساعدة الأطفال المصابين بعسر القراءة والنطق. ويقول الباحثان، إنّ نحو نصف الأطفال المصابين بعسر القراءة، لا يلحظون الإختلافات في نبرات صوت القارىء الذي يروي لهم حكايات، وهي إختلافات يسهل على الأطفال الآخرين ملاحظتها. وبعد إخضاع الأطفال الذين يعانون عسر القراءة، لتجربة تتضمّن إستماعهم للموسيقى يومياً لمدة شهرين، نجح هؤلاء في إحراز تقدم كبير في ملاحظة إختلافات نبرات الصوت، إضافة إلى تحسُّن كبير في قدرتهم على القراءة. بل الأفضل من ذلك، تبيَّن أن سرعة نطق هؤلاء الأطفال كلمة تزاد بمعدل 3 أضعاف، عندما تكون هذه الكلمة مُغنَّاة، عوضاً عن أن تكون مَحْكِيّة.
تجدر الإشارة، إلى أن حجم المادة الرمادية، وبالتالي الخلايا العصبية في المناطق الدماغية المسؤولة عن اللغة، يكون أكبر وأكثر تطوراً لدى الموسيقيين، مُقارَنة بما هو عليه لدى غير الموسيقيين. والواقع، أنّ هذه العلاقة الدماغية القائمة بين اللغة والموسيقى، تفسر أيضاً لماذا يسهل على الموسيقيين تعلُّم اللغات الأجنبية.

الأوركسترا السمفونية الأسترالية لولايات ملبورن

9- تعزيز القدرة والسرعة في حل المشاكل:

قد لا يبدو الأمر منطقيّاً، لكن تَبيَّن علمياً، أنّ القليل من تشتيت الإنتباه يمكن أن يساعد على تعزيز الإنتاجية في العمل. وقد أظهر البحّاثة في "جامعة ميامي" الأميركية، أن واضعي برامج الكمبيوتر الذين كانوا يستمعون للموسيقى أثناء عملهم، كانوا يُنجزون مهمّاتهم في وقت أسرع، وبشكل أكثر دقة وفاعلية، مقارنة بزملائهم الذين كانوا يعملون في مكان صامت. وتعلّق البروفيسورة تيريزا ليزيوك، التي أشرفت على الدراسة قائلة، إنّ الموسيقى تحفز الجسم إلى إفراز "الدوبامين"، المادة الكيميائية الدماغية التي تساعد على إيجاد حلول مبتكرَة للمشاكل.