ماذا كتب الناقد والفنان التشكيلي عبد القادر الخليل عن صديقه الناقد والفنان التشكيلي ابراهيم داود
عالم نوح



ماذا يمكن أن يكتب الناقد والفنان التشكيلي عبد القادر الخليل عن الناقد والفنان التشكيلي ابراهيم داود … لنتابع
عالم نوح

يشتاق قلم الناقد للصوت في تسجيل مباشرحين يكون أمام موضوع ذو أهمية كما هو الحديث عن الفنان والناقد التشكيلي ابراهيم داود. وإعطاء نظرة صادقة على التصميم الذي يطرحه إنسان الخبرة كما هو الفنان التشكيلي ابراهيم داود. ومن واجبات المؤرخ أن يعطي لمحة عن الذين لهم فضل كبير في ترعرع التراث التشكيلي في سورية، و عندما تكون حقول هؤلاء الأفراد مزهرة كما هو حال الفنان ابراهيم؟ يضيع القلم في اختيار البداية. هل نتحدث عن الفنان ابراهيم وونسى الناقد التشكيلي؟ , وهل نتحدث عن منجزاته في الصحافة قبل الفن؟ , أم نترك مهماته كمدير للمعارض في مدينة حلب, وعن عضويتيه في اتحاد الفنانين بما يخص أعضاء الإدارة؟ لاشك أن الأفكار تتراكم والأحرف تبقى عاجزة عن شرح معالم الفنان ونشاطاته. يخطر لي تقارب الزميل داود من الفنان دافنشي الذي اشتهر في الفن التشكيلي, لكن كانت له اختصاصات عديدة, والتأثير الإنساني يجب أن نلاحظه حتى ولو لم يسر الفنان بنفس التجارب التي سار بها أخرون.

الناقد التشكيلي ابراهيم داود وقلمه الذي حرث في الصحف مساحات كبيرة, وأعطى إضاءة عن الفن السوري عامة, ولمحات متنوعة عن الفن العالمي. يعتبر من أهم الصحفيين الذين مارسوا ويمارسوا الإنارة عن المعارض التي تقام في الوطن. هو الذي أنجز صفحة مخصصة في الفن التشكيلي في جريدة الجماهير في حلب. ومنذ عام 2010 هو الذي يحررها ويديرها. صفحة أسبوعية, تحمل جميع أخبار المعارض وفيها حوار مع الفنانين, وكلمته الخاصة. يهمني ايضأ الفنان الذي أشرف على تصميم المعارض في حلب خلال السنين العشرة الأخيرة. لكن الذي له الأهمية الكبرى في هذه المقالة هي خصوصيته كفنان تشكيلي.

رؤية الفنان ابراهيم الجمالية والفكرية يطرحها على القارئ والمتلقي منذ عام 1988 حين بدأ نشاطه النقدي في دمشق. هناك على أرض الفيحاء عاش سنين في متابعة دراسة الفن الذي بدأها في عام 1977 و تخرج من كلية الفنون الجميلة في عام 1983. سنين هامة في حياة الفنان, أقول فنان لأنه جاء إلى دمشق وهو فنان, لأنه أدى دراسته الأولى في أكاديمية فتحي محمد للفن التشكيلي في حلب, ممكن أن تكون أكاديمية صغيرة آنذاك, لكن كانت هي الوحيدة والنظامية في حلب, وعلى أرض هذه الأكاديمية جلس أفراد كثيرين وحصلوا على المعلومات الأساسية في الفن التشكيلي. ومثّلوا النهضة السورية, كما هم وحيد مغاربة, محمد عساني وحيد استنابولي, سعيد الطه. طاهر البني, عبد الرحمن مهنى, محمود مكي, صلاح الدين خالدي, علي سرميني, ظافر سرميني, ابراهيم داود, عبد القادر الخليل, وغيرهم من طلاب ومدرسين. والأستاذ ابراهيم داود من هؤلاء الذي وصلوا إلى قدوة الفن السوري بعد متابعتهم للفن في الكليات السورية والعالمية.

لا جدال في النقد والصحافة وإدارة المعارض أخذت من الفنان زمن هائل, أجبرته على عدم الإهتمام بإنتاجه الذاتي, ولا جدال بأن هذه الواجبات خففت من إنتاج الفنان خلال بعض السنين, لكن أنا اعرف بأن الفنان الأصيل لايترك الفن ولو لم توجد لديه الأدوات. الفنان يستخدم فرشات الأحذية إن لم يجد فرشات الرسم, ويستخدم التربة إن فقد الألوان. هكذا ممكن أن نصف الفنان عندما تغمره المهمات, لكن يستغل الثواني من الزمن ويخلق الساعات الجديدة كي يعطي إنتاج حديث.


كان الفنان ابراهيم يرسم المواضيع العمرانية والأثرية, كما كان سابقآ متأثر بالفنان سيزان والمدرسة الإنطباعية, وبعد مسيرته في هذا الإتجاه, أخذت أفكاره البلورة في الأشكال التعبيرية وفي أفكار هذه المدرسة نتيجة للتطور والبحث عن أسلوب خاص يناقش به نفسه في الأول ثم يناقش به المتمتعين في إطار فلسفي وبصري. التعبيرية جائت لتعطيه لغة مختلفة وفكرة جديدة في الفن التشكيلي, وهي نظرية الأشياء المتحركة. ومنذ ولادة هذه المدرسة في 1911 انحاز لها أكثر مؤلفين اللون على وجه القماش, ولعبت دور هام هذه المدرسة في المنتصف الأول من القرن الماضي, علمأ أنه ظهر ملامح كبرى لهذه المدرسة في منجزات الفنان الإسباني فرانسيسكو غويا, وفي لوحات الهولندي فان جوج, وفي أعمال مانش, لكن لم تعط هذا الإسم حتى جاء اورايج Worriger الذي أعطى هذا الإسم لأول مرة حين كان يزور معرضا في ألمانيا شارك به سيزان وفان جوج و ماتيس وظهرت هذه المقالة في مجلة دير ستورم Der Sturm في عام 1911. لسنا هنا بصدد إعطاء شرح عن الحركة التعبيرية, لكن الفنان ابراهيم له موقع هام في اللغة التعبيرية, منذ أن كان يرسم مواضيع شعبية, وحتى يومنا هذا, اللمحة عن التعبيرية تعطينا الهدف, لأن التعبيرية جاءت بلغة الرمز لأشياء مختفية وكان الفنان يعاني من حرية التعبير في الحديث الناطق في اوربا, هناك استعمل الحديث الصامت. لكن صمت الفنانين في اوربا آنذاك وصلت أصواته صارخة إلى أنحاء العالم. حيث أن أكثر الفنانين في العالم عانقوا هذا الإتجاه. أليست لوحة الغيرنيكا للفنان بيكاسوا تمثل هاذا الإتجاه, ولو أن الفنان بيكاسوا هو زعيم الحركة التكعيبية, لكن سار في مدارس أخرى قبل لقائه مع "التكعيبية". وهنا لابد أن نقول أن سوريا عانت حروب عديدة في جميع سنين قرن العشرين. الاحتلال الفرنسي, حرب حزيران واحتلال الجولان, وحرب تشرين, ففي المدرسة التعبيرية يجد الفنان ابراهيم كل الأدوات لدعم أفكاره في إعطاء مناظر صامتة تصرخ بأقوى قوة من لغة الصوت, هكذا نجد في لوحات مانش. لم يختلف إحساس الفنان داود عن مبدأ هذا المذهب. وإن كانت مواضعه المجسدة تحكي قصص الطابع القروي. لكن بحوثاته المتواصلة, وعدم راحته النفسية لشيء دائم, لهذا نراه يجسد أشكالا مختلفة, ولولا أنني أخشى من الإساءة لبعض الفنانين, لقلت, أن هذه الطريقة هي أفضل طريق لكي يكون الفنان عالميا.

حقيقة الفنان داود تتجسد في استخدام وسيلة التعبير للحديث عن شيء من طبيعة السوريالية, يستخدم إحساسه الداخلي مع همسات روحية تعطيه إظهار الحقيقة دون تجسيد الحقيقة بحد ذاتها. في معرضه الذي أقيم في مدريد عام 2010 كانت لوحاته تحكي عن أشياء رومنسية داخل إطار صوفي, من حيث الموضوع, ومن حيث الطموح النفسي, ومن حيث اللون, , وخلال 4 سنوات وجدت له تغيير في الأسلوب وفي الموضوعية تختلف كليا عن السابق, هكذا تحكي لوحاته الأخيرة, وتجاربه الجديدة يقدمها في فلسفة بصرية, مشحونة بلمسات رومنسية وفيها بعض من ألوان الوحشية. يستخدم تكتيك جديد, يستعمل أدوات حديثة, أعارض تشخيصها كي تبقى وسيلة للفنان, وهذا يعرفه الأستاذ داود كناقد تشكيلي. هي تجارب جميلة وهامة من الناحية اللونية, ومن جهتها السطحية واستخدام أشياء زخرفية وطباعة, هي كوكتيل لوني وبصري, ألوان مشحونة بالشجن والحنين لماضي جميل. يستخدم الحروف في الزخرفة, لأن السنين الأخيرة ماتت في بلدنا لغة الضاد وحرية الإرشاد. ويستخدم اللون للتعبير, ويجسد المرأة لانها أهم عنصر في المجتمع. وممكن أن اضيف أنه في هذه التجارب له تأثر من الفن الياباني. حتما أن هذه العمليات الجميلة هي ثمرة ناضجة لأفكار كانت تعيش في مضمون روح الفنان, ولأسباب الظروف تبرعمت أزهارها.

                  

الفنان ابراهيم داود
. فنان عمليات متواصلة, لم تطمئن نفسه مهما كان إنتاجه عظيم, لهذا نرى له مراحلا كثيرة. المائي, المناظر الطبيعية, المناظر العمرانية, العادات والتقاليد السورية والقروية منها, التعبيرية المباشرة, والتعبيرية المختفية ضمن أشياء سوريالية, وأخيرأ الوجوه المعذبة ولو أنها تلبس الحرير.

أما عن الناقد ابراهيم, فأقول هل من فنان تشكيلي في سوريا لم يقرأ ماخط قلم الأستاذ ابراهيم ؟. وهل من معرض تشكيلي يقام في صالات حلب دون أن يعطي الأساذ ابراهيم لمحة عن ذلك المعرض ؟. فالتجديد في مراحل الفنان والمواضيع التي يجسدها تأتي من كون أنه ناقد, وكيف يكون ناقدا لعطاء الآخرين ويغض نظره عن ما يقدمه الفنان نفسه؟ كيف يطالب الأخرين في التجديد وينسى نفسه من هذا؟. لايمكنني أن أقول أنه يجب أن يكون كل فنان ناقدا, النقد أيضا له أسس وثقافة عامة, وهذا صعب لدى الجميع, لكن أقول على الفنان أن يكون باحثا بصورة دائمة, وأن يتعلم السباحة في المياه السطحية والعميقة في الماء العذب وفي الماء المالح, آنذاك ممكن للفنان أن يصطاد مطالبه. كما وصل اليه الفنان ابراهيم داود.

الفنان والناقد التشكيلي المغترب,
عبد القادر الخليل
Abdulkaderalkhalil@Gmail.com