• مدينة فاس أطفأت مساء يوم السبت 19 ماي 2012 شمعة النسخة الثامنة من مهرجان فاس الدولي للمسرح الاحترافي، وسهر على أعمال هذا الحدث الفني السنوي النقابة المغربية لمحترفي المسرح الفرع الجهوي فاس، والدورة تحمل اسم المرحوم ‘أحمد البوراشدي’.

• وفي رسالة الفنان السي محمد العلمي لعالم نوح، هذه الصفحة التي تغطي المهرجان و تقدم لمحة عن السادة المكرمين بهذه المناسبة.

مدينة فاس أطفأت مساء يوم السبت 19 ماي 2012 شمعة النسخة الثامنة من مهرجان فاس الدولي للمسرح الاحترافي، وسهر على أعمال هذا الحدث الفني السنوي النقابة المغربية لمحترفي المسرح الفرع الجهوي فاس، والدورة تحمل اسم المرحوم ‘أحمد البوراشدي’.


أهم ما ميز حفل الافتتاح تكريم الفنان والمؤطر والمنظر المسرحي ‘يونس لوليدي’، قال في كلمة بمناسبة تكريمه وبعد أن تم تقديم عرضين شبابين في حفل الافتتاح عن سروره بهذا العطاء والمجهود الذي وصلوا إليه شباب مدينة فاس، كما أنه ذكر بأن رغم ابتعاده قليلا عن المشهد المسرحي، إلا أنه ما زال حاضرا من خلال تمثيل المغرب في العديد من المناسبات المسرحية خارج المغرب.

لقد رسم المنظمون غاية أساسية لهذه الدورة وهي العمل في المجال الاجتماعي، من خلال برمجة عروض متنوعة في العديد من المؤسسات الاجتماعية. وفي كلمة لــ مدير المهرجان السيد ‘محسن المهتدي’، والذي ذكر بأن هذه الدورة هي دورة مسرحية مع المجتمع المدني، وذلك حسب كلمته راجع لكي لا يظل المسرح حبيس جدران المركبات الثقافية ودور الشباب.

يشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان 11 فرقة، بالإضافة إلى عشرة فرق مسرحية محترفة خارج المسابقة، وستنظم عروض بالجهة في كل من البهاليل وتسية ومولاي يعقوب، وبرمجت أيضا ثلاثة ورشات تكوينية على صعيد المدينة لفائدة شبابها … وزيادة على ذلك سيشهد المهرجان إلى غاية يوم 25 من هذا الشهر أنشطة متعددة.

جانب من الاحتفالات في حفل الافتتاح و استقبال المشاركين و الضيوف

يشار إلى أن المهرجان يعرف مشاركة فرق مسرحية من إيطاليا ومصر والعراق والإمارات العربية المتحدة والمغرب، وحفل الاختتام سيشهد تكريم فنانين من مدينة فاس .

للإشارة أيضا فالأمسية المسرحية عرفت عرض مسرحية “نقطة ارجع للسطر” لـ مسرح الشارع لفرقة ستيلكوم من مدينة الرباط، ولجنة التحكيم ضمت كل من ‘سعيد الناجي’ و ‘عبدو المسناوي’ و ‘عبد الكبير الركاكنة’ و ‘نور الدين زيوال’ و ‘أنور الزهراوي’.

 • برنامج المهرجان : و ستشهد الدورة الثامنة من هذا المهرجان عقد ندوة فكرية في جلستين ، تخصص الأولى للتناظر حول : " قيم و مبادئ حقوق الإنسان في الكتابات المسرحية العربية " و تناقش الجلسة الثانية :" دور المسرح في حماية الحقوق الثقافية للفئات المهمشة و سكان المناطق النائية " بمشاركة أساتذة متخصصين ، و ذلك برحاب كلية الآداب سايس.

و اعترافا لما أسداه عدد من الفنانين لأبي الفنون من خدمات جليلة، سيكرم المهرجان : الفنان د.يونس الوليدي ، و الفنان محمد العلوي الدوردي و الفنان حسن العلوي المراني.

البرنامج العام

السبت 19 مايـو 2012 ( بالمركب الثقافي الحرية)
ـ حفل الافتتاح.
ـ عرض مسرحي من الرباط/ المغرب.

الأحد 20 مايو 2012 (بالمركب الثقافي الحرية) عرض مسرحي إيطالي.
(بدار الشباب القدس) عرض مسرحي من مراكش/ المغرب.

الاثنين 21 مايو 2012 (بالمركب الثقافي الحرية) عرض مسرحي مصري.
(بدار الشباب القدس) عرض مسرحي من فاس3/ المغرب.

الثلاثاء 22 مايو 2012

(بالمركب الثقافي الحرية) عرض مسرحي عراقي.
(بدار الشباب القدس) عرض مسرحي أمازيغي/ المغرب.

الأربعاء 23 مايو 2012 (بالمركب الثقافي الحرية) عرض مسرحي من الدار البيضاء المغرب.
(بدار الشباب القدس) عرض مسرحي من فاس2/ المغرب.

الخميس 24 مايو 2012 (بالمركب الثقافي الحرية) عرض مسرحي إماراتي.
(بدار الشباب القدس) عرض مسرحي من فاس1/ المغرب.

الجمعة 25 مايو 2012 (بالمركب الثقافي الحرية) حفل الاختتام.
• (بالمركب الثقافي الحرية) عرض مسرحي عراقي.
(بدار الشباب القدس) عرض مسرحي أمازيغي/ المغرب.

 

 من الورشات التكوينية تأطير الأستاذ أمين نسور و المخرج خالد الزويشي

• مهرجان فاس الدولي الثامن للمسرح الاحترافي من 19 إلى 25 ماي 2012

أطلق اسم الدورة على الفنان المرحوم " أحمد البوراشدي " ، ويكرم الدكتور يونس الوليدي و المخرج المسرحي حسن مراني علوي و المسرحي محمد دوردي مدغري.

فالفنان المكرم صاحب الدورة هو من مواليد مدينة فاس حومة اسويقة ابن صافي، فتح عينه على فن المسرح وعشقه متلقي لفرقة السيد الحسين المريني التي توجد في حيه معجبا بالحاج أحمد الطيب العلج أطال الله عمره.

أول انطلاقته، أسس جمعية النور سنة 1959 بمعية أصدقائه، فكان المكتب كالآتي: أحمد البوراشيدي رئيسا، أحمد اليازمي خليفة، إدريس المريني أمينا، محمد الحلو كاتبا، أحمد المصلوحي محافظ، نبيل لحلو مديرا فنيا والرئيس الشرفي محمد التازي. إلى أن أقام مقامه في أول الستينات بجمعية المسرح الشعبي الفاسي، سكنها وسكنته حتى أواخر أيامه، كان الرئيس والممثل والمخرج والمسير والمنسق، استطاع أن يمزج بين جيلين للتزود بالمعرفة والتكوين للرقي بهذا الفن الأصيل، محتكا مع كل الممارسين متسلحا باحترام الرأي والرأي الآخر.

أحمد البوراشدي؛ كنت تجده كل صباح في حي الجوطية بالمدينة القديمة عند عيوش صاحب دكان الجرائد والمجلات يتصفح كل شيء باحثا عن المعرفة ممتلكا لثقافة عامة … الابتسامة والبشاشة لا تفارق وجهه محبا لجميع الناس.

أحمد البوراشدي الرجل الذي وهب حياته عاشقا للخشبة، ومما يؤكد ذلك، ذات يوم توفي ابنه يوم عرض مسرحية بمسرح سينما أبي الجنود مساءا، لم يتخلف، دفن ابنه زوالا ثم التحق ليشخص دوره في المسرحية، بشكل متميز عند نهاية العرض كانت السينما مكتظة بالجمهور، تقدم أحد أعضاء الفرقة لتقديم المشاركين في العمل قائلا: "أيها الجمهور العزيز أطلب من الجميع أن يقف لقراءة الفاتحة ترحما على ابن أخينا أحمد الذي وافته المنية هذا الصباح فلم يتخلف عنا"، وهذه دلالة قاطعة على حبه المهووس للخشبة. أعطى الشيء الكثير فلم يأخذ شيئا، اهتم بمعاناة الناس وصرح بها مرارا فوق الخشبة ولم يبال بنفسه، أحب كل الناس فبادلوه نفس الشيء.

فرحمة الله عليك أيها المؤثر على نفسه ولو كانت بك خصاصة.

كما يكرم المهرجان الدكتور يونس الوليدي، والمخرج المسرحي حسن مراني علوي ، و محمد الدوردي

و فيما يلي كلمة الأستاذ جمال بوطيب في حق الدكتور يونس الوليدي :

الدكتور يونس الوليدي

مبتسما للغد ومؤمنا به، وواثقا من نفسه ومن خطوه، يأتي الدكتور يونس لوليدي من المسرح وإليه، فنانا مبدعا، ومسرحيا خلاقا، وعالما بالركح وفنونه وضروبه ومسالكه ودروبه. لا يلتفت إلى صغيرة ، ولا تقوى على عزمه كبيرة، مخلصا للفن وللعلم وقد اجتمعا في آن، واستعصى لجامهما على غير قليل من الفرسان.

ظل الدكتور والمسرحي يونس لوليدي حريصا في اشتغاله على مبدء التصحيح، من تصحيح المعتقد حتى تصحيح المفهوم، مرورا بتصحيح المعضل وصولا إلى تصحيح المعجز ، وهو في كل هذا يفي ـ دون ادعاء أو بهرجة ـ لاشتغالاته الممتدة على طول عمر من العلم ، من الأبعاد الدرامية في المسرح العربي حتى الأسطوري والمقدس، منتهجا خطا منطقيا قاده من المغرب إلى فرنسا بحثا، ومن فرنسا الى التدريس علما ،ومن التدريس إلى التأطير في غير قليل من الوحدات البحثية منهجا، ومن التأطير إلى التنظير علو كعب ، حيث اعتلى خشبة مسرح الذات في علاقتها بالأخر من خلال وحدته الرائدة "حوار الثقافات في الثقافة العربية الإسلامية".

على لسانه تستقيم أكثر من لغة، وفي بحوثه يصيب أكثر من مقتل ، وفي مقالاته رحلة بالدارس والباحث والمهتم من العرب إلى الغرب، ومن الإغريق إلى الإسلام، ومن الفكر الى الروح والجسد ، ومن الدراماتورجيا إلى البيداغوجيا، ومن التراث إلى الحداثة ،ومن المقدس إلى التصوف ،ومن الطفولة إلى الوعي ، ومن الأدب إلى الفن.

في الجامعة ـ ومنذ التحاقه بهاـ لم يخضع لكرسي الأستاذية ، ولا انقاد إلى وهج اللقب، وإنما جعل من المسرح درسا تطبيقيا فعلا وانجازا و تأطيرا وإخراجا ، فكان في اشتغاله محرجا لمن دان لألق الاسمية ولم تدن له، ودنا من الفنية وباعدت بينه وبينها نظرية الفقد. لذلك لن تجد الدكتور يونس لوليدي مستبدلا العلم بالادعاء ، والكتابة بالمحو و الجدية بالهزل ، وعلى السنة الحميدة نفسها سار حتى صار سيره نموذجا يحتذى ومنهجا يتبع وطريقا تسلك.

والدكتور يونس لوليدي لا يمكن إلا أن يتمتع بحب المحيطين به من زملاء وأساتذة وأصدقاء وطلبة، يوزع ابتسامته على الخائف ويحنو على اليائس ويتبرأ من غير المجد ويدعم من يستحق.

الذين يعرفون يونس لوليدي قد يعرفون فيه قوة العلم و سنم التحدي وشجاعة المقتحم لكنهم قد لا يعرفون فيه هشاشة الإنسان التي تميزه عن غيره، فهو مرهف الحس منقاد للخير لا يعشق إلا ما يعشق من صفات الحمد ، ولعل مفتاح شخصيته معلن لمن عاشره، اذ لا يجد من يعاشر الدكتور يونس لوليدي أدنى صعوبة في الانتباه إلى انه متيم بخصلة الوفاء عاشق للإخلاص فَدّاء لأهل الثبات على المبدأ والصفاء.

تعرفه الجامعات الوطنية والعربية والغربية مشرفا مقتدرا ومؤطرا ممنهجا وأستاذا محبا لطلبته من المغاربة وغير المغاربة، لذلك كان طبيعيا أن تلتف حوله زمر من المحبين ، بل قد تجد هذه الزمر في أخلاقه ما يجافي سنة أقرانه ممن حولوا الإشراف دروشة ، والطلبة مريدين والعلم صهوة للذات وللملذات.

لا أملك باعتباري متتبعا قريبا لمسير الصديق الدكتور يونس لوليدي العلمي والعملي إلا أن اعترف بقيمته الباسقة وقامته السامقة ورمزيته الممتدة في أعماق التاريخ المسرحي المغربي والعربي امتدادا حقيقا بالاحتفاء وجديرا بان يلتفت اليه التفاتا يليق بالرجل وعلمه وخلقه وتواضعه وقد قدم للمسرح وللتربية وللجامعة وللوطن أضعاف ما قدمه كثير ممن ترسو على أكتافهم نياشين الاعتراف.

الأستاذ المخرج حسن مراني علوي فيه فاس و فيه المسرح ، و فيما يلي كلمة ألقاها في حقه الأستاذ الصحافي والمسرحي الحسن الشعبي

المخرج حسن مراني علوي

الحديث عن الفنان حسن علوي مراني لا يستقيم من دون اقترانه بعلاقته بثلاث علامات بارزة شكلت عنوانا كبيرا لمسار حياته الفنية والشخصية: مدينة فاس، خشبة المسرح، والهيموفيليا.

فإذا كانت فاس معلمة حضارية وثقافية يعتز بها المغاربة والعرب في العالم، فإنها تكاد تكون معبدا بالنسبة لحسن علوي مراني يمارس فيه صلواته وقداسه بجميع لغات وأديان الكون.. والمسرح، باعتباره فضاء طقوسيا، سنح للفنان مراني حسن علوي بأن يتمثل مدينة فاس التي سكنت قلبه ووجدانه وكيانه بشكل أسطوري، جاعلا من فضاءاتها سينوغرافيا مركبة تركيبا تشكيليا يمتح من أحاسيس الحب وألوان الفن ولغة التنوع وفلسفة التسامح.

هي المدينة الحاضرة في المخيال الجماعي للمغاربة عموما وأهالي فاس على وجه الخصوص، لكنها تمثل رأسمالا رمزيا للفنان مراني علوي حسن، باعتبارها أحد المنابع التي تروي عطش مخيلته، وتؤثث مجالات اشتغالاته الفنية والمهنية. أو ليس حسن علوي مراني مولودا من رحم أزقتها ودروبها، وناشئا في كنف أبوابها ومعمارها، ومرتويا من نبع ثقافتها الشعبية الغنية؟

أتذكر كيف كان المخرج حسن علوي مراني يصول ويجول في أبهاء وأروقة اجتماعات ومهرجانات الجامعة الوطنية لمسرح الهواة، في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، منتشيا بكونه مندوبا للاتحاد الإقليمي لمسرح الهواة بفاس، والناطق الرسمي باسم مسرحيي فاس في المكتب الوطني للجامعة. كما أتذكر كيف كان لمراني يدافع عن وجود وتمثيلية مسرحيي مدينته في هياكل النقابة المغربية لمحترفي المسرح بعد أن التحق بها في أواخر التسعينيات… وكان أحد قادتها وطنيا وجهويا.. بل ساهم، من موقعه، في تأهيل بعض المسرحيين الهواة من جيله بمدينته ليلتحقوا بركب المسرح الاحترافي.

هوس فاس هاجسه الأبدي، هو فاس وهي هو.

قلبه لفاس وعقله للمسرح، هذه العلاقة الأورتودوكسية بين الفنان ومدينته، فاقت كل أساطير العشق، وهي نفس العلاقة الأصيلة التي تشكلت طبيعيا بين المسرح والمدينة، لأن المدينة منشأ الديمقراطية والمسرح وليدهما معا، الديمقراطية والمدينة.

أول ما تعرفت على الفنان حسن علوي لمراني، في بداية الثمانينات من القرن العشرين، عرفته مخرجا مسرحيا… طبعا لا يتسع المجال هنا للحديث عن مساره المسرحي كمخرج سواء في حركة مسرح الهواة أو في المسرح الاحترافي، وسرد كل أعماله وعطاءاته الغنية والمتنوعة… لكني أود أن أقف عند إشارات مهمة التقطتها من خلال تتبعي لإبداعاته وقراءتي الشخصية لعروضه التي تمكنت من مشاهدة معظمها.

أولى هذه الإشارات، أن الفنان حسن علوي مراني مخرج مسرحي بمعنى الكلمة، ولن أخوض هنا في التعاريف والمفاهيم الأكاديمية المتعددة لصفة "مخرج"، ذلك أن المخرج مهما بلغ من قدرة على تمثل فضاء الخشبة، وتمكن من قراءة النص المسرحي وتأويله، وقدرة على تنسيق أحداثه ونسج العلائق بين شخوصه، فإنه لن يتخذ صفة "مخرج حقيقي" إلا إذا استطاع، في نظري، أن يتفاعل مع النص المسرحي ويحاوره إن لم نقل يتجاوزه. وبالتالي يستطيع خلق نص آخر هو نص العرض بمفردات ومتون جديدة تنعكس عليها رؤيته الجمالية الخاصة به. والفنان حسن علوي مراني تنسحب عليه هذه الحالة. ولعل مرد ذلك يعود إلى كونه فنانا مثقفا، وليس مجرد متدخل تقني ينظم فضاء العرض. ذلك أن الفنان حسن علوي مراني درس المسرح وتعلمه في مدرسة الممارسة الميدانية، وهذه المدرسة غير النظامية هي الاطلاع والقراءة والكتابة والتدريب والتجوال والاحتكاك والسؤال… والتقليل من الكلام عن الذات والإكثار من الإنصات… والعمل الجاد والاستمرارية والحضور والكثير من التواضع. هذه التجربة هي التي أعطت مخرجا اسمه الفنان حسن علوي مراني، ومثقفا ملتزما يدافع عن مبادئ وقيم بواسطة الإبداع المسرحي. من ثمة نجده يتوخى الدقة والحرص الشديد في اختيار النصوص التي تستجيب لأفقه الفكري و"الإيديولوجي".. هكذا استطاع الفنان علوي مراني حسن، وفي صيرورة مضطردة ومتنامية، أن يتملك صنعة الإخراج المسرحي، بما في ذلك تمكنه من ملكة إدارة الممثل؛ لكنه استطاع أيضا أن يرسم لنفسه خانة أسلوبية تتميز بها اشتغالاته الدرامية.

ثاني الإشارات هي أن الفنان حسن علوي مراني الذي يعتبر من أكثر المخرجين اشتغالا على نصوص الكاتب المسرحي المغربي عبد الكريم برشيد، يعد، في نظري، من أحسن من عرف كيف يقرأ عبد الكريم برشيد من دون أن ينحاز لنظريته الاحتفالية. وهذا ما يؤكد تلك المسافة التي أشرت إليها قبل قليل في طريقة تعامل المخرج مع النص. ذلك أن المخرج حسن علوي مراني، عندما اختار أن يتواطأ مع كتابات برشيد، في لحظة ما، إنما كان بصدد استقراء نصوص عصية على المسرحة، لأن برشيد يكتب مسرحياته للقراءة والتأمل والتعبير عن مواقف أكثر مما يكتب للخشبة والتمثيل. وهذه العملية الاستقرائية، وإن انطوت على كثير من المغامرة، مكنت المخرج حسن من إعادة قراءة وتقديم برشيد بشكل مغاير لم يجل في حسبان الكاتب نفسه.

"اسمع يا عبد السميع"، "مشاهدات صعلوك"، "خيطانو المجنون"، "صياد النعام"، "العربة 93 أو حكاية العربة"، "حمار الليل"… كلها نصوص برشيدية كتبت بنفس أدبي محض وبنكهة احتفالية خالصة، اشتغل عليها حسن علوي مراني إخراجيا ودراماتورجيا بأفق ثقافي وفني يقترب من أفق الكاتب نفسه، ولكن بنفس مختلف اتسم بالمزج المبدع بين اختيارات الكاتب الفلسفية وبين اختيارات المخرج التجريبية، أفضت في نهاية المطاف إلى نصوص لعروض تتداخل فيها بشكل جدلي مواقف كل من الكاتب والمخرج وبرؤى جمالية مستوحاة من عمق التربة الثقافية والاجتماعية الوطنية ومنفتحة على الأشكال التقنية المتداولة في المسرح العالمي.

ثالث الإشارات التي أثرت تأثيرا قويا، وإن كان غير مباشر، في المسار المسرحي للفنان المبدع حسن علوي مراني، هي تلك "الجنية العدوة" التي صيَّرها بفضل قدرته على التحدي "صديقة" دائمة يتعايش معها وترافقه أينما حل وارتحل، وأقصد بها حالته الصحية الاستثنائية.

هذه الصحة الملعونة كانت من بين العوامل النفسية التي خلقت من حسن علوي مراني شخصية مستقلة بذاتها، قادرة على تحدي الصعاب، إلى أن أصبح مضرب المثل في التضحية ونكران الذات. والذات هنا تفوق ذلك المعنى الرمزي المتداول لتشمل الذات الحقيقية التي تعني الجسد. فذلك الجسد الذي لا يطاوعه إلا لماما، تمكن صاحبه من ترويضه بشكل ذكي وقاس حتى لا يعرقل مساره الإبداعي، جعل منه صاحبُه جسدا مطواعا وخضوعا لمشيئته، أو ليس الجسد هو عصب المسرح؟.. واستطاع حسن مراني علوي، بالفعل وليس بالتمني، تحدي المرض والتغلب عليه بقوة إصراره على العمل والممارسة المسرحية والحضور الفعلي في الساحة الفنية والمهنية… بل واستطاع أن يجعل من مرضه حافزا للآخرين من أجل العلاج والطمأنينة. ذلك أنه سخر المسرح لفائدة المصابين أمثاله بمرض الهيموفيليا، حيث دخل هذه السنة (2012) في تجربة فريدة من نوعها في إطار ورشة مسرحية دام الاشتغال فيها زهاء ثمانية أشهر. وهذه التجربة التي قادها الفنان حسن علوي مراني، بمواطَنة عالية، استهدفت عينة من المواطنين المصابين بالهيموفيليا، صغارا وكبارا، واستقطبت إليها أنظار بعض الأطباء المتخصصين وبعض المنظمات الصحية الدولية، واعتمد فيها المخرج حسن علوي مراني تقنيات "التياترو تيرابي" أو ما يمكن أن نسميه "التداوي أو العلاج بالمسرح". وهي تجربة أو ورشة أفضت إلى إبداع وإنتاج مسرحية تحت عنوان "إرث من دم"، وهو عمل احترافي أنجزه مصابون بالهيموفيليا بمعية ممثلين محترفين وطاقم مسرحي مهني ينتمي للفرقة التي يديرها المخرج نفسه "نادي المرآة" بفاس. وكانت النتيجة بالفعل تتمثل في تحقيق الهدف من المشروع ألا وهو تمكين المصاب بالمرض من الخروج من حالة الإصابة التي تؤدي إلى الاكتئاب، إلى حالة التشافي والانفتاح والاندماج. كل ذلك تأتى بسبب أن العرض نفسه لم يعتمد الأسلوب التعليمي والإرشادي المباشر بقدرما انبنى على الفرجة المسرحية بواسطة إشراك المستهدفين في إنجاز العمل وخلق هوامش واسعة للبوح ولحرية التعبير وللحكايات والتجربة الشخصية للمرضى… وهي كلها مساهمات وإضافات تم الاشتغال عليها دراماتورجيا من قبل المحترفين أمام المستهدفين أنفسهم وبمعيتهم.

ونجحت التجربة، لأن المايسترو الذي قادها هو المواطن حسن علوي مراني، وقادها بلطف وأريحية وصدق… لكن بخيوط إبداعية من ذهب.

أما الفنان المسرحي و الصحفي محمد الدوردي المدغري فقد ألقى مجموعة من زملائه كلمة في حقه بمناسبة تكريمه :

الفنان المسرحي محمد الدوردي

فنان باحث من مواليد 1952 بمدينة فاس العاصمة العلمية، فمنذ نعومة أظافره برزت ميولاته في فن الرسم، إذ لقي تشجيعا كبيرا من طرف معلميه وأساتذته فكانت جل لوحاته تعالج قضايا الساعة المتتنوعة والمتشعبة، نذكر منها: مؤساة الشعوب المستعمرة، معاناة المرأة، هموم الطفولة، أزمات الفقر والانحراف ومشاكل البيئة. أما كتاباته المسرحية ونصوصه الشهعرية والزجلية جلها كالمرايا المعبرة عن قضايا الإنسان الكادح في كل أرجاء المعمورة. وهكذا اكتشف إبداعاته الفنية دون أن يغفل كنوز التراث الشعبي المغربي على سبيل المثال فنون البساط والحلقة والأهازير الفلكلورية المغربية والعربية، فالفنان محمد الدوردي يعد من الرواد الأوائل والقلائل الذين جعلوا من اللون أداة تعبيرية صادقة ومن الحرف لغة حية ناطقة ومن المشهد الدرامي معاني معبرة عن الواقع والحقيقة وأحيانا كوميديا ساخرة من حياة الناس ولعدم وجود مدرسة تشكيلية وانعدام معهد للفن المسرحي آنذاك، انكب مع أصدقائه على البحث وتعلب أساليب التقنيات وعلى الخصوص تصميم المناظر المسرحية وكذا فن صناعة الدمى "الكراكيز" والجماليات المكملة للعرض المسرحي كالأزياء والمؤثرات الموسيقية والصوتية، كان ذلك بين سنة 1966 و1976 حيث تمكن خلال هذه الفترة من صقل وبلورة رسالة الفن الإنسانية فتفرغ لخدمة الفنون الجميلة والإسهام في تطوير الحركة الفنية والنهوض بها من أجل هذا الوطن الحبيب.

هكذا اختار الفنان محمد الدوردي حياة الفن فبالغ بشغفه واهتمامه بأبي الفنون لكونه يجمع بين التشكيل والتمثيل والديكور والغناء والرقص، ليساهم بشكل إيجابي في إغناء الساحة الفنية والثقافية بالمدينة وخارجها، فكانت كل أعماله ذات المواقف الحساسة معتمدا على الخلق والابتكار مما جعله موقفا في ريادة مسرح الطفل والمسرح الصغير (الكراكيز) على حد سواء.

وهاهو الآن يشتغل على توثيق الحركة المسرحية في المغرب وكل الأقطار المغاربية والعربية على عدة مستويات مسرحية تهم المسرح الهاوي والمسرح المدرسي ومسرح الطفل والمسرح الصغير (الكراكيز)، والمسرح الجامعي والاحترافي وذلك بواسطة جمع قصاصات الجرائد والمجلات والصحف ولم الصور الفتغرافية والملصقات، مما جعله يفكر في إنجاز معرض ضخم يضم حوالي 200 لوحة، فمنذ سنة 1970 وهو يوثق للمسرح المغربي، حيث أصبح رصيده يحتوي على أكثر من عشرة آلاف صورة وما يفوق 1300 ملصق مسرحي بالإضافة إلى المقالات والدراسات والبحوث وأخبار الفن وأهله.

وأخيرا جاءت فكرة إعداد أول مشروع وطني حول تاريخ الفن المسرحي تحت عنوان "دليل المسرح المغربي" منذ البدايات إلى آخر الأعمال المسرحية المغربية من 1926 إلى الآن، وبالتالي أعد معرض ذاكرة المسرح المغربي في هذا الشأن، حيث خصص لكل مدينة شهدت نهضة مسرحية حقيقية جزءا خاصا بها كفاس البيضاء، مراكش، طنجة، الرباط، مكناس، وجدة، تطوان … إلخ