اليوم الثالث مع الشاعر والناقد كمال قجة ولقاء وشعر
- مارس 25, 2010
- 0
اليوم وهو الخميس 25-3-2010 وهو اليوم الثالث مع الشاعر والناقد كمال قجة وحوارٍ معه و قصيدتيه: أوراق أسقطها التقويم و محمود درويش
حوار مع الشاعر والناقد كمال قجة
ـ ما الأدب برأيك:
*ـ الأدب بمفهومه العام فكرة عبّرت عنها حروف وكلمات لتكوّن موقفاً من القضايا الإنسانية.
ـ هل لديك تعريف أكثر خصوصية؟ أو تعريفه كفعل أدبي؟
*ـ المفهوم الحديث للأدب يعني تجسيد الواقع وتفسير الظواهر والـتأثير في حياة الناس وصوغ مشاعرهم ودفعهم نحو المواقف الصحيحة.
ـ نفهم من قولك أن الأدب اكتشاف وتعرف؟
*ـ لا شك أن الأدب اكتشاف وتعرًف يؤدي إلى التأثر والتحرك نحو صياغة ذوق ما أو صياغة الذوق العام.
ـ إذن هو مدرسة أو بعضٌ من مدرسة؟
*ـ هو يحاول أن يكوّن مفهومات جديدة، أن يضيف أيضا معرفة، لأن الأدب معرفة، عندما أنا أتأمل اللوحة أسافر فيها، عندما أتأمل قصيدة أتأمل أحرفها أسافر في جمالياتها المختلفة، تمنحني بعدنا جديدا، تحولني… تغيرني… تنقلني إلى حالة جديدةٍ أكثر جمالا وأكثر انسجاما وأكثر تقبلا للحياة.
ـ كيف تفسر العلاقة بين الأدب والمجتمع؟
*ـ الفعل الأدبي انعكاس للفعل الاجتماعي بل وتجاوز لهذا الفعل.
ـ إذن العلاقة آلية كما نفهم؟
*ـ ليست آلية تماماً بل هي تخطٍ وتجاوزٍ للفعل الاجتماعي بعد أن تُحلله وتفسره وتصل به إلى حقائق لأن الأدب الحق يستعين بالخيال والحلم والرؤيا ليعانق الواقع الآخر الذي يريد خلقه.
بين الحلم والواقع تتبلور رؤياك نحو الأدب فكيف توضح لنا هذه الجدلية؟
صوت الأديب وإحساسه يمثل نبض أمة، بل يحمل صوت ملايين الأشخاص مما يجعل الحياة معاشة وجميلة حيث يكون الإنسان كليا لا فردياً منعزلاً وهذا ما يحقق جدلية العلاقة بين الأنا والآخر لأن الفن هو الأداة لدمج الفرد بالمجموع من خلال اليقظة والصحوة ضد الاستبداد والطغيان فالأيقاظ على حد تعبير هيراقليطس ينتسبون إلى عالم مشترك. أما النائم فينصرف إلى عالمه الخاص.
ـ رؤيتك صوفية للإنسان من خلال وحدة الفرد بالمجموع والأنا بالآخر؟
*ـ هذا صحيح، ولعل قول محي الدين عربي أو تعريفه كما يقول عن الإنسان: هو الكلي على الإطلاق والحقيقة بل هو خرق للعادة .
ـ كيف تضع الشاعر في مصاف المشرعين؟
*ـ الشعر نبوءة صوفية والشعراء هم مشرّعو العالم غير المعترف بهم على حد تعبير الشاعر الانكليزي الكبير "شللي" (1821).
أما الألم فيولد الصرخة ويخرج الآه الدفينة على قول أبي ذر الغفاري رضي الله عنه: السوط سيولّد الصرخة أم الجوع فإنه سيوّلد الثورة.
ـ كأنك تقول أن وظيفة الأدب هو أن يغيّر، أن يحوّل، أن يصوغ إنساناً جديداً؟
*ـ وظيفة الأدب أن يحرك الإنسان في مجموعه أن يمكّن الأنا من الاتحاد بحياة الآخرين ويضع في متناول يدها ما لم تكنه ويُمكن أن تكونه كقول أرنست فيشر: الفن يمكّن الإنسان من فهم الواقع وهو لا يساعده على تحمّله بل ويزيد من تصميمه على جعل هذا الواقع أكثر إنسانية وأكثر جدارة بالإنسان.
ـ لقد عرفت لنا الأدب ووظيفته فهل لنا أن نتعرف إلى الأطر الفنية وطرائق الأداء:
*ـ ليس للأدب بل للشعر على وجه الخصوص إطار فني محدد لأن القصيدة وليدة لحظة ونتيجة لمعاناة تعبر عنها دفقة شعورية وموجة ترسم مسارها وإطارها بحجم هذا الانفعال ولا يمكننا وضع مقياس أو مسار للانفعالات جميعاً.
ـ أنت مع الحداثة إذن؟
ليس بهذا الشكل فحسب، بل أنا مع الحياة والحياة متجددة بما فيها من دماء جديدة ونبض جديد وأشكال تعبيرية تنطلق من بؤرة نفسية تحكمها عوامل الزمان والمكان والرؤيا.
ـ فهل تؤيد مذهبا أدبياً معيناً:
*ـ ليس هناك مذهب محدد، فلكل فن طعمه ومذاقه ولكل تجربة ظروفها وحجمها ومعاناتها فالرومانسية كانت ثورة على الأشكال الصنمية حيث رسخت مفهومات الحرية في استخدام الأشكال والأساليب الإبداعية كما يقول وليم بليك: العن القيود بارك التسهيلات.
أما غوته أديب ألمانيا العظيم فقد قال على لسان فاوست: المذاهب رمادية لكن شجرة الحياة خضراء دائماً.
ولعل مقولة بيلنسكي أكثر وضوحاً في قوله: إن الشكل إلى زوال أما فكرة الخلق الجمالي فإنها خالدة.
ـ أنت إذاً تعتبر أن تطور الحياة يخلق أشكالاً جديدة؟
*ـ أجل الحياة متغيرة والشكل إلى زوال.
ـ أنت شاعر إنساني فهل لديك إيضاح أكثر لمعنى إنسانية الشعر؟
*ـ أن يكون الشعر إنسانياً: أن يتجاوز الحدود كالهواء ولا يعرف قوانين صارمة ولا يحتاج إلى تذاكر وبطاقات دخول إلى أعماق النفس الإنسانية. فالوردة الفواحة لا تطلب إذنا بالدخول إلى صدر المتلقي والنسمة الحنون تلفح شغاف المحب كجدائل حبيبتي وهي تحمي من لسعات الحر وعسف الرياح… وفي تعريفنا لكل ما هو إنساني لا نستطيع الخروج عن تعرف العظماء مثل تولستوي في حديثة عن مؤلفات ديستوفسكي: كلما تم الإغراق بعمق أكثر كان العامّ أقرب إلى النفس.
أوراق أسقطها التقويم
من صبّ على النار الزيت
ودارى سوءته بالعار
من فتح خراطيم النفط
كالشهوة تجتاح اليابس واليابس
في هذا الوجع الصحراوي
تلاشى حطباً
ليعربد نمرود أحمق
يستجمع حطب طهاة الذل العربي
تتبعه حمالات الحقد الموبوء
ماترك طهاة السم طعاماً
غير الزقوم
وسجاحُ تعربد
لازالت تعد الكذّاب مسيلمة
بليلة عهر بين مثلث برمودا
وخليج خنازير الناتو
تتلوى حيتان النفط
لتعود إلى ماقبل الزمن الأول
وتشوّه سر التكوين
من يأخذ ثأرك ياهذا اليم
من يمنح لمياهك زرقتها
ويحنط دهراً فرعونياً
يثقل جسد العالم بالآثام
فانهض ياموج
لتعانق أطياف الشمس
تسافر في الألق الكونيّ
فرحيق الأرض
أخضرَ
أخضرَ
سيظل، مهما طالت مقصلةٌ
وتكاثرت الأسنان
فالأرض ستبقى
رغم عنوستها أحياناً
ستطل كأنثى
طاهرة ومطهرة
تحمل صك براءتها
تتباهى بوشاح الشمس
تؤسس مدنـاً
ومآذن تصدح في قرطبة الدنيا
وصباحاً يعلو
في أسراب البجع
تصلي لنهود تقطر بالشهد وبالرؤيا
فمتى يانوح تهيئ مركبك الكوني
سفينة حب تتلاقى فيها كل الأنواع
ومتى تمخر جسد الريح
وتطوي زمن العولمة الموهومِ
تسد جدار الأوزون
وتشرق غابات التفاح
في روعة خد عذريّ القبلات
يتوهج لاتخدعه الألوان
محمود درويش
« لماذا تركت الحصان وحيدا »
وأدمنتَ هذا الصهيل
وأسكنتَ في دمنا وثبة العشب
قبل اندلاع الحصاد
لماذا غرست السنابك في رمل أيامنا
لترسم وقع خطاك
لماذا ترجّّلت قبل الأوان
وصوتك في الريح والموج
يخضلّ عبر اليباب
ليكبر فينا كوهج التراب
كأنك تمضي إلينا
وتزرع في لحظة من لهاث التراب
ووقع الحصى
وهديل العباب
كأن بريقاً يعود إلى سور عكا
كأن الحجارة تعلو
تشكل قنطرة نحو حيفا
وتنبض يافا حروفاً تشكلها نفحة البرتقال
فأيان يحلو العبور
وفي شفتيك تراب فلسطين
يحلو زكياً كوهج البنفسج والبرتقال
كأن التراب تلظّى
ليحمل جرح الزمان
وبوح المكان
ونبضك مازال يمضي بنا
ويترك فينا صداه
كوقع اليمـام
كوشم يحطّ على جرحنا
فلماذا
« لماذا تركت الحصان وحيدا »
وصغت النهاية وحدك في قفلة الحزن
أدمنت هذا الرحيل
لماذا تودّ ارتداء الأصيل جناحا
لتوقظ وهج الحجارة
وقع الصدى
لصوتك نكهة هذا التراب
تراب فلسطين
يأوي إليك هديل اليمام
يلم الحصى
ويشكل عرس الحجارة
كوقع الحروف يشير إلى القدس
صوت الحفيف
في غصن زيتونة يتلوى
يرفُّ برمش العذارى
فتنهض خلف القباب
نهود الصبايا
ويلمع فوق الخدود أصيل
وبين روابي الجليل
تخبئ جنحيك تنأى
فتندلق الأرض عشباً وقمحاً وحبا
وتتلو حجارتُها سورة "الزلزلة"
وتقرأ إعلانَ يومِ الحداد
بصمتِ العصافير تاقت
لصوت المغني:
" أحبك يوماً وأحيا
أحبك يوماً وأُقتل
وباسمك أحيا
وباسمك أُقتل "
لأن الجداول تحبس أنفاسها
كالرماد يعود من القيظ
حيث تنام الحروف
بجرح تلظى كوهج الغياب
يحمل صبحاً طرياً
كليمون يافا
وزعتر تلك الهضاب
ويكبر صوت الحجارة يعلو
يحاكي صداك
وتمضي أبابيل تقذف سجيلها من لظاك
لأنك أيقظت فينا صلاحاً وسعداً وحطين والقادسية
لأن أبابيل تقرأ فيها وتتلو:
« إذا زلزلت »
فيكبر فيها صليل الحجارة يروي
« وأخرجت الأرض أثقالها »
ويمضي النشيد بنا
في ممرات هذا الزمان السحيق
ويحفر بين المآقي جراحاً
ترتل أنشودة العائدين
لعل الطريق إلى القدس يأتي
لعل الطريق
يلم خطاه
لعل الطريق