بشير دحدوح يقدم العودة إلى الذات لحسين الصديق 2-6-2012
- يونيو 2, 2012
- 0
في أحدى قاعات المكتبة الوطنية من مساء يوم السبت 2-6-2012، قدم الأستاذ محمد بشير دحدوح كتاب الدكتور حسين عبد الله الصديق بهذه الصفحات المضيئة التي نقدمها لكم.
دراسة لكتاب: ” العودة إلى الذات ” ” نكون أو لا نكون “
في أحدى قاعات المكتبة الوطنية من مساء يوم السبت 2-6-2012، وبترحيب من الأستاذ محمد خالد النايف مدير المكتبة الوطنية بكل من السادة حسن الصديق و بشير دحدوح والسادة الحاضرين، قدم الأستاذ محمد بشير دحدوح كتاب الدكتور حسين عبد الله الصديق بهذه الصفحات المضيئة التي نقدمها لكم.
كتاب مصنف في كتب الفلسفة وعلم النفس يحمل عنواناً صادماً وموحياً في آن.
لوحة الغلاف من إبداع الفنان العالمي " سامي برهان" تشكل عبارة اقرأ الخلفية المعرفية والجمالية في إنشاء لوني باهر جعلت من نقطتي اقرأ عيني البصر والبصيرة .
الكتاب جاء في مئة وخمسة وأربعين صفحة من الحجم المتوسط قامت بإصداره دار استانبولي ودار الاستقامة كما شارك في طباعته دار الملتقى وهو من إصدار عام 1423هجرية 2012 ميلادية .
مؤلفه الدكتور : حسين عبد الله الصديق ، دلالين، حلب ، 1950
" العودة إلى الذات " " نكون أو لا نكون "
جاء الإهداء مناجاة عرفانية عشقية تحدد الوجهة والتوجه بعبارة ذوقية راقية .
أيها الحبيب .. مذ دخلت قلبي تحطمت الأصنام فيه ..، ولم يعد مسكناً لغيرك،وعندما يولي الناس وجوههم شطر البيت العتيق ..، فإنني أولي وجهي شطر قلبي ..، لأنك فيه..
احتوى الكتاب على مقدمة وفصول ثلاثة وخاتمة وثبت بالمراجع
الفصل الأول: العودة إلى الذات
1. مدخل
2. مفهوم العودة
3. مفهوم الذات بين الفرد والأمة
4. إلى أي ذات تعود؟
5. كيف تعود؟
الفصل الثاني: الزمن المطلق والزمن المقيد
1. تمهيد
2. الإنسان كائن زمني
3. ما الزمن؟
4. الزمن المطلق
5. العلاقة بين الزمنين، المطلق والمقيد
6. الإنسان والزمن المطلق
7. كيف نمتلك الزمن؟
8. خاتمة
الفصل الثالث:حرية الوجود أم عبودية الاتباع
1. تمهيد
2. التوحيد أصل الحرية
3. الاتباع أس العبودية
4. أثر الحرية والعبودية في الفرد والمجتمع
5. سبيل التحرر
بداية لابد من التأكيد على أن هذه الدراسة ليست بحثاً أدبياً أو فقهياً أو صوفياً أو فلسفياً ، وإنما هي تستفيد من هذه المجالات جميعها ، لأنها تنطلق من العقيدة الإسلامية في كلياتها الإنسانية والاجتماعية ، ولذلك فهي تخاطب المسلمين أولاً ، والناس كافة ثانياً.
المقدمة
جاءت المقدمة في تسع صفحات ونيف مؤرخةٍ لشهر آب من عام 2010 ما يكشف عن عمل خطط له وعمل عليه لقرابة عامين من التفكر والتأمل في تقليب الأمر وعقله والكتابة فيه من بعد.
وهي جزء لا ينفك عن الكتاب بل هي أساس له من حيث أنه يقرر فيه الصديق على أن الجسد آلة متجددة مسخرة للإنسان من قبل الله مالكها الحقيقي وليست مسؤولة عما تفعله ولأن الإنسان قادر على اختيار أفعاله من خلال حركة وجوده فمن الواجب أن يسأل نفسه هل أنا موجود بذاتي أم بغيري؟ وهل أنا صورة أم حقيقة؟ وذلك لأن المعرفة هي صورة موضوعها وليست حقيقته وأنن نتعامل مع الآخر من خلال صورته وأن أداة صنع الصور هي العقل والحواس الخارجية المحكوم عليهما بقيود ذاتية وموضوعية الأمر الذي يمتد فيشمل الفرد نفسه والآخر والوجود المحيط وعلى رأسه الإله الذي يؤمن به هذا الفرد ، الأمر الذي يفسر اختلاف الناس في ذلك بحسب مرجعياتهم الصورية التي رسمت من قبل آخرين وأدت إلى الاقتتال والكوارث الاجتماعية والإنسانية.
ولأننا موجودون بغيرنا كان ثمة نماذج مختلفة ومتشعبة (الإنسان الكامل والسوبرمان) مطلوب منا أن نقلدها بعيداً عن المعرفية ونماذج سياسية لانملك إلا الخضوع والانقياد لها الأمر الذي أوصلنا إلى الشعور بالتقصير والعجز أمامها وما نتج عنه من تشتت وضياع ومستنسخات تابعة غير قادرة على الإبداع وصنع التاريخ والمصير.
ويخاطب الصديق الإنسان بقوله خلقت فرداً متميزاً فلا تتنازل عن حقك بالتميز لأنه عين وجودك فلا تتخل عن حياتك الواحدة وكن أنت الفاعل فيها وتحرر من سلطة الأكثرية التي لا تكون دائما على حق وتذكر يوم أشهدت على نفسك واقرن إيمانك بالعمل الصالح وكن واحداً في المليون ولا تكن واحداً من مليون .
ثم يستعرض فصول الكتاب نافياً عنه الفلسفة المجردة والتأملات العقلية المنعزلة مؤكداً ‘لى أنه دعوة إلى التجدد والتجديد لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
الفصل الأول: العودة إلى الذات
جاء في خمس فقرات
من بوابة عبارة سقراط الشهيرة "اعرف نفسك" وكيف يمكن ذلك يدخل الصديق إلى الفصل الأول مؤكداً على أن هذه الدراسة في الإنسان الذي هو صاحب الحياة ومحركها في مقابل دراسات اتجهت إلى عرض الإنسان دون جوهره والتي فشلت في بمساعدته على معرفة نفسه ووظيفة وجوده وماهية الثقافة المحركة له في حياته ومدى تأثير الثقافات الغريبة عنه في تغريبه عن نفسه ليصبح كما يجب بعد أن صار ليس كما يجب وذلك في ضرورة العودة إلى ذاته الحقيقية التي يجب عليه أن يعرفها ليعود إليها وفق آليات تقوم على الوعي والإرادة ليطرح لاحقاً مفهوماً للعودة في مقابل الاغتراب وما يتنج عن إدراكه من حنين ورغبة للعودة بعد أن غربه ميله إلى الحياة المادية الذي استغله عامل خارجي تمثل في سعي الغرب للسيطرة على الشرق وإضعافه لمصلحة المشروع الصهيوني معتمداً على عاملين داخليين سياسي وثقافي أفرز كل منهما أنظمة وتشكيلات صنعت على هوى الغرب ، مضافاً أليهما بعض الأقليات والجمعيات المختلفة المقيمة والعابرة سياحة ، وقد استعان العاملان بالإعلام عموماً لتكريس التبعية للغرب في كل المجالات بما في ذلك أنماط الحياة والسلوك ، وانعدمت الحيوية الفكرية فانتجت خواء في الشخصية وضبابية في الهوية ، باستثناء دعوات مناهضة لذلك كالأفغاني وعبده وإقبال …لم تستطع الصمود أمام المد التغريبي.
ونظراً لجسامة الإحساس بالوهن والعجز الذي عم الأمة وفشل الحكام والمثقفين في إصلاح ما أفسدوه من العلائق بينهم وبين شعوبهم وعدم اكتفاء الغرب بنيابتهم عنه في تحقيق مصالحه فقد من اليقين ضرورة العودة إلى الذات عبر النظام الحيوي للثقافة الإسلامية التي استطاعت أن تقاوم كل الجهود التغريبية لامتلاكها نظاماً اجتماعياً شاملاً للحياة الإنسانية.
ولأن ذات الفرد وشخصيته هي مجموعة الآليات التي تنظم حياته وعلاقاته بالآخر وبالطبيعة وبالله والتي تشكل الثقافة منها نظام القيم الأساسية الجوهرية في المجتمع ، تغدو الذات صورة هذه الثقافة ومستودعها ، وهي مسؤولة عن نقلها إلى الأجيال بعد أن تتمكن منها عبر التناغم والتوازن بين عناصرها ، فثقافة الفرد تتشكل جوهرياً في ذاكرة الأمة وتمتد عبر تاريخها ، لتتحد فيما بينها مشكلة ثقافة المجتمع وشخصيته في تراكمية انتقائية من الماضي إلى الحاضر.
ويسأل الصديق بعد : إلى أي ذات تعود؟ معتبراً كلية منطقية تقول "إن كل جزئية في الوجود تحتاج في تفسير وجودها إلى كل تنتمي إليه بالضرورة "، وغن إهمال هذا الكل أو نسيانه سوف يجعل هذه الجزئية من غير تفسير ، وإن تعدد الكليات يعني عدم انسجام التفسير بين الجزئيات وخللاً في العلاقات وضبابية في الوعي وضموراً في الإبداع، كما هو حال ثقافة أمتنا التي تشكل خليطاً عجيباً من ثقافات متباينة وغير منسجمة مع ثقافتنا ، مما يوجب العودة إلى الثقافة التي نشأت الذات فيها، لنتمكن من مثاقفة الأمم الأخرى بأخذ ما ينسجم وترك مالا ينسجم ، في تنقية للذات لتعود إليها ثقتها بوجودها وتتفتق قدراتها من جديد.
ومن حيثية أن الثقافة العربية الإسلامية هي نتاج حضارة تغلب مفهوم الله على مفهومي الإنسان والطبيعة ففسرت الوجود من خلال ذلك ، فلا يمكن استبدالها بثقافة أخرى ، لأنها تعي الفرد مندمجاً في العالم ومتوحداً به في ذات متميزة ومتفردة ومبدعة في إطار الجماعة والأمة تحقيقاً لوظيفة خلق من أجلها وهي العبودية والاستخلاف، ولفظ الشهادة الذي هو أساس مشترك في ثقافة هذه الأمة فكأن المسلم يقول لله "أنا أشهد أنك إله أحد واعترافي بك إلهاً دليل أكيد على وجودي، إذ لو لم أكن موجوداً وقادراً على المعرفة والحكم لما شهدت بذلك، فوجودي دليل على وجودك، كما أن وجودك دليل على وجودي" في علاقة جدلية متصاعدة غير متناهية بين المقيد الإنساني والمطلق الإلهي وهي شهادة تؤسس لعلاقة مع الآخر كجزئية منتمية إلى الكلية نفسها تقوم على المعرفة والعمل بمقتضى الإمكانية لتحقيق الاستخلاف و الإعمار"إقبال ص 34" مما يؤكد على أن الذات إبداع إلهي خلقت لتعرف بدون وسيط على خلاف الذات الغربية "البروميثيوسية" القائمة على الصراع بين الإنسان والآلهة من حيث أن الثقافة العربية الإسلامية قد وحدت الكلية المرجعية المفسرة للوجود على حين ألغت الثقافة الغربية هذه الوحدة فتعددت الكليات بتعدد الفلاسفة والمفكرين مما أدى إلى تفكك المجتمع داخلياً.
إن وحدة الكلية المفسرة للوجود في الثقافة الإسلامية والخضوع لها يجعل الذات الإنسانية حرة في مقابل ما سواها لأن الدنيا خلقت من أجله وهي مسخرة له وخاضعة بالقوة للكلية عينها التي يخضع هو لها بالقوة والفعل ، وهو قادر على التدخل في مفردات الكون ليفعل بها ما يريد صناعة وإبداعاً وإعماراً.
كيف تعود؟
لأن المسؤولية مشتركة فالجميع مطالبون بالوصول إلى وعي ذاتي ينظم إراداتهم وألا يبقوا في مجال التبعية والتقليد وإذا كانت العودة إلى الذات أمراً فردياً فهي تكاملية في المجتمع وناتجة عن تأثيرات ثقافية كثيرة وتقوم على : امتلاك إرادة العودة بعد ثبوت الحاجة إليها أولاً،ومعرفة الذات التي نعود إليها ثانياً، والثالث الأهم هو الانتقال من الفكر إلى العمل ومن المعرفة إلى الفعل، والذي يساعد عيها جميعاً الخلوة القادرة على العودة إلى الداخل لنحقق وعي المسؤولية عن أنفسنا لنكون مهيئين للمسؤولية عن الآخرين، ولأن العودة إلى ما هو موجود فينا ومترسخ أصلاً هو عودة إلى موجده فهي تعني العودة إلى المطلق فينا تلك الذات النابعة من النبوة الأولى "نبوة إبراهيم" التي لا تقيم وزناً للتسميات التي اتخذها البشر إنها عودة إلى الشخصية الإنسانية الإسلامية الكونية مصدر القوة الرئيس لدينا.
الفصل الثاني: الزمن المطلق والزمن المقيد
جاء في فقرات ثمان:
في التمهيد يطرح الدكتور علاقة الإنسان بالزمن التي لم تحل بعد، ويحدد جدواها من خلال فهم علاقة الإنسان به وعلاقته بالمحيط لتحسين الوجود الإنساني،والذي يقتضي
• رفض العبثية في الوجود الإنساني والفعل الإنساني ، إذ لا معنى للوجود بدونه ولا معنى للفعل أيضاً إذا لم يكن صادراً عنه
• اكتشاف الذات والسعي إلى معرفتها والعودة إليها للعيش فيها وبها ومنها
• اكتشاف البعد الزمني للوجود الإنساني بمستوييه الخارجي والداخلي ، المقيد والمطلق
• إدراك قيمة الزمن المعيش لأنه حيثية التكليف بين الولادة والموت عن طريق امتلاك نظرة عريضة للوجود المرتبط بالزمن
• امتلاك الوعي الضروري لتصحيح النظرة إلى الوجود والكون والإنسان والله
• تحسين العلاقة مع الذات والله والكون والإنسان بامتلاك الوعي والإرادة المحركة للفعل
• توظيف تلك المعرفة المتحصلة في امتلاك القدرة العملية على تغيير العالم تحقيقاً لمعنى الاستخلاف ومعنى العبودية المنوطة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في خدمة الوجود الإنساني، لأن قيمة المعرفة في غايتها وليست في ذاتها.
ولأن الإنسان كائن زمني من جهتي وجوده المادي والفكري فقد أقسم الله بالزمن تنبيهاً له على قيمته، وهو على ثلاثة أزمنة هي: الماضي والحاضر والمستقبل، والإنسان يقف في لحظة الحاضر التي يملكها في وجوده من حيث أن الماضي في ذاكرته والمستقبل في تصوره والحاضر هو سيولة الزمن في الإدراك البشري وما يتركه من أثر في الذاكرة التي تضاف إلى المجموع التراكمي الانتقائي ، فالزمن سيال بحسب مقولة " هيرقليطس"" إنك لا تستطيع أن تستحم بالنهرمرتين".
فما الزمن؟
الزمن في التعريف الفيزيائي : جوهر مرتبط بالحركة وناتج عنها ومتناسب معها .
وهو على ثلاثة أنواع مرتبطة بثلاثة أنواع من الحركات :
• الزمن الطبيعي/ الرياضي المرتبط بحركة الكواكب والأفلاك وماشاكلها
• الزمن الحيوي المرتبط بالكائنات الحية البسيطة منها والمعقدة
• الزمن الإنساني المرتبط بالإنسان والذي يختلف تفسيره من حضارة إلى أخرى ينتج عنه:
زمن إنساني مقيد خاص بالجسد/العرض ينعدم بانعدام الجسد
زمن إنساني مطلق خاص بالذات/الجوهر لا ينعدم لخلود الذات وإنما يتحول بتحولها.
الأزمان غير متساوية ولكنها جميعاً منتظمة ومنسجمة بحسب القوانين الإلهية ولا قيمة لأي منها بدون الآخر، والزمن المطلق مسلم به علمياً دون إدراك من قبل الماديين كالزمن الذي كان يحكم حركة الكون قبل الانفجار الكبير (BIG BANG) ناتج عن نظام أو قوة لا يعرف كنهها ولا تخضع للنظام الكوني لأنها سابقة عليه ومستمرة بعد انتهائه ، هذه القوة المطلقة تسميها الديانات السماوية "الإله" وهي مصدر النظام الزمني المطلق بل عينه.
بالنسبة للثقافة الإسلامية هو مستنبط من النصوص الصادرة عن المطلق والتي ترسم مراحل الوجود الإنساني في مستويات ست هي :
العلم الإلهي وعالم الذر وبطن الأم ويحكمه زمن المطلق والحياة الدنيا ويحكمه الزمن المطلق والمقيد كونها الحياة الوحيدة التي يكون فيها الإنسان جسداً والقبر والحياة الآخرة ويحكمه زمن المطلق.
بما يمكننا القول إن الزمن المطلق هو الغالب في مراحل الحياة كلها والحاكم فيها وما المقيد إلا تقاطع مع المطلق في مرحلة اقتضاها وجود الجسد وإن الإنسان يستمد قيمته من الزمن المطلق النابع من النظام المطلق الذي يحمله من جهة النفخة الإلهية والإشهاد والاستخلاف والعبودية والتي يحتاج فقط إلى اكتشافها لوجوب وجودها فيه ، فإذا كان الله واجب الوجود بذاته، فإن الإنسان من دون كل المخلوقات واجب الوجود بغيره، وبحسب قدرة الإنسان على تغليب النظام المطلق على المقيد ارتقى إلى مراتب عالية ولعل أرقاها رؤية وجه الله عز وجل.
والعلاقة بين الزمنين المطلق والمقيد متداخلة تداخل الجوهر بالعرض ونسبة وعيك للزمن المطلق بحسب نسبة وعيك لجوهرك وإن العيش في المطلق ماهو إلا لحظات انبهار نتيجة اختراق الزمن المقيد إلى المطلق وهي أزلية داخلية وآنية خارجية في آن واحد مترعة بالتوتر والجمال (البحيرة والقطرات) وإن إدراكه لهذه اللحظات يجعله مشكاة تفيض بالنور والخير وتصبح حياته سعادة أبدية.
فهل من الممكن إدراك الزمن المطلق وعيشه وكيف يكون ذلك؟
إن إدراك الزمن المطلق ضرورة منبثقة من قانون نفي العبثية وتحقيق المنفعة الإنسانية وهو ليس مطلوباً من الناس جميعاً من حيث اكتفائهم بقوانين الشريعة التي جاء بها الأنبياء من المطلق لتضبط المقيد ليكون الوسط الصالح لحياة الناس، ومثل من سار على درب الشريعة ومن سلك درب التفكر مثل راكب القطار وطائر فوقه ينشدان الهدف نفسه، ويتحصل ذلك بالتفكر في خلق الله والعلم اللدني (الكشف الفيض الإلهي)،
على أن وعي الزمن المطلق وعيشه نسبيان وجدليان في آن معاً ومختلفان من إنسان إلى آخر بحسب العمر والزمن والمكان والثقافة ، وأن اتباع العقيدة في الزمن المقيد يهب الإنسان القدرة على معرفة النظام الإلهي في الزمن المطلق، وبالعشق وحده تلك القوة الإلهية في الذات الإنسانية بعد العبادات والنوافل يتمكن الإنسان من دخول الزمن المطلق،وكلما سادت قوانين المطلق تلاشت قيمة المادة لتتحول إلى أداة بدلاً من كونها غاية، وبالكشف الصوفي تسقط حجب الزمان والمكان فينظر من يدخل في هذه الحالة بنور الله كما في قصة نبي الله موسى والعبد الصالح، حيث يجسد العبد الصالح تجربة الذات المطلعة على المطلق كما يمثل موسى ذاكرة المقيد المحدود بالزمن والمكان فيستنكر من خلال ذلك، والأمر نفسه بالنسبة إلى حالات وجدانية كشفية يسميها الناس بالشطح من خلال المقيد.
والناس في مقابل الزمن المطلق على أصناف:عارف متذوق ، وعارف غير متذوق ، ومتذوق غير عارف ، وغير عارف ولا متذوق.
و زبدة القول أن النظام المطلق هو مرجعية الزمن المقيد والمهيمن عليه وأن سعادة الإنسان مرتبطة بتحقيق التوازن الداخلي بين النظامين والجمع بينهما لأن تحقيق العبودية والاستخلاف لا يكون إلا بذلك، وكما أن الكون مفعم بما يزود الجسد من طاقات لازمة فإنه مفعم بطاقة خفية صادرة عن المطلق والتي لم تتوقف منذ الخلق الأول تلك النفحات التي أن نتعرض لها (الفيض الإلهي ) لتزويد الذات بالطاقة اللازمة فإذا تضافرت الطاقتان وتكاملتا أصبح الإنسان إلهياً، وقد تجسدت هذه الطاقة في الأنبياء وبدت في معجزاتهم .
النور الإلهي موجود في كل تجليات الله وهي ظاهرة وباطنة وهي في الإنسان أرقى ما تكون لأن جسد الإنسان مجلى الصفات الإلهية وذات الإنسان مجلى الذات الإلهية في علاقة جدلية متصاعدة تستمد الأولى من الثانية ما تفيض به عليها بحسب قدرتها التي تزداد وتنقص بحسب تحقيقها لمعنى العبودية والاستخلاف ، فالإنسان مجرداً عن أية صفة أخرى هو مجلى الطاقة الصادرة عن الزمن المطلق وهو محط الإشهاد وبذلك يكون جوهر الإنسان مقدساً كما جسده أيضاً، وإن النظرة إلى الإنسان عموماً بهذا المستوى من الإدراك هو أرقى أنواع العبادات .
ويؤكد إن معوقات قد تحول دون رقي الإنسان داخلية مرتبطة بالجسد وخارجية مرتبطة بالمجتمع وعلى الإنسان أن يقاوم ذلك بالتدرب على :
• أن يكون على يقين من أن خير ولي ونصير له هو الله
• أن يؤمن أن غالبية الناس على ضلال وأن في اتباعهم ضلاله
• أن يكون ابتعاده عن الناس حرصاً وعدم تكبر
• أن يتخذ من العفو والصفح عن الجهلاء منهم مبداً له
ويؤكد الصديق على أن الزمن الإنساني كاف لتحقيق كل ذلك إذا استثمر بشكل جيد من حيث استبعاد السلبي و ترك الحيادي والتفاعل مع الإيجابي من الأمور ( النهر والورقة، الإسراء والمعراج )، ويرى أننا نمتلك الزمن عندما نعيشه بوعي يمكننا من امتلاك جمال اللحظة وجمال الحيز في اتجاه الهدف الذي وضعناه لحياتنا،وإذا كنا قد فرطنا وأخطأنا الطريق فعلينا واجب التصحيح لأن الأوان لم يفت بعد وأن السعي إلى الكمال كمال
الفصل الثالث:حرية الوجود أم عبودية الاتباع
جاء في خمس فقرات
لأن الإنسان يعيش بين زمنين فهو يعيش بين الحرية والعبودية حرية المطلق وعبودية المقيد فالإنسان حر بالقوة (إنسانياً)عبد بالفعل(بشرياً)لأن الذات محل التكليف والجسد أداة التنفيذ وهو مسخر لها بالإضافة إلى المسخرات الأخرى ولا يكون حراً إلا من جهل ذلك فالحرية ثمرة المعرفة.
إن مفهوم الحرية في الثقافة الغربية قائم على نفي الإله لصالح الإنسان السوبرمان
أما عند العرب المسلمين فحرية الإنسان أصل وجوده نفخاً وتعظيماً وإشهاداً وقضية عبودية لله وحده وتمكين من الفعل الاستخلافي تكليفاً وهي متحققة بمقدار تحقق العبودية وهي أعلى ما تكون عند الأنبياء(عبده)لارتباط حرية الإنسان بمقدار إيمانه وارتباطهما بوظيفته في الأرض (العبودية والاستخلاف)
إن كل خارج عن هذه الكلية مضطر إلى الوقوع بالتقليد واتباع آلهة متعددة بدوافع شتى والخروج عن مدار حريته ليدور في مدارات الضياع والضلال.
ومادام الإنسان يعيش في وسط المجتمع وحيداً فإن عليه أن يحيا في إطار المحبة الإلهية الذي ربط حرية الفرد بحرية الجماعة عن طريق العلم وتحقيق العبودية والاستخلاف فإذا اصطدم بمجتمع يمنعه من تحقيق ذلك فعليه أن ينأى بنفسه عنه تحضيراً للحظة التي يمتلك قدرة إبداعية تولد فيه قوة تمكنه من أن يكون فرداً فاعلاً مكوناً لمجتمع حقيقي يمسك بزمام القوى المنتجة التي هي في الأصل مسخرات له في تحقيق البناء على أساس العدالة المبنية على التوحيد في الإيمان، وتوازنية بين حرية الفرد وحرية المجتمع فكم من مادي أراد تغيير مجتمعه بالقوة والثقافة التي يملكها وكم ومن متطرف قام بتكفير مجتمعه وتشريع حربه وقتل أهله،كما الحال في أمتنا الواقعة بين سندان التقليد ومطرقة التغريب فاقدة حريتها ومرشحة لفقدان هويتها وذاتها ووجودها عينه.
وإن سبيل التحرر في أن تكون حراً تعرف أن لك ذاتاً أشهدت عليها لتصبح سيداً على ما سخر لك وذلك بالتفكر في خلق الله ظاهراً وباطناً والتفكر في خلق الإنسان، وبغير ذلك ستكون مؤمناً بالتقليد ولن تكون حراً أبداً، فكن حراً في صناعة لحظاتك لتمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معرفياً،وفعل نظام العشق الكامن فيك لتجوهر ذاتك في البحث عن الجمال بالمعرفة والعمل والإيمان لأنه إذا كان الانفصال بين العشق والجمال قائماً كان الشوق إليه دائماً،ومن يمتلك القدرة على العشق يملك القدرة على الإبداع ، فكن عبداً لله فحريتك في عبوديتك وكن مؤمناً قوياً تكن قضاء الله وقدره.
وأخيراً فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي تمكن من الخروج على الزمن المقيد من ناحية التكليف بامتلاكه ذاتاً حرةً هي محركه الداخلي الخاص به ، والإنسان هو وحده أيضاً الذي تتقد إرادته على الإرادة الإلهية وفعله على الفعل الإلهي.
فكن متحركاً بك ولاتكن متحركاً بغيرك وقد وهبك الله محرك الحر والخاص بك مارس وظيفتك بحرية العبودية
وللصور بقية