وضمن ريبورتاجات المدن، يقدم لنا الدكتور مجد جرعتلي موضوعاً موسعاً عن مدينة بودابست خاصة، وعن هنغاريا (المجر) بصفة عامة. ويقدم لنا هذه الصور الجميلة لكي تكون لنا دليلا في رحلتنا إلى بودابست.

بودابست عاصمة الفن والسياحة و التاريخ

الدكتور مجد جرعتلي


بودابست


بودابست هي عاصمة دولة هنغاريا " المجر" و أكبر مدنها. وتعتبر المركز السياسي والاقتصادي والصناعي للبلاد. يسكنها 1.9 مليون نسمة. أصبحت بودابست مدينة واحدة على ضفتي نهر الدانوب بعد اتحاد مدينتي بودا القديمة على الضفة الغربية مع مدينة بست على الضفة الشرقية عام 1873 م. تعتبر بودابست في المرتبة السادسة في قائمة أكبر المدن في الاتحاد الأوروبي
بنيت بودابست القديمة على أنقاض المدينة الرومانية أكوينكم عام 106 م وكانت عاصمة لمقاطعة بانونيا السفلى حتى القرن الرابع الميلادي.


تعد بودابست واحدة من أعرق عواصم الدول الأوروبية على الإطلاق ، يشهد على ذلك تاريخها ، ذلك التاريخ الذي زاوج وما زال يزاوج بين حضارة الشرق والغرب، حيث الكنز العثماني القديم المتمثل في الهندسة العربية الإسلامية الموجودة في أغلب بيوت المدينة ، والتاريخ المجري العريق الذي ترك بصماته في كل ركن من ضفاف حوض الدانوب الذي يصل طوله إلى 2850 كيلو متراً.. وبودابست كذلك من العواصم التي تتمتع بحمال روحي خفي لا تراه إلا عيون محبي وعشاق الفن خاصة الموسيقى.

 


تنتمي مدينة بودابست إلى بلد يعود تاريخه إلى عام 896، بعدما لجأت إليه سبع قبائل مجرية تعود أصولها إلى جبال الأورال والفولجا، تحت قيادة المجري "أرباد" لتحتل حوض الدانوب وتستقر في المناطق المجاورة له، وبودابست اليوم هي عاصمة المجر "هنغاريا حاليا " ، وتقع في الجهة الشمالية من البلد ، على ضفاف نهر الدانوب وتنقسم إلى منطقتين ، الأولى سميت بودا" وهي أكثر جمالاً ، حيث يعود تاريخ شوارعها الصغيرة وبناياتها الأثرية إلى القرون الوسطى.


أما الثانية وهي "بيست" فتعد مركزاً تجارياً مهماً ليس في بودابيست فحسب بل في هنجاريا كلها ، وتكثر فيها الأسواق والمحال التجارية ، وتجدها تعج بالحركة ليلاً ونهاراً
تعرضت المنطقتان إلى عدة غزوات واجتياحات ، من أبرزها الغزو المغولي في القرن الثالث عشر ، وكان الأتراك العثمانيون الذين مكثو فيها ما يقرب 150 عاماً أول فاتحيها، على يد السلطان سليمان القانوني الذي عمل على إصلاحها وتطويرها والنهوض بها ، وهذا ما جعل الأستراليين يهجمون على الأتراك للتمتع بخيرات البلد بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى . وكان الألمان والسوفيت آخر المحتلين لهنغاريا في الفترة الممتدة ما بين عامي 1945 و1990


بعد تحرير البلاد من الأتراك ، قدم العديد من المهاجرين الأجانب ، بمن فيهم الألمان واتخذوا من بودابست التي ظلت محتلة من قبل العثمانيين لفترة طويلة إقليماً لهم، فبدأت حركة التنوير في البلد أو ما سمي آنذاك عصر الإصلاح وهي الفترة التي عرفت فيها البلد طفرة سريعة من الجانبين الاقتصادي والتكنولوجي


وبعد تغيير النظام الاقطاعي تم توحيد المنطقتين "بودا و بيست " وتم الربط بينهما بثلاثة جسور رائعة التصميم تجتاز نهر الدانوب ، وتعد من كبريات التحف المعمارية ، وأحد الشواهد والمعالم المميزة للمدينة كلها ، وهي : جسر " إليزابيث " " الحرية " " تشين بريدج" وهذا الجسر الشهير ، تم تشييده عن طريق " إستيفان سزيشيني " وهو أهم شخصية وطنية مرت على تاريخ هنجاريا وهو مؤسس أكاديمية العلوم المجرية ، وهو الذي نظم نهري الدانوب وتيزس.


تضم بودابست في مجملها حوالي 24% من سكان هنغاريا وجميعهم يتحدثون اللغة الهنغارية وهي لغة خاصة بهم خليط من الألمانية واللاتينية وكانت هذه المدينة على مر التاريخ ملجأ لأبرز الكتاب والفنانين والموسيقيين ، مما جعلهم تعد واحدة من أعرق العواصم الدولية من الجانبي الفني والموسيقي

جمهورية هنغاريا أو( المجر)
المساحة: 93.030 كيلومتر مربع
الموقع: تقع المجر في شرق أوروبا، والدول التي تحدها: النمسا, سلوفاكيا ,أوكرانيا, رومانيا, سلوفانيا, صربيا, و كرواتيا
عدد السكان: 10.076.581
العاصمة: بودابست
العملة: فورينت واليورو
اللغة الرسمية: الهنغارية ( المجرية)

بحيرة بالاتون
تقع بحيرة بالاتون الجميلة، وهي أكبر بحيرة مياه عذبة في أوروبا الوسطى، على بعد 60 ميلا من جنوب غرب بودابست، وهي أشهر منتجع لقضاء العطلات في المجر، يشتهر الشاطئ الشمالي للبحيرة بمنتجعاته وينابيعه المعدنية، أما في داخل البحيرة نفسها، فتعد شبه جزيرة تيهاني من أروع الحدائق الوطنية في المجر.

وتعتبر منطقة بالاتون الصغيرة التي تقع في أقصى الجنوب الغربي للبحيرة محمية طبيعية، فهي ملجأ لأنواع نادرة ومهددة من الطيور مثل أبو ملعقة ومالك الحزين والغاق.

 
بودابست : مدينة الاحتفاء الدائم بالحياة والفن

 

 تمثل أسواق بيع السلع والبضائع القديمة والتاريخية في أية دولة نافذة يمكن من خلالها إلقاء نظرة على هوية تلك الدولة وشخصيتها في الماضي والتعرف على طريقة وأسلوب حياة شعبها وأنماط ارتدائه لملابسه وكيف كانت تبدو أزياؤه في الماضي، وما الذي يتبعه هذا الشعب من أساليب في مجال الترفيه وأوقات المرح.
وفي هذا الصدد يعد سوق ايكيسيري، الذي يقع على بعد نصف ساعة بالترام الى الجنوب من العاصمة المجرية بودابست خير مثال لهذا النوع من الأسواق الذي تتجلى فيه هوية البلاد، خلال العصور المختلفة.

 فعن هذا السوق يستطيع الزائر أن يحصل على لمحات من الحياة المجرية أثناء الفترات التاريخية المختلفة عندما كانت الدولة تحت السيطرة الروسية الكئيبة أو الألمانية البغيضة او الهابسبورجية الجميلة.

ومن خلال اكوام الآلات الموسيقية المنتشرة في ممرات هذه السوق الثرية، من جرامافونات وأجهزة أكورديون وكمان، يستقرىء الزائر عنصر القوة التي تحلى بها المجريون طوال عصورهم التاريخية والذي تجسده الموسيقى، فالمجر واحدة من أعرق الأمم الموسيقية على سطح الأرض، إن لم تكن أعرقها على الإطلاق، وذلك بسبب الاهتمام الشديد الذي أولاه شعبها للموسيقى بأنواعها وأشكالها المختلفة.

ولكنها في الوقت نفسه تعد من أثرى بلاد العالم فيما يتعلق بعدد الموسيقيين والملحنين. وليس هناك دليل على ذلك أفضل من مهرجان ربيع بودابست السنوي الذي يعد بالفعل وليمة دسمة لكل من يريد أن ينهل من الموسيقى بأجناسها المختلفة، والفنون الاورالية الجميلة.

وتذخر المجر بشكل عام بالعديد من المؤسسات والأجهزة والمنشآت الموسيقية التي تساعد بدورها على ترسيخ الفنون الموسيقية في الدولة وبين الشعب بمختلف أعماره. ومن أهم تلك المعالم الموسيقية باتت دار الأوبرا المجرية التي تبدو شديدة الشبه بمثيلاتها في فيينا ولكنها تمتاز عنها برخص تذاكر الدخول بشكل كبير يعكس الاتجاه العام إلى تكريس الفنون الموسيقية بالبلاد، فيما يعادل 12 جنيه استرلينيا يمكن للشخص الحصول على أفضل مقعد في المبنى. وعلى هذا النحو تسير أسعار دخول المعالم الموسيقية في البلاد، مثل المتحف الموسيقي الواقع على تل بودا الذي يعرض مجموعة من أندر الآلات الموسيقية في أوروبا.

دار الأوبرا 

ومن أبرز الفعاليات الفنية التي تتم في العاصمة المجرية كل عام الحفلات الموسيقية التي يقيمها الفنان جينو جاندو ويؤدي فيها مقطوعات موسيقية للملحن الشهير بارتوك في منزله على احد التلال التي تقع خارج العاصمة بودابست.

أما أكبر الفعاليات الموسيقية التي تتم على الإطلاق في العاصمة من خلال آلات البيانو ما تقيمه أكاديمية "ليست"، المسماة على اسم الملحن الشهير "ليست" وتعزف في هذه الفعالية مقطوعات موسيقية للعديد من الفنانين العظام الآخرين الذين تركوا بصمة كبيرة على الحياة الفنية في المجر أمثال بارتوك وكودالي.

وعلى بعد خطوات من الاكاديمية تقع الشقة التي قضى فيها ليست سنوات عمره الأخيرة. ويوجد بها جهاز البيانو الشهير لبيتهوفن، علاوة على المخطوطات التي كتبها "ليست" بخط يده عن أعمال بيتهوفن الموسيقية.

ومدينة بودابست هي إحدى المدن الأوروبية التي يتجلى فيها التضارب بين البراءة والتجربة، ففي منطقة واحدة تجد حياة الليل تتجلى في أوضح مظاهرها العديدة بما تعكسه من حرص على انتزاع أموال السياح والزائرين بكل السبل وفي الوقت نفسه وفي المكان ذاته ترى واحات التدين تعج بالمصلين الذين يبتهلون من أجل الرحمة والغفران.

وجانب تميزها الفني الموسيقي، تبدو بودابست إحدى المدن ذات الثروة السياحية الكامنة التي لم تسمح إمكانات البلاد الاقتصادية باستثمارها بالشكل المناسب والذي يليق بما فيها من كنوز سياحية فاتنة، مثل تل بودا ومناطق المحميات الطبيعية، بما تملكه من حيوانات و طيور نادرة.

غير إن ابرز المناطق التي يشار إليها بالبنان في المدينة، وتجعلها بالفعل مقصدا لعدد كبير من السياح، هي منطقة تل القلعة التي تعتبر المنطقة السياحية الأشهر في البلاد، وفيها يوجد ما يعرف بالمدينة القديمة التي تكثر فيها المتاحف الفنية والتاريخية والبيوت القديمة التي تصور التاريخ المجري على مر العصور. ومن أشهر المعالم في المدينة القديمة تلك ما يعرف باسم القصر الملكي الذي حرق وقصف وهدم عدة مرات خلال القرون السبعة الماضية ولكن تم إعادة بنائه ليكون أحد المعالم السياحية الأثرية الجميلة لكل من يبغي ويريد ويعشق الفن
خلاصة القول تتمثل في أن هنغاري وعاصمتها بودابست تعد من البلدان الأوروبية ذات الجمال الروحي الخفي الذي لا تراه إلا عيون محبي وعشاق الفن بمختلف أنواعه.

تاريخ العاصمة بودابست:

القلعة ومبنى الرئاسة القديم 

بعدما كانت "قلعة بودا" مركز الحكم في المجر لقرون، أضحت اليوم مركزاً مهماً للثقافة في البلاد منذ أن فقدت أهميتها السياسية بعد الحرب العالمية الثانية. فقد كانت المنطقة مقر الملوك والحكام المجريين منذ عهد الملك بيلا الرابع في منتصف القرن الثالث عشر، بعدما قرر نقل العاصمة إليها لمنعتها على أثر اكتساح التتار شرق أوروبا سنتي 1241-1242 وتدميره. وكانت المنطقة مأهولة منذ عهد الكلتيين والرومان قبل أكثر من ألفي سنة. وكان الرحالة الأوربيون في العصور الوسطى يقولون أن لأوروبا ثلاثة مدن عظيمة: فينيسيا على المياه، وفلورنسا على السهل، وبودا على الجبل. وأصبحت المنطقة الممتدة على ساحل نهر الدانوب في جهة بودا، ومن ضمنها جبل القلعة، تصنف ضمن معالم التراث العالمي لدى "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة" (يونسكو) منذ سنة 1987. وتمتد تحت جبل القلعة مغاور وممرات عدة في شبكة معقدة وكأنها مدينة كاملة. وكانت تستعمل في السابق للاختباء أو كمنفذ للهرب أثناء الحروب، وللتخزين في سنوات السلم.

بنى الملوك المجريون القصر الملكي ليضاهي أشهر قصور أوروبا في ذلك الوقت، غير أن القصر الشهير والقلعة عانيا من إهمال واضح بعد احتلال الأتراك العثمانيين للقلعة عام 1541. ودمر القصر كلياً وأجزاء من القلعة أثناء القتال لاستعادة المنطقة عام 1686.

وأُعيد بناء القصر بعد ذلك على طراز عصر الباروك ببذخ واضح، مع الحفاظ على الأجزاء السابقة الباقية التي نجت من آثار المعارك، والتي كانت مبنية على الطراز القوطي وطراز عصر النهضة. وجُدد القصر خلال القرن الثامن عشر، وتم توسيعه بين سنتي 1896 و1903 ليأخذ شكله الحالي. وتعرضت المنطقة إلى دمار كبير أثناء الحرب العالمية الثانية، واحترق القصر ودمر أثاثه الباذخ، ثم جرى ترميم القصر لاحقاً.

وتحول القصر إلى مركز ثقافي مهم بعدما أصبح يستضيف عدداً من المتاحف، أهمها "الغاليري الوطني" الذي يحتفظ بحوالى 100 ألف عمل فني، ومتحف "تاريخ بودابست" الذي يعرض تاريخ قلعة بودا وآثارها، ومن بينها أجزاء القصور التي بنيت في عصر النهضة. وتوجد في المتحف مجموعة نادرة تتألف من 470 ألف قطعة أثرية و68 ألف وثيقة تاريخية و28 ألف قطعة فنية و16 ألف من القطع النقدية وغيرها. ويستضيف القصر كذلك "متحف لودفيغ" للفن المعاصر الذي افتتح عام 1989. وتوجد في القصر أيضاً "مكتبة سيتشَني الوطنية" التي تضم رفوفها 7 ملايين مصنف، منها أكثر من مليوني كتاب مطبوع ومليون مخطوطة و200 ألف خريطة ونحو 300 ألف لوحة غرافيك.

علاوة على المتاحف الثلاثة المذكورة والمكتبة الوطنية الموجودة في القصر الملكي، تزدحم باقي أجزاء القلعة بمختلف المتاحف والمناطق الأثرية. وأهم هذه المتاحف "متحف التاريخ العسكري" الذي يحفظ أسلحة ووثائق وقطعاً أثرية تتعلق بالحياة العسكرية. وهناك متحف "تاريخ الموسيقى" التابع لمعهد العلوم الموسيقية في أكاديمية العلوم المجرية الذي يضم إلى جانب الآلات الموسيقية الأثرية والمخطوطات الموسيقية للموسيقيين المجريين، أرشيف "بارتوك" الذي يشكل ثروة وطنية وعالمية. ونجد في الأرشـيف الكثير من التراث الشعبي الموسيقي والغنائي لبلدان مجاورة وأُخرى بعيدة مثل تركيا وسورية ولبنان، وهذا الجزء من الأرشيف لا يزال بحاجة إلى البحث والتوثيق والدراسة من قبل علماء الموسيقى في الدول المعنية. ويقع في القلعة "متحف التأريخ الطبي"، الذي يحفظ تراث هذه المهنة بالاضافة إلى مكتبة تضم 135 ألف مجلد.

قبة إحدى الكنائس
ويجب أن نذكر كنيسة "ماتياش" الفخمة ومتحفها الذي يضم روائع الفن الكنسي من مصوغات وملابس وأنسجة. وقد حوّل الأتراك العثمانيون الكنيسة إلى جامع أثناء فترة احتلالهم القلعة، وهي عادة اتبعوها في تحويل بيوت العبادة المسيحية إلى جوامع ومساجد. وتقع "دار الوثائق" المجرية في منطقة القلعة أيضاً. ولا ننسى ذكر تحفة معمارية، وإن كانت حديثة التشييد، وهي "قلعة الصيادين" التي بنيت أواخر القرن التاسع عشر، والتي أضحت من المعالم الرئيسية لمنطقة جبل القلعة. وتقع هذه القلعة بالقرب من كنيسة "ماتياش" وفندق "هيلتون" المعروف بأنه أول فندق عالمي يبنى في بودابست أثناء فترة الحكم الاشتراكي. وتقدم "قلعة الصيادين" للسائح منظراً بانورامياً رائعاً لبودابست بجانبيها بودا وبشت، حيث يمكن رؤية أهم أبنية منطقة بشت من فوق أسوارها مثل بناية البرلمان ودار الاوبرا وجسور الدانوب الضخمة.

ويمكن الصعود إلى منطقة القصر من ساحة آدام كلارك الواقعة على نهاية جسر "السلاسل". ويصل السائح الى منطقة القصر باستعمال قاطرة جبلية تستغرق دقائق معدودة، يمكن خلالها التمتع بتدرج المنظر الرائع للمدينة. وترتبط الساحة بنفق سيارات يمتد تحت جبل القلعة ليربط الجسر الأثري بباقي أجزاء بودا، من دون الحاجة إلى الالتفاف حول الجبل. وفي الجانب الآخر يوجد صف من الأبنية التي كانت مخصصة للفنانين التشكيليين كاستوديوات أو مشاغل تصطف على طول الشارع الموازي لنهر الدانوب، غير أنها مهجورة الآن إذ لم تجدد بشكل كامل منذ الحرب العالمية الثانية.
وجرى في السنوات الأخيرة تجديد القصر المعروف باسم "قصر شاندور"، وأصبح مقراً لرئيس الجمهورية المجرية فرنتس مادل. وكانت الحكومة السابقة تخطط لنقل مقرها إلى هذه المنطقة أيضاً، غير أن الحكومة الحالية فضلت البقاء في بنايتها الحالية الواقعة بجوار مبنى البرلمان.

والكثير من البيوت والأبنية الموجودة حول القلعة تعود إلى القرن الثامن عشر وبنيت على طراز الباروك، وهناك أبنية أقدم تعود إلى القرون الوسطى وعصر النهضة. وتعتمد المنطقة على السياحة وتكثر فيها المطاعم والمقاهي، وتنظم بلديتها المهرجانات الثقافية والفنية والموسيقية والاحتفالات على مدار السنة. ويجد كل من يأتي الى بودا فرصة للتمتع بطابعها الغني ومعالمها الفريدة.

السياحة الصحية في بودابست :

 

إحدى الحمامات والمسابح في بودابست

تشتهر بودابست عاصمة المجر (هنغاريا) بحمّاماتها المعدنية والساخنة، وقد حصلت سنة 1934 على لقب مدينة الحمّامات لأن عدد الحمّامات فيها يفوق مثيله في أية مدينة أُخرى في العالم. ويوجد في بودابست اليوم 118 ينبوعاً وبئراً محفورة تنتج 30 ألف متر مكعب يومياً من المياه المعدنية والساخنة بدرجات تتراوح بين 21 و76 درجة مئوية، تغذي 24 حماماً معدنياً ساخناً وحماماً للعلاج الطبيعي ومسبحاً، بينها 10 تعتبر مراكز للعلاج الطبيعي.

وتقسم مياه بودابست الجوفية المعدنية إلى خمس مناطق جيولوجية، هي: المجموعة الشمالية ومياهها دافئة اعتيادية، والمجموعة الشمالية لجزيرة مارغيت ومياهها ساخنة، ومجموعة جبل يوجف ومياهها مختلفة الحرارة والتركيب الكيماوي وتغذي عدداً من الحمامات والمسابح بينها حمامات لوكاتش، ومجموعة المياه العميقة مثل البئر رقم 2 في جزيرة مارغيت، وأخيراً مجموعة جبل غَلّيرت والمجموعة الجنوبية للمياه الساخنة التي تغذي الحمامات التأريخية القريبة.

وعرف الانسان هذه الميزة لمنطقة بودا منذ القدم. واستغل الكلتيون، وهم أقوام سكنت حوض الكاربات مبكراً، هذه الينابيع. ووجد في أكوينكوم، العاصمة الاقليمية لمنطقة بانونيا الخاضعة للإمبراطورية الرومانية، 19 حماماً بمياه ساخنة عثر على آثار تسعة منها. وتقع أكوينكوم اليوم في منطقة بودا القديمة حيث يوجد الكثير من الآثار الرومانية، بينها الحمام العسكري الذي يمكن رؤيته في نفق المشاة الواقع تحت الطريق السريع الذي يربط جسر آرباد بتفرعات الشوارع في بودا القديمة. ونقل الرومان المياه باستعمال قنوات يمكن رؤية بقاياها حتى اليوم في شارع سنتندره.

وبعد قدوم المجريين الى هذه المنطقة في القرن التاسع الميلادي، استمر استغلال المياه المعدنية الدافئة وبناء الحمامات عند ينابيعها.
وشيد الأتراك العثمانيون بعد احتلالهم بودا سنة 1541 العديد من الحمامات خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين. وأحصى أحد الرحالة الانكليز 8 حمامات تركية في بودا لوحدها وذلك عند مروره بالمجر سنة 1669.
ويتحدث الرحالة التركي الشهير أوليا جلبي عن حمام عام بُني عند ينابيع غَلّيرت (يقع عند السفح الجنوبي للجبل)، لكنه أُهمل في فترات لاحقة بحيث غدا مكاناً لاستحمام الخيول. ويقول الرحالة العربي محمد بن عمر عن هذا الحمام: "ويوجد حمام آخر في الطرف الثاني للجبل، مياهه مفيدة لعلاج أمراض الخيول والبغال. لكن البناية الموجودة فوق الينبوع تكاد تنهار". ويعرف حمام روداش بأنه حمام مصطفى سوكولي باشا، أحد ولاة بودا.
لكن الحمامات الشهيرة في بودا تعرضت للإهمال بعد طرد الأتراك منها سنة 1686، ولم تسترجع عافيتها إلا في القرن التاسع عشر، وذلك بعد تطور تقنية الحفر العميق، وتقدم العلوم الطبية. وقد حفرت أول بئر ارتوازية للمياه المعدنية في جزيرة مارغريت سنة 1867، ليستخرج هذا الكنز من عمق 118.5 متر، وبلغت حرارة المياه المعدنية هذه 44 درجة مئوية
والمجر كلها غنية بالمياه المعدنية الساخنة والطبية. فإلى جانب بودا، تشتهر كذلك مدينة أغر بالحمامات التركية. وقد احتل العثمانيون المدينة الواقعة إلى الشمال الغربي من بودابست سنة 1596، وشيدوا فيها العديد من الحمامات التي لا يزال بعضها قائماً الى اليوم. وتنفرد المجر بوجود أكبر بحيرة مياه معدنية علاجية في العالم، وهي "هَيفيز" على الساحل الشمالي لبحيرة البالاتون (جنوب غربي بودابست)، وتبلغ مساحتها 4.4 هكتار. وتصل حرارتها في الصيف إلى 34- 36 درجة، وفي الشتاء إلى 26- 29 درجة، ويدخل الكبريت في تركيب مياهها إلى جانب بيكاربونات العناصر القلوية، وهي كذلك نشطة إشعاعياً بشكل خفيف. وهناك أيضاً آبار زالاكاروش التي حفرت سنة 1962 أثناء التنقيب عن النفط، فانبثقت المياه المعدنية بدرجة حرارة 96 مئوية وفيها تركيز عالٍ من الأملاح المختلفة.

جزيرة مارغيرت


يقع المسبح في جزيرة مارغيرت السياحية الشهيرة وسط الدانوب داخل المدينة. افتتح سنة 1919، ومياهه معدنية لكن أملاحه قليلة التركيز، أهمها بيكاربونات الكالسيوم والمغنيسيوم مع نسبة قليلة من أملاح الصوديوم. يوجد فيه العديد من الأحواض، بينها حوض أمواج صناعية.

حمام وفندق كالّيرت:من أهم وأرقى الحمامات في بودابست، يقع عند الدانوب تحت جبل غَلّيرت الذي يعتليه تمثال الحرية وقلعة السيتادلا. إشتهرت مياه ينابيع غَلّيرت لغرض الاستشفاء منذ القرن الخامس عشر. افتتحت البناية التي تضم فندقاً وحماماً في سنة 1918، وهي مبنية على طراز الفن الحديث الذي ميز نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وأُضيف إليه حوض السباحة الكبير سنة 1927، والأحواض الفوارة سنة 1934. فيه اليوم 13 حوضاً: حوضان للمياه الفوارة (حرارة مياههما 26 و30 درجة مئوية، مساحة الأول 246 والثاني 60 متراً مربعاً). 3 أحواض مكشوفة، منها حوض الأمواج الصناعية وحرارة مياهه 26 درجة مئوية، مساحته 500 متر مربع. وحوض الاسترخاء وحرارته 30 درجة مئوية ومساحته 94 متراً مربعاً، وحوض ثالث للأطفال بعمق 40 سنتمتراً وحرارته 30 درجة مئوية ومساحته 56 متراً مربعاً. وتوجد ثمانية أحواض للمياه المعدنية تتراوح حرارة مياهها بين 26- 38 درجة مئوية. وتتميز مياهها المعدنية بوفرة الفلوريد، وبوجود بيكاربونات الكالسيوم والمغنيسيوم مع إيونات الكبريتات والكلوريد.


وفي الحمام مصحٌ تقدم فيه الخدمات الصحية من بينها العلاج الطبيعي (فيزيكوثرابي) والاستنشاق (انهالاتوريوم). وتستعمل المياه لعلاج أمراض عدة، منها أمراض الأنسجة الرابطة وأمراض العمود الفقري والتهاب المفاصل ومشاكل الغضاريف وضيق الأوعية الدموية واضطرابات الدورة الدموية. أما غرف الاستنشاق فتنفع في علاج الربو وأمراض التنفس .

حمام كيراي أو بمعنى حمام الملك: يقع في منطقة بودا التأريخية قريباً من نهر الدانوب أسفل جبل القلعة (قلعة بودا). بدأ في بنائه أرسلان باشا والي بودا سنة 1565، لكنه قتل خنقاً بأمرٍ من السلطان سنة 1566، فأكمله خلفه مصطفى سوكولي باشا. ولا يوجد مصدر مياه مباشر للحمام، بل بناه الأتراك ليكون ضمن حدود أسوار قلعة بودا حتى يتسنى لهم الاستحمام ولو في وقت الحضارات على ما يبدو. وجلبت المياه المعدنية من ينابيع حمام لوكاتش المجاور. وتقود درجات أربع الى الحوض المثمن الأضلاع، حيث تحتل حجرة عميقة كل ضلع من أضلاعه الثمانية، وفوق كل ذلك قبة مدورة. يعود شكله الحالي الى سنة 1796 حيث انتقلت ملكيته الى عائلة كونيغ (وتعني ملك بالألمانية، ومن هنا جاء اسمه المجري). وقد تضرر الحمام كثيراً في الحرب العالمية الثانية، وأُعيد بناؤه سنة 1950.
في الحمام أربعة أحواض، حرارة مياهها 26 و32 و36 و40 درجة مئوية. ومياهه غـنية بأملاح بيكاربونات وكبريتات الكالسيوم والمغنيسيوم، وفيه كمية كبيرة من إيون الفلوريد. ومياهه مفيدة لعلاج أمراض الأنسجة الرابطة والتهابات المفاصل وإصابات العمود الفقري والديسك ونقص الكالسيوم في العظام والنقاهة بعد الاصابة بجروح.

حمام لوكاتش: بدأ الرهبان التابعون لفرسان القديس يوحنا تنظيم العلاج بالمياه المعدنية الموجودة في المنطقة مبكراً في القرن الثاني عشر، ثم جاء رهبان فرسان رودوس ومالطا وشيدوا لهم أديرة وحمامات. أما الأتراك فاستعملوا طاقة المياه المندفعة من الينابيع لأغراض الطحن فبنوا مطاحن للبارود ولطحن الحبوب علاوة على استعمال المياه المعدنية الساخنة للاستحمام والعلاج، لذلك أسموه حمام مطحنة البارود "باروت دغريمنه"
تعود البناية الحالية إلى العام 1894، وفيها أحواض معدنية للعلاج والاستجمام وكذلك أحواض للسباحة بنيت بشكل تدريجي، وقد أُضيفت قاعة الشرب (لعلاج أمراض الجهاز الهضمي عن طريق شرب المياه المعدنية) سنة 1937. تبلغ مساحته الكلية 1800 متر مربع وفيه أشجار قديمة يبلغ عمرها مئات السنين. وتغطي جدران الأبنية لوحات الشكر والثناء التي وضعها أناس جاءوا من كل أنحاء العالم ونالوا الشفاء من أمراضهم، وبينها لوحة بالعربية لشخص اسمه أنطوان شديد من مصر يعود تاريخها الى سنة 1933. ومياهه مفيدة لعلاج أمراض الأنسجة الرابطة والتهابات المفاصل وإصابات العمود الفقري والديسك ونقص الكالسيوم في العظام والنقاهة بعد الاصابة بجروح.


حمام راتس: يقع الحمام في منطقة تبان (الدباغ خانة) عند السفح الشمالي الشرقي لجبل غلّيرت، قرب جسر أرجيبت الحالي وقريباً من القصر الملكي وجبل القلعة. يعود تاريخه الى زمن الملك المجري جيمغموند (1368-1437). ويرد ذكره باسم الحمام الملكي، وذلك في زمن الملك ماتياش (1443-1490) أشهر الملوك المجريين قاطبة، وقد ارتبط القصر الملكي بالحمام بواسطة ممر مسقوف. وبنى الأتراك العثمانيون حوضه الواقع تحت قبة، وأسموه الحمام الصغير "كجك إليجه". أُعيد بناؤه وتوسيعه سنة 1869 حسب تصاميم المعماري المجري الشهير ميكلوش إيبل. وقد تضرر الحمام في الحرب العالمية الثانية، ولم يعد افتتاحه إلا في سنة 1965.
تتكون أملاحه من بيكاربونات الكالسيوم والمغنيسيوم مع الصوديوم، وتوجد فيه الكبريتات (السلفات) والفلوريد. وينفع في علاج أمراض المفاصل والروماتيزم وأوجاع الظهر والأعصاب، وتخفيف آلام انبساط القدم وانحراف العمود الفقري، ويعجل من النقاهة بعد التعرض للحوادث.

حمام روداش: يبعد عشرات الأمتار عن حمام راتس ويقع على نهر الدانوب قرب جسر أرجيبت. بناه الأتراك العثمانيون في بداية خمسينات القرن السادس عشر، وأعاد بناءه مصطفى سوكولي باشا والي بودا سنة 1566. وأطلق عليه الرحالة أوليا جلبي أثناء زيارته بودا سنة 1660-1664 اسم حمام الأعمدة الخضراء. ويشتهر الحمام بقبته التي تستند على ثمانية أعمدة ويبلغ قطرها 10 أمتار فوق حوض ثماني الأضلاع، حولها ممر مسقوف بآجر معقود. وهذا الجزء من الحمام لا يزال بحالته الأصلية التي تعود الى سنة 1566. أُضيفت البناية الحالية الى الحمام سنة 1896 وفي سنة 1937 ازداد عدد الأحواض الى 21 حوضاً. وتوجد في الحمام خدمات علاج طبيعي كاملة. تتراوح درجة حرارة الماء في الأحواض المعدنية الستة بين 16-42 درجة مئوية. يتميز الحمام بمياه تحوي بيكاربونات الكالسيوم والمغنيسيوم وفيها أيونات الكبريتات (سلفات) والفلوريد، ونسبة من المواد النشطة إشعاعياً. وهذه المياه المعدنية الساخنة مفيدة لعلاج أمراض المفاصل والأنسجة الرابطة والديسك ونقص الكالسيوم في العظام. ويفيد شرب المياه المعدنية في علاج أمراض مسالك المرارة والجهاز التنفسي.

وللصور بقية