بيان تشكيلي لنقد عربي معاصر للناقد أديب مخزوم
- مايو 15, 2010
- 0
كتابي وصل إلى عواصم ومدن أجنبية وعربية، ولم يصل إلى أي فرع من فروع اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين…
تتمة حوارنا حول كتاب “تيارات الحداثة في التشكيل السوري” الذي نشرناه في 10-5-2010
يتابع الناقد أديب مخزوم في القسم الثاني من حديثه لموقعنا عالم نوح الالكتروني قائلا: البيان الذي كتبته ونشرته في مقدمة كتابي يسلط الضوء على الثغرات والفوضى المتفاقمة الموجودة في حياتنا الفنية والثقافية والصحافية، فأحياناً يكتبون عن فنان ويقولون عنه انه من الرواد، مع انه في الحقيقة فنان مغمور أو متواضع الخبرة والموهبة. وفي المقابل يوجد فنانين هامين جدا إلا أنهم لا يجيدون تسويق أنفسهم في الإعلام المحلي، وهكذا يغيب فنان مبدع ويمحى اسمه من أعمدة الصحف والمجلات والإعلام المرئي والمسموع، ويطفو فنان فاشل فوق أكوام النفايات الكتابية المتحركة. وهذا يعني أن هناك مزاجيات كثيرة ومواقف عشوائية خاضعة لتقلبات حالات مد وجزر العلاقات الشخصية تحكم الصحافة التشكيلية المحلية التي لم تجد بعد خطها التصاعدي في النمو والتفرع وتجاوز هذه الإشكاليات والالتباسات، وهذه السلبيات والثغرات وضحتها بإسهاب في بياني التشكيلي لدرجة أن الفنان والناقد طاهر البني قد كتب مقالة طالب فيها الجهات المعنية والمهتمين إلى متابعة هذا البيان واستجلاء ما فيه من تشخيص لواقع الفن في البلاد، لأنه – وعلى حد قوله أيضا –يشكل نافذة مضيئة على الكثير من الجوانب المستترة في حياتنا الفنية والثقافية المغلفة بستائر الوهم والتضليل التي برع المؤلف في إزاحة العتمة عنها وكشف حقائقه من خلال مواقفه الموضوعية وخبرته الميدانية التي تمتد لأكثر من عشرين عاما عايش خلالها الحركة الفنية المحلية والعربية متابعا تطوراتها وانعطافاتها ومواكبتها للفنون العالمية ، ويؤكد الأستاذ طاهر البني في نهاية مقالته على أهمية كتاب أديب مخزوم في مكتباتنا العامة والخاصة، ولاسيما في المراكز الثقافية والجامعات والسفارات وغيرها من المؤسسات الثقافية والتربوية .
ويضيف مخزوم منوها إلى أنه في القسم الثاني من بيانه يوضح التقنية التي يعتمدها في خطوات تحليل اللوحة والمنحوتة، وذلك باعتماد اللغة التشكيلية التعريفية والتحليلية والنقدية وهي لغة تشكيلية انسيابية وشاعرية بعيدة كل البعد عن لغة الأدب ، ومع ذلك فهي قريبة من عواطف وأحاسيس ومشاعر الناس ، بمعنى أنها لغة ليست معقدة وليست سطحية، وهي في النهاية قادرة على الدخول ضمن اهتمامات القارئ العادي ويستطيع استيعابها واستشراف أبعادها الجمالية والتعبيرية .
وعن مدى تعاون الفنانين معه في خطوات الإعداد لإصدار الكتاب قال مخزوم: بعض الورثة لم يتعاونوا معي، وكذلك بعض الفنانين، وحتى لا يأتي كتابي ناقصا ومبتورا وشبيها بالكتب السابقة، وجدت العلاج بإعطاء كل واحد من هؤلاء صفحة، أو نشر له لوحة أو أكثر في ملحق اللوحات، وهذا يعني أنني خصصت صفحات لفنانين رفضوا إعطائي حتى صورة واحدة، حيث اعتمدت على جهدي وأرشيفي الخاص. وهنا أقول إن هذا الكتاب الموسوعي لن يتكرر لأنه من الصعب أن يأتي أحد ويخصص صفحات في كتاب لفنانين لا يعنيهم إلا إنتاج اللوحة وتسويقها. ولقد غابت بعض الأسماء القليلة الهامة لعدم تعاون أصحابها، أو لعدم تجاوب الورثة ، و لعدم تمكني من تأمين صور مناسبة لطباعة أنيقة وفاخرة، وكنت أتمنى أن لا تغيب تجربة هامة واحدة عن كتابي، مع الإشارة إلى أن هناك إمكانية رحبة لإدخال أسماء أخرى في الطبعة الثانية، التي ستترجم إلى الانكليزية ، وتصدر في جزأين ضمن علبة أنيقة، ومهيأة لتوزع في عواصم ومدن الفن الكبرى، وهنا لا اطلب من الفنانين الغائبين عن الكتاب سوى الاتصال بي والتعاون معي ، وأنا أرحب بجميع الموهوبين والمتميزين. مع العلم أنني في ملحق اللوحات آخر الكتاب حاولت أن أقدم إحاطة شاملة بجميع الفنانين المحترفين والهواة الذين تمكنت من الحصول على صور بعض لوحاتهم بطريقتي الخاصة ، وذلك لان الهدف النهائي من إصدار الكتاب يكمن في مدى قدرته على إعطاء القارئ صورة حقيقية وشاملة عن اتجاهات وتيارات الفن التشكيلي في سورية خلال أكثر من مئة عام.
والكتاب مهدى إلى المهندس المعماري الصديق باسم حلواني، الذي – اعتبر في حوار سابق – أن اهتمامه بالفن التشكيلي جاء من أيام دراسته لهندسة العمارة، مؤكدا أن الفن التشكيلي لا ينفصل عن العمارة بدليل أن مجمل فناني عصر النهضة في ايطاليا كانوا مهندسين. ولهذا برز اهتمامه الكبير بالفن التشكيلي حين أصر على إصدار هذا الكتاب بطبعته الأنيقة والفاخرة ، والتي حازت على قبول وإعجاب وتقدير كبار الفنانين والمتابعين والمهتمين في سورية والخارج ، كونه يعطى صورة حقيقية عن الفن التشكيلي السوري ، ولقد كتبت مقالات عديدة وكل الآراء المنشورة كانت ايجابية، ويكفي وضع اسمي أو عنوان الكتاب على أحد محركات البحث ( غوغل أوياهو ) أو سواهما حتى تتأكد هذه الحقيقة، وحتى يستشف المراقب مدى الاهتمام الإعلامي الكبير بالكتاب.
وخلال توقيع الكتاب في عمان حضر عدد من الفنانين الأردنيين الذين أبدوا إعجابهم بالكتاب، وقالوا لنا لا يوجد في الأردن كتاب عن الفن التشكيلي بهذه الضخامة والشمولية والأهمية.
الإشارة الوحيدة الأكثر سلبية التي برزت تكمن في أن كتاب – تيارات الحداثة في التشكيل السوري – وصل إلى أوروبا وأمريكا بشهادة السيدة رندة العظم – تعمل في إدارة صالة رفيا في الفور سيزنز بدمشق، كما تم تسويقه في قصر اليونيسكو في بيروت، ضمن المعرض الذي أقامته السيدة الهام باكير ، كما وصل إلى الجمهور الأردني عبر صالة دار المشرق في عمان، وبعبارة واحدة ( الكتاب وصل إلى عواصم ومدن كبرى عربية واجنبية ، ولم يصل الى أي فرع من فروع مايسمى باتحاد الفنانين التشكيليين السوريين . كما انه لم يصل الى مكتبة كلية الفنون الجميلة في دمشق ) مع العلم أن عشر نسخ منه ، كانت منذ الأيام الأولى لصدوره، بين أيدي الأساتذة والدارسين والطلاب في مكتبة كلية الفنون الجميلة في حلب، بقرار فوري من الفنان الأستاذ الدكتورعلي السرميني عميد كلية الفنون الجميلة في حلب، واقتنت وزارة الثقافة عشر نسخ. كما اقتنت السيدة نبال بكفلوني مديرة الفنون الجميلة في وزارة الثقافة خمس نسخ بمبادرة فردية وحضارية. تضاف إليها خمس نسخ اقتناها الأستاذ إسماعيل جردات لمكتبة جريدة الثورة، التي أعمل فيها كمحرر في الدائرة الثقافية منذ سنوات طويلة، بالطبع بقرار من الأستاذ خلف المفتاح المدير العام لمؤسسة الوحدة. وننتظر أن تساهم الجهات المعنية الأخرى، وتعمل على اقتناء الكتاب، الذي بلغت كلفة تأليفه وإخراجه وطباعته وتجليده حولي مليون وسبعمائة ألف ليرة سورية. فالدعم حتى الآن هو دعم أفراد، وليس دعم مؤسسات معنية باقتناء الكتب الجادة التي توثق لتاريخ تطور الفن التشكيلي السوري الحديث والمعاصر.
فترة الإعداد للكتاب استغرقت حوالي ثلاث سنوات (تجميع و تنضيد وتصوير وإخراج وطباعة ) ولقد كنت دائماً إلى جانب ماهر الحجار، حيث رافقت مجمل خطوات الإخراج خطوة بخطوة ، وبناء على رغبتي لم يخرج أي صفحة إلا بإشرافي، ولقد كانت جلسات العمل طويلة، تطلبت المزيد من الجهد والصبر والجلد والدقة في العمل، وكان ماهر دائما معي بضرورة إعادة إخراج أي صفحة حين كانت تتوفر صور شخصية أفضل للفنانين أو لأعمالهم.
والناحية الأكثر أهمية بالكتاب تكمن في أنني أعدت قراءة تاريخ تطور الحركة التشكيلية السورية قراءة جديدة، وبأسلوبي الخاص، معتمدا اللغة التشكيلية البحتة والمعاصرة والتي تتلاءم مع روح العصر. انا لم أقرأ لوحات الفنانين كما كانت تقرأ منذ عشرين عاماً أو أكثر، وإنما قرأتها قراءة مغايرة تحمل إشارات الإضاءة العصرية، كما ابتعدت في كتابي عن النقد العام الذي ينطبق على جميع الفنانين القدامى والمعاصرين ودون استثناء .
وأعادنا أديب مخزوم إلى بدايات رحلته الطويلة مع الكتابة النقدية بقوله: في بداية التسعينات نشرت لي عدة مقالات في جريدة السفير اللبنانية، وهي صحيفة كما نعلم مقروءة في جميع إنحاء العالم. وفي ذات الوقت لم انقطع عن الكتابة في الصحافة الثقافية المحلية، وكان بعض رؤساء الأقسام الثقافية يرفضون لي بعض المقالات، ثم يجدونها منشورة في أهم الصحف اللبنانية ( ولا سيما السفير)، الشيء الذي يؤكد دكتاتوريتهم الثقافية، ونزعتهم الالغائية المزمنة والتي تركت تأثيرات سلبية واضحة وأدت إلى ترحيل مجمل الأقلام الجادة وتطفيشها إلى الخارج ( نصف الذين يكتبون الآن في أهم الصحف العربية وبالأخص السفير والحياة من السوريين) .
ومشروعي المستقبلي يتضمن إصدار خمسة كتب تشكيلية قادمة منها كتاب – تأويلات جديدة في الإبداع التشكيلي – وكتاب – المناخ اللوني في اللوحة السورية- وفيه سأتناول أثر العامل الجغرافي في اللون… مثلاً ألوان اللوحة المرسومة في حلب ، تختلف عن ألوان اللوحة المرسومة بالساحل، لأن البيئة والعامل الضوئي له تأثيرات جوهرية على اللون، وهذا ما أوضحه كلود مونيه في كتابه – قانون التباين اللحظي -… كما أن الفنان عندما يرسم من مخزون الذاكرة يترك أثراً بيئويا على اللوحة من خلال استعادته لأجواء اللون المحلي. والآن بدأت خطوات الإعداد لإصدار كتاب تشكيلي جديد يحمل عنوان "تأويلات جديدة في الإبداع التشكيلي" وفيه سأرصد تجارب مجموعة من الفنانين منذ بداياتهم حتى هذه اللحظة، مع الأخذ بعين الاعتبار تحولات ومنعطفات كل تجربة على حدة على الصعيدين التشكيلي والتلويني، مع التركيز على المرحلة الأخيرة الذي توصل إليها. وسأنشر في هذا الكتاب الجديد صور نادرة للفنانين من مرحلة الطفولة إلى اليوم، لكي تكون صفحات كل فنان بمثابة مدخل لكتاب خاص عنه، ويوجد عندي مشروع كتاب مستقبلي يحمل عنوان- سجالات تشكيلية في محترفات سورية – وسوف يتضمن أهم الحوارات التي أجريتها مع كبار الفنانين التشكيليين، ومنهم فاتح المدرس وناظم الجعفري وممتاز البحرة وعمر حمدي واسعد عرابي وخزيمة علواني وممدوح قشلان وغسان السباعي وغيرهم .
والواقع فإن ما نشرته في كتابي – تيارات الحداثة في التشكيل السوري – لا يتجاوز أكثر من 10%من المقالات التي نشرتها في الصحافة المحلية والعربية على مدى أكثر من عشرين عاماً ( نشر لي أكثر من ثلاثة آلاف مقالة نقدية ) في الفن التشكيلي. إضافة إلى الحوارات والمقالات والزوايا المتنوعة.
وهكذا كان حديث الكاتب والناقد أديب مخزوم من القلب والعقل إلى قرائنا، حديث صادق حول واقع النقد والفن التشكيلي في بلدنا، باح لنا بهمومه وتعبه وقلقه… ونتمنى لأديب النجاح في مهمته وكتبه/ نوح