
تأثير جدة على الفنان التشكيلي السوري منذر شرابة. لقاء الفن والجمال
- يناير 23, 2015
- 0
تأثير جدة على الفنان التشكيلي السوري منذر شرابة. لقاء الفن والجمال.
الفنان والناقد التشكيلي. عبد القادر الخليل
واقعية الفن التشكيلي في حلب ظهرت مع أفراد لهم الفضل في نمو الفن التشكيلي السوري عامة وفي حلب خاصة.
تأثير جدة على الفنان التشكيلي السوري منذر شرابة. لقاء الفن والجمال.
الفنان والناقد التشكيلي. عبد القادر الخليل
واقعية الفن التشكيلي في حلب ظهرت مع أفراد لهم الفضل في نمو الفن التشكيلي السوري عامة وفي حلب خاصة. أفراد عشقوا الفن قبل أن تخطوا أقدامهم, ومنحوا أنفسهم في سبيل الفن طيل حياتهم. زمرة هامة من الفن التشكيلي السوري نشأؤوا بعمر متقارب وتآلفوا تحت سقف أكاديمية الفنون الجميلة في حلب في بداية الستينات من القرن الماضي. الأكاديمية الأساسية للفن التشكيلي في حلب, وكانت مزار المتابعين ومركز عشاق الفن والتعليم. جمعت في مرحلة قصيرة زمرة من طلائع الفن السوري بين معلمين و تلامذة حملوا راية الفن السوري. من هذه الطليعة هو الفنان الكبير الأستاذ منذر شرابة. ولد الفنان في عصر الحركة التعبيرية. وهو من الأوفياء لعهده ولبلده. لن يكون حديثنا صادقا إن تحدثتُ عن هذا الفنان بشكل تجريدي. فنان الوفاء والإخلاص للمدينة التي أنجبت الفنان وللمرحلة التي عشقها. حين ولادته في عام 1948 كانت التعبيرية المسيرة الأولى للفن العالمي, وفيها سار الفنان منذر في طيلة مسيرته. أما عن صلته الدائمة بحلب هو متواصل بين ماضيها وحديثها, في أفراحها اليومية وفي حزنها وهمومها, لوحاته بقيت إثباتات فنية دائمة .
الناقد الفرنسي بولديلير Bauldelaire في عام 1846 كان يعاتب الفنانين ويتأسف على ركاكة ماكانوا يجسدون. وكان يقول عن الفنانين أنهم فناني أعراس وليس فناني واقعية, لأنهم كانوا يرسمون الأشكال الفردية وكأنهم في صالات تصوير, مامن مرأة او رجل مشغوف في عمله. فالفنان منذر في هذا المنظر في المقهى الحلبي أعطانا صورة واقعية, وكأنه في معزل عن المسرح الأرضي. هذه الملامح التي كان يشير اليها الناقد الفرنسي. . جاءت اعمال الأستاذ شرابة من مصدرين, الواقعية والحوار التعبيري.
منتصف الأول من قرن العشرين جاء في مولد التعبيرية, والتعبيرية هي لغة الترجمة لكل إحساس نفسي وروحي.
جاءت مظاهرة في صدع التفكك الإجتماعي ومتآلفه مع المشاعر النفسية لدى الفنانين وهى حوار الأنفس مع بعضها.
التعبيرية شاهدت الإضاءة في المانيا وفي النروج وفي فرنسا, الحركة الفرنسية كانت تُعظم الموضوعية قبل الفكرة, بينما التعبير الإسكندنافي كان يعطي التعظيم لقوة الفكرة, وكل هؤلاء كانوا يتغذوا من مشاعر متآلفة مع الرومنسية.
جاءت التعبيرية من الدراما العامة في عالم الواقعية, فيها أشكال إنسانية متعصبة, أشكال مجروحة من المأساة الحضارية والتفكك المرعب. لهذا كانت لغة التحذير. لكن كيف نقول كانت طالما مازلنا نعيش هذه المأساة في بلدنا سورية اليوم؟ . لهذا لم يغادر الفنان شرابة هذا الأسلوب.
عُرف الفنان كوروتCorot بفنان الطبيعة الفرنسية. والفنان كونستبل Constableبشاعر الطبيعة الإنكليزية , لكن قليل من الفنانين العرب عشقوا مناظر بلادهم كي يُطلق عليهم هذا الوسام. من هؤلاء الأقلة هو الفنان شرابة الذي عشق حلب وشوارعها وأبنيتها وأزقتها, والذي حافظ على أسلوبه دون تردد, صنع من التعبيرية والواقعية أسلوبا ذي خصوصية فردية. تآلف مع الفنان فان جوج Van Gogh والفنان مانش Muanch, لكن لو تمعنّا في أعمالهم لوجدنا أن كل فنان جاء بخطته الخاصة, بينما كان فان جوج يعطي الخطوط العامودية والجانبية. كان الفنان مانش يسير في الخطوط المنحنية المتقوسة والمنطعجة, نجد أن الفنان شرابة سار في الخطوط الأفقية. الأستاذ شرابة حافظ على مغزى التعبيرية بألوان شفافة في مرحلتين وإستعمل الألوان الوحشية في مرحلة لم يشعر بها الأخرين. وإنشغال فكر الفنان بغيوم كانت تشير الى العاصفة قبل حدوثها, أيضا أجد هذه الإحساسات الخاصة عاشها بعض الفنانين في حلب, لكن لم ينالوا انتباه المسؤلين. وذلك لعدم تآلف هؤلاء الفنانين مع الوساطة.
كثير من يظن أن الواقعية بعيدة عن الحداثة. ماهي الحداثة لو جاز السؤال, الفنان فان جوج كان متأثراً بالفنان فان راسدايل Van Ruysdael, الفنان هذا كان زعيم المناظر الطبيعية, وكل من يعرف الفن يعرف أن الحداثة والتجديد أتت من ريشة الفنان جوج. ليست الحداثة هي طرح اللون وترك الباقي للحظ والعفوية. لوحات الأستاذ شرابة هي دليل سياحي للمناظر العمرانية في حلب, هكذا كانت أعمال الفنان رينوار عندما كان يذهب لرسمها على الهواء الطلق وأصبحت مزارات سياحية فيما بعد.
الفنان شرابة احتضن الفن بسن مُبكر, ونال الشهرة مع زملائه, لكن حبه لحلب والمحافظة على أسلوب خاص لم يرضى عنه بعض الأخرين, لسوء الحظ كل مغترب عانى هذه المأساة في عودته., ويعاني نوع من الجفاء. أيضا يعاني هذا الجفاء المحافظين والمتابعين للمناظر القومية. شاعر التجريدية لايرغب ان يُشاهد من يرسم أشكال من الوطن. هذه إحساسات ممكن أن تتغير في المستقبل, لكن كانت حملا ثقيل لدى المحافظ المقيم في الوطن ولدى المغترب بأي اسلوب أتى؟ عاش البعض من الفنانين في مأساة دائمة. مازلت احتفظ في تنبيهات أستاذي الكبير الفنان وحيد استنابولي في الأكاديمية في حلب,هو الذ ي كان يُعاني هذه الأمور وكان يُحذرني قبل سفري الى اوربا..
كثيرا ماوقفت أمام لوحات الأستاذ منذر وشعرت الألم في لوحاته , وخاصة في مرحلته قبل السفر إلى جدة. مرحلة هامة لأنها كانت من حياة فنان. حيث لوحاته فقدت السعادة وفقدت الألوان المتقاربة وجائت بالوان حدقة ومتناقضة من الناحية التكميلية, قيل عنه أنه يُحاول التجديد. لكن هذا بعيد عن الواقع, بل فقد الدافع الداخلي في تقديم الجمال, وظهرت على لوحاته فواعل الملل. الفنان لايمل من الرسم, لكن يمل من اشياء أخرى وهكذا كان يشير, التعبيرية حديث الأرواوح وشكوى النفوس. الفنان استخدم الواقعية لإظهار الجمال, وإستخدم التعبيرية لمناقشة شعراء الفن, ومن هاتين المدرستين جاء بإسلوبه الذاتي.
أروع مرحلة للفنان جاءت بعد زيارته للملكة السعودية ولمدينة جدة. في هذه المرحلة عاد الفنان الى السعادة, وعادت الإضاءة الداخلية في كل لوحة, وعاد الأبداع يتظاهر يوم بعد يوم. أحثّ كل فنان تشكيلي على السفر خارج مكان ولادته ولو كان سفره ضمن القطر, منذ القرون القديمة ظهر الفن التشكيلي, لكن إذا فحصنا مسيرة الإبداع لوجدناه أعطى ثمار ناضجة لدى الفنانين الذين تنقلوا في ربوع ماخلق الله تعالى, ولو وقفنا عند الإبداع والشهرة؟ لوجدنا ايضأ ان دافع كل ابداع هو تابع للسفر.
السفر والفن أمران كلاهما متٌمِمين لِبعضهم البعض, هم العشق الدائم. السفر هو تجديد الفاعل البصري وإكتشاف الأشياء الجديدة. والفن هو الكتاب الذي يشرح المشاهد التي تليقُ لحوادث القصة. لولا سفر الفنان فيلاثكيث الى مدريد ثم الى ايطاليا لما عرفنا عنه شيء. وكيف يكون إبداع الفنان جويا لولا أن سافر الى روما, أو لم يعش الغربة في فرنسا؟ وكيف جاء في ألوان الفنان غوغاين وجرءته في استعمال ألوان ساطعة لولا السفر الى تايتي. وهل كنا عرفنا لوحات عباد الشمس دون أن يسافر فان جوخ الى ارليس؟ وماذا كنا عرفنا عن الإضاءة لولا سفر الفنانين رينوار, هنري ماتيس وديلاكغوس الى المغرب. وهل كنا عرفنا عن التكعبية وعظمتها لولا سفر بيكاسو الى باريس, وكيف وجدنا أهمية التعبيريين لولم يسافروا الى الولايات المتحدة. وماذا كنا نعرف عن التجريدية لولا غربة كاندينسكي في المانيا؟ وهكذا حدث لكل فنان هام, الأهمية هو الفنان ومكان الإقامة. الأسفار أعطىت الفن التشكيلي أفكار الإبداع.. , والمملكة العربية السعودية أغنية دائمة, تغنى بها الأدباء والشعراء في الماضي, ويتغنى بهى الفن التشكيلي بكل فخر بصري. جمال المنظر السعودي و روعة البيئة ورؤية الطبيعة جذبت إحساس الفنان المبدع. وإضاءة مدينة جدة الطبيعية والعمرانية شغفت أبصار الفنان شرابة, والمبدع لايحتاج سوى هذا, أبعاد الرؤية البصرية في الخلاء, قوافل الإبل وحادي العيس. الهندسة العمرانية, الأشياء التاريخية أعطت الدفئ للفنان وأظهرت تبرعم في عواطفه وأظهرت ربيع الفنان الحقيقي. ريشتة الغزيرة في اللون, لوحات غازلت العاطفية وداعبت إحساسات خاصة وعامة, وأعطت ثمار ناضجة في مكان اقامته, الوان متناسقة, احينا متناقضة لإظهار الظل والإضاءة, غذت مُتطلبات المهتمين من الناحية الذوقية والروحية.
لوحات الفنان منذر شرابة كانت أسطورة الماضي عن همسات مدينة حلب, واليوم عاد الفنان من جديد, وأقول من جديد شاكرا بهذا مدينة جدة كاملأ, من يُحب الفن لا يُفرق بين أولاده وأولاد الأخرين, ومن يكتب عن الفن لايرغب سوى رؤية الجمال, وتغمره السعادة حين يكون الفنان ابن أُمتّه وابن بلده.
عندما نشاهد الجمال نتمنى أن نكون جميعا فنانين, لوحات تحكي قصصها الخاصة, لكن حديثها الأول هو عن أصالة هذا البلد. ألوان هذه اللوحات هي ألوان الأمل والفرح, ألوان الشجن والمحافظة على العادات. ألوان التكامل الذوقي مع البصري والتعبير عن مستقبل مزدهر.
قال شاعر بني امية. لبيتُ تخفق الرياحُ به احبُ اليٌ من قصر منيف.
ونباح كلب في نجع عربنا احب الي من قط اليفِ
الفنان والناقد التشكيلي. عبد القادر الخليل
abdulkaderalkhalil@gmail.com